ضرورة إصدار لائحة تنظم الإعلان الإلكتروني للأوراق القضائية
عبد الله مصلح الوجيه*
إن العدالة الناجزة هي أسمى غايات الأنظمة القضائية المتحضرة، فالعدالة الناجزة في جوهرها هي أن يحصل المتقاضي على حقه عند عرض دعواه على القضاء من خلال تسهيل الاجراءات القضائية وتنظيمها بما يكفل حقوق المتقاضين،
تطورت تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في شتى المجالات، وكان للمجال القانوني نصيب واسع من ذلك التطور حيث سعت العديد من الدول المتقدمة لإصدار العديد من التعديلات والنصوص القانونية، سواء كان ذلك في القانون المدني، أو التجاري أو الإداري، أو الجنائي، والبعض من تلك الدول اصدرت قوانين خاصة تنظم التقاضي الإلكتروني، والمحكمة الإلكترونية، أو الرقمية، والاعلان القضائي الإلكتروني.
وكون أن الإعلان القضائي يعد حجر الأساس لمبدأ المواجهة بين الخصوم، باعتباره الوسيلة الرسمية لإعلان الخصوم بما يقدم ضدهم من أوراق وعرائض وطلبات، أو ما يتم من اجراء، ليتم مثولهم أمام القضاء، وهو ثاني اجراء يجرى، بعد رفع الدعوى.
نظم المشرع اليمنى هذا الاجراء في المواد (٣٩-٤٦) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم ٤٠لسنة ٢٠٠٢م وتعديلاته بالقانون رقم ٢ لسنة ٢٠١٠م ،بحيث تعلن الأوراق القضائية عن طريق المحضرين أو عن طريق ذوى الشأن ، وقد حدد القانون ايضا الاشخاص الذين يصح تسليم الإعلان إليهم ، لكن يواجه الإعلان القضائي التقليدي ،عددا من السلبيات ومن التلاعب منها ما يعود الى المحضر أو للمطلوب إعلانه بإخفاء نفسه أو امتناعه عن الاستلام، ومنها ما يعود على القانون ذاته في التنصيص على اجراءات مملة لإعلان المعلن اليه أو المدعى عليه عند عدم حضوره ،حيث أوجب في نص المادة ١٠٦ مرافعات على اعلان المدعى عليه للرد على الدعوى ثم اوجبت المادة ١١٦ منه على إعلان المدعى عليه لمرتين متتاليتين لحضور الجلسة، واعلان رابع عبر الشرطة اذا لم يحضر رغم إعلانه اعلانا صحيحا واجراء وجوبيا عند اعلان المطلوب إعلانه للمرة الثانية. وهو ما جعل بعض الفقه والقضاء والباحثين القانونين في اليمن ينتقدون تلك الاجراءات المملة والمطولة في اجراءات الاعلان القضائي، ونادوا بإجراء تعديلات قانونيه تواكب التكنولوجيا الحديثة.
ويعرف الإعلان القضائي أنه “إخطار المعلن اليه بالورقة، او بالإجراء المطلوب وتمكينه من الاطلاع عليها وتسليمه صوره منها وفقا للقانون”.
ويعرف الإعلان القضائي الإلكتروني بأنه “الوسيلة القانونية التي يتم إبلاغ الخصم بواقعة معينة عن طريق وسائل الاتصالات الإلكترونية الحديثة، بواسطة النت أو الهاتف الذكي، على الوسيلة التي اختارها أطراف الدعوى للتواصل بهم إلكترونيا”، ويتم ذلك عبر قلم المحضرين وفقا لنص المادة ١٠٥ من قانون المرافعات اليمنى
- مدى قبول المشرع اليمنى لإجراء تعديلات قانونية تواكب التطورات الحديثة:
بالرغم من تأخر المشرع اليمنى عن مواكبة التطورات الحاصلة في استخدام التكنولوجيا في التقاضي، إلا أنه لم يكن بعيدا عنها، فنجد أنه أصدر تعديلات قانونيه شملت بعض نصوص مواد قانون المرافعات والتنفيذ المدني، مؤكدا ولأول مرة في تاريخ قانون المرافعات والتنفيذ، على اعتماد الوسائل الإلكترونية لإعلان الخصوم بالمواعيد والاوراق القضائية في المحاكم اليمنية، وجعل ذلك امرا جوازياً اذا اختاره الاطراف- الى جانب الاعلانات التقليدية-، وننوه أن القانون قصر ذلك على الإعلام بالمواعيد والاوراق القضائية، والأحكام الصادرة من المحاكم.
