دراسات وبحوث

الفصل التعسفي العمالي (2-3)

قراءة تحليلية متأنية لتنظيم المشرع اليمني للعمل

بقلم المحامية / نسمة عبد الحق النجار
تناولنا في الجزء الأول من هذه القراءة بعض الحالات التي يكون فيها الفصل للعامل تعسفياً وفي هذا الجزء نواصل بقية الحالات التي يكون فيها الفصل تعسفياً وما ينتج عنه من ضرر ومعايير تقدير الضرر وجبره وذلك على النحو التالي:

قبل وبعد التعديل

وكانت المادة قبل التعديل تنص في فقرتها الاولى على:
1- يعتبر توقيع العقوبتين المنصوص عليهما في البندين (2)،(1) من المادة ( (93من هذا القانون لا غياً بعد مضي عام من تاريخ توقيعهما ويجوز لصاحب العمل إزالتها من سجل العامل متى تحسن سلوكه فعلياً في نفس العام ).
والملاحظ أن الفرق بين المادة قبل التعديل وبعده، أن المشرع قبل التعديل جعل من إلغاء صاحب العمل لعقوبتي لفت النظر الكتابي والإنذار الكتابي سلطة جوازية وتقديرية لصاحب العمل، بينما نص المشرع للمادة بعد التعديل قد جعل من الغاء العقوبتين السابق بيانهما ملزماً على صاحب العمل، وحسناً ما قام به المشرع اليمني وذلك حتى لا يظل العامل تحت رحمة صاحب العمل، إلا أن تقدير متى تحسن سلوك العامل يكون خاضعاً للسلطة المطلقة لصاحب العمل والذي قد يؤدي إلى تعسفه ، ولكن الأمر ليس بالخطير فللعامل إثبات مدى تحسن سلوكه بكافة طرق الإثبات، في حال عدم إلغاء صاحب العمل العقوبتين من سجله مع تحسن سلوكه .
م/96: ( على صاحب العمل عندما تستوجب جسامة المخالفة تطبيق إحدى العقوبات المنصوص عليها في البندين (3)،( (4من المادة ((93من هذا القانون أن يجري تحقيقاً إدارياً مع العامل ويجوز للعامل طلب حضور ممثل اللجنة النقابية في موقع العمل أو ممثل عن العمال إذا لم تكن هناك لجنة نقابية ).
م/97:(1- على صاحب العمل عند التحقيق في المخالفة اتخاذ ما يلي:
أ- القيام بالتحقيق خلال فترة أقصاها خمسة عشر يوماً من تاريخ اكتشاف المخالفة.
ب- الاستماع الى اقوال العامل ودفاعه عن نفسه والى اقوال شهود النفي الذين يتقدم بهم.
ج- أجراء التحقيق كتابة وتوقيع كافة الأطراف المشاركة فيه.
د-الاستماع إلى أقوال العمال الذين هم على علم بظروف المخالفة وحيثياتها.
ه- إنجاز التحقيق وتطبيق العقوبة عند الإدانة خلال فترة لا تزيد على شهر.
2- للعامل أن يتظلم من نتيجة التحقيق أو ما ترتب عنه إلى لجنة التحكيم المختصة خلال فترة لا تزيد على شهر من تاريخ ابلاغه بنتائج التحقيق).
والملاحظ أن الفقرة السابقة (د) لن تتأتى نتائجها إذا كان المخاصم هو صاحب العمل أو أحد العمال من ذوي المناصب الأعلى عن منصب العامل المتهم بالمخالفة!
وبالرجوع لذات المادة قبل التعديل يتضح لنا أنها لا تختلف عن المادة المعدلة إلا في ترتيب الفقرات وفق خطوات التحقيق المسّلم بها بداهةً ليس أكثر من ذلك.
م/98:(-1 لصاحب العمل أن يوقف العامل شفوياً مدة لا تزيد عن خمسة ايام لأغراض التحقيق ويجوز لصاحب العمل أن يوقف العامل على العمل كتابياً مدة لا تزيد على ثلاثين يوماً إذا طلبت لجنة التحقيق ذلك لما فيه مصلحة العمل أو التحقيق.
2- على صاحب العمل مراعاة ما يلي قبل اتخاذ قرار التوقيف:
أ- لا يعتبر التوقيف عن العمل عقوبة بحق العامل وإنما هو جزاء احتياطي تستوجبه ظروف العمل والتحقيق.
ب- إعادة العامل إلى عمله السابق بعد انقضاء مدة التوقيف في حالة ثبوت براءته صراحةً.
ج- صرف الأجر المتبقي للعامل أو المخصوم منه في حالة البراءة.
3-يكون في حكم التوقيف فترة احتجاز العامل لدى الجهات المختصة في القضايا التي تتصل بالعمل أو تكون بسببه وعلى صاحب العمل الاستمرار في صرف (50%) من أجر العامل حتى يفصل في قضيته.
4- لا يعتبر في حكم التوقيف عن العمل تلك الفترات التي يحتجز خلالها العامل لدى الجهات المختصة لأغراض التحقيق في القضايا التي لا تتعلق بالعمل وفي هذه الحالة لا يستحق العامل أجره المقرر أو جزءاً منه إلا بموافقة صاحب العمل ولا يجوز فصله من الخدمة).
وكانت هذه المادة قبل تعديلها الحالي تقر في الفقرة الأولى على:( لصاحب العمل أن يوقف العامل شفوياً مدة لا تزيد على خمسة أيام لأغراض التحقيق ويجوز لصاحب العمل أن يوقف العامل عن العمل كتابياً مدة لا تزيد على ثلاثين يوماً عندما تستدعي مصلحة العمل أو التحقيق ذلك).
وبمقارنة الفقرة قبل وبعد التعديل يتضح لنا توفق المشرع في التعديل ، حيث إنه جعل لجنة التحقيق هي من تحدد وتقرر مصلحة العمل أو التحقيق من عدمه ، بينما كان قبل التعديل يُفهم من النص أن سلطة تقدير مصلحة العمل أو التحقيق هي لصاحب العمل دون سواه ، ولو أن الأمر من الناحية الواقعية لن يختلف وذلك لأن سلطة رب العمل على لجنة التحقيق ستكون أقوى من العامل المحقق معه والمتهم بارتكاب مخالفة عمالية.
كما إن المادة كانت تقر قبل تعديلها الحالي في فقرتها الثالثة على: ( يكون في حكم التوقيف فترة احتجاز العامل لدى الجهة المختصة في القضايا التي تتصل بالعمل أو تكون بسببه وعلى صاحب العمل الاستمرار في صرف (50%) من أجر العامل حتى يفصل في قضيته شريطة ألا تزيد الفترة على ثلاثة أشهر).

