الإشكالات القانونية المتعلقة بالطعن في الأحكام المستعجلة
نشر هذا البحث في العدد (226) من صحيفة القضائية
المحامي الدكتور هشام قائد الشميري
نظم المشرع اليمني في المادة (244) من قانون المرافعات الطعن في الأحكام المستعجلة، بما نصت عليه من أنه: “إذا صدر الحكم في المسائل المستعجلة من المحكمة الابتدائية أو من القاضي المختص بها تبعاً لدعوى منظورة أمام المحكمة أو على استقلال جاز الطعن فيه بالاستئناف مباشرة خلال ثمانية أيام تبدأ من تاريخ النطق بالحكم وتفصل المحكمة الاستئنافية في الاستئناف خلال ثمانية أيام على الأكثر ولا يكون للاستئناف أثر موقف للتنفيذ”. وبناءً على ذلك فإن المشرع اليمني في المادة (244) مرافعات قد حدد ميعاد استئناف الأحكام المستعجلة بميعاد قصير وهو ثمانية أيام تبدأ من تاريخ النطق بالحكم، أياً كانت المحكمة التي أصدرت الحكم المستعجل سواءً أكان صادراً من قاضي الأمور المستعجلة أو من قاضي الموضوع تبعاً لدعوى موضوعية منظورة أمامه أو من قاضي التنفيذ، وبغض النظر عن قيمة الدعوى أو ما حكم به. ويترتب على تفويت الخصم على نفسه ذلك الميعاد القانوني القصير سقوط حقه في الاستئناف، بحيث يكون استئنافه غير مقبول شكلاً، ويصبح الحكم المستعجل نهائياً.
والملاحظ عدم وضوح تنظيم المشرع اليمني الطعن في الأحكام المستعجلة، فقد جاءت النصوص المنظمة لذلك مشوبةً بالغموض واللبس ومشوبةً أيضاً بالقصور والنقص، وهو ما أدى إلى ظهور الكثير من الإشكالات والصعوبات القانونية والواقعية المتعلقة بجوانب متعددة كانت محل جدل كبير، على وجه الخصوص فيما يتعلق بتحديد مجال إعمال الميعاد القصير المقرر للطعن في الأحكام المستعجلة وسريانه، وفيما يتعلق أيضاً بأثر الاجازة القضائية في وقف ميعاد الطعن في الأحكام المستعجلة الصادرة اثناء الإجازة القضائية، وفيما يتعلق كذلك بقابلية الأحكام المستعجلة للطعن بالنقض والالتماس في ظل سكوت المشرع عن بيان ذلك. ولذلك سوف نتناول تلك الإشكالات والصعوبات القانونية والواقعية المتعلقة بالطعن في الأحكام المستعجلة على النحو الآتي:
أولا: الإشكالات والصعوبات المتعلقة بتحديد مجال إعمال الميعاد القصير المقرر للطعن بالاستئناف في الأحكام المستعجلة وسريانه:
تثور إشكالية حول إمكانية إعمال الميعاد القصير للطعن بالاستئناف في الأحكام المستعجلة المحدد في المادة (244) مرافعات بثمانية أيام من تاريخ النطق بالحكم على الحكم الذي وصف بأنه حكم مستعجل المتضمن التعرض للموضوع والمساس بأصل الحق، فهل يخضع الطعن في ذلك الحكم للميعاد القصير المحدد بثمانية ايام أم يخضع للميعاد العادي الذي تقرره القواعد العامة للطعن؟
إن الميعاد القصير المحدد بثمانية أيام في المادة (244) مرافعات لا ينطبق على الحكم المستعجل المتضمن التعرض للموضوع والمساس بأصل الحق، فإن ميعاد الطعن في هذا الحكم يخضع للقواعد العامة للمدة القانونية المحددة بستين يوماً من تاريخ استلام المحكوم عليه نسخة من الحكم أو إعلانه بنسخة منه إعمالاً لنص المادة (٢٧٥) مرافعات؛ وذلك لأنه يشترط لإعمال الميعاد القصير الوارد في المادة (244) مرافعات أن يكون الحكم صادراً في منازعة مستعجلة حقيقية فإن لم تكن كذلك يكون ميعاد استئناف الحكم الصادر فيها ستين يوماً من تاريخ استلام المحكوم عليه نسخة من الحكم أو إعلانه بنسخة منه طبقاً للقواعد العامة. وبالتالي فإن ميعاد الطعن القصير في الأحكام المستعجلة المحدد في المادة (244) مرافعات بثمانية أيام من تاريخ صدور الحكم يستثنى منه حالة الحكم المستعجل المتضمن التعرض للموضوع والمساس بأصل الحق، فإن ميعاد الطعن في هذا الحكم يخضع للقواعد العامة للمدة القانونية وهي ستون يوماً