كتابات

جواز تحكيم الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب

المحامي الدكتور/ هشام قائد عبد السلام الشميري

اشترط المشرع اليمني في المادة (17) من قانون التحكيم لصحة اتفاق التحكيم تعيين المحكمين في اتفاق التحكيم، وهذا التعيين يتحقق بتعيين المحكمين بأشخاصهم أو صفاتهم، ويتحقق أيضاً بتحديد طريقة وكيفية التعيين.

فالأصل في التحكيم حق الأطراف في اختيار هيئة التحكيم وكيفية ووقت اختيارها، فإذا لم يتفقوا على اختيار هيئة التحكيم وفق الطريقة والكيفية المحددة في اتفاق التحكيم تتولى المحكمة المختصة اختيار المحكمين بناءً على طلب أحد الأطراف يقدم وفقاً للإجراءات المعتادة لرفع الدعوى مادة (22) تحكيم.

ويتطلب أن تراعي المحكمة في المحكم الذي تختاره الشروط التي يتطلبها القانون والشروط التي اتفق عليها الأطراف، كما يتعين مراعاة الالتزام باتفاق الطرفين ونصوص القانون عند استبدال من توفي أو رد أو تنحى من أعضاء لجنة التحكيم.

وقد اشترط المشرع في المحكم توافر شروط معينة، وهي أن يكون المحكم كامل الأهلية فلا يجوز أن يكون المحكم فاقد الأهلية أو محجورا عليه أو محروما من حقوقه المدنية، وإن يكون المحكم عدلا صالحاً للحكم فيما حكم فيه فلا يجوز أن يكون المحكم غير صالحا للحكم فيما حكم فيه م (6، 20) تحكيم، وأن يكون المحكم محايداً فلا يجوز أن يكون خصماً وحكماً في آن واحد ولا يجوز أن يكون محكماً من كانت له مصلحة مباشرة في النزاع المطروح، وكذا قبول المحكّم للمهمة الموكلة إليه كتابةً مادة (20) تحكيم.

ولم يشترط المشرع اليمني في المحكم كفاءة علمية معينة بنص صريح في قانون التحكيم، بل ولم يشترط في المحكم أن يجيد القراءة والكتابة، وإن كان عمل المحكم يشابه عمل القاضي من حيث قيام المحكم بالفصل في النزاع بحكم منه، إلا أن التحكيم له خصوصيته التي تميزه عن قضاء الدولة الذي يباشره القاضي بصفة مستمرة، وحيال ذلك يثور التساؤل حول جواز تحكيم الأمي الذي يجهل القراءة والكتابة، فهل القراءة والكتابة شرط لازم في المحكم؟

اختلف الفقه حول جواز تحكيم من يجهل القراءة والكتابة وذلك إلى اتجاهين هما:

الاتجاه الأول: هناك من لا يشترط في المحكم كفاءة علمية معينة ويرى جواز تحكيم الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب وذلك لعدم نص المشرع على ذلك، كما أنه يمكن للمحكم الاستعانة بغيره في الكتابة ويوقع بالبصمة أو بختم لأن أساس اختياره يرجع للثقة، ومن الناحية العملية فالأطراف أحرار في اختيارهم.

الاتجاه الثاني: هناك من يشترط في المحكم كفاءة علمية معينة ويرى عدم جواز تحكيم الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وذلك على أساس أنه يطلع على المستندات ويكتب حكمه ويوقعه، وأن عدم نص المشرع على ذلك يرجع لكونه شرطاً بديهياً، كما أن أساس اختيار المحكم يرجع للخبرة والثقة.

