دراسات وبحوث

الدفاع الشرعي من منظور القانون اليمني والشريعة الإسلامية (2-2)

لست مجرماً

 بقلم المحامية: نسمة عبد الحق النجار

استكمالاً لقراءتنا المتواضعة حول الدفاع الشرعي من منظور القانون اليمني والشريعة الإسلامية والتي تم نشر الجزء الأول منها في عدد القضائية رقم (176) نستكمل في هذا العدد الجزء الثاني من الموضوع مع ذكر بعض التطبيقات على حالات الدفاع الشرعي مستعينين بالله عز وجل وذلك على النحو التالي:

 

حالة دفاع شرعي دون تجريم أو تحريم:

وبالاطلاع والتمعن في كتب الفقه وجدت نفسي وأنا أتنقل بين مواضيعها أن هناك حالة أبيح فيها الدفاع الشرعي دون تجريم أو تحريم علاوة على ما سبق الحديث عنه، وهذه الحالة هي عند الاعتداء على حرية وحرمة وخصوصية المرء في مسكنه والتي أباح الشرع فقئ عين الجاسوس، وإذا مات الجاسوس نتيجة فقئ عينه من قبل مالك المنزل فلا مسئولية على الأخير.

وقد تناول الفقهاء هذه المسألة تحت عنوان حكم النظر إلى دار الغير بدون إذن ومسئولية صاحب الدار عن رده لذلك، والمتمثل بطعن عين المعتدي الناظر الجاسوس، وانقسم الفقه إلى اتجاهين كالتالي:

القول الأول وهو قول الامامين الشافعي وأحمد ورجال من أهل الحديث: لا قصاص ولا غيره على الطاعن، وحجتهم في ذلك ما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه، فقد هدرت عينه)، وما رواه سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن أطلع في إحدى حجراته وكانت في يده حديدة لتسوية شعر الرأس كالمشط:( لو كنت أعلم أنك تنظر لطعنت بها عينك).

أما القول الثاني فهو للإمامين أبي حنيفة ومالك: فقد اعتبروا الطاعن جانياً وعليه القصاص والأرش مستدلين بقوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين)، كما عللوا قولهم بأن دخول واقتحام دار على أهلها مع النظر لا يبيح قلع العين، لذلك من باب أولى عدم الإباحة لمجرد النظر من ثقب الباب.

وحمل أصحاب الرأي الثاني حديث أبي هريرة الذي استدل به القول الأول على حالة منع أهل الدار الناظر من النظر ولكنه قاوم وامتنع وقاتل لذلك قلعت عينه بسب المقاومة والمدافعة.

ورد أصحاب القول الأول على أصحاب القول الثاني بأن استدلالهم بالآية السابقة في هذه المسألة استدلال ضعيف، لأن الحديث جاء بحكم خاص للمسألة، ولأنه لا يوجد فرق بين من يتجسس على أهل الدار دون علمهم وبين من يبصرونه ويستترون منه، فالأول أعظم جرماً من الثاني لذلك تذهب عينه هدراً.

وبمطالعة القولين وأدلتهم وحججهم أرى كما يرى الكثيرون أن أدلة القول الأول أقوى حجة في هذه المسألة، لذلك هو ما ينبغي أن يكون عليه الحال، وإلا فما الحكمة من تشريع الإسلام لأحكام الاستئذان وقول الرسول الكريم 🙁 هل الاستئذان إلا من أجل النظر؟).

وهو ما نأمل أن يأخذ به القانون اليمني والنص عليه صراحةً ضمن حالات الدفاع الشرعي حتى وان أدى ذلك إلى موت المعتدي الجاسوس الذي أهدر دمه بتصرفه المحرم شرعاً والمجرم قانوناً.

 

الموضوع ببساطة

أن فعل الاعتداء وفعل والدفاع يكونا قد وقعا ويكون هناك تجاوز من وجهة نظر المعتدي أو أحد اولياء دمه ما يدفع بهم لرفع دعوى العدوان الاصلي ومن ثم يقدم المعتدى عليه دفعاً يتمثل بدعوى الدفاع الشرعي.

وتلك الدعويين هما اساس وجود دعوى التجاوز للدفاع الشرعي والتي تكون من قبل المعتدي محاولةً منه لدحض دعوى الدفاع المقدمة من المعتدى عليه، ودعوى التجاوز تعد اقرار من قبل المعتدي بأنه هو من بدأ العدوان.

واقرار المعتدي الاصلي بأن المعتدى عليه قد قام بأفعال الدفاع ضده غرضه التشكيك في اكتمال شروط الدفاع في دعوى الدفاع الشرعي المقدمة من الأخير وخاصة شرط التناسب الذي يعد الفيصل بوجود حالة دفاع شرعي من عدمه، مطالباً بقبول دعوى التجاوز المقدمة من قبله.

فالقاضي يقوم بعملية توازن وتقدير بين جسامة الخطر الذي نشأ عن فعل المعتدي، وجسامة الرد الصادر من المعتدى عليه، الامر الذي يعني ان اقتناع القاضي بدعوى الدفاع الشرعي الصادرة من المعتدى علية يؤدي لتجريم المعتدي، وعدم اقتناعه بدعوى الدفاع واقتناعه بدعوى التجاوز يؤدي لتجريم المعتدى عليه لتجاوزه حدود الدفاع الشرعي المباح.

 

الدفاع ضد خطر الحيوان

بعد كل ما سبق يتبقى الحديث عن نقطة ليست بتلك الاهمية، ولكني سأشير اليها حتى اكون قد شملت موضوع الدفاع الشرعي من كل النواحي وهي الدفاع ضد خطر الحيوان.

من المعلوم ان فعل الحيوان لا يعد جريمة وذلك لان خطاب الشرع والقانون موجه للإنسان، وبالتالي فإن صفة عدم المشروعية في فعل المعتدي لا تلحق افعال الحيوانات.

