ابحاث

وقفات وتأملات مع نص المادة (42) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني

الوقفة الأولى

إعداد/ د/ عمر يحيى كُزابه                                                                                              

تفرَّد المشرع اليمني في صياغة نص المادة (42) إ.ج المتعلق بالأحـــوال التي يمتنع فيها البدء باستعمال الدعوى الجزائية (تحريكها) أو الاستمـــــرار في إجراءاتها؛ إذ لم يرد مثيلٌ له في التشريع المصري على الرغـــــــم من أن الأخير يعـــــــد مصدرًا له، كما لم أجــــــد نصاً مشابهاً في التشريعات التي قُدِّر لي مطالعتها، ومــــن الإنصاف القول: إن النص المذكـــــور قد جاء متميزًا في دقة ألفاظه وإيجاز جمله وتراكيبه، كل ذلك أعطى لــــه مدلولًا عميقًا، وسأظهر ذلك- بإذن الله- حال مناقشة فقراته الثمان.

ومــــن الجدير ذكره: أن جميع الأحـــــوال المذكورة في نص المادة (42) إ.ج تتعلق بالحق في الدعــــــــــوى ذاتها لوروده في الأحكام العامــــة للدعوى الجزائية، ومـــن ثم فإنها تحقق أثرها الإجرائي فور توافرها سواءً قبل بدء استعمال حق الدعوى الجزائية أو أثنائه، وقـــــــــد أجمل المشرع ذلك الأثر بقوله: “لا يجوز تحريك الدعوى الجزائية ويتعين إنهاء إجراءاتها إذا كانت قــــــد بدأت في إحدى الأحوال الآتية:

أ- عند عدم وجود جريمة.

ب- إذا لم تتوافر عناصر الجريمة.

ج- عدم بلوغ سن المساءلة الجزائية.

د- لسبق صدور حكم في القضية غير قابل للطعن.

هـ- لسبق صدور قرار بألاوجه لإقامة الدعوى واستنفاذ طرق طعنه.

و- صدور عفو عام أو خاص.

ز- وفاة المتهم.

ح- بانقضاء الدعوى بالتقادم”.

ومن خلال التأمل وتدقيق النظر في صياغة هذا النص وتحليل ألفاظه تظهر مجموعةً من التساؤلات والملاحظات قد تكون الإجابة عنها مدخلاً لفهم مراد المشرع منه، من أهم تلك التساؤلات:

– من الملاحظ أن المشرع اليمني قد ذكر في الفقرات (أ، ب، ج) إ.ج ثلاثة أحوال هي:

أ-عـــــدم وجود الجريمة.

ب- عدم توافر عناصر الجريمة.

ج- عدم بلوغ سن المساءلة الجزائية.

وهذه الأحوال تتضمن أموراً موضوعيةً تتعلق بالجريمة والمسؤولية الجزائية التي تندرج في مجال قانون الجرائم والعقوبات، فما الداعي لإيرادها في القانون الإجرائي؟ وهل ترتب آثاراً إجرائيةً جعلت المشرع يذكرها في قانون الإجراءات الجزائية ويعتبرها من الأحوال التي يمتنع فيها تحريك الدعوى الجزائية أو يتعين معها إنهاء إجراءاتها؟ وما الفرق بين الفقرتين (أ، ب) أي الفرق بين حال (عدم وجود جريمة) وحال (عدم توافر عناصر الجريمة)؟ وما سن المساءلة الجزائية التي يعد عدم بلوغها مانعاً من تحريك الدعوى الجزائية ضد من لم يبلغها؟ فهل هي سن التمييز أم سن البلوغ أم سن المسؤولية الجزائية الكاملة؟ ولماذا لم يذكر المشرع جنون المتهم بجانب عدم بلوغ المساءلة الجزائية في النص المذكور مع أن كليهما من موانع المسئولية الجزائية إنما اقتصر على ذكر عدم بلوغ سن المساءلة الجزائية؟ أم أن جنون المتهم لا يمنع تحريك الدعوى الجزائية ضده؟

ومن التساؤلات التي قد تخطر بالذهن تلك المتعلقة بالفقرة (د) بقولها: “لسبق صدور حكم في القضية غير قابل للطعن”، فلمَ قال المشرع: “حكم في القضية” ولم يقل: “حكم في الدعوى”؟ ولماذا اشترط أن يصير الحكم غير قابل للطعن وليس نهائيا أو باتا ليمتنع بصدوره العودة إلى تحريك ذات الدعوى التي صدر فيها؟ وهل يعني ذلك أن سبق حكم نهائي أو بات لا يمنع تحريك الدعوى الجزائية حتى يستعمل المشرع وصف غير قابل للطعن؟ وهل هناك دلالة لورود لفظ حكم بصيغة النكرة؟

كذلك الحال بالنسبة للفقرة (هـ) فإن صياغتها يكتنفها نوعٌ من الغموض، فما مراد المشرع بقوله: استنفاذ (بالذال) القرار بألا وجه لطرق طعنه؟ وهل تعني استنفاد طرق الطعن (بالدال)؟ وفي أية حالة يستنفذ القرار بألا وجه طرق طعنه وتصير له قوة كقوة الحكم الذي لا يقبل للطعن المذكور في الفقرة (د)؟ وهل من الممكن أن يمنع القرار بألا وجه تحريك الدعوى الجزائية بشكل نهائي وتنقضي بصدوره واستنفاذه طرق طعنه كما جاء في المادة مع أن المتفق عليه أن القرار بألا وجه مانع مؤقت لإيقاف سير الدعوى الجزائية؟

– ما مراد المشرع بـ : (العفو خاص) الذي يمتنع بصدوره تحريك الدعوى الجزائية ويتعين إنهاء إجراءاتها إذا كانت قد بدأت؟ ومن الذي يصدره؟ وهل يمنع صدوره تحريك الدعوى الجزائية في كل الأحوال أم تنتهي بصدوره دعاوى معينةٍ؟ وهل يجوز العفو في الدعوى الجزائية؟ بصيغةٍ أخرى: هل من حق المجني عليه التنازل عن الدعوى الجزائية التي بطبيعتها لا تقبل التنازل كقاعدة عامة ولا يجوز للنيابة العامة التنازل عنها؟ وهل العفو الخاص يعني العفو من صاحب الحق الخاص في الجريمة؟

– ما هدف المشرع من إيراد العفو العام في المادة (42) إ.ج مع أنه قد ذكره في المادة (٥٣٩) من القانون ذاته؟ وهل له أثر في الدعوى الجزائية أم أن له أثراً موضوعياً ينصب على الجريمة؟

 

– لماذا لم يذكر المشرع قيد أو شرط الإذن في هذا النص الجامع لأحوال منع تحريك الدعوى الجزائية؟

كل تلك التساؤلات تشير إلى أن نص المادة (42) إ.ج ذو مدلولٍ عميقٍ وأنه نص جوهري وجامع ودقيق في صياغته، ولذلك يحتاج مزيداً من الـتأمل والوقوف عنده، وستكون لنا معه وقفات.

أٍسال الله التوفيق والسداد وأن يجعل ما كتبته خالصاً لوجهه الكريم.

Loading