قيد تحريك الدعوى الجزائية على أحد مأموري الضبط القضائــــي أو مــوظف عـام في التشريــــــع اليمني
المحامي/ حبيب محمد الدهبلي
ان الإذن المتعلق بتحريك الدعوى الجزائية على أحد مأموري الضبط القضائــــي أو مــوظف عـام كقيد لتحريك الدعوى الجزائية من الأمور بالغة الأهمية ويتعلق بذلك إشكالية قانونية ولبس عميق يكمن في عدم إدراك القواعد القانونية المتعلقة بقيد الإذن وكذا التفويض فيه وحيث أن الأصل في التشريع الجنائي والإجرائي اليمني أن النيابة العامة هي الجهة المختصة بتحريك الدعوى الجنائية، وهي الجهة الوحيدة المختصة بمباشرة الدعوى الجنائية، بوصفها نائبة عن المجتمع، وحيث أن النيابة العامة هي صاحبة الولاية في تحريك الدعوى الجزائية ورفعها و مباشرتها أمام المحاكم ولا يجوز لها وقف الدعوى الجزائية أو تركها أو تعطيل سيرها أو التنازل عنها أو عن الحكم الصادر فيها أو وقف تنفيذها، وعلى أن يقوم النائب العام بنفسه أو بواسطة أحد أعضاء النيابة العامة بمباشرة الدعوى الجزائية وفق ما هو مقرر بالقانون وهذا ما نصت عليه المواد (21-22-23) من القرار الجمهوري بالقانون رقم (13) لسنة 1994م بشأن الإجراءات الجزائية ونبين ذلك في الآتي:
أولاً: قيد تحريك الدعوى الجزائية على أحد مأموري الضبط القضائــــي أو مــوظف عـام:
إن المعلوم قانوناً بشكل عام ووفق ما نص عليه قانون الإجراءات الجزائية أن قيود تحريك الدعوى الجزائية ثلاثة قيود هي (الشكوى– الطلب– الإذن) ونحن نحصر من خلال ذلك في قيد الإذن محل بحثنا هذا
فقد نصت المادة (26) من القرار الجمهوري بالقانون رقم (13) لسنة 1994م بشأن الإجراءات الجزائية والتي نصت على أنه: لا يجوز رفع الدعوى الجزائية على أحد رجال الضبط القضائي أو موظف عام لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها إلا بإذن من النائب العام أو من يفوض بذلك من المحامين العامين أو رؤساء النيابة….).
وهنا فقد حدد نص المادة (84): من قانون الاجراءات الجزائية اليمني مأموري الضبط، وأما ما يتعلق بالموظف العام وفقاً لما أورده قانون الإجراءات الجزائية اليمني والذي يقصد به القائمون بأعباء السلطة العامة، و العاملون في الدولة و المؤسسات التابعة لها، ورجال السلطة القضائية وأفراد القوات المسلحة والأمن، و يشمل ذلك أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية أثناء فترة ولايتهم، وكما أورد القرار الجمهوري بالقانون رقم (12) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات تعريفاً آخر للموظف العام ومن في حكمه، والذي أورد أنه: يعد موظفاً عاماً رئيس الجمهورية ونائب الرئيس ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء وكل من تولى أعباء وظيفة عامة بمقابل أو بغير مقابل بصرف النظر عن صحة قرار تعيينه فيها ويشمل أعضاء السلطة القضائية وأفراد القوات المسلحة والشرطة وأعضاء الهيئات العامة وأعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية المنتخبين منهم والمعينين والمحكمين والخبراء والعدول والوكلاء والمحامين والحراس القضائيين الذين تعهد لديهم الأموال وأعضاء مجالس إدارة الشركات والبنوك وموظفيها التي تسهم الدولة في رأس مالها.
- ماهية الإذن
الإذن: هو عمل قانوني صادر عن المختص به قانوناً يسمح بتحريك الدعوى الجزائية لصنف محدد من المتهمين والذين حددهم قانون الإجراءات الجزائية اليمني وهم القضاة أو أعضاء النيابة العامة أو رجال الضبط القضائي أو أي موظف عام وأن غاية القانون ومقصد المشرع من خلال هذا القيد الإجرائي تكمن في ضمان حسن أدائهم للوظيفة العامة التي يشغلونها وأن الغرض من هذا القيد في تحريك الدعوى الجزائية هو حماية مأموري الضبط القضائي والموظف العام بعرض أمرهما على جهة عليا قبل رفع الدعوى عليهما.