ولكن هل يعني ذلك ان اختلال شرط عدم مشروعية الفعل يؤدي لعدم صحة الدفاع الشرعي ضد الحيوان حتى لو كان فعله يشكل خطراً؟

الحقيقة انه يصح دفع ذلك الخطر بموجب احكام الضرورة والتي لا تساوي الاباحة أو حالة الدفاع الشرعي، وبالتالي لا يكون فعل المدافع مباحاً إذا ما قصد الاضرار بالحيوان وتجاوز قصد درء الخطر عندها يجب عليه التعويض عن الضرر.

ولا يعني ذلك اعفاء مالك الحيوان من المسئولية إذا كان قد قصر في حفظ الحيوان وكف أذاه عن الغير، بل ستكون المسئولية مشتركة يتحملها المدافع لتجاوزه حدود الضرورة ومالك الحيوان لتقصيره في حفظ حيوانه الذي تسبب للناس بأذى.

كل ما سبق كانت الخلاصة لموضوع الدفاع الشرعي، ولكن ماذا عن خلاصة الخلاصة؟

خلاصة الخلاصة

خلاصة الخلاصة استنتجتها ليسهل الرجوع اليها عند الاجابة على التطبيقات التي ستكون في نهاية الموضوع.

بدايةً يجب ان ندرك ان شروط الدفاع الشرعي ذو طبيعة موضوعية وتختلف من واقعة لأخرى باختلاف الظروف المادية والزمانية والمكانية للواقعة والحالة النفسية والقوى البدنية لكلٍ من المعتدي والمعتدى عليه وكل ذلك خاضع لتقدير القاضي الموضوعي لا معقب عليه.

ثم لنا ان نسلم بالتالي:

  • فعل خاضع لنص تجريم وخاضع لسبب إباحة= حالة الدفاع الشرعي.
  • فعل خاضع لنص تجريم وغير خاضع لسبب إباحة = فعل غير مشروع محرم شرعاً ومجرم قانوناً.
  • خطر حال + فعل غير مشروع = شروط فعل المعتدي.
  • اللزوم + التناسب = شروط فعل المعتدى عليه (المدافع).
  • شروط فعل المعتدي + شروط فعل المعتدى عليه = الدفاع الشرعي المباح شرعاً وقانوناً.
  • اختلال أحد شروط المعتدي = انتفاء حالة الدفاع الشرعي.
  • اختلال أحد شروط المعتدى عليه = تجاوز في الدفاع الشرعي يعرض المدافع المتجاوز للمساءلة.
  • دفاع شرعي + أحد الحالات المنصوص عليها في المادتين (29)28) + اسباب معقولة + قرائن قوية = جواز القتل العمد دفاعاً شرعياً ولا قصاص ولادية ولا ارش على المدافع أي (لا يتحمل المدافع لا مسئولية جنائية ولا مسئولية مدنية).
  • شروط فعل المعتدي +حالات غير التي ذكرت في المادتين (29)28) = جواز الدفاع بشرط عدم قتل المعتدي وإلا اعتبر المدافع متجاوزاً ويتعرض للمساءلة.
  • تجاوز حدود الدفاع الشرعي = المعتدى عليه يصبح معتدي والمعتدي يصبح معتدى عليه بقدر التجاوز.
  • خطر وهمي + اسباب معقولة = لا مسئولية جنائية لعدم توفر القصد الجنائي وتبقى المسئولية المدنية وتكيف القضية خطأ في الواقع اي غلط في الإباحة وفق المادة (37) من قانون الجرائم والعقوبات.
  • المعتدي مجنون أو صغير = لا مسئولية جنائية على المجنون لوجود خلل في قواه العقلية والذهنية، وكذلك الطفل لقصر سنة مع عدم الاخلال بالمسئولية المدنية وفق المادة (311) مدني يمني، والتي تنص على:( كل من تولى بنص أو اتفاق رقابة شخص في حاجة إلى رقابة بسبب قصر سنه أو حالته العقلية أو الجسمية، يكون ملزماً في ماله بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع، واذا لم يكن له مال فيكون التعويض من مال الشخص الذي يتولى رقابته، ويعتبر القاصر في حاجة إلى رقابة اذا لم يدرك سن البلوغ ويستطيع المكلف بالرقابة ان يتخلص من المسئولية اذا أثبت أنه قام بواجب الرعاية أو أثبت أن الضرر كان لا بد واقعاً بأمر غالب ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية).
  • شرط اللزوم يدور وجوداً وعدماً مع شرط الخطر الحال.
  • تجاوز المدافع لحدود الدفاع الامر الذي تسبب بقتل المعتدي أو اصابته بجروح بالغة = رفع المعتدي أو اولياء دمه دعوى عدوان ضد المعتدى عليه.
  • صد المدافع لاعتداء المعتدي =دعوى الدفاع الشرعي التي تكون رداً على تهمة المعتدي للمعتدى عليه المتمثلة بالعدوان.
  • دعوى العدوان (للمعتدي) + دعوى الدفاع الشرعي (للمعتدى عليه) =الاساس لدعوى تجاوز حدود الدفاع الشرعي والتي يرفعها المعتدي الذي يدعي ان المدافع تجاوز حدود الدفاع ويشكك من اكتمال شروط الدفاع خاصةً شرط التناسب.

 

صور التجاوز:

ويتخذ التجاوز أحد الصور التالية:

أ) تجاوز المعتدى عليه عمداً مستغلاً حالة الدفاع = التعرض للمسئولية القانونية.

ب) تجاوز المدافع بسبب سوء تقدير الموقف والاندفاع برعونة = تجاوز بإهمال ويكون في حكم الخطأ غير العمدي.