الأساس القانوني في اعتماد الإعلان القضائي الإلكتروني
لم ينص قانون المرافعات الحالي على كيفية إيداع الدعوى الكترونيا، لكنه نص على جواز الإعلان القضائي بالوسائل الإلكترونية، التي يختارها الخصوم.
حيث نصت المادة (١٠٥) من قانون المرافعات المعدل بالقانون رقم ٢١ لسنة ٢٠٢١م (على قلم الكتاب أن يستوفى من الخصوم ما يفيد تأكيدهم على الموطن المختار لكل منهم ويجوز لهم تحديد أرقام هواتفهم وإيميلاتهم، أو أي وسيلة إلكترونيه يختارونها لإعلانهم عبرها بالمواعيد والاوراق القضائية بما في ذلك الإعلان بنسخة الحكم، ويجب عليه في حالة التغيير لأي من ذلك إبلاغ المحكمة وإلا اعتبر معلنا للعنوان سابقا).
وعلى مستوى الإدارة القضائية تم إنشاء اداره عامه لمركز المعلومات بوزارة العدل والمحكمة العليا، وادارات متفرعة عنها بمحاكم الاستئناف ومراكز بمحاكم المديريات.
كما صدر تعميم من هيئة التفتيش القضائي الأعلى، برقم٧٥ لسنة ١٤٤٢هـ/٢٠٢١م
تضمن تفعيل أحكام المادة ١٠٥ من قانون المرافعات باستخدام الوسائل الإلكترونية لإعلان الخصوم بالمواعيد والاوراق القضائية- في المحاكم الابتدائية والاستئنافية.
فمن خلال استقراء تلك التعديلات القانونية والتعميم القضائي يتبين:
- أن المشرع اليمنى لم يضع تعريفا صريحا للإعلان القضائي الإلكتروني، لكنه أشار إلى معناه أو مضمونه.
- أن القانون جعل الإعلان القضائي بالوسائل الإلكترونية، أمرا جوازياً للخصوم واقتصر ذلك على اعلان الأوراق القضائية، والمواعيد، ونسخ الأحكام القضائية، وابقاء الإعلان القضائي التقليدي هو الأصل خاصة عند عدم اختيار الاطراف لوسيله إلكترونيه لإعلانهم- أي انه وبمبدأ المخالفة- إذا اختار الخصوم الوسيلة الإلكترونية لإعلانهم بها أو أكدوا عليها وتم تدوينها، تعتبر موطناً مختاراً لهم ويجب اعلانهم عبرها ما لم يتم اشعار المحكمة بتغيرها من الخصم ذى الصفة.
- أشارت تلك التعديلات إلى بعض الوسائل التي يجوز استخدامها في الإعلان القضائي الإلكتروني وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر.
- لم ينظم القانون أحكام وشروط وضوابط الإعلان الإلكتروني، ولا الكيفية، وترك تنظيم ذلك لمجلس القضاء الأعلى اليمنى في إصدار لائحة تنظيميه. ونوه هنا أنه يجب إعمال نص المادة ٤١ مرافعات بشأن البيانات المطلوب توافرها في الإعلان الورقي أو الإلكتروني، وتطبيق ما جاء في المادة (١٠٥) منه.
