دراسات وبحوث

ماهية التحكيم بالصلح

تعليق على حكم

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين*

قضى الحكم محل تعليقنا بان مفهوم التحكيم بالصلح هو منح المحكمين سلطة مطلقة في الاستناد في حكمهم إلى القانون أو قواعد العدالة والإنصاف، فلا يكون المحكم في هذا النوع من الصلح ملزما في حكمه بما ورد في القانون فقط،  ومع ذلك فإن هذا النوع من التحكيم لا يعني ان تكون  سلطة المحكم مقتصرة على التقريب بين وجهات نظر الخصوم والتوفيق والإصلاح بينهم، فللمحكم بمقتضى هذا النوع من التحكيم ان يقضي في حكمه بموجب نصوص القانون وان يفرض حكمه على الخصوم اطراف التحكيم، وعندئذ لا يشترط موافقة أو قبول الخصوم بحكم التحكيم بالصلح، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3-8-2016م في الطعن رقم (58064)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((اما ورود عبارة الصلح في وثيقة التحكيم بين الطرفين، فالقصد منها ان الخيار متروك للمحكمين، لأن صيغة التفويض للمحكمين على التحكيم واردة وصريحة ولا يؤثر في الحكم كون احد المحكمين لم يوقع على الحكم، طالما ان الحكم قد صدر بالأغلبية، فلا يجوز التقرير بأن على رئيس اللجنة ان يوقع عن العضو غير الموقع، لأن ذلك حكم خاص بالقضاة في محاكم الاستئناف والمحكمة العليا))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: مفهوم التحكيم بالصلح:

التحكيم بالصلح: هو الذي تتفق فيه اطراف التحكيم صراحة في وثيقة إتفاق التحكيم على أنه يحق للمحكم أو هيئة التحكيم تطبيق قواعد القانون او قواعد العدالة والانصاف على النزاع الذي تنظره هيئة التحكيم ، ويسمى التحكيم بالصلح أيضا باسم “التحكيم الطليق كما يسمى بالتحكيم مع التفويض بالصلح”، حيث تكون للمحكم بالصلح سلطة واسعة في حسم النزاع المعروض عليه بحلول تصالحية تكفل رضاء الاطراف المحتكمة، ولكن رضاء الخصوم لايكون مقيدا لهيئة التحكيم ، فالمحكم بالصلح قد يتوصل إلى حل وسط، وقد يحكم بالحق كله حسبما ورد في القانون، فلا يتقيد المحكم بالصلح بالنصوص القانونية التي تبين الحل القانوني للنزاع، ومع هذا وذاك فلا يجوز للمحكم بالصلح مخالفة قواعد النظام العام مثل إحترام حق الدفاع وتسبيب الحكم والتقيد بموضوع الخلاف المذكور في إتفاق التحكيم، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى بعض ملامح التحكيم بالصلح.

الوجه الثاني: ما يصدر عن المحكم بموجب التحكيم بالصلح حكم وليس عقد صلح  

كان الطاعن في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان يناقش في طبيعة الوثيقة الصادرة عن المحكم بالصلح حيث كان الطاعن ينكر على المحكم بالصلح ان يصدر حكماً لا يستند إلى رضاء الطرفين المحتكمين لأن التحكيم بالصلح يجعل المحكم بالصلح مقيداً بإرادة ومشيئة الطرفين المحتكمين حيث يقتصر دور المحكم على التوفيق والإصلاح بين الطرفين وتقريب وجهات نظرهم وبعد ذلك يقوم المحكم بتضمين ما تصالحت عليه اطراف التحكيم في حكمه بالصلح ، أي أن عمل المحكم بالصلح يقتصر على إثبات تصالح الخصوم اطراف التحكيم في وثيقة حكم التحكيم ، وعلى أساس هذا الفهم يكون حكم التحكيم  بالصلح مجرد حكم بثبوت تصالح اطراف التحكيم امام المحكم، وتبعاً لذلك لا يجوز للمحكم بالصلح ان يصدر حكم التحكيم من غير رجوع إلى اطراف التحكيم وموافقتهم ورضاهم على ماورد في حكمه حسبما كان الطاعن يطرح في نقاشه ، غير ان الحكم محل تعليقنا قضى بأن فهم الطاعن لحكم المحكم بالصلح ليس صحيحاً، لأن المحكم بالصلح ليس مقيداً برضاء وموافقة الخصوم أطراف التحكيم، فالمحكم بالصلح طليق في حكمه أكثر من المحكم العادي أو المحكم بالقضاء أو المحكم بالقانون الذي يجب عليه أن يحكم بالحق المقرر في القانون مثله في ذلك مثل القاضي، فالمحكم بالصلح يكون طليقاً في حكمه فيجوز له ان يحكم بالحق حسبما هو مقرر في القانون أو يحكم بالعرف أو مبادئ العدالة والإنصاف كما ان حكم المحكم بالصلح يكون حكماً وليس عقد صلح، وان حكم المحكم بالصلح يكون كحكم المحكم بالقانون أو القضاء أو المحكم العادي، وكذا فان حكم المحكم بالصلح يخضع لإجراءات الحكم المقررة في قانون التحكيم مثله في ذلك مثل حكم المحكم بالقانون المتقيد بالقانون.

الوجه الثالث: إمتناع المحكم عن التوقيع في حكم التحكيم وإمتناعه عن ذكر أسباب عدم توقيعه على حكم التحكيم :

اجازت المادة (48) تحكيم للمحكم عدم التوقيع على حكم التحكيم إذا كانت اغلبية هيئة التحكيم قد ذهبت إلى خلاف رأيه، فقد اجازت المادة السابق ذكرها للمحكم غير الموافق على الحكم عدم التوقيع على الحكم مع ذكر أسباب عدم توقيعه على الحكم، حيث يقوم المحكم غير الموافق على الحكم بإثبات أسباب عدم توقيعه جوار الحيز المخصص لتوقيعه، وفي بعض الحالات يقوم المحكم بتحرير مذكرة مستقلة تتضمن أسباب عدم قيامه بالتوقيع على الحكم، وفي هذا المعنى نصت المادة (48) تحكيم على أن: (تصدر لجنة التحكيم حكمها كتابة ويوقعه المحكمون جميعهم ماعدا في حالات صدور الحكم بالأغلبية فأنه يجوز للمحكم الذي لم يوافق على الحكم عدم التوقيع مع ذكر الأسباب)، وفي حالات رفض المحكم ذكر أسباب عدم توقيعه فأن محكمة الاستئناف تقوم بتكليفه بالحضور إلى المحكمة وتكليفه بتقديم مذكرة متضمنة أسباب عدم توقيعه فان قام المحكم بذلك فيتم إيداع المذكرة المقدمة منه مع حكم التحكيم وان رفض المحكم الممتنع عن التوقيع امتنع عن الحضور إلى محكمة الاستئناف مطلقاً فان المحكمة تقوم بتحرير محضر يثبت انها كلفت المحكم بالحضور لمرتين فلم يحضر، ويعد هذا المحضر إثبات إمتناع المحكم عن التوقيع أو ذكر الأسباب وكذا إثبات امتناع المحكم  عن الحضور أمام محكمة الاستئناف للافادة عن سبب امتناعه عن التوقيع وامتناعه عن ذكر أسباب ذلك، والله اعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

Loading