كتابات

لمحة عن القانون رقم (1) لسنة 2018م بشأن مكافحة جرائم الاتجار بالبشر

 

القاضي/ محمد شرف الوريث

إن جرائم الاتجار بالبشر لازالت واقعاً معاشاً وتحدياً لكثير من البشر والدول على الصعيد الإقليمي والدولي ، حيث ظهرت في الوقت الراهن أنماط وأفعال شتى تمثل صوراً لجرائم الاتجار بالبشر، وإن جرائم الاتجار بالبشر بمختلف صورها وأشكالها المتجددة باتت إحدى الظواهر الإجرامية الخطيرة التي تنتهك بشكل صارخ حقوق الإنسان التي تحرص مختلف الدول على حمايتها وصيانتها، ويُعتبر الاتجار بالبشر ممارسة إجرامية تتنافى مع القيم الإنسانية والدينية المستقرة لما تمثله من امتهان لكرامة الإنسان الذي كرمه الخالق سبحانه وتعالى وانتهاكاً لحقوقه الأساسية في الحياة والكرامة والأمن والحرية وتمثل النساء والأطفال الفئات الأكثر تضرراً من هذه الجرائم، وقد تطورت هذه الظاهرة من الناحية المكانية ومن الناحية الكمية حيث صارت تشرف على القيام بها عصابات إجرامية منظمة عابرة للحدود حيث تأخذ أعدادا كبيرة من البشر إما بطرق التغرير والتضليل تارة أو بالقوة والإكراه تارة أخرى ويكون ذلك عن طريق نقلهم بصورة مشروعة أو غير مشروعة من دولة إلى دولة أخرى بغرض استغلالهم والمتاجرة بهم وبأعضائهم.

لذلك فإن القيام بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر أصبح من ضمن اهتمامات وأولويات الدول والمنظمات الإقليمية والدولية انطلاقا من إدراكها للخطورة المتزايدة لهذه الجرائم، كما أن طبيعة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها العديد من البلدان وتنامي وتيرة الاهتمام الدولي بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر وتزايد الصور والأنماط المختلفة لهذه الجريمة جعل كثيراً من الدول تقوم بالعمل على تطوير سياساتها وأنظمتها التشريعية والقانونية في مواجهة ومكافحة جرائم الاتجار بالبشر خاصة وأن اختلاف النظم القانونية واختلاف نماذج وصور التجريم قد يشكل ثغرات قانونية تستغلها العصابات الإجرامية المنظمة للنفاذ إلى البلدان وممارسة مختلف الأفعال الإجرامية المتعلقة بالاتجار بالبشر.

لذلك فإن بلادنا قد بذلت جهوداً كبيرة وحقيقية في سبيل مكافحة ومواجهة جرائم الاتجار بالبشر والتي تكللت أخيراً بصدور القانون رقم (1) لسنة 2018م بشأن مكافحة جرائم الاتجار بالبشر الذي أصدره فخامة الرئيس الشهيد/ صالح الصماد سلام الله عليه.

ويحتوي القانون اليمني لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر على (45) مادة موزعة على سبعة فصول حيث تناول الفصل الأول على التسمية والتعاريف واحتوى الفصل الثاني على الأهداف والأحكام العامة بينما تضمن الفصل الثالث على بيان للجرائم والعقوبات وتناول الفصل الرابع مسؤلية الناقلين والأشخاص الاعتبارية ونظمت مواد الفصل الخامس نطاق سريان القانون مكانياً واختصاص القضاء اليمني والتعاون الدولي وبينت نصوص الفصل السادس الإجراءات اللازمة لحماية ضحايا الاتجار بالبشر وكفالة حقوقهم وأخيرا جاء الفصل السابع من القانون بالأحكام الختامية.

إن القانون اليمني لمكافحة الاتجار بالبشر المشار إليه يعتبر منظومة واحدة لا تتناول فقط تجريم الصور والأشكال الحديثة والمختلفة لجرائم الاتجار بالبشر بل يعمل على مكافحة انتشار هذه الجرائم والحد منها والمعاقبة على ارتكابها بنصوص رادعة وأيضاً يضمن هذا القانون توفير الحماية القانونية لضحايا جرائم الاتجار بالبشر وكفالة حقوقهم بما يتفق مع التشريعات الدولية ومبادئ الشريعة الإسلامية.

وبشكل عام فإن القانون رقم (1) لسنة 2018م بشأن مكافحة جرائم الاتجار بالبشر يهدف إلى تحقيق الأهداف العامة الآتية:

أولا:  منع ومكافحة الاتجار بالبشر بكافة صوره وأشكاله.

ثانياً: حماية ضحايا الاتجار بالبشر ومساعدتهم وتقديم الرعاية اللازمة لهم واحترام حقوقهم وكرامتهم الإنسانية.