- عدم وجود بنية تحتية فنية مختصة ومتكاملة أو بشريه متخصصة او قطاع اتصال تكنلوجي يمكن استحداثه أو التعامل معه لاستخدام الإعلان الإلكتروني. حتى أن بعض الوحدات الإلكترونية بالنظام القضائي لم تفعل ذلك الإعلان ولا يقوم بعض القضاة بإصدار قراراتهم بالإعلان عبرها، ولم يتم فتح أيقونة لتفعيل ذلك الاعلان، كما أن المحضرين لم يصرف لهم أي وسيلة اتصال للإعلانات الإلكترونية.
- عدم التعامل مع ذلك الإعلان بجدية من قبل الخصوم، حيث يلاحظ قيام الخصم بتسجيل أي رقم هاتف بخط القلم على العريض التي يقدمها، حتى ولو كان ذلك الرقم لا يستخدمه، وعدم وجود توعيه اعلاميه بأهمية ذلك الإعلان للحد من تطويل أمد التقاضي.
وهو ما يجعل تلك النصوص القانونية المعدلة مفرغة عن العمل بها في الواقع العملي والتطبيقي.
- ثقافة القاضي والقضاء اليمنى بالتعامل مع الإعلان القضائي الإلكتروني:
بالرغم من ان القانون يجيز الاحتجاج بالصورة للمستند ما لم يطعن فيها بالتزوير كما أن نص المادة ٤٤ الفقرة رقم ٨ تجيز للمحكمة أن تامر بإعلان الشخص بالخارج بالطرق الدبلوماسية، أو بأي طريقة تراها مناسبة، ونرى- وفقا للتعديلات الأخيرة في قانون المرافعات- انه يجوز للمحكمة استخدام كافة الوسائل الإلكترونية كالواتس والماسنجر والتلجرام وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعية التي يمكن للشخص إخراجها ورقيا من الدعامة او الصفحة الإلكترونية، خصوصا وان القانون يعتبر الكتابة وسيله من وسائل الاثبات، ويمكن للخصم في حالة انكار الخصم الاخر عدم الاعلان، قيام الخصم الاول اثبات حصول الإعلان الإلكتروني عبر جهة الاتصالات أو خدمة التصديق والتوثيق، أو أي دليل اثبات آخر معتبر.
الا انه ومن خلال مشاهدتنا اليومية، في الممارسات القضائية، بداخل اروقة المحاكم، نجد ان تلك المحاكم لا تعترف بالتكنلوجيا، ولا تقبل التعامل معها في كل الاحيان، حيث يرفض قاض ما أن يعقد خصومه قضائية على مجرد محرر تكليف للمعلن اليه في الحضور بالجلسة قدمت بين يديه، اضطر المحضر أو القائم بالإعلان تنفيذه بإرسالها للمطلوب إعلانه الذي تلاقيها عن طريق رسالة نصيه عبر الهاتف المحمول، أو بواسطة الواتس، أو البريد الإلكتروني أو أى وسيله أخرى مع انه- وكما أسلفنا القول- في حالة إنكار الخصم لذلك يمكن الاثبات بكافة الوسائل، ومن ضمن ذلك التخاطب مع الجهة المختصة مزود خدمة الاتصالات أو البريد، عن تلقي المطلوب إعلانه واستلامه الرسالة بواسطة تلفونه المحمول الذي يستخدمه أو إيميله. .. الخ
أضف إلى ذلك أن بعض المحاكم في اليمن، لازالت تطبق اجراءات الإعلان القضائي التقليدي، دون أخذها بإجراءات الإعلان الإلكتروني رغم ان هناك أطرافا اختاروا وسائل إلكترونيه، دونت عبر قلم الكتاب وفي ملف القضية وسجلت في نظام المعلومات عند ادخال البيانات الأساسية للقضية، معللين ذلك بعدم وجود وسيله مخصصه او رقم خاص لذلك.
- عدم صدور لوائح تنظم الإعلان القضائي بالوسائل الإلكترونية:
أولى المشرع في تعديلاته القانونية الأخيرة في قانون المرافعات جهة مختصة ممثلة بمجلس القضاء الأعلى لإصدار اللوائح التنظيمية والقرارات المتعلقة بسير الاوراق القضائية!