من تاريخ استلام المحكوم عليه نسخة من الحكم أو إعلانه بنسخة منه وذلك إعمالاً لنص المادة (275) مرافعات، وهذا الاستثناء يستشف من دلالة ومقتضى النص القانوني للمادة (244) مرافعات بدليل ما جاء في صدارته من عبارة (إذا صدر الحكم في المسائل المستعجلة). فإذا اتضح أن الدعوى المطروحة هي دعوى منع تعرض وحكم فيها القاضي على هذا الاعتبار بوصفها دعوى مستعجلة ثم جاء قضاء الحكم متضمناً التعرض للموضوع والمساس بأصل الحق فإن هذا الحكم لا يدخل في عداد الأحكام المستعجلة التي يكون ميعاد استئنافها هو الميعاد القصير بل يدخل في عداد الأحكام الموضوعية التي يكون ميعاد استئنافها هو الميعاد العادي المحدد بستين يوماً من تاريخ استلام المحكوم عليه نسخة من الحكم أو إعلانه بنسخة منه. وفي ذلك قضت المحكمة العليا في حكمها الصادر من الدائرة الشخصية بتاريخ ٢/ ٧/ ١٤٣١ الموافق ١٥/ ٦/ ٢٠١٠م في الطعن الشخصي رقم(٤٣١٤٨) الذي جاء ضمن أسبابه ما نصه: (ومن الاطلاع على ما اشتمل عليه ملف القضية من الحكم الابتدائي وحكم الاستئناف والطعن والرد عليه تبين أن الطاعنة نعت على الحكم الاستئنافي بالبطلان لقبوله استئناف قدم بعد فوات ميعاده معللة أن الحكم الابتدائي يخضع للطعن بالاستئناف وفقاً لنص المادة (٢٤٤) مرافعات وبالرجوع إلى أسباب الحكم الاستئنافي المطعون فيه ظهر أن محكمة الاستئناف تعيب على القاضي المستعجل أنه لم يبحث التظلم بحثاً قانونياً ليكون حكمه مبنياً على أساس من الواقع والقانون وأضافت أن الحكم باعتباره من أحكام القضاء المستعجل فهو من القرارات الوقتية قد تعرض لأصل الحق والمس في موضوعه وهو حضانة الطفلة محل الخلاف الذي سبق عرضه على المحكمة الابتدائية… إلخ، فهذا التعليل صحيح وفي محله وهو عين الصواب وبذلك فإن محكمة الاستئناف قد جعلت مدة الطعن في الحكم بالاستئناف تخضع للقواعد العامة للمدة القانونية وهي ستون يوماً إعمالاً للمادة (٢٧٥) مرافعات…. وحيث إن حكم الاستئناف جاء موافقاً في نتيجته للشرع والقانون لما علل به واستند إليه…..).
وتثور أيضاً إشكالية حول إمكانية إعمال الميعاد القصير المقرر للطعن بالاستئناف في الأحكام المستعجلة المحدد في المادة (244) مرافعات بثمانية أيام من تاريخ النطق بالحكم على الحكم المستعجل الصادر في غياب المحكوم عليه ودون علمه به، فهل يحتسب ذلك الميعاد القصير للطعن بالاستئناف من تاريخ النطق بالحكم أم يحتسب من تاريخ تسليمه نسخة من الحكم أو علمه به؟
إن المشرع في المادة (244) مرافعات عندما قرر احتساب ميعاد الطعن بالاستئناف في الحكم المستعجل المحدد بثمانية أيام من تاريخ النطق بالحكم قد افترض علم المحكوم عليه بالحكم المستعجل، ولذلك فإن إعمال ما قرره المشرع في المادة (244) مرافعات من احتساب ميعاد الطعن بالاستئناف في الحكم المستعجل من تاريخ النطق بالحكم مشروط بصدور الحكم المستعجل في حضور المحكوم عليه أو علمه بما قضى به الحكم المستعجل في حقه، وبالتالي لا مجال لإعمال ذلك الحكم في حالة ما إذا صدر الحكم المستعجل في غياب المحكوم عليه ودون علمه به فإن احتساب ميعاد الطعن في هذه الحالة يبدأ من تاريخ استلام المحكوم عليه نسخة من الحكم أو من تاريخ علمه بما قضى به الحكم المستعجل في حقه. وبالتالي فإن ما قررته المادة (244) مرافعات من سريان ميعاد الطعن القصير المحدد بثمانية أيام من تاريخ صدور الحكم المستعجل يستثنى منه حالة الحكم المستعجل الصادر في غياب المحكوم عليه ودون علمه به، فإن ميعاد الطعن فيه المحدد بثمانية أيام يحتسب من تاريخ إعلان الخصم بالحكم أو علمه به. وفي ذلك قضت المحكمة العليا في حكمها الصادر من الدائرة المدنية بتاريخ 12/ 4/ 2018م في الطعن