مقارنة:

وبمقارنة المادة قبل وبعد التعديل يتضح لنا إن مسلك المشرع في تعديله بعدم تقييد صرف نصف أجر العامل بمدة معينة لمسلك حسن ، كون فترة احتجاز العامل غير معلومة أو محددة مقدماً ، ولكننا نرى إنه من باب العدل ايضاً أن يلتزم صاحب العمل بصرف أجر العامل كاملاً وليس نصفه كما ذهبت إليه المادة ، كون العامل لم يحتجز نتيجة قضايا شخصية تخصه وكون الأصل البراءة ، بل كان محتجزاً في قضايا تتصل بالعمل أو بسببه ، فما ذنبه حتى يحرم من صرف أجره كاملاً ويترك من كان يعولهم يتذوقون مرارة بُعد عائلهم عنهم وكذلك صعوبات الحياة ومتطلباتها خصوصاً إذا لم يكن له علاقة في قضايا العمل المتصلة أو المحتجز بسببها ؟!، فهو مازال متهماً وليس مداناً حتى يُحرم مما قرر له شرعاً وقانوناً ، وعند الإدانة يعود رب العمل للعامل بما تسّلمه منه دون الحاجة لحكم بذلك، وهذا ما نرى أن تكون عليه المادة لما بررناه سلفاً.
كما كانت ذات المادة في فقرتها الرابعة تنص قبل التعديل على:( لا يعتبر في حكم التوقيف عن العمل تلك الفترات التي يحتجز خلالها العامل لدى الجهات المختصة لأغراض التحقيق في القضايا التي لا تتعلق بالعمل وفي هذه الحالة لا يستحق العامل أجره المقرر أو جزءاً منه إلا بموافقة صاحب العمل ولا يجوز فصله من الخدمة بسبب ذلك إلا إذا حكم عليه بالإدانة).
وبمقارنة الفقرتين قبل وبعد التعديل يتضح لنا ان المشرع قبل التعديل لم يجز لصاحب العمل فصل العامل من الخدمة إلا إذا حكم عليه بالإدانة ، والمعلوم قانوناً ان حكم الادانة لا يكون إلا بعد صدور حكم قضائي بات ولا يخفى على العاملين في المحاكم كم من السنين يتطلب الأمر حتى يصدر حكم بالبراءة أو الإدانة ، ونص الفقرة السابقة بعد التعديل حذف فقط عبارة ( إلا إذا حكم عليه بالإدانة ) ، الأمر الذي يتضح أن المادة قبل وبعد التعديل تحمل نفس المفهوم ، حيث أنها بعد التعديل تنسجم مع العقل والمنطق دون الحاجة إلى نص، فبداهةً إذا صدر حكم بالإدانة ضد العامل ، فإن من حق صاحب العمل فصل العامل حتى وإن جاءت المادة خالية من النص بعدم الجواز بفصل العامل دون إكمال عبارة ( إلا اذا حكم عليه بالإدانة).
وسواءً قبل تعديل الفقرة أو بعدها ، فإننا نرى من باب العدل والعقل والمنطق أن لصاحب العمل فصل العامل بسبب احتجازه بسبب قضاياه الشخصية الخاصة خاصة إذا كانت فترة الاحتجاز طويلة ، فليس من العدل إلزام صاحب العمل بعدم جواز فصل العامل في مثل هذه الحالة ، فما ذنبه حتى يتعطل العمل في منشأته أو حتى بقاء العامل محسوباً عليه دون أن يقدم واجباته نظير حصوله على أجره من قبل صاحب العمل ، وبالتالي لا داعي من إعطاء صاحب العمل سلطة تقديرية جوازية في دفع أجر العامل المقرر او جزءاً منه ، كون العامل محتجزاً بسبب قضايا لا تتعلق بالعمل، وبالتالي لا يقدم خدماته وواجباته تجاه صاحب العمل ، فعلى أي أساس يصرف له صاحب العمل أجره المقرر أو جزءاً منه ، وإن حدث وصرف فإن ذلك أمر يعود له ولإنسانيته دون الحاجة إلى نص القانون الجوازي !!.

