كتابات

مدى سلطة محاكم الدولة في الفصل بالمنازعات المتعلقة باختصاص لجنة التحكيم

المحامي الدكتور/ هشام قائد عبد السلام الشميري:

إذا كان المشرع اليمني في المادة (28) من قانون التحكيم قد أسند لهيئة التحكيم الاختصاص بالفصل في كافة الدفوع المتعلقة باختصاصها بما فيها الدفع بعدم وجود اتفاق التحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله موضوع النزاع، فهل هذا يعني سلب ولاية قضاء الدولة عن نظر هذه المنازعات أم أنه يظل للقضاء ولاية في الفصل فيها إلى جانب هيئة التحكيم؟

ذهب الفقه الغالب إلى أن اختصاص المحكم بالفصل في اختصاصه لا يمنع القضاء من النظر في المنازعات المتعلقة باختصاص المحكم عند رفع دعوى أصلية أمام القضاء ببطلان اتفاق التحكيم أو عند رفع النزاع إليه والدفع أمامه بوجود اتفاق تحكيم بشأن المنازعات المعروضة عليه؛ ويرجع ذلك إلى أن اختصاص المحكم بالفصل في الدفوع المتعلقة باختصاصه من قبل الاستثناء على الاستثناء، والاستثناء على الإستثناء عودة إلى الأصل العام، وهو اختصاص القضاء صاحب الولاية العامة.

بينما ذهب بعض الفقه إلى أن ظاهر نص المادة (22/1) تحكيم مصري يقابلها م(28) تحكيم يمني يوحي بأنه لم يعد بمقدور القضاء الفصل في مسألة صحة اتفاق التحكيم أو عدم شموله لموضوع النزاع ما لم تكن الدعوى قد رفعت قبل تشكيل هيئة التحكيم وطرح النزاع عليها، وهذا لا يخل بالرقابة القضائية اللاحقة على اختصاص المحكم عند نظر دعوى البطلان أو عند طلب رفض الأمر بتنفيذ حكم التحكيم لصدوره من هيئة تحكيم غير مختصة.

في حين ذهب جانب أخر من الفقه إلى ضرورة التفرقة بشأن ذلك بحسب ما إذا كانت هيئة التحكيم قد تشكلت أم لا وقت رفع الدعوى أمام القضاء، فإذا كانت هيئة التحكيم قد تشكلت لا يجوز إثارة مسألة صحة اتفاق التحكيم إلا أمام هيئة التحكيم فلا يجوز الدفع ببطلان اتفاق التحكيم أمام المحكمة المرفوع أمامها الدعوى، أما إذا كانت هيئة التحكيم لم تشكل بعد وقت رفع الدعوى أمام القضاء فإنه يجوز التمسك ببطلان اتفاق التحكيم أمام المحكمة المرفوع أمامها الدعوى.

وبدورنا نؤيد الرأي الأول؛ وذلك لأن اختصاص المحكم بالفصل في الدفوع المتعلقة باختصاصه من قبل الاستثناء على الاستثناء، والاستثناء على الاستثناء عودة إلى الأصل العام وهو اختصاص القضاء صاحب الولاية العامة، كما أن تحقق القضاء من صحة اتفاق التحكيم هو فصل في اختصاص القضاء ذاته يوفر على الأطراف مشقة اللجوء إلى تحكيم سيبطل لاحقاً.

وعلى ذلك فإنه يكون للقضاء سلطة الفصل في المنازعات المتعلقة باختصاص المحكم عند رفع دعوى أصلية أمام القضاء ببطلان إتفاق التحكيم أو عند رفع النزاع إليه والدفع أمامه بوجود اتفاق تحكيم بشأن المنازعات المعروضة عليه. ويؤدي رفع دعوى أصلية ببطلان اتفاق التحكيم أمام القضاء إلى منع هيئة التحكيم من نظر مسألة صحة أو بطلان اتفاق التحكيم. غير أنه إذا صدر حكم من القضاء ببطلان اتفاق التحكيم فإنه يحوز حجية الأمر المقضي أمام هيئة التحكيم، ويمنع هيئة التحكيم من نظر مسألة صحة أو بطلان اتفاق التحكيم.

وإذا قام أحد الأطراف برفع دعوى أمام القضاء وتمسك الطرف الأخر بوجود اتفاق تحكيم بشأن المنازعة محل الدعوى، فإنه يجوز لرافع الدعوى التمسك ببطلان اتفاق التحكيم أو سقوطه أو انقضاءه باعتبار أن سلطة المحكمة في الحكم بقبول أو رفض الدفع تتوقف على مدى وجود إتفاق تحكيم وصحته وشموله للنزاع من عدمه، وفي هذا الشأن لا تملك المحكمة التصدي لبطلان اتفاق التحكيم من تلقاء نفسها مالم يكن إتفاق التحكيم باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام، وعندها تقتصر سلطة المحكمة على الحكم برفض الدفع والاستمرار في نظر الدعوى دون الحكم بصحة الاتفاق أو بطلانه، حيث أن سلطة المحكمة في هذه الحالة تعد سلطة بحث في مدى صحة أو عدم صحة اتفاق التحكيم وليس سلطة حكم، فليس لها ولاية القضاء ببطلان أو صحة اتفاق التحكيم، وإنما تقتصر سلطتها على البحث في صحة أو بطلان اتفاق التحكيم للنظر في موضوع الدفع بوجود اتفاق تحكيم بشان المنازعة موضوع الدعوى الأصلية، فإذا تبين لها بطلان اتفاق التحكيم أو سقوطه أو انقضاءه تقرر رفض الدفع بوجود اتفاق تحكيم والاستمرار في نظر موضوع الدعوى الأصلية دون أن تحكم ببطلان اتفاق التحكيم أو سقوطه أو انقضاءه، أما إذا تبين لها صحة اتفاق التحكيم وشموله للمنازعة موضوع الدعوى الاصلية فإنها تقرر قبول الدفع بوجود اتفاق تحكيم دون الحكم بصحة الاتفاق أو بطلانه.

Loading