حيث نصت المادة (502مكرر) بأن: يتولى مجلس القضاء الأعلى العمل على الحد من التطويل وتراكم القضايا من خلال اللوائح التنظيمية والقرارات المتعلقة بسير الأوراق في المحاكم والقضايا وصولا لتحقيق العدالة بأيسر السبل وأسرعها..)
ومنذ العمل بقانون المرافعات المعدل في يناير سنة ٢٠٢١م، وحتى الآن، وبعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات وتسعة أشهر، على صدوره، لم تصدر لائحة تنظم الإعلان القضائي بالوسائل الإلكترونية من قبل الجهة المختصة، برغم التطور التقني الهائل في مجال التكنولوجيا والتقاضي الإلكتروني.
فإلى متى ستظل تلك التعديلات القانونية حبرا على ورق دون العمل بها
ام انه سيتم اصدار لائحة تنظم اجراء الإعلان القضائي الإلكتروني وتنظم أحكامه والآثار المترتبة عليه، وتوعية الخصوم عبر الأجهزة والبرامج المستهدفة في اجراءات واهمية هذا الإعلان.
وسيظل املنا في مجلس القضاء الأعلى اصدار قرار يحسم هذه المسألة، لعل ذلك يكون خطوة على الطريق، أو بداية حقيقيه لإصدار لائحة تنظم هذا الموضوع، فنحن بحاجه حقيقيه الآن إلى أكثر من انتظار صدور القرار، كما نأمل أن يتصدى المشرع اليمنى كما فعل نظراؤه من قوانين المرافعات المقارنة بوضع تنظيم خاص للإعلان الإلكتروني، ليواكب التطور التكنولوجي بشكل حقيقي.
ولا يوجد هناك أي مانع من الاخذ أو الاقتباس من قوانين ولوائح وانظمة الدول المقارنة كبعض قوانين وانظمة دول الخليج العربي، والدول المتقدمة، والاستعانة بذوي الاختصاص والمؤهلين قانونيا،عند إعداد بنود اللائحة، وايجاد بنيه تحتيه بشريه وفنيه لمقومات تفعيل واستخدام الإعلان القضائي بالوسائل الإلكترونية، وإنشاء قطاع تكنلوجي خاص بوزارة العدل يختص بمثل تلك الإعلانات بالتنسيق مع وزارة الاتصالات ومزود الخدمات والتصديقات الإلكترونية، وفتح نافذه أو قسم بكل محكمه طالما وأن الجهات المختصة في الدولة قد سعت مشكورة إلى ربط محاكم ونيابات الجمهورية بالشبكة العنكبوتية الإلكترونية وتم فتح نظام قضائي الكرتوني، التي تقوم على اساس التخلص من مساوئ الاعلانات القضائية التقليدية وسلبيات عمل المحضرين والخصوم والعمل القضائي بالوسائل التقليدية، وفرض الرقابة.
والله من وراء القصد،،،
أهم المراجع:
١- د /عبد المؤمن شجاع الدين، الإعلان بالهاتف بحث منشور عبر الن.
٢- د/اسامه محمد السقاف: أحكام الإعلان الإلكتروني في اجراءات التقاضي في القانون اليمنى دراسة مقارنه بحث منشور ٢٠٢٤م، مجلة جامعة صنعاء للعلوم الإنسانية.
٣-أحمد سيد أحمد، الحماية الفضائية عن طريق الإعلان الفضائي عبر وسائل التواصل الاجتماع دارسه مقارنه لبعض الدول الخليجي.
بالإضافة إلى قانون المرافعات اليمنى المعدل برقم ١ لسنه ٢٠٢١م، وقانون الدفع والعمليات المصرفية اليمني، والقانون الاتحادي الإماراتي بشأن قانون الاجراءات المدنية والتجارية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*باحث قانوني في سلك الدكتوراه، ومحاضر قانوني.