ج) تجاوز المدافع دون عمد ودون خطأ = التعرض فقط للمسئولية المدنية ولا يتعرض للمسئولية الجنائية لعدم تحقق الركن المعنوي.

 

وفي جميع الاحوال لا يشترط ان يكون الخطر الحال الذي يصح الدفاع عنه خشية وقوع الجريمة على درجة معينة من الجسامة، فيصح الدفاع ضد كل خطر حال ينبئ بوقوع جريمة وان قلت درجتها أو تضاءلت خطورتها، كما يصح الدفاع ضد كل خطر حال وان كان المعتدي جديراً بالتخفيف أو الاعفاء من العقوبة.

 

الدفاع الشرعي عن جرائم القذف والسب

يذهب بعض الشُراح إلى القول بجواز الدفاع الشرعي عن جرائم القذف والسب اضافةً لجرائم النفس والعرض والمال التي تحدثنا عنها سابقاً.

ولكننا نرى ان اخضاع جريمتي السب والقذف لشروط الدفاع يفتح مجال نحن في غنى عنه حيث يتبين لنا انه بإمكان الشخص اللجوء إلى السلطات العامة وفق المادة(27) ويكتفي بإشهاد الناس على المعتدي المرتكب للجريمتين السابقتين ولا نترك المجال مفتوحاً خصوصاً وأنه يوجد في مجتمعنا بعض مظاهر التفسخ الأخلاقي وأُتخذ من السب والقذف تارةً مزاحاً وتارة ًدون ذلك، ولو أخضعنا مدى توفر الجريمتين من عدمه إلى رغبة المعتدى عليه لاعتبرها متى ما أراد وانزلها المنزلة الذي يريدها، خاصةً اذا كان ذلك بين من اعتادوا على ألفاظ غير لائقة إطلاقاً متناسين أن المؤمن ليس بالبذيء، فيخضع المعتدى عليه الجريمتين على انها اعتداء متى ما شاء ولمن شاء وكذلك حال اعتباره مزاح، ما يعني ان المعتدي يظل تحت رحمة المعتدى عليه ان انطبقت عليه الحالة الاولى لتصح المسميات.

او ان رأي اخضاع جريمتي السب والقذف للدفاع الشرعي يكون له مستند إذا كانت الجريمتين فيما دون الفئة والاشخاص الذين يعرف عنهم مجتمعياً بالبذاءة والتفسخ الاخلاقي والديني.

 

الدفاع عن الدين

تحدثنا عن الدفاع عن النفس والمال والعرض، أما ماورد في الحديث عن الدفاع عن الدين، فالواضح من وجهة نظرنا أن الحديث يدل على أن يكون المعتدى عليه ضحية لاعتداء المعتدي بسبب اعتناقه للدين الإسلامي وتمسكه به، كما حدث مع أول شهيدة في الإسلام الشهيدة سمية أم عمار، وكذلك زوجها ياسر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم، وكحال مسلمي بورما اليوم أو اللايغوز في الصين أو اي أقلية مسلمة تحارب ويُعتدى عليها بسبب دينها وفي سبيل اعلاء كلمة الله، قال تعالى:( يريدون ان يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) [ التوبة:32   ]، وقال ايضاً جل جلاله:( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) [ الصف : 18  ].

 

قضايا تطبيقية

بدايةً إذا كانت المقدمات سليمة ومقطوع بصحتها كانت النتائج سليمة ومقطوع بصحتها ايضاً والعكس من ذلك صحيح.

ولما كان الامر كذلك فإن السطور القادمة عبارة عن قضايا واقعية وافتراضية تجمع إلى حد ما كل شروط الدفاع الشرعي وتجاوزه.

القضية الأولى:

أقدم سعد بحمل سلاح ناري وما ان اقترب من صادق حتى وضع يده على الزناد، فقام صادق بضرب سعد حتى تسبب له بجراح بالغة.

فما مسئولية صادق؟ وهل كان فعلاً بصدد دفاع شرعي؟

الإجابة

أ) المبادئ القانونية

تتعلق هذه القضية بالشرط الاول لفعل المعتدي وهو الخطر الحال، وهو ان تكون الجريمة وشيكة الوقوع، أو هي الحدث التالي لفعل المعتدي الموجه ضد المعتدى عليه بحيث لا يكون هناك إلا وقت قصير جداً لوقوع الخطر ولا يتسع للبحث عن مخرج إلا الدفاع لأنه لو تُرك دون صد أو مقاومة لتسبب بحدوث جريمة، أي أن الخطر الحال وسطاً بين الاستقبال والتحقق.

 ب) التطبيق

نلحظ ان فعل سعد قد تحقق فيه شرط حلول الخطر وذلك بوضع يده على الزناد، والذي يدل على وجود نية الاعتداء لديه تجاه صادق، لذلك فإن صادق مارس حقه الشرعي والقانوني في الدفاع عن نفسه ولا يتعرض للمسئولية.

 

القضية الثانية

أقدم عمر بالاعتداء بالضرب على جابر ما أدى لسقوط جابر ارضاً، وما ان استعاد جابر توازنه حتى قام بملاحقة عمر وضربه.

فما رأيك بتصرف جابر؟ وهل كان فعلاً في موقف دفاع شرعي؟

 الإجابة

 أ) المبادئ القانونية

تتعلق هذه القضية بالخطر الحال. وتفادياً للتكرار يتم الرجوع للقضية الاولى.

ب) التطبيق

يتبين لنا ان تصرف عمر تجاه جابر قد وقع فعلاً وانتهى ولم يعد خطر حال يستوجب الدفاع.

وكان بمقدور جابر اللجوء للسلطات العامة لمعاقبة عمر لاعتدائه عليه لا ان يمارس جابر اختصاص السلطات.

وبفعله هذا أصبح في موقف المنتقم لا المعتدى عليه ويتعرض للمساءلة.

