كتابات

طبيعة رابطة العلاقة العمالية الخاضعة لقانون العمل

المحامية/ نسمة عبد الحق النجار

مما لا شك فيه أن قانون العمل ينظم علاقة العامل برب عمله (صاحب العمل) متى ما أنطبق على كل طرف تعريف القانون له ، إلا أن هذه العلاقة لابد أن تكون مؤسسة برابطة أو علاقة تبعية تتخذ عدة أشكال لتتميز عن غيرها من الروابط والعلاقات والتي تنطبق على روابط لعقود أخرى تخضع لتنظيم قانون ليس بقانون العمل، وفي موضوعنا لهذا العدد نسلط الضوء على طبيعة  الرابطة التي تُنشئ العلاقة العمالية بين أي شخصين ما تجعل من أحدهما عاملاً والآخر رب عمل (صاحب عمل) .

يعرف قانون العمل النافذ العامل بما نصه: (كل شخص يعمل لدى صاحب العمل ويكون تحت إدارته ولو كان بعيداً عن نظارته لقاء أجر ووفق عقد مكتوب أو غير مكتوب ويشمل ذلك الرجال والنساء والأحداث ومن كان قيد الاختبار والتدريب)، كما يعرف صاحب العمل بما نصه: (كل شخص طبيعي أو اعتباري يستخدم عاملاً أو أكثر لقاء أجر في مختلف قطاعات العمل الخاضعة لأحكام هذا القانون).

ومن التعريفين السابقين للعامل وصاحب العمل تتضح لنا ملامح ومعالم طبيعة العلاقة أو الرابطة التي تخضع لأحكام قانون العمل، حيث يتميز عقد العمل بوجود رابطة أو علاقة تبعية فيما بين طرفيه (العامل، وصاحب العمل)، وتختلف من عقد عمل لآخر كونها لا تتخذ شكلاً معيناً وموحداً في كافة عقود العمل.

تعرف الرابطة أو العلاقة التبعية بأنها:(خضوع العامل عند قيامه بعمله لسلطة رب العمل وأوامره وإشرافه ورقابته، ويكون للأخير الحق في توقيع الجزاءات التأديبية على الأول عند مخالفته لتوجيهاته وأوامره)، وبهذا التعريف يظهر جلياً نوع التبعية والرابطة الأكثر شيوعاً والمتمثلة بالتبعية القانونية، وهذه الرابطة هي الرابطة الأم والتي سرعان ما يتبادر إليها الذهن عند الوقوف على تعريف التبعية السالف ذكره.

وبجانب الرابطة القانونية توجد العديد من الروابط التي اقتضتها طبيعة العمل الواجب على العامل القيام به وفق عقد العمل، فتوجد الرابطة الاقتصادية وتعني أن يعتمد العامل على الأجر الذي يحصل عليه من رب عمله نظير قيامه بما يتوجب عليه وفق عقد العمل ولا يوجد له مصدر دخل آخر يستطيع من خلاله إعالة أسرته، فعنصر الأجر بجانب عنصر التبعية يعدان من أهم ما يميز عقد العمل، إلا أن الأجر هو الأبرز ظهوراً وتميزاً في هذه الرابطة.

ولا يفترض القانون للتسليم بوجود تبعية وبالتالي عقد عمل يخضع لقانون العمل أن يكون هناك تبعية خضوع كاملة وتامة ، فليس من اللازم أو الضروري إلمام رب العمل بالعمل المعهود للعامل القيام به بكافة جزئياته بل حتى ومع إلمامه فلا يلزم أن تكون رقابته وسلطته وأوامره لكافة الجزئيات ودقائق طبيعة العمل وهذا الوضع والحال يعرف بالرابطة أو التبعية الفنية، فيكفي لتحققها أن ينصب عمل العامل لتحقيق توجيهات وأوامر رب عمله ويدخل في ذلك الالتزام بزمان ومكان العمل، وهذا ما يعرف بالرابطة أو التبعية  التنظيمية أو الإدارية ويتم إثبات رابطة التبعية بكافة طرق الإثبات حال الاختلاف في الحكم بوجودها من عدمه، وتخضع طرق إثباتها للسلطة التقديرية للقاضي كيفما يطمئن إليه مما عرض عليه في مجلس قضائه وما يثبت في ملف القضية ، وقد جاء قضاء النقض المصري المدني الصادر بتاريخ 25/6/1996م يوضح اقتناع المحكمة بتوفر رابطة التبعية وفق سلطتها التقديرية ، حيث أقرت بوجود رابطة تبعية تنظيمية إدارية، واستدلت بحكمها بوجود مكتب لدى المحامي في مبنى الشركة التي يعمل فيها وكذا التزامه بالحضور في مواعيد محددة وثابتة فرضتها الشركة عليه، كما أنه ثبت أمامها أن المحامي تقدم بإذن من الشركة للسفر إلى الخارج وقد حصل عليه بالفعل بموافقة الشركة.

وقد يتحقق أكثر من نوع أو شكل للرابطة أو التبعية في العلاقة العمالية وقد يتحقق واحدة فقط، وفي كلا الحالتين نكون أمام عقد عمل يخضع لأحكام قانون العمل.

ولنا التمثيل لموضوعنا بمهنة المحاماة، فقد يكون المحامي عاملاً متى تحقق في عقده رابطة تبعية وبالتالي يخضع لتنظيم قانون العمل، وقد لا تتحقق رابطة التبعية وبالتالي تربطه علاقة وكاله بينه وبين موكله وتنظيم هذه العلاقة يخضع للقانون المدني، ويكون المحامي في الحالة الأخيرة أكثر استقلالا في عمله بالمقارنة مع الحالة الأولى.

Loading