ثالثاُ: تثقيف وتوعية المجتمع بمخاطر الاتجار بالبشر بما يسهم في مكافحة ظاهرة الاتجار والوقاية منها.

رابعاً: تعزيز وتنسيق مجالات التعاون الوطني والدولي بشأن منع ومكافحة الاتجار بالبشر.

إن جريمة الاتجار بالبشر وفقاً للمفهوم القانوني تتكون من ثلاثة عناصر رئيسية وهي:

أولا : الفعل:

ويتمثل في السلوك الإجرامي بأنماطه المختلفة والذي يكون في صورة القيام بتطويع أو نقل أو تنقيل أو إيواء أو تسلم أو تسليم أو استقبال شخص أو أكثر.

ثانياً: الوسيلة المستخدمة:

والتي تساعد على تحقيق الفعل بواسطة استعمال القوة أو التهديد أو بهما، أو بواسطة القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو إساءة استعمال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة ، أو الوعد بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول علي موافقة شخص على الاتجار بشخص آخر له سيطرة عليه وغيرها من الوسائل ، وتختلف الوسيلة المستخدمة في جريمة الاتجار بالبشر من جريمة إلى أخرى فقد تتم عن طريق الضغط على إرادة واختيار الضحية بالإكراه المادي أو الحسي أو الاختطاف أو بالضغط على الإرادة بالوسائل الأخرى كالتهديد أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة ضعف الضحية وحاجتها أو الوعد لمنح ميزة أو عطية أو مبالغ نقدية.

ثالثاً : الاستغلال:

وهو النتيجة للفعل الإجرامي والوسائل المستخدمة له ويتمثل في قصد استغلال الضحية سواء أكان ذلك لصالح شخص المستغل أو لصالح الغير بهدف تحقيق أرباح مالية ومادية، ويتمثل الهدف وهو الاستغلال في جريمة الاتجار بالبشر في صور وأنماط مختلفة منها الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو التسول أو الزواج القسري وأي صورة أخرى من صور الاستغلال المجرمة قانوناً.

وفي إطار الرؤية الوطنية ومواكبة الجهود في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر أقامت وزارة العدل مؤخراً بديوان عام الوزارة الندوة التعريفية التي تركزت على التعريف بالقانون رقم (1) لسنة 2018م بشأن مكافحة جرائم الاتجار بالبشر وتم خلال هذه الندوة اطلاع المشاركين من القضاة ورؤساء المحاكم ووكلاء وأعضاء النيابة العامة على مختلف محاور هذا القانون ومفهوم جرائم الاتجار بالبشر بما يمكن الجهات القضائية المختصة بإنفاذ القانون من مواجهة الأنماط والصور المختلفة لتلك الجرائم والقيام بتكييف القضايا والفصل فيها وتوفير الحماية والمساعدة اللازمة لضحايا تلك الجرائم وفقاً  للقانون النافذ.

وقد انتهت هذه الندوة بالخروج بعدد من التوصيات المقترحة من قبل المشاركين والتي كان من أهمها:

  • حث الوزارات المعنية على سرعة التوقيع على اللائحة التنفيذية للقانون ورفع اللائحة لدولة الأخ رئيس مجلس الوزراء للموافقة عليها وإصدارها.
  • تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر وتعيين أعضائها طبقا لما نصت عليه اللائحة التنفيذية للقانون لتتولى القيام بمباشر المهام والاختصاصات المنوطة بها وقيامها بالتنسيق بين كافة الجهات المعنية في سبيل تفعيل وتطبيق قانون مكافحة جرائم الاتجار بالبشر وتوفير الحماية القانونية للضحايا.
  • العمل على إنشاء شبكة معلومات خاصة بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر ترتبط بها كل من وزارة العدل والنيابة العامة ووزارة حقوق الإنسان ووزارة الداخلية ووزارة الشؤن الاجتماعية والعمل.
  • تنسيق الجهود بين الجهات ذات العلاقة للقيام بإعداد وإصدار إستراتيجية وطنية متكاملة لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر.
  • العمل على إنشاء وإقامة مراكز إيواء خاصة لضحايا الاتجار بالبشر في مراكز المحافظات والمدن الرئيسية.
  • إقامة ورش عمل متخصصة تهدف إلى تدريب وتأهيل المعنيين والمختصين في كافة الجهات ذات العلاقة بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر.
  • التوعية الإعلامية من خلال النشر في الوسائل المختلفة المسموعة والمقروءة والمرئية للتعريف بمخاطر جرائم الاتجار بالبشر على مستوى الفرد والمجتمع والتعريف بالعقوبات الرادعة لمرتكبيها وضمان حقوق ضحايا هذه الجرائم.

 

 

 

Loading