ابحاث

تعريف العدالة الناجزة

الباحث القاضي / عمرو بن عبد الله الميثالي

 

عادت النظرية العامة للعدالة الناجزة لتوضيح بعض مقصودها والعود أحمد فهي في اطار النظرية العامة للعدالة الناجزة يقصد بها مجموعة من المفاهيم تستهدف ايصال العدالة بأبسط وافضل الطرق وبأقل وقت وجهد من خلال دراسة النشاط القضائي وكل ما يتصل به كعلم متكامل وتحليل المدخلات والعمليات والمخرجات بغية تحسين ومعالجة الاخطاء قبل وقوعها مع تطوير القضاء واساليب تأدية الخدمات نفسها بغية الوصول إلى درجة أكبر من الكفاءة والدقة والجودة. وبهذه الوسيلة يتم معالجة كل ما يؤثر على العدالة، كما يتم  فهم الاعمال