- أحوال الإذن
وحيث وأن بحثنا يقتصر على قيد تحريك الدعوى الجزائية على أحد مأموري الضبط القضائــــي أو مــوظف عـام لذلك لا يمكننا الخوض في قيد الإذن فيما يتعلق بالقضاة أو أعضاء النيابة العامة وفي حالة ما يكون المتهم أحد رجال الضبط القضائي أو موظفاً عاماً شريطة وقوع الجريمة منهم أثناء تأديتهم وظيفتهم أو بسببها ولا يجوز هنا قانوناً أن تحرك الدعوى الجزائية عليهم إلا بإذن من النائب العام أو من يفوض بذلك من المحامين العامين أو رؤساء النيابة ويتضح من خلال ذلك أن الاختصاص القانوني في الإذن هنا هو اختصاص أصلي متعلق بشخص النائب العام ويستثنى من ذلك حالة التفويض ووفق ما أجازه القانون للنائب العام وفي حدوده وهذا ما سيجعلنا نبين تباعاً مختصراً لبعض الأحكام المتعلقة بالتفويض الخاص بذلك الإذن.
- خصائص الإذن
يتميز الإذن كقيد إجرائي هنا بخصائص نبينها بالآتي:
- إنه قيد على حق النيابة العامة في تحريك الدعوى الجزائية.
- إنه قيد على حق النيابة العامة المطلق في تحريك الدعوى الجزائية، ويقتصر عليها دون غيرها من الجهات الخاصة بالاستدلالات والوقائع الواجب صدور الإذن بشأنها.
- إن هذا القيد كطلب لا يتقيد استعمال الحق في مباشرته بمدة معينة ويجوز تقديمه في أي وقت قبل انقضاء الدعوى الجزائية بمضي المدة.
- آثار الإذن
لم يحدد القانون الجنائي والإجرائي اليمني كيفية صدور ذلك الإذن والذي يفترض أن يكون مكتوباً في حال صدوره من النائب العام بشخصه والتوقيع على قرار الاتهام في حال صدر ممن فوض النائب العام وهذا حسب اجتهادات المحكمة العليا وما بينه أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين في بحثه المتعلق بكيفية صدور الإذن من رئيس النيابة برفع الدعوى الجزائية ضد الموظف والمنحصر ذلك فيما يتعلق بالتفويض الصادر عن النائب العام أو المحامين العامين أو رؤساء النيابة بإصدار ذلك الإذن، ونضيف إلى ذلك أنه يفترض، بل يجب صدور الإذن قبل مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق وهنا يكون الأثر المترتب صحة صدور الإذن بتحريك أو رفع الدعوى الجزئية صحة وسلامة الإجراءات والاتهام ويكون الأثر المترتب على عدم صدور ذلك الإذن بطلان جميع الإجراءات الجزائية المتخذة ضد المتهم وبما يجعل اتصال المحكمة بالدعوى في هذه الحالة معدوماً قانوناً.
ثانياً: الأحكام القانونية للتفويض الصادر عن النائب العام لإصدار الإذن برفع أو بتحريك الدعوى الجزائية على أحد مأموري الضبط القضائــــي أو مــوظف عـام:
يعد التفويض الصادر عن النائب العام تفويضاً إدارياً وهنا يتعين وفقاً للقواعد القانونية أن يمارس صاحب الاختصاص اختصاصه بنفسه، وبالتالي فلا يمكنه التفويض فيه أصلاً ولكن نظراً للضرورات العملية ولتطورات الحياة وتعقيد وظائف الدولة اقتضت الضرورة تفويض ممارسة ذلك الاختصاص من غير صاحبه الأصلي وهو ما أتاحه وأباحه قانون الإجراءات الجزائية اليمني.
حيث أن التفويض هنا: يقصد به أن يعهد الشخص الإداري- بمقتضى قرار- ببعض اختصاصاته التي يستمدها من القانون إلى شخص إداري آخر؛ ليمارسها من دون الرجوع إليه، مع بقاء مسؤوليته عن تلك الاختصاصات المفوضة.
