دراسات وبحوث

دعوى بطلان حكم التحكيم الحكومي

تعليق على حكم

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين*

قضى الحكم محل تعليقنا بأن حكم التحكيم الصادر من لجنة التحكيم الحكومية يخضع لقانون التحكيم فيما يتعلق بجواز الادعاء ببطلانه أمام محكمة الاستئناف ، وأساس هذا الجواز قانون التحكيم الأعلى مرتبة من لائحة قانون قضايا الدولة التي نصت على أن أحكام التحكيم الحكومية تكون نهائية وانها ترفع للتنفيذ أمام لجنة التحكيم الحكومي ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17-9-2019م في الطعن رقم (95121)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وبإطلاع الدائرة على الأوراق مشتملات الملف تجد الدائرة :ان الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه بصفة أصلية البطلان لصدوره من الشعبة التجارية الأولى وهي غير مختصة نوعياً بنظر دعوى البطلان في حكم التحكيم الحكومي، موضحاً ان المشرع اليمني افرد التحكيم الحكومي والحكم الصادر عن لجنة التحكيم بقانون خاص استثناءً من قانون التحكيم العام، وهو قانون قضايا الدولة رقم (30) لسنة 1996م ولائحته التنفيذية رقم (40) لسنة 1997م مشيراً إلى أن المادة (40) فقرة (6) من اللائحة المذكورة أوجبت ان تكون أحكام التحكيم الحكومي نهائية وباتة ولا يجوز الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن، ومن ثم فأن ذلك يعد مانعاً قانونياً للقضاء من نظر أي طعن فيما ذكر حسب تعبير الطاعن – والدائرة تجد أن هذا النعي مردود عليه: بأن النص المذكور في اللائحة قانون قضايا الدولة لا أصل له في القانون الذي صدرت اللائحة تنفيذاً له مما يستدعي إعمال أصل من أصول مبادئ القانون وهو المتعلق بتدرج التشريع فيما بين انواعه الثلاثة، حيث يأتي الدستور في المرتبة الأولى والقانون في المرتبة الوسطى وفي المرتبة الدنيا توجد اللائحة أو التشريع الفرعي، ولذلك التدرج آثار معلومة في الفقه والقضاء واهمها عدم جواز مخالفة التشريع الأدنى للتشريع الأعلى، لذلك فأن أحكام قانون التحكيم رقم (22) لسنة 1992م وتعديلاته هو الشريعة العامة لقضايا التحكيم فلا يمكن تخصيص نصوصه بنص لائحة، إذ في ذلك مخالفة لمبدأ المشروعية وهو ما سارت عليه هذه الدائرة في أحكامها بهذا الخصوص))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: التحكيم الحكومي في قانون قضايا الدولة:

أشار قانون قضايا الدولة ضمن اختصاصات وزارة الشئون القانونية إلى أن الوزارة تختص بحل المنازعات بين الجهات الحكومية مع غيرها عن طريق التحكيم، حيث نصت المادة (7) من قانون قضايا الدولة على أن: (تتولى الوزارة فيما يتعلق بقضايا الدولة الاختصاصات التالية: -4- حل المنازعات الناشئة فيما بين الجهات المعنية المشمولة بأحكام هذا القانون عن طريق التحكيم الحكومي فيما يجوز لها فيه التحكيم قانوناً ولا يكون التحكيم الحكومي ملزماً للغير إلا إذا طلبه أو وافق عليه)، وفي هذه الفقرة لم يحيل قانون قضايا الدولة تنظيم إجراءات التحكيم الحكومي إلى لائحته التنفيذية، وإنما نص القانون في المادة (40) منه على أن: (تصدر اللائحة التنفيذية لهذا القانون بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على عرض الوزير)، وبناءً على ما تقدم فلم يرد في قانون قضايا الدولة نص يحيل إلى لائحته تنظيم إجراءات التحكيم الحكومي.