 

القضية الثالثة

قام شخص مختل العقل يدعى باسم بأخذ عصا محاولةً منه الاعتداء على

لؤي، الامر الذي دفع لؤي لصد ومقاومة باسم متسبباً له بجروح.

فما مسئولية لؤي؟

الإجابة

 أ) المبادئ القانونية

تثير هذه القضية مسئولية المعتدي المختل عقلياً، وقد سبق لنا الحديث ان تصرف المختل والصغير يؤدي لنفس النتيجة الإجرامية كما لوكان التصرف صادر من شخص كامل الأهلية.

وعليه فإن دفاع المعتدى عليه مباح امام اي شخص معتدي بصرف النظر عن حالته العقلية أو قصر سنه او عدم خضوعه للمساءلة او…او….

ويجب ان ينطبق على فعل المدافع شرطي اللزوم والتناسب، فإذا كان امام المدافع ضد المعتدي المختل عقلياً أو الصغير وسيلتين للدفاع احداهما الهرب، يجب عليه ان يختار الهرب والا اعتبر متجاوزا ً لفقد شرط اللزوم.

سبق واوضحنا سبب ذلك.

مع التذكير ان:

المختل عقلياً أو الصغير لا يتعرضان للمسئولية الجنائية ويتم اعفائهما لخلل في قواهم العقلية والذهنية ولقصر الصغير.

كل ذلك مع عدم الإخلال بالمسئولية المدنية وفق المادة (311) من القانون المدني.

ب) التطبيق

يتبين مما سبق ان القضية لها احتمالين وهما كالتالي:

الأول:

في حالة قدرة لؤي على الهرب ولكنه لم يهرب.

فإن لؤي يتعرض للمساءلة، لان الهرب كانت الوسيلة اللازمة لتفادي خطر باسم (المختل عقلياً)

الثاني:

في حالة عدم قدرة لؤي على الهروب.

فإن دفاعه ضد المعتدي باسم لا يعرضه للمساءلة.، مع الأخذ بالاعتبار وجوب ان يكون هناك تناسب في رد الدفاع الصادر من لؤي وعدم التجاوز مالم اعتبر لؤي متجاوزاً لحدود الدفاع الشرعي.

 

القضية الرابعة

تمكن أشرف من الفرار من عصابة اعتقلته وحاولت اللحاق به، فما كان لديه من وسيلة للنجاة سوى تسلق سور أحد المنازل ليلاً، وما ان رآه صاحب المنزل متسلقاً السور وهو مندفعاً للدخول إلى المنزل حتى أرداه قتيلاً، فقام اولياء دم أشرف بالمطالبة بالقصاص.

دفع صاحب المنزل انه كان في حالة دفاع شرعي، فما رأيك بهذا الدفع؟

الإجابة

 أ) المبادئ القانونية

تتعلق هذه القضية بأحد الحالات المبيحة للقتل والتي نصت عليها المادة (29) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني اذ جاء فيها:( لا يجوز ان يبيح حق الدفاع الشرعي عن المال القتل العمد الا إذا كان مقصوداً به دفع أحد الامور الآتية:

3- الدخول ليلاً في منزل مسكون أو أحد ملحقاته).

ب) التطبيق

تصرف صاحب المنزل في هذه القضية قد يعرضه للمساءلة وقد لا يعرضه.

وتفصيل ذلك كالتالي:

1 – لا يتعرض للمساءلة.

وذلك لتوفر أحد الحالات المبيحة للقتل في تصرف أشرف لدخوله المنزل ليلاً.

واندفاع وارتباك أشرف الذي كان نتيجة هروبه من خطر يداهمه فسره صاحب المنزل بإقدام أشرف على الإعتداء عليه مما أدى لقتله. ظناً من صاحب المنزل انه في حالة دفاع شرعي ضد خطر حال يوشك ان يقع من أشرف ويؤدي لجريمة، بل وأضاف صاحب المنزل اسباباً معقولة تبريراً لقتله أشرف بقوله: أنه بين الحين والآخر يسمع اصوات وتحركات حول منزله وسبق وان تعرض منزل جاره للسرقة.

2 – يتعرض صاحب المنزل للمساءلة.

على الرغم من ان أشرف دخل للمنزل ليلاً الا انه ثبت من قبل أحد الجيران والذي كان ضيفاً لصاحب المنزل، انهما عندما كانا بداخل المنزل يتبادلان أطراف الحديث سمعا صراخاً قادماً من شخص تسلق سور المنزل وهو يستغيث النجدة أنقذوني.

وعليه.

في هذه الحالة لا نبرر تصرف صاحب المنزل واقدامه على قتل أشرف بأنه فعل دفاع.، لان المشرع عندما نص في المادة (29) قصد ان يكون هناك خطر حال يوشك الوقوع مع التشديد على ان دفع هذا الخطر وان كان القتل مباح قانوناً لدفعه، الا انه يجب عدم الاسراف في استعمال هذا الحق ان أمكن الدفاع بوسيلة اخرى ومن باب اولى تجريم القتل ان لم تتوفر حالة اعتداء.

الامر الذي يجب علينا عدم أخذ الحالات المبيحة للقتل على اطلاقها.

وقد قيد المشرع من هذا الاطلاق في المادة (28) باشتراطه ضرورة توفر اسباب معقولة وقرائن قوية توجب الدفاع الشرعي، مالم فإن الشخص يتعرض للمساءلة.

 

 القضية الخامسة

أراد تاجر المحافظة على بضاعته المعروضة خارج دكانه الكائن تحت منزله في قلب المدينة، بعد تعرض دكانه للسرقة، فقام بتوصيل بعض البضاعة بتيار كهربائي، وفي إحدى الليالي سمع صراخ شخص ما لبث أن صعقه التيار الكهربائي مما أدى لموته.