رقم(59605) بما ورد ضمن أسبابه ما نصه: (والدائرة تجد أن نعي الطاعن غير سديد، فبالرجوع إلى المادة (244) مرافعات نجد أنها تنص على أنه…فمقتضى هذه المادة أن مدة الأيام الثمانية لاستئناف الحكم الابتدائي الصادر في القضايا المستعجلة تبدأ من تاريخ النطق بالحكم إذا ما صدر في مواجهة صاحب الشأن لأن مدة الأيام الثمانية المحددة قانوناً هي مدة سقوط، فلا يمكن تقريرها إلا بالنسبة لمن كان حاضراً وقت النطق بالحكم وعلم به، أما من كان غائباً فلا تسري مدة السقوط في حقه إلا من تاريخ تسلمه لنسخة رسمية من الحكم أو من تاريخ علمه بما قضى به الحكم المستعجل في حقه).
كما تثور إشكالية حول إمكانية استئناف الحكم المستعجل الذي فوت ميعاد الطعن فيه مع استئناف الحكم الموضوعي، فإذا فوت الخصم على نفسه ميعاد الطعن بالاستئناف في الحكم المستعجل الصادر من قاضي الموضوع تبعاً لدعوى منظورة أمامه وبعد ذلك صدر حكم في الموضوع فهل استئناف الحكم الموضوعي يستتبع استئناف الحكم المستعجل؟
إن ما قرره المشرع في المادة (244) مرافعات من قابلية الأحكام المستعجلة الصادرة من قاضي الموضوع للطعن بالاستئناف استقلالاً يعد استثناءً من القاعدة العامة المقررة في المادة (274) مرافعات عدم جواز الطعن استقلالاً في الأحكام غير المنهية للخصومة الصادرة أثناء سير الخصوم قبل الحكم المنهي لها، وبالتالي إذا فوت الخصم على نفسه ميعاد الطعن بالاستئناف المحدد بخمسة عشر يوماً وبعد ذلك صدر حكم الموضوع وكان قابلاً للاستئناف فإن استئناف الحكم الموضوعي لا يستتبع استئناف الحكم المستعجل؛ وذلك لأن الأحكام الصادرة في الدعاوى المستعجلة لها كيانها الخاص الذي تستقل به فلا يصح تعليق الطعن فيها على الحكم الموضوعي.
ثانياً: الإشكالات والصعوبات المتعلقة بإمكانية إعمال أثر الإجازة القضائية في وقف ميعاد الطعن في الأحكام المستعجلة الصادرة خلالها:
إذا كان الأصل وفقاً لنص المادة (١١١) من قانون المرافعات أن الإجازة القضائية توقف ميعاد الطعن في الأحكام، فإنه يثور التساؤل حول أثر الإجازة القضائية في وقف ميعاد الطعن في الأحكام المستعجلة الصادرة خلالها هل توقف ميعاد الطعن فيها أم لا؟
إن ما تقرره القواعد العامة في المادة (١١١) مرافعات من أن الإجازة القضائية توقف ميعاد الطعن في الأحكام لا ينطبق على الأحكام المستعجلة التي تصدر اثناء الإجازة القضائية، فالإجازة القضائية لا توقف ميعاد الطعن في الحكم المستعجل الصادر اثناء الإجازة القضائية، بحيث تحتسب أيام الإجازة القضائية من ضمن ميعاد الطعن في الاحكام المستعجلة الصادرة اثناء الإجازة القضائية؛ وذلك لأن القول بأن الإجازة القضائية توقف ميعاد الطعن في الحكم المستعجل الصادر خلالها يتنافى مع فكرة تخصيص قضاة وشعب مناوبة للعمل والفصل في المسائل المستعجلة أثناء الإجازة القضائية. وفي ذلك قضت المحكمة العليا في حكمها الصادر من الدائرة المدنية بتاريخ 4/ 4/ 2018م في الطعن المدني رقم (59404) الذي جاء ضمن أسبابه ما نصه: (الإجازة القضائية لا توقف ميعاد الطعن في الأحكام المستعجلة الصادرة اثناء الإجازة القضائية، بحيث تحتسب أيام الإجازة القضائية من ضمن ميعاد الطعن في تلك الاحكام، لأن القول بأن الإجازة القضائية توقف ميعاد الطعن في الحكم المستعجل الصادر خلالها يتنافى مع فكرة تخصيص قضاة وشعب مناوبة للعمل والفصل في المسائل المستعجلة أثناء الإجازة القضائية، فالحكم المستعجل قد صدر أصلاً في الإجازة القضائية على سبيل الاستثناء، لأن الأصل أن يتوقف القضاة عن العمل اثناء الإجازة القضائية وأن الإجازة القضائية توقف مواعيد الطعون إلا انه يستثنى من ذلك الأحكام الصادرة في الإجازة القضائية ذاتها).