وبدورنا نؤيد الاتجاه الثاني الذي ذهب إلى ضرورة أن يتوافر لدى المحكم قدر من الكفاءة العلمية وعدم جواز تحكيم الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وسندنا في ذلك الآتي:

١- إن شرط الكتابة والقراءة في المحكم يستفاد بطريق الالزام من دلالة إشارة نص المادة (6) من قانون التحكيم التي نصت على أنه (يشترط لصحة التحكيم ما يأتي: ثانياً: أن يكون المحكم كامل الأهلية عدلا صالحاً للحكم فيما حكم فيه)، ومن دلالة إشارة نص المادة (20) من ذات القانون التي نصت على أنه (لا يجوز أن يكون المحكم فاقد الأهلية أو…..أو غير صالح للحكم فيما حكم فيه…)، وبلا شك أن ما اشترطه المشرع في المحكم من أن يكون صالحاً للحكم فيما حكم فيه يستفاد منه بطريق الإشارة لزوم أن يكون للمحكم قدر من الكفاءة العلمية تجعله قادراً على الفصل في النزاع التحكيمي الذي من لوازمه الاطلاع على ما قدمه الاطراف المحتكمون من دعاوى واجابات وردود ومستندات وأدلة والترجيح بينها وكتابة الحكم وهذا لن يتأتى ما لم يكن للمحكم قدر من الكفاءة العلمية التي تعد الكتابة والقراءة أقل قدر فيها، ولذلك فإن شرط الكفاءة العلمية التي تعد الكتابة والقراءة أقل قدر فيها يعتبر لازماً لتحقق ما اشترطه المشرع بصريح عبارة المادة (6) تحكيم من صلاحية المحكم للحكم فيما حكم فيه وهو ما يجعل شرط الكتابة والقراءة مستفاداً من النص القانوني بطريق الإلزام، لاسيما أن القانون قد اشترط ضرورة اتصال المحكم بنفسه بأوراق القضية التي ينظرها بأن يدرس ويتفحص أوراقها بنفسه لتكوين قناعته من واقع أوراق القضية وأحكام الشرع والقانون بحيث يكون الحكم صادرا من المحكم نفسه وليس من قبل شخص من الغير الذي لا يجوز له أصلا الاشتراك في المداولة اللازمة لإصدار الحكم وليس أدل على ذلك ما تصدرته المادة (45) من قانون التحكيم من عبارة: (على لجنة التحكيم أن تفصل في النزاع استنادا إلى القواعد القانونية…) وما تصدرته أيضا المادة (47) من ذات القانون من عبارة: (تصدر لجنة التحكيم حكمها بعد المداولة….) وما تصدرته كذلك المادة (48) من ذات القانون من عبارة: (تصدر لجنة التحكيم حكمها كتابة ويوقعه المحكمون جميعهم…..).