هل يعتبر التاجر في موقف دفاع شرعي؟

الإجابة

 أ) المبادئ القانونية

تفادياً للتكرار نعود للقضايا التي موضوعها الخطر الحال.

ومن الملاحظ ايضاً ان قيام التاجر بتوصيل بضاعته بتيار كهربائي هو لمواجهة خطر مستقبلي (احتمالي) لم يبدأ بعد.

ما يجعل بإمكانه اتخاذ تدابير لحماية ماله ضد مصدر الخطر المحتمل وقوعه أو الحيلولة دون وقوعه، وذلك باللجوء للسلطات العامة أو تعيين حارس لحراسة بضاعته.

وهنا يضع السؤال نفسه: هل يحق الاستعانة بالتيار والاسلاك الكهربائية في الدفاع الشرعي؟

يتجه اغلب الشراح للإجماع بجواز ذلك ولكن شريطة توفر شرطين هما:

الاول: ان لا يعمل التيار الكهربائي الا عند حلول الخطر اي (خضوع التيار والاسلاك للتحكم).

الثاني: يجب على التاجر اتخاذ الاجراءات اللازمة للحيلولة دون الإضرار بالأبرياء.

 ب) التطبيق

من القضية يتبين لنا ان التاجر مسئولاً عن جريمة القتل العمد وذلك تأسيساً لما يلي:

الاساس الاول:

لا يمكن الاحتجاج بحالة الدفاع الشرعي للمال لان التاجر كان بإمكانه الاحتماء بالسلطات العامة أو تعيين حارس لحراسة بضاعته لوقوع دكانه بقلب المدينة، ناهيك من ان فعله قد أضر بالأبرياء.

الاساس الثاني:

من خلال القضية يتبين لنا ان القصد الاحتمالي للتاجر قد توفر بتوقعه نتيجة اجرامية معينة والقبول بها سلفاً بدليل توصيله التيار الكهربائي رغم علمه بخطورة الامر على جميع الناس.

الاساس الثالث:

عدم تقيده بالشرطين السابقين.

 

 القضية السادسة

تأخر المستأجر كمال في دفع الإيجار عدة شهور، فأرسل المؤجر ابنه عبد الله للمطالبة بالإيجار، ولأنه معروف ان كمال يتصف بالعدوانية، أرسل المؤجر خادمه رشيد مع ابنه.

اعطى عبد الله لرشيد سكيناً وطلب منه اخفائها والاستعانة بها في حالة تعرضهما للاعتداء من قبل كمال، وعند الوصول ومطالبة عبد الله بالإيجار من كمال حدثت مشادة كلامية، أدت لهجوم كمال على عبد الله محاولاً قتله خنقاً، لولا ان رشيد دفع الخطر عن عبد الله بطعنة اصاب بها كمال في غير مقتل حتى سقط ارضاً، ثم شفي بعد ذلك.

فما مسئولية كلاً من: كمال- عبد الله-والد عبد الله – رشيد؟

الإجابة

أ) المبادئ القانونية

تفادياً للتكرار نعود للقضايا السابقة التي تتحدث عن الخطر الحال في الدفاع الشرعي.

كما تثير القضية حالة الدفاع عن نفس الغير والتي نصت عليها المادتين (27)28) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني.

ب) التطبيق

يتبين من وقائع القضية السابقة وجود جريمتين الاولى ارتكبها كمال وهي الشروع في القتل، والثانية ارتكبها رشيد وهي الجرح العمدي الجسيم.

وعليه:

اولاً: مسئولية كمال

يساءل كمال جنائياً عن الشروع في قتل عبد الله لان فعله(الخنق) توافر فيه عناصر الشروع في الجريمة، وفق نص المادة (18) من القانون السابق على:( الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جريمة إذا اوقف سلوك الفاعل أو خاب أثره لسبب لا دخل لإرادته فيه، ولو استحال تحقق الجريمة التي قصد الفاعل ارتكابها لقصور الوسيلة المستعملة أو لتخلف موضوع الجريمة أو لعدم وجود المجني عليه).

وذلك بالبدء بتنفيذ جريمة القتل والتي خاب وأوقف أثرها لسبب لا دخل لإرادة كمال فيه، وهو تدخل رشيد بطعنه بالسكين.

ثانياً: مسئولية رشيد

بما ان فعل كمال غير مشروع (خنقه عبد الله) فإنه يكون معتدياً وما قام به رشيد الا دفاع عن نفس الغير وفق المادة (27) من القانون السالف الذكر، والطعن بالسكين كان متناسباً مع جسامة فعل الخطر -الخنق – وكل ذلك يمنع من قيام المسئولية في مواجهة رشيد.

ثالثاً: مسئولية عبد الله

لا مسئولية عليه لأنه عندما أعطى رشيد سكيناً اتفق معه على فعل مباح وهو الدفاع الشرعي عند حلول الخطر وليس الاعتداء أو الانتقام.

رابعاً: مسئولية والد عبد الله

لا مسئولية عليه لأنه أمر ابنه بفعل مباح- المطالبة بالإيجار- وما صدر من ابنه وخادمه كان دفاعاً شرعياً وفق القانون فلم يكن اعتداء ولا انتقام كما أوضحناه سابقاً.

 

القضية السابعة

قام رامي بتوجيه مجنون للاعتداء على سالم اعتداء يُنبئ بحدوث جروح بليغة وتلف بالأعضاء بل قد يؤدي بحياة سالم، لعدوانية المجنون الذي لم يستطع سالم الهروب منه تفادياً لاي اعتداء.، فقام سالم بتوجيه سلاحه تجاه رامي وأرداه قتيلاً، ولكن لم يتوقف المجنون عن الاعتداء فدفع سالم الخطر عنه ما تسبب له بجروح بليغة.

هل كان سالم بصدد دفاع شرعي وهل تحقق في فعله شروط الدفاع الشرعي المباح؟

الإجابة  

أ) المبادئ القانونية

تثير هذه القضية المصدر المباشر وغير المباشر للخطر الحال.