ثالثاً: الإشكالات والصعوبات المتعلقة بإغفال المشرع بيان قابلية الأحكام المستعجلة للطعن بالنقض والالتماس:
لم يبين المشرع اليمني مدى امكانية الطعن في الحكم المستعجل بالنقض أمام المحكمة العليا، واكتفى بما نص عليه في المادة (244) مرافعات من جواز الطعن في الحكم المستعجل أمام محكمة الاستئناف خلال ثمانية أيام من تاريخ النطق به، وهو ما يثور معه التساؤل حول جواز الطعن بالنقض في حكم محكمة الاستئناف الصادر بشأن استئناف الحكم المستعجل، فهل سكوت المشرع عن بيان ذلك يفهم منه عدم جواز الطعن بالنقض في ذلك الحكم أمام المحكمة العليا، أم انه يجوز الطعن فيه بالنقض إعمالاً للقواعد العامة؟
ذهب جانب من الفقه إلى عدم جواز الطعن بالنقض في الأحكام المستعجلة؛ وحجتهم في ذلك أن سكوت المشرع عن بيان مدى جواز الطعن بالنقض في ذلك الحكم يفهم منه عدم جوازه، كما أن هذه الأحكام مؤقتة تصدر في مسائل تحفظية ويجوز للمتضرر منها أن يطلب تعديلها أو إلغاءها من نفس القاضي المستعجل عند حصول تغيير في وقائع الدعوى المادية أو في مركز أحد الطرفين القانوني أو كليهما أو أن يلجأ إلى قاضي الموضوع للفصل في أصل الحق.
بينما ذهب جانب آخر من الفقه إلى جواز الطعن بالنقض في الأحكام المستعجلة أسوة بالأحكام العادية استناداً إلى أن الأحكام المستعجلة وإن كانت وقتية إلا أنها تفصل في نزاع بصفة مؤقتة وبالإجراءات التي نص عليها القانون وله أسبابه، وقد استقر الرأي الثابت على أن نصوص قوانين المرافعات تسري على الأحكام الموضوعية والمستعجلة على حد سواء ما لم يرد استثناء صريح ولما كانت نصوص الطعن بالنقض لم تستثن من أحكامها الأحكام المستعجلة فإن قواعد الطعن بالنقض تسري عليها هذا فضلاً عن أن هناك أحكاماً في حالات معينة لا يمكن إصلاح الخطأ فيها إلا بطريق النقض أو التماس إعادة النظر.
وبدورنا نؤيد الرأي الأخير الذي ذهب إلى القول بجواز الطعن بالنقض في الأحكام المستعجلة أي في جواز الطعن بالنقض في حكم محكمة الاستئناف الصادر بشأن استئناف الحكم المستعجل؛ وذلك لأن المشرع في المادة (244) مرافعات نص على جواز الطعن بالاستئناف في الأحكام المستعجلة خلال ثمانية ايام وسكت فلم ينص بالمنع من الطعن بالنقض في نص المادة المذكورة، ومن ثم فإنه يجوز الطعن بالنقض في أحكام الاستئناف المستعجلة أمام المحكمة العليا عملاً بأحكام المادة (292) مرافعات التي تقرر جواز الطعن بالنقض في الاحكام الصادرة من محاكم الاستئناف، لأن نصوص الطعن بالنقض في قانون المرافعات لم تستثن الأحكام المستعجلة بل تسري على الأحكام الموضوعية والمستعجلة على حد سواء، وهو ما جرى عليه قضاء المحكمة العليا. هذا فضلاً عن أن هناك أحكاماً في حالات معينة لا يمكن إصلاح الخطأ فيها إلا بطريق النقض أو التماس إعادة النظر، كما أن الرأي الذي ذهب إلى القول بأن الطعن بالنقض قاصراً على الأحكام الصادرة في الموضوع لا سند له في القانون.