ويترتب على ذلك أن لصاحب الاختصاص الأصلي الحق دائماً في إلغاء ذلك التفويض وأن الهدف الرئيسي من التفويض: هنا يكمن في تخفيف العبء عن الرئيس الإداري بتوزيع سلطاته ومسؤولياته العديدة على عدد من معاونيه، وهو ما يؤدي إلى زيادة كفاءته ومقدرته على ممارسة اختصاصاته الرئيسية التي يتفرغ لها.
- الأحكام القانونية للتفويض
يخضع التفويض بشكل عام إلى العديد من الأحكام القانونية التي يجب مراعاتها ومن أجل أن يكون التفويض قانونياً وملزماً، وأبرز هذه الأحكام نبينها بالآتي:
- أن يكون هناك نص قانوني بالتفويض يجيزه صراحة على سبيل الاستثناء وعند عدم وجود النص القانوني الذي يجيزه أمر يترتب عليه بطلان التفويض وعدم مشروعية القرارات الصادرة استناداً إليه.
- أن يكون النص القانوني المقرر للتفويض متمتعاً بالمرتبة القانونية نفسها التي يتمتع بها النص المقرر للاختصاص أو أعلى منه في المرتبة القانونية بمعنى عدم جواز ورود التفويض بنص قانوني أدنى مرتبة من نص الصلاحية الأصلي.
- أن يكون التفويض جزئياً دائماً: ويقصد بذلك ألا يشمل التفويض كل اختصاصات المفوِّض.
- عدم جواز تفويض الاختصاصات المفوَّضة: بمعنى أنه لا يجوز لمن فوض إليه الاختصاص أن يفوض غيره.
- أن تكون حدود التفويض واضحة: إذ يجب أن يكون التفويض سليماً من الناحية القانونية، مستوفياً الأوضاع والشروط التي حددها القانون.
- أن يصدر التفويض من سلطة مختصة قانوناً بإجرائه قانوناً.
ب) الخاتمة
نكون قد بينا ما يتعلق بالتفويض وحيث وأنه من خلال ما أسلفناه يمكننا طرح الإشكالية محل بحثنا هذا المتعلقة بالتفويض الصادر عن النائب ونؤكد أن قيد الإذن بتحريك الدعوى الجزائية على أحد مأموري الضبط القضائــــي أو مــوظف عـام هو اختصاص قانوني أصلي متعلق بالنائب العام بشخصه وقد خول القانون النائب العام حق التفويض في ذلك الاختصاص، ما يترتب على ذلك أنه لا يجوز الاستناد عليه حالياً وكما هو حاصل على قرار النائب العام رقم ( 67) لسنة 1998م بشأن تفويض رؤساء نيابات المحافظات بإصدار الإذن برفع الدعوى الجزائية ضد بعض الموظفين العاملين والصادر بتاريخ14/3/1419هـ الموافق 8/7/1998م عن النائب العــــــام د/عبد الله عبد الله العلفي وذلك لعدم المشروعية ولأن ذلك التفويض انتهى بانتهاء صلاحية مصدره بتغييره وتعيين نائباً عاماً بدلاً عنه كون الاختصاص متعلقاً بشخص النائب العام أو من يفوضه من المحامين العامين أو رؤساء النيابات العامة في حينه ووقته ولا يمكن قانوناً وعلى الإطلاق أن يستمر الاستناد على القرار الصادر عن النائب العــــــام د/عبد الله عبد الله العلفي في عام 1998م فهذا القرار انتهت مشروعيته وقانونيته بانتهاء تولي النائب العام مصدر إقرار لوظيفة النائب العام حيث أن هذا الاختصاص مرسوم قانوناً للنائب العام الجديد والإشكالية الأخرى المتعلقة بهذا الأمر أنه وفي بعض الحالات يتم تكليف قائم بأعمال رئيساً للنيابة ويأذن بتحريك الدعوى الجزائية على الموظف العام وبالاستناد على القرار بالتفويض الصادر عن النائب العام سالف الذكر وفي وقتنا الحالي وبما لا يجوز قانوناً حيث أنه لا يجوز تفويض التفويض ولا يجوز للمفوض أن يفوض غيره فيما فوض به.