مقال الاسبوع

الثلاسيميا القاتل المرعب

فاضل الهجري*

كانت زيارة سريعة قمنا بها في الاعلام القضائي بناء على توجيهات وزير العدل، وتأتي هذه الزيارة ضمن جهود الوزارة التي تبذلها للاطلاع على واقع معاناة المرضى وجهود الجمعية عبر مركزها العلاجي في رعاية المصابين وتوعية المجتمع بمخاطر تلك الأمراض وسبل الوقاية منها، وأهمية إجراء الفحص المبكر والاستشارة الطبية قبل الزواج.

ما رأيناه كان مفزعا ومرعباً فقد وجدنا حالات يتمنى الواحد ان يموت ولا يكون ضمنها ويعاني معاناتها.. تخيلت حينها لو أني او أحد ابنائي أعاني تلك المعاناة فأظلمت الدنيا في عيني وفضلت الموت على ان اكون في تلك الحالة ولو أني ممن أصيب أحد ابنائه بتلك الامراض لقطعت الخلفة نهائيا..

من خلال الحديث مع مدير عام الجمعية حول سبل الوقاية من تلك الامراض تبين أن الامر ليس بالصعوبة التي تخيلتها، كون الامر يحتاج فقط لإجراء الفحص الطبي قبل الزواج، وهو امر لا صعوبة فيه.

الفحص قبل الزواج يتم اجراؤه بكل سرية ويمكن القيام به قبل اعلان الخطوبة ايضاً، ولا يمكن ان يكون عائقا أمام الذكر او الانثى عن الزواج في حالة تبين الطرفين لن يكونا آمنين من تلك الامراض، كون كل منهما سيجد الطرف الاخر الاكثر مناسبة له وأمنا طبيا عليه وعلى عائلته المستقبلية.

الفحص قبل الزواج ليس فيه أدنى مشكلة أو ضرر ولا يمكن أن يكون منقصا لاحد ذكرا كان او انثى بل اقدام الشخص على القيام بهذه الفحوصات دلالة على رقي مستواه الثقافي والعلمي واستشعاره لمسئوليته تجاه ابنائه ومجتمعه ووطنه.

ثم ان التأكد لا يعني ان الجمعية ستمنع الطرفين من الزواج او تقاضيهما ان هما تزوجا.. ولكن معرفتهما قبل الزواج خير لهما من المعرفة المتأخرة بعد وقوع الفأس في الراس.

وكما أن الانسان معني بالدفاع عن نفسه وماله وعرضه ويضحي بنفسه في سبيل ذلك فهو ايضا مسئول عن حياته وحياة ابنائه بعد الزواج وعليه أن يعمل ما يمكنه من ضمان حياة آمنة مطمئنة مستقرة له ولأبنائه مستقبلا.

قصص كثيرة سمعنا بها وشاهدناها كلها تدمي القلب وتقتل المشاعر.. الأسر التي بها مصابون بمرض الثلاسيميا وهم في حالة مادية ميسورة جداً تحولت حياتهم الى جحيم برغم ثرائها المادي.. حيث أصبحت اسرا متسولة وفي وضع يرثى له وعجزت اموالهم عن مواجهة تلك الامراض فكيف بالأسر الفقيرة والاشد فقرا؟

قد يكون المقدمان على الزواج عاشقان لبعضهما حد الوله ولكنهما في حال انجابهما طفلا واحدا مصابا بالثلاسيميا او أحد الامراض المنجلية سيلعنان ذلك الحب طوال حياتهما، وقد يضطرا للفراق مرغمين او يضطرا لمنع الانجاب.. ولن تنتهي المشكلة بقطع الخلفة، فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا، وحاجة الانسان للولد اشد من حاجته للمال وهو ما قد يجعل الرجل مضطرا للزواج بأخرى على افتراض موافقة الأنثى على ذلك..

فهل سيكون ذلك حلا نهائيا؟

وهل تقبل المرأة ان تعيش طوال حياتها محرومة من الولد وهي قادرة على الانجاب وأن تشاركها أخرى في حبيبها الذي قاومت الدنيا لتتزوجه؟

أسئلة كثيرة يجب ان يسألها الشخص لنفسه وبالأخص المرأة للموازنة بين الاكثر صعوبة وضررا.. اجراء الفحص الطبي قبل الزواج أم الحياة طوال العمر في جحيم المعاناة والحرمان؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب مدير عام العلاقات والتوعية القضائية بالوزارة- مدير تحرير القضائية وموقعها الالكتروني.

Loading