وعلى ذلك يجوز للخصم الطعن بالنقض في الأحكام المستعجلة الصادرة من محاكم الاستئناف إذا توافرت حالة من الحالات الطعن بالنقض المنصوص عليها في المادة (292) مرافعات، وذلك في حالة ما إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو في تأويله، أو إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم، أو كان منطوق الحكم مناقضاً بعضه البعض، أو إذا حُكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه، أو إذا فصل في نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي. ونرى أن مدة الطعن بالنقض في الأحكام المستعجلة ثمانية أيام من تاريخ صدور الحكم المستعجل؛ وذلك لأن القول بإعمال مدة الطعن المقررة للأحكام الموضوعية الستين يوماً يتنافى مع ما يقتضيه القضاء المستعجل من السرعة في منح الحماية المؤقتة العاجلة دون تأخير.
كما تثور إشكالية حول إمكانية الطعن في الحكم المستعجل بالتماس إعادة النظر، وقد اختلف الفقه بشأن قابلية الأحكام المستعجلة للطعن فيها بطريق الالتماس وذلك إلى رأيين:
ذهب جانب من الفقه الاجرائي إلى عدم جواز الطعن في الحكم المستعجل بالتماس إعادة النظر، وحجتهم في ذلك أن الالتماس لا يكون إلا في الأحكام النهائية الفاصلة في أصل النزاع بخلاف الأحكام المستعجلة لها حجية مؤقتة وأثرها لا يتعلق بالموضوع ويجوز تصحيح آثارها أو التخلص منها إذا تغيرت الظروف حيث يجوز للخصم المتضرر منها أن يطلب تعديلها أو إلغاءها من نفس القاضي المستعجل عند حصول تغيير في وقائع الدعوى المادية أو في مركز أحد الطرفين القانوني أو كليهما أو أن يلتجئ إلى قاضي الموضوع للفصل في أصل الحق لذلك لا حاجة لطلب إعادة النظر بصددها، كما أن الطعن بطريق التماس إعادة النظر لا يجوز إلا عند عدم وجود طرق أخرى للطعن في الأحكام الأمر المنطبق فقط على الأحكام الموضوعية.
وذهب جانب آخر من الفقه الاجرائي إلى جواز الطعن بالتماس إعادة النظر في الأحكام المستعجلة أسوة بالأحكام العادية استناداً للقواعد العامة للطعن بالالتماس التي لم تستثن من أحكامها الأحكام المستعجلة والتي تسري على الأحكام الموضوعية والمستعجلة على حد سواء ما لم يرد استثناء صريح، كما أن الأحكام المستعجلة وإن كانت وقتية إلا أنها تفصل في نزاع بصفة مؤقتة وبالإجراءات التي نص عليها القانون وله أسبابه.
وبدورنا نؤيد الرأي الأخير الذي ذهب إلى جواز الطعن في الأحكام المستعجلة بطريق التماس إعادة النظر؛ وذلك لأن الطعن بالتماس إعادة النظر يرد على الأحكام النهائية سواء أكانت مستعجلة أم موضوعية، كون القواعد العامة للطعن بالالتماس تسري على الأحكام الموضوعية والمستعجلة على حد سواء، فلا يجوز أن يحجب على الخصم حق مقرر بنصوص قانونية دونما سند من القانون، كما أن القول بأن الحماية التي تضفيها الأحكام المستعجلة حماية وقتية لحين الفصل في النزاع الموضوعي قول محل نظر لأن الفصل في الالتماس بحسبانه طعناً على حكم مستعجل يستتبع فيه إجراءات القضاء المستعجل وستقيد فيه المحكمة بما تتقيد به من قيود في الدعوى المستعجلة ومنها عدم المساس بأصل الحق وتوافر الاستعجال.
وأخيراً نرى أنه لكي يحقق نظام القضاء المستعجل الغاية المتوخاة منه– وهي تحقيق العدالة للأفراد بالفصل في الحقوق ذات الخطر المحدق بصورة سريعة– فإنه يجب أن يضع المشرع نصوصاً خاصة بقواعد وإجراءات القضاء المستعجل كنظام خاص مستقل عن القضاء العادي حتى نستطيع تحقيق هذه العدالة فعلاً، فالقصور ليس في التطبيقات القضائية وإنما في النصوص القانونية التي لا تتمتع بالتكامل والشمول وبالتالي يفتقر الحكم القضائي في هذا الشأن للعدالة.