المصدر المباشر: هو الذي في مقاومته يمكن صد الاعتداء وتتحقق حالة الدفاع الشرعي.

لمصدر غير المباشر: هو الذي في مقاومته لا يتحقق الغرض من فعل الدفاع وهو الصد ووقف الاعتداء ودرء الخطر، وبالتالي توجه فعل الدفاع للخطر غير المباشر يكون غير لازم لعدم كفايته لصد الخطر.

ب) التطبيق

من الملاحظ من القضية ان مصدر الخطر المباشر هو المجنون الذي مستمر باعتدائه اما رامي فهو مصدر غير مباشر للخطر، وقتل رامي لا يؤدي لوقف المجنون عن الاعتداء.

وبالرغم من أن سالم كان بحالة دفاع شرعي إلا أنه تجاوز حقه في الدفاع لفقده شرط اللزوم، ما يستوجب مساءلته جنائياً.

وكان التصرف الصحيح لسالم أن يدافع عن نفسه ويدرأ خطر اعتداء المجنون بالوسيلة اللازمة، حتى لو كانت القتل إن توفرت أسباب معقولة وقرائن قوية تدل على اتجاه نية المجنون لقتله، كون المجنون هو مصدر الخطر المباشر.

ثم لسالم اللجوء للسلطات العامة مطالباً إياها الانتقام له من رامي وإيقاع العقوبة عليه، لا أن يقوم بقتله لأنه كان يعتبر مصدر خطر غير مباشر.

 

القضية الثامنة

دب خلاف بين كرم وجلال أدى لاعتداء كرم بإبرة محاولاً وخز جلال بها، ما دفع جلال لأخذ سلاحه الأبيض وقتل كرم.. فما مسئولية جلال وهل كان في حالة دفاع شرعي؟

الإجابة

أ) المبادئ القانونية

تثير هذه القضية شرط التناسب بين وسيلة المعتدي ووسيلة المعتدى عليه.

ويقتضي شرط التناسب النظر إلى حالة المدافع وقواه البدنية وحالته النفسية وكذلك الحال بالنسبة للمعتدي وبالظروف المحيطة بالاعتداء والرد، وكل تلك الأمور تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع.

ب) التطبيق

يتبين لنا ان القضية تأخذ احتمالين بيانهما كالتالي:

الأول:

أن كرم أراد فعلاً قتل جلال باعتدائه.

حيث تبين ان كرم طبيب تشريح وهو اعلم بالشرايين والاماكن القاتلة في جسم الانسان، وبذلك توفرت احدى الحالات المبيحة للقتل المنصوص عليها في المادة (28) من القانون السالف الذكر

وكذلك توفرت اسباب مناسبة وقرائن قوية، ما يجعل جلال في حالة دفاع شرعي وبالتالي لا يتعرض للمساءلة.

الثاني:

أن كرم لم يقصد قتل جلال.

حيث تبين ان كرم يعمل في محل خياطة وما أن اختلف مع جلال في مسألة حتى قام كرم بأخذ ابرة في محاولة للاعتداء على جلال.

في هذه الحالة نلحظ ان اعتداء كرم لا يؤدي حتماً لقتل جلال، وكان بإمكان جلال صد الاعتداء بوسيلة مناسبة، لذلك اختل شرط التناسب وأصبح جلال متجاوزاً حدود الدفاع الشرعي ويتعرض للمساءلة، ما لم يثبت جلال وجود اسباب مناسبة وقرائن قوية تجعله خاضع لنص المادة (28) من القانون السالف الذكر، وكل ذلك خاضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع.

 

القضية التاسعة

قام ناصر بالاعتداء على قاسم بالضرب غير المبرح، فأقدم قاسم على اخذ سكين وجرح ناصر جراح بالغة، فما كان من ناصر إلا ان اخذ سلسلة من الحديد واصاب قاسم بجروح خطيرة، وعند المحاكمة دفع قاسم بأنه في حالة دفاع شرعي، فما رأيك بدفع قاسم؟

الإجابة

 أ) المبادئ القانونية

تثير هذه القضية شرط التناسب والذي اوضحناه في القضايا السابقة، فهي تثير مسألة تجاوز حدود الدفاع الشرعي.

ففي هذه القضية يتبادل الطرفان وصف المعتدي والمعتدى عليه اي خطر متتابع.

فالمعتدي عند اعتداءه يكون قد ارتكب فعل غير مشروع بحق المعتدى عليه الامر الذي يخول الاخير شرعاً وقانوناً الرد والدفاع عن الخطر الحال القادم من قبل المعتدي والذي يُنبئ بحدوث جريمة لو تُرك دون صد أو مقاومة، ويشترط ان يكون فعل الدفاع لازماً ومتناسباً وسبق لنا توضيح الشرطين.

وعند اخلال المعتدى عليه بالشرطين اي عند تجاوز حدود الدفاع الشرعي يصبح معتدي ويخول للمعتدي الاصلي حق الرد والدفاع عن التجاوز.

ب) التطبيق

نرى ان فعل قاسم كان تجاوزاً لحدود الدفاع الشرعي لإخلاله بشرط التناسب ما يجعله عرضة للمساءلة، وما قام به ناصر هو حالة دفاع شرعي اجازه له الشرع والقانون بالرغم انه المعتدي، ولكن تجاوز قاسم جعل من ناصر معتدى عليه، ويتعرض المتجاوز لحدود الدفاع للحالات المبينة في المادة (30) من قانون الجرائم والعقوبات والتي اوضحناها سابقاً.