الوجه الثاني: التحكيم الحكومي في لائحة قانون قضايا الدولة:

نظمت لائحة قانون قضايا الدولة إجراءات التحكيم الحكومي في الفصل السابع من اللائحة في المواد (من 35 إلى 41) التي تضمنت إجراءات تقديم طلب التحكيم الحكومي من الجهات الحكومية المشمولة بقانون قضايا الدولة والأطراف الأخرى المتنازعة معها، حيث تضمنت اللائحة تشكيل لجان التحكيم الحكومي واختصاصات لجان التحكيم الحكومي وطلبات التحكيم وإجراءاته وحكم لجنة التحكيم الحكومي، وقد نصت الفقرة (6) من المادة (40) من اللائحة على أن: (تكون أحكام هيئة التحكيم الحكومي نهائية ونافذة وغير قابلة للطعن)، ليس ها فحسب بل أن الفقرة (10) من المادة السابق ذكرها قد نصت على أن: (ترفع جميع المنازعات المتعلقة بتنفيذ الحكم إلى اللجنة “أي لجنة التحكيم الحكومي” التي اصدرت الحكم خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ صدور الحكم)، فهذا النص يوحي بأن لجنة التحكيم الحكومي تجمع بين سلطتي اصدار حكم التحكيم وتنفيذه معا، في حين ان قانون التحكيم ينص على أن: محكمة الاستئناف هي المختصة بتنفيذ أحكام التحكيم.

الوجه الثالث: دعوى بطلان حكم التحكيم الحكومي أساسها ما ورد في قانون التحكيم وليس لائحة قانون قضايا الدولة:

صرح الحكم محل تعليقنا بأن الحكم الصادر من لجنة التحكيم الحكومي يخضع لنظام دعوى بطلان حكم التحكيم مثله في ذلك مثل غيره من أحكام التحكيم التي تصدرها هيئات التحكيم التي نظمها قانون التحكيم، لأن قانون التحكيم الصادر من السلطة التشريعية المختصة وفقاً للدستور أعلى مرتبة من لائحة قضايا الدولة الصادر بقرار من رئيس مجلس الوزراء حسبما نص عليه قانون قضايا الدولة إضافة إلى أن قانون التحكيم قانون خاص فيما يتعلق بمسائل التحكيم، لأنه القانون الذي خصصه المشرع لتنظيم كافة إجراءات التحكيم، علاوة على أنه من مصلحة العدالة أن تخضع أحكام التحكيم كافة لرقابة القضاء من خلال الرقابة القانونية التي تباشرها محاكم الاستئناف عن طريق دعاوى بطلان أحكام التحكيم بإعتبار محاكم الاستئناف  بالنسبة  لدعاوي البطلان تكون محاكم قانون .

الوجه الرابع: الأحكام الجديدة في لائحة القانون:

تذهب الاتجاهات الجديدة في صياغة التشريعات إلى عدم جواز تضمين اللائحة أحكام جديدة لم يحيل القانون تنظيمها إلى لائحته التنفيذية ،  لأن  استحداث اللائحة لأحكام جديدة من غير إحالة في القانون يكون إعتداء سافرا من قبل السلطة التنفيذية على اختصاصات السلطة التشريعية المختصة أصلاً بالتشريع، لأن السلطة التشريعية حينما تشرع القانون تفوض السلطة التنفيذية بتنظيم بعض المسائل التي تقرر ان السلطة التنفيذية اجدر في تشريعها بحسب خبرتها واختصاصها، اما إذا لم يحيل القانون على اللائحة تنظيم بعض المسائل، فإن استحداث أحكام جديدة في اللائحة يكون إعتداءا على صلاحيات السلطة التشريعية وإهدارا لمبدأ الفصل بين السلطات، لان هذه الأحكام التي ترد في اللائحة تصدر من غير تفويض من السلطة التشريعية المختصة اصلا بسن التشريعات بموجب أحكام الدستور . (مهارات الصياغة القانونية، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، ص142)، والله اعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

Loading