التباس في التطبيق وبيان المحكمة العليا:

وهذه المادة قد أثارت التباساً في التطبيق على الواقع العملي القضائي، وهو ما تصدت له المحكمة العليا في الطعن المدني العمالي رقم (33336) الصادر من الدائرة الادارية والمدنية في الجلسة المنعقدة بتاريخ 2008/5/24م لسنة 1429 هـ ، مبينةً التطبيق الصحيح للمادة والذي سيكون ذات التطبيق حتى لو لم ينص عليه القانون وإنما بمقتضى العقل والمنطق، وتخلص الواقعة في أن عاملاً رفع دعوى على شركة كان يعمل بها أمام لجنة التحكيم العمالية مدعياً أن الشركة أوقفته عن عمله منذ سنة وشهرين ، فردت الشركة إن العامل المدعي خلال تلك الفترة كان معتقلاً لدى الجهات الأمنية المختصة بقضية لا تتعلق بالعمل ، وأنه نظراً لاعتقاله وتكرار غيابه قامت بتعيين عامل بدلاً عنه لتصريف العمل ، وقد سارت اللجنة في إجراءات الدعوى وخلصت أن حكمت بإلزام رب العمل بدفع رواتب العامل طيلة فترة احتجازه، فلم تقبل الشركة بذلك الحكم وقدمت طعنها بالاستئناف مؤكدة أنه تم القبض على العامل بقضية لا تتعلق بالعمل ، إلا أن الشعبة أيدت حكم اللجنة العمالية التحكيمية ، ولكن الشركة لم تقنع وقامت بالطعن امام العليا طالبةً نقض الحكم وهو ما حدث بالفعل ، حيث استندت العليا في حكمها على نص المادة (98) من قانون العمل موضحةً في ذات الوقت أن المادة قيدت حصول العامل المعتقل لراتبه بسبب قضية لا تتعلق بالعمل لأمر رهين موافقة رب العمل من عدمه وهو مالم توافق عليه الشركة ، أما فصل الشركة للعامل تعسفياً لذات السبب فإنه يخالف صريح المادة (98) سالفة الذكر ، الأمر الذي يوجب عليها التعويض عن الفصل التعسفي وكذلك راتب شهر بدل اشعار .
وكان الأصل على المحكمة العليا باعتبارها محكمة قانون أن تطبق القانون ، وذلك بأن تبطل تصرف رب العمل لفصله العامل متمرداً على صريح القانون ، ولكن لعلها وجدت في ملف القضية ما جعلها تغض الطرف عن إلزام رب العمل بإعادة العامل و إبطال تصرف فصله وفي ذات الوقت أقرت للعامل تعويضاً عن الفصل التعسفي وكذلك بدل اشعار لعدم اشعار العامل بإنهاء العقد معه.
كما أن الواقع العملي لا يمكن أن ينسجم مع القانون الذي ألزام رب العمل بإعادة العامل الذي تم فصله تعسفياً ، فلا يوجد رب عمل يلزمه أحد حتى لو كان القضاء المطبق للقانون إرجاع العامل للعمل كون فصله كان تعسفاً ، وذلك لأن العلاقة العمالية لن تسلم من المشاكل بين طرفيها وبالتالي لن تتأتى ثمارها ولن يأخذ طرفاها حقوقهما او يقوما بواجباتهما تجاه بعضهم البعض كما رسم ذلك القانون ، ولذلك نجد الحكمة من تشريع القانون للتعويض عن الفصل التعسفي كموازنة بين مصلحة طرفي العلاقة العمالية (العامل باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة ورب العمل باعتباره الطرف القوي ).
والملاحظ أنه لا يجوز فصل العامل إطلاقاً بسبب احتجازه بسبب قضايا لا تتعلق بالعمل كما هو واضح من نص القانون صراحةً، إلا أنه لم ينص على ذلك في حالة احتجاز العامل في قضايا تتعلق بالعمل الأمر الذي يجب من باب أولى عدم جواز فصل العامل اطلاقاً عند احتجازه في قضايا تتعلق بالعمل، وهو ما ذهب إليه الدكتور عبد المؤمن شجاع الدين في تعليقه على حكم المحكمة العليا السابق بيانه وما ينسجم مع العقل والمنطق ونؤيده.

Loading