واستمرار الاعتداء المتبادل بين الطرفين يجعلنا بصدد خطر متتابع ومتبادل والذي في اغلب الحالات لا تعترف المحاكم اليمنية بوجود حالة الدفاع الشرعي في ظله ويتعرض الطرفان للمساءلة، سبق لنا وان اوضحنا ذلك في احدى المبادئ القضائية السابقة للمحكمة العليا.

 

القضية العاشرة

قام هشام بإعطاء حارس منزله تعليمات مشددة بعدم السماح بدخول أي غريب منزله، وسلمه لذلك سلاحاً نارياً، وفي إحدى الليالي أقدم زيد وخالد على دخول حديقة المنزل متسللين عبر السور، فقام الحارس بإصابة زيد وأرداه قتيلاً، واستطاع خالد الفرار فتبعه الحارس وأصابه في غير مقتل.

قُدم الحارس للمحاكمة عن جريمتي القتل والجرح العمديتين، فدفع محاميه بأن الحارس كان في حالة دفاع شرعي، فما رأيك بهذا الدفع؟ وما مسئولية صاحب المنزل؟

الإجابة

أ) المبادئ القانونية

تثير هذه القضية الخطر الحال، وتفادياً للتكرار نعود للقضايا السابقة.

كذلك يتبين في المادة (27) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني أن المشرع أعطى لكل شخص حق الدفاع عن نفس أو عرض أو مال الغير ضد الخطر غير المشروع متى كان على وشك الوقوع بحيث لا يمكن تفادي نتيجته الإجرامية إلا بالصد والمقاومة.

اما إذا كان الخطر غير حال اي قد أصبح واقعياً وانتهى، فإن الشخص لا يكون بحالة دفاع شرعي بل معتدياً يجوز ممارسة الدفاع الشرعي ضده.

ب) التطبيق

في قضيتنا هذه لا بد من التفرقة بين فرضيتين تتعلقان بفرار زيد وخالد بعد دخولهما حديقة المنزل.

الفرضية الأولى:

فرار خالد وزيد بعد الدخول لكنهما ما زالا موجودين داخل محيط المنزل، في هذه الفرضية يكون الخطر ما زال قائماً ويكون للحارس إطلاق النار عليهما، ولكن في غير مقتل إن استطاع، وفي هذه الفرضية لا مسئولية على الحارس، لأنه كان في موقف دفاع عن مال الغير (منزل سيده).

الفرضية الثانية:

أن زيداً وخالداً غادرا حديقة المنزل.

في هذه الفرضية الخطر انتهى ولا يعد ما قام به الحارس من قبيل الدفاع الشرعي، بل انتقام ما يُعرض الحارس للمساءلة.

أما صاحب المنزل فلا مسئولية عليه لأنه استعمل حقه القانوني في حماية ماله (تعيين حارس وإعطائه سلاح يعينه على تأدية مهامه إن تطلب الأمر).

إلى هنا وبعد ان أرفقنا الموضوع بـ 10 قضايا تطبيقية حرصاً منا ليصل مكتمل الجوانب مشتملاً على النظري والتطبيقي معاً.

 

تقييم الاستفادة

سأضع في السطور التالية عدد من القضايا تاركةً الإجابة عليها لكل شخص ليعرف مدى الاستفادة التي جناها بعد قراءته للموضوع (الدفاع الشرعي).

وهي كالتالي:

1 – علم اولاد الشيخ هاني الحائزون لإحدى أراضي البناء ان اولاد الشيخ يحيى قادمون للإستيلاء على أرضهم، فتوجهوا إلى ارضهم للدفاع عنها.، ولما قدم اولاد الشيخ يحيى وحاولوا دخول الاراضي بغير حق أطلق اولاد الشيخ هاني الرصاص، لإثارة الخوف في نفوس اولاد الشيخ يحيى فولوا هاربين، ولكن ادت احدى الطلقات لإصابة أحد اولاد الشيخ يحيى.. فهل اولاد الشيخ هاني في حالة دفاع شرعي؟

2 – أقدم كامل بالاعتداء على نجيب باستخدام الحجر، فلم يجد نجيب لرد الاعتداء سوى سلاحه والذي اصاب به كامل في غير مقتل.. فهل انطبق على فعل الدفاع لنجيب شروط الرد أو الدفاع الشرعي؟

3 – قام العامل نصر بتهديد رب العمل رائد بأنه سيحرق منشأته ان لم يعطه حقوقه، وبعد شهر استيقظ رب العمل على حريق تسبب في اتلاف منشأته، فذهب رائد إلى منزل نصر وقام بالتهجم عليه مسبباً له جراح، ومبرراً انه كان في حالة دفاع شرعي عن ماله.. فهل كان تصرف رائد فعلاً بصدد دفاع شرعي؟

 

خلاصة واستنتاج التطبيقات

مما تقدم نخلص إلى:

أن شروط الدفاع الشرعي تختلف باختلاف ظروف كل واقعة، فليست ذو معايير ثابتة بل قد يصعب الامر على القاضي عند الحكم بتوفر شروط الدفاع الشرعي من عدمه، كما يصعب على المعتدى عليه اثبات انطباقها على فعله، والذي ربما يكون متجاوزاً وعندها يصعب على المعتدي الإثبات ايضاً.

ولذلك فإن الدفاع الشرعي موضوع متشعب ومتداخل ولكن قرائن الحال والظروف المحيطة للواقعة يكون لها الدور الاكبر في التكييف والتحديد والحكم.

ويحتل موضوع الدفاع الشرعي حيز لا يمكن تجاهله خصوصاً في مجتمعنا اليمني والذي يتميز بالعصبية ورغبة كل فرد بالحصول على حقه بيده (الانتقام) دون اللجوء إلى السلطات العامة.

فمن يعتدي على شخص ويلوذ بالفرار، فمن المؤكد ان المعتدى عليه سيلحق به للانتقام.