٢- إن فرض شرط الكفاءة العلمية في المحكم ينبع من طبيعة مهمة المحكم التي تعد مهمة قضائية ذات طبيعة خاصة؛ لذا يجب أن يتوافر لديه قدر من الكفاءة العلمية والمهارة والتخصص الفني، حيث أن مهمة المحكم مماثلة لمهمة القاضي ومن ثم يفترض أن يتوفر عند المحكم قدر من الكفاءة العلمية، كما أن ضرورة فرض شرط الكفاءة العلمية ينبع مما قرره المشرع في المواد (32، 45) من قانون التحكيم من وجوب تقيد المحكم بالقواعد القانونية الموضوعية مالم يكن محكماً مفوضاً، بل ووجوب تقيد المحكم بالقواعد الاجرائية المنصوص عليها في قانون المرافعات المتعلقة بالنظام العام وإلا كان حكمه معرضا للإبطال. ومن ذلك ما اشترطه المشرع اليمني في المواد (35، 36) من قانون التحكيم من كتابة الدعوى التحكيمية والإجابة عليها، إضافة إلى أن الخصوم في المنازعة التحكيمية يقدمون إلى المحكم مستندات ووثائق يستدلون بها في دعاويهم وردودهم وتحتاج هذه المستندات إلى القراءة والمطالعة والدراسة من قبل المحكم، علاوة على ذلك فإن المحكم يجب عليه الرجوع إلى القوانين والتشريعات والمراجع الفقهية والقانونية ذات الصلة بالنزاع الذي ينظره حتى يكون حكمه صحيحا موافقاً للشرع والقانون، ولا يغني عن ذلك استعانة المحكم بغيره كي يقرأ له صحف الدعاوى والردود ومستندات الخصوم ومحاضر الجلسات وما ورد في القوانين والتشريعات والمراجع الفقهية والقانونية، لان المحكم يجب عليه ان يتصل بنفسه بأوراق القضية التي ينظرها وان يدرس ويتفحص أوراقها سواء أثناء الخصومة أو بعد حجزه القضية للحكم والذي من خلاله تتكون قناعة المحكم بحيث يكون لحكمه أصل من أوراق القضية ومن أحكام الشرع والقانون، وبالتالي فإن إجادة المحكم للقراءة والكتابة تكفل صدور أحكام تحكيم منضبطة وصحيحة محققة للعدالة وموافقته مع الشرع والقانون والواقع. ومن ذلك أيضا ما اشترطه المشرع اليمني في المادة (48) من قانون التحكيم من وجوب تسبيب حكم التحكيم وإلا كان حكمه معرضا للإبطال، فقد أخذ المشرع اليمني بالقاعدة التي توجب تسبيب أحكام التحكيم واستثنى من ذلك حالة ما إذا اتفق الأطراف على إعفاء المحكم من التسبيب، وإن كنا نرى أن المحكم لا يؤخذ بما يؤخذ به القضاء من الدقة في التسبيب باعتبار المحكم عادةٍ أقل خبرة من القاضي لا يتسنى له تسبيب حكمه بنفس كفاءة القاضي الذي تمرس على هذه المهنة زمنا طويلا وعرف أصولها غير أن ذلك مشروط بضرورة أن يكون تسبيب حكم التحكيم كافياً لإقناع الخصوم بعدالة ما توصل إليه المحكم من واقع الأدلة الواقعية المطروحة أمامه والحجج القانونية المبني عليها الحكم وأن تكون تلك الأسباب منطقية مؤدية إلى النتيجة التي توصل إليها المحكم في حكمه لأن هذا القدر هو الذي تتحقق به الغاية التي من أجلها أوجب المشرع إثباته في الحكم، فالعبرة بالنسبة لبطلان الإجراء وتأثيره في الحكم هي بالنظر إلى تحقق أو عدم تحقق الغاية منه إعمالا للقواعد العامة في قانون المرافعات.

٣- إن أصحاب الرأي المخالف القائلين بجواز تحكيم الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب بعضهم أسسوا رأيهم على افتراض وجوب أن يكون إلى جانب المحكم الذى يجهل القراءة والكتابة آخر يعرف ذلك وبعضهم أسسوا رأيهم على أن للمحكم أن يستعين بغيره في القراءة والكتابة وهذا يتعارض مع ما يشترطه القانون من أن يكون الحكم صادرا من المحكم المختار من الاطراف وليس من قبل شخص من الغير الذي لا يجوز له الاشتراك في المداولة اللازمة لإصداره، لان المحكم يجب عليه ان يتصل بنفسه بأوراق القضية التي ينظرها وان يدرس ويتفحص أوراقها لتكوين قناعته من واقع أوراق القضية وأحكام الشرع والقانون، بدليل ما تصدرته المادة (45) من قانون التحكيم من عبارة: (على لجنة التحكيم أن تفصل في النزاع استنادا إلى القواعد القانونية….) وما تصدرته أيضا المادة (47) من ذات القانون من عبارة: (تصدر لجنة التحكيم حكمها بعد المداولة….) وما تصدرته كذلك المادة (48) من ذات القانون من عبارة: (تصدر لجنة التحكيم حكمها كتابة ويوقعه المحكمون جميعهم…..).

الجدير بالذكر أن المحكمة العليا في أحد أحكامها قد اعتبرت بطريقة ضمنية أن عدم علم المحتكم بأن المحكم لا يجيد القراءة والكتابة سبب من اسباب طلب رد المحكم، وذلك في حكمها الصادر عن الدائرة التجارية بتاريخ 23-11-2011م في الطعن رقم (44120) الذي جاء ضمن أسبابه القول بما لفظه: (ما جاء من الطاعن تحت هذا السبب من قوله إن المحكم (فلان بن فلان) لا يجيد القراءة والكتابة وانه اي الطاعن لم يكتشف ذلك إلا بعد التحكيم…إلخ فالدائرة تجد أن هذا ادعاء مرسل لم يسبق للطاعن إثارته أمام الشعبة مما يتعين الالتفات عنه).

Loading