كتابات

إمكانية ورود جزاء الانعدام على أحكام التحكيم

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

في الغالب تقضي محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي بكامل فقراته، وفي هذه الحالة اما ان تقوم محكمة الاستئناف بصياغة أسباباً خاصة لحكمها ، فتكون هذه الأسباب عبارة عن إعادة صياغة أسباب الحكم الابتدائي وتضمينها في أسباب الحكم الاستئنافي مع تعديل وتجويد في صياغة تلك الأسباب، وقد تضيف محكمة الاستئناف أسباباً جديدة لمناقشة أوجه الدفاع والأدلة الجديدة المقدمة من الخصوم أمامها من خلال إعادة طرح النزاع أمامها في مرحلة الاستئناف وفقاً للمادة (288) مرافعات، كما ان محكمة الاستئناف قد توافق محكمة أول درجة في منطوق الحكم غير ان محكمة الاستئناف تجد أن بعض أسباب الحكم الابتدائي غير وجيهة، وفي  حالات اخرى قد تقضي محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي والنص على اعتبار أسباب الحكم الابتدائي أسباباً للحكم الاستئنافي، ولا تثريب على محكمة الاستئناف في ذلك، غير أنه يجب ان تراعي محكمة الاستئناف الضوابط المقررة لذلك، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-1-2013م في الطعن رقم (43976)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وبالرجوع إلى الحكم الاستئنافي المطعون فيه تبين أنه قضى بتأييد الحكم الابتدائي بجميع فقراته وتبنى أسبابه واحال عليها معتبراً لها مستنداً لحكمه، وبذلك يتحقق شرط تسبيب الحكم الاستئنافي، فالقاعدة العامة: أنه يتحقق شرط تسبيب الحكم الاستئنافي عند تأييده الحكم الابتدائي اعتماد أسبابه والإحالة عليها، لأن فحوى ذلك ومؤداه أن محكمة الاستئناف قد اقتنعت بأسباب الحكم الابتدائي واتخذتها سنداً لحكمها، فليس في القانون ما يلزمها بأن تعيد ذكر أسباب الحكم الابتدائي في أسباب حكمها باعتبار ان الإحالة إلى أسباب الحكم الابتدائي تقوم مقام الإيراد والبيان، فتعتبر كأنها صادرة عنها، بيد أنه يشترط لسلامة هذا الاعتبار أن تكون محكمة الاستئناف قد اطمأنت إلى سلامة أسباب الحكم الابتدائي التي احالت إليها محكمة الاستئناف، أي أنه لا بد أن تكون أسباب الحكم الابتدائي سليمة من التناقض واشتملت على  ضوابط القانون لسلامة الأسباب وصحتها من حيث اشتمالها على بيان الواقعة والأدلة وطلبات الخصوم ودفوعهم واستنادها إلى أدلة لها أساس صحيح في الأوراق، فبرجوع الدائرة إلى الحكم الابتدائي فقد تبين لها أنه مشتمل على بيان الواقعة ونص التجريم والعقاب وأنه ناقش الدفوع التي أثيرت وفصل فيها وأنه أقام قضاءه على أسباب سائغة تقوى على حمله))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: جواز اعتبار أسباب الحكم الابتدائي أسباباً للحكم الاستئنافي:

الاستئناف يعيد طرح النزاع أمام محكمة الاستئناف الا انه في غالب الحالات لا يعرض الخصوم ولا يقدموا  أمام محكمة الاستئناف أوجه دفاع أو أدلة جديدة غير ما سبق لهم تقديمه أمام محكمة أول درجة، وعندئذ تقوم محكمة الاستئناف بدراسة أوراق القضية، فتخلص محكمة الاستئناف من خلال ذلك إلى أن الخصوم لم يأتوا بجديد في مرحلة الاستئناف وإن محكمة أول درجة قد مكنت الخصوم من حقهم في الادعاء والدفاع وإن المحكمة الابتدائية قد ناقشت وفصلت في كافة طلبات ودفوع ودفاع الخصوم وإن محكمة أول درجة قد سببت لحكمها تسبيباً كافياً وسائغاً وموافقاً للقانون والواقع، وإن أسباب الحكم الابتدائي لها أساس في أوراق القضية وفي القانون، وان محكمة أول درجة قد استندت في تسبيبها إلى نصوص قانونية مطابقة للوقائع والأدلة ، فعندئذٍ تجد محكمة الاستئناف أنه لا مناص من قضائها بتأييد الحكم الابتدائي بكل فقراته، وبدلاً من أن تعيد محكمة الاستئناف صياغة أسباب الحكم الابتدائي في مدونة الحكم الاستئنافي فإن محكمة الاستئناف تصرح في  الحيز المخصص لأسباب حكمها تصرح باعتبار أسباب الحكم الابتدائي أسباباً للحكم الاستئنافي، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأنه لا تثريب على محكمة الاستئناف في ذلك شريطة مراعاة بعض الضوابط التي سنبينها في الوجه الثاني من هذا التعليق.

الوجه الثاني: ضوابط اعتبار أسباب الحكم الابتدائي أسباباً للحكم الاستئنافي:

ألمح الحكم محل تعليقنا إلى هذه الضوابط،، ويمكن تلخيصها كما يأتي:

الضابط الأول: قضى الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي كاملاً: أي قضى الحكم الاستئنافي بتأييد كل فقرات منطوق الحكم الابتدائي، لأن فقرات منطوق الحكم الابتدائي هي النتائج القانونية والمنطقية لأسباب الحكم الابتدائي التي افضت إليها، ففي هذه الحالة من النادر ان تختلف أسباب الحكم الاستئنافي عن أسباب الحكم الابتدائي .

الضابط الثاني: عدم تقديم الخصوم أدلة أو دفاع جديدة أمام محكمة الاستئناف: فإذا لم يقدم الخصوم  أدلة أو أوجه دفاع جديدة في مرحلة الاستئناف، فإن محكمة الاستئناف في هذه الحالة لن تكون ملزمة بمناقشة هذه الأدلة وأوجه الدفاع في أسبابها حكمها لعدم وجود أدلة أو أوجه دفاع جديدة ، فلا حرج في هذه الحالة إذا ما نصت محكمة الاستئناف على اعتبار أسباب الحكم الابتدائي أسباباً للحكم الاستئنافي.

الضابط الثالث: ان تتحقق محكمة الاستئناف من توفر الشروط المعتبرة قانوناً في التسبيب في أسباب الحكم الابتدائي: فيجب على محكمة الاستئناف دراسة أسباب الحكم الابتدائي بعناية للتحقق من موافقتها لنصوص القانون وان لها أصلاً في أوراق القضية، والتثبت من ان  أسباب الحكم الابتدائي قد تضمنت المناقشة التفصيلية لأدلة الخصوم وطلباتهم وأوجه دفاعهم، وان تلك أسباب مرتبة وسائغة وكافية لبناء الحكم عليها، وأن كل اسباب الحكم وجيهة، أي: تتوفر فيها الشروط القانونية للتسبيب السابق ذكرها ، فعندئذٍ لن تجد محكمة الاستئناف الا أن تعيد صياغة أسباب الحكم الابتدائي وتنص عليها في حكمها أو تعتبر أسباب الحكم الابتدائي أسباباً لحكمها، ولا حرج عليها ولا تثريب في الحالين.

الضابط الرابع: أن تذكر محكمة الاستئناف الاعتبارات التي جعلتها تقضي باعتبار أسباب الحكم الابتدائي أسباباً لحكمها: فلا يكفي ان تذكر محكمة الاستئناف في أسباب حكمها أنها قد اعتنقت أو اعتبرت أسباب الحكم الابتدائي أسباباً لحكمها، بل يجب على محكمة الاستئناف ان تبرر ذلك في الحيز المخصص لأسباب حكمها، كالقول: ان الخصوم لم يأتوا بجديد أمام محكمة الاستئناف وان الشعبة قد درست أوراق القضية وتأكد لها ان أسباب الحكم الابتدائي كانت موافقة للنصوص ولما ورد في أوراق القضية وان أسباب الحكم الابتدائي قد ناقشت أدلة وأوجه دفاع ودفوع الخصوم وفصلت فيها، وان أسباب الحكم الابتدائي واضحة ومفصلة وسائغة وكافية لبناء الحكم عليها (السلطة التقديرية وضمانات المتهم في الإجراءات الجزائية، المستشار الدكتور محمود نصر، 230).

الوجه الثالث: جواز إعادة ذكر أسباب الحكم الابتدائي ضمن أسباب الحكم الاستئنافي:

يتفنن القضاة في اليمن وغيرها في صياغة أسباب أحكامهم وتدبيجها بالنصوص الشرعية والقانونية والسوابق القضائية وشروح الفقه الإسلامي والقانوني، فمن خلال ذلك تظهر بصمات القضاة في التسبيب التي تختلف من محكمة إلى محكمة ومن قاض إلى قاض، ولذلك فإن القاضي الاستئنافي حتى ان وجد الحكم الاستئنافي موافقا للحكم الاستئنافي في اسبابه ومنطوقه  إلا أن القاضي الاستئنافي في هذه الحالة يأبى إلا أن يعيد  صياغة أسباب الحكم الابتدائي في الحكم الاستئنافي بأسلوب ينسجم مع صنعة القاضي الاستئنافي ولغته القضائية، ومن خلال مطالعتنا الكثيرة للأحكام نجد أن غالبية الأحكام تنتهج هذا المنهج، ولا تثريب عليها في ذلك مثلما أنه لا تثريب عليها أن قضت باعتبار أسباب الحكم الابتدائي أسباباً لحكمها حسبما قضى الحكم محل تعليقنا (ضوابط تسبيب الأحكام الجنائية، د. رؤوف عبيد، ص292).

الوجه الرابع :تسبيب الحكم الاستئنافي في حالة موافقة الحكم الاستئنافي للحكم الابتدائي في المنطوق ومخالفته في الأسباب :

هناك حالات يتفق فيها الحكم الاستئنافي مع الحكم الابتدائي في المنطوق ولكنهما يختلفان في التسبيب، فقد  يجد القاضي الاستئنافي ان منطوق الحكم الابتدائي موافق من الناحية القانونية الواقعية ولكن بعض أسباب الحكم الابتدائي غير وجيهة بمعنى لا أصل لها في القانون أو الواقع أو تحتاج إلى تجويد أو تصحيح في صياغتها، فعندئذ يقوم القاضي الاستئنافي بالتصريح بعدم صحة هذا السبب ومن القيام بتصحيحه ثم الإحالة إلى بقية أسباب الحكم الابتدائي الصحيحة أو إعادة صياغة جميع الأسباب وتضمينها في أسباب الحكم الاستئنافي (أسباب صحيفة الاستئناف، د.عبدالحكيم فودة، ص251). وقد وقف الباحث على حكم استئنافي صادر عن الشعبة الجزائية بأمانة العاصمة حينما كان يرأسها القاضي العلامة حسين بن محمد المهدي، فقد قضى هذا الحكم الاستئنافي: بتأييد الحكم الجزائي الصادر من محكمة جنوب غرب الأمانة حيث وافق الحكم الاستئنافي الحكم الابتدائي في المنطوق وخالفه في التسبيب، حيث تضمنت أسباب الحكم الاستئنافي مذاكرة علمية بديعة في التوافق في المنطوق والاختلاف في التسبيب بين الحكمين الابتدائي والاستئنافي، والله اعلم .

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

Loading