ولكن الاصل قانوناً ان الخطر انتهى ولم يعد حال، وهنا لا يمكننا التسليم بوجود دفاع شرعي، ناهيك ان المعتدي الاصلي عندها سيصبح في موقف المعتدى عليه ويجوز له الدفاع الشرعي.

وبالرغم ان ذلك هو واقع بيئتنا لكننا لا يمكننا التسليم بذلك حتى لا تتحول حالة الانتقام بحجة الدفاع الشرعي إلى ظاهرة مستشرية يصعب مكافحتها والحد من انتشارها ما يؤدي الي ظاهرة الثأر وعودة المجتمع للقضاء الفردي.

ونستنتج مما سبق أن الخطر الحال الذي يُقصد في القانون والمتماشي مع العقل والمنطق هو عدم  انتهائه لمجرد وقوعه وتحوله لواقع فقط، بل لابد أن يغادر المعتدي مكان الاعتداء لا أن يظل يسرح ويمرح أمام المعتدى عليه ويهدده بأنه في حال محاولة أذيته أن الخطر الحال انتهى ويجب عليه اللجوء إلى السلطات العامة!!،  لذلك لا ينتهي الخطر الحال الا بانتهاء ظروفه كاملة اما ومازال المعتدي امام المعتدى عليه فهنا مازال الأخير بصدد الدفاع الشرعي، لأن ظروف الاعتداء ماتزال قائمة، فليس عدلاً أن نشرعن تبرير المعتدي ونجرم ونحرم تصرف المعتدى عليه الذي كان ضحية على غفلة من أمره ودون تسببه بشيء لمجرد التسليم بالقول أن الخطر انتهى وأصبح واقعاً.

ونؤكد انه يلزم المعتدى عليه التقيد بشروط الدفاع الشرعي لأنه استثناء من الاصل وهو اللجوء إلى السلطات العامة لرد أي اعتداء، والاستثناء لا يصح التوسع فيه أو استغلاله أو الالتفاف على النصوص التي اباحته وحددت ضوابط لشروطه.

لذلك كله يجب على السلطات ان تأخذ بحق المعتدى عليه وتنتصر له من المعتدي، حتى تساهم في تشجيع الافراد المعتدى عليهم إلى اللجوء اليها وهم يثقون في عدالتها، لان لو لم يكن الامر كذلك، لفضل الكثيرون من المعتدى عليهم اخذ حقهم بأيديهم عندها ستعم الفوضى والسبب الرئيسي غياب العدالة وعدم انصافهم.

وكلي رجاء وأمل من قضاتنا الأجلاء بأن يفعلوا نصوص الدفاع الشرعي ويتمحصوا ويدققوا في ملف القضية لأن المحل هو دماء الناس، وليس كما هو واقعاً لمجرد أن يعترف المدافع أنه قتل ويُسبغ عليه القصد الجنائي وبالتالي جريمة القتل العمد دون التحقق والالتفات إلى الظروف والقرائن المصاحبة للواقعة وشروط الدفاع الشرعي   والحالة البدنية والعقلية للمعتدي والمعتدى عليه، وذلك حتى يتشجع المعتدى عليه إلى اللجوء إلى السلطات وهو متأكد بأنه سينصف لا أن يُظلم.

ولا يعني كل ما سبق أننا نعطي مبرراً للمعتدى عليه ونشرعن كل تصرفاته لمقابلة الاعتداء ولمجرد أنه كان ضحية، بل يجب عليه مراقبة الله وأن يجعل من فعله دفاعاً ورداً للخطر دون التجاوز، حتى لو توفرت احدى الحالات القانونية التي تبيح القتل لأنه لو تمكن من خداع الناس لن يتمكن من خداع إله الناس.

وبالمقابل لا يجب ان يقصر المعتدى عليه في الدفاع عن نفسه أو ماله أو عرضه وكذلك عن نفس الغير وماله وعرضه معتنقاً شعار (لا إفراط ولا تفريط).

ويذهب بعض الشُراح إلى القول بأن التقصير في الدفاع عن الغير يُعد اشتراك في الاعتداء، ناهيك بأن ذلك واجب شرعي يثاب فاعله ويعاقب تاركه، فالمسلون لا يرضون للغير ما لا يرضونه لأنفسهم.

وهنا نعود لنهيب ونناشد المشرع لتعديل المادة 28 الفقرة الثانية للأسباب الموضحة سابقاً والتي تواجه بعدم الدستورية.

 

 واخيراً…

اقتصرت في بحثي على القانون اليمني وكتب الشُراح اليمنيين والمبادئ القضائية للمحكمة العليا دون الخوض والمقارنة بالقوانين الاخرى لأني قصدت من الكتابة والبحث في هذا الموضوع مخاطبة جميع فئات المجتمع اليمني بمختلف مستوياتهم الثقافية والعلمية وتعريفهم كيفية انطباق الدفاع الشرعي وملامسته للواقع، مع التذكير ان الموضوع متشعب ولمن أراد التفاصيل له الرجوع لكتب الشراح الذين لم يبخلوا في التفصيل.

كل الشكر والتقدير لكل من يدلي لنا بدلوه مساهماً في نشر الثقافة القانونية في اوساط المجتمع دون احتكار أو انتظار اي مقابل، فالعلم أمانة وفضل من الله على عباده، لذلك وجب علينا شكر الله بنشره وتطبيقه، وتقديم الاستشارة القانونية والمعونة لمن لا يملك تكلفتها ولتكن زكاة علمنا وعملنا الذي لم نؤتَ منه إلا القليل.

ويجب العمل على توعية المجتمع وتعريفه بما له من حقوق وما عليه من واجبات، لنرتقي بأفكارنا وأخلاقنا وثقافتنا ولننفع وطننا وأمتنا ونحاول القضاء على الجهل.

أسأل الله تعالى أن اكون قد وفقت فيما قدمته في هذا الموضوع.. هذا (وفوق كل ذي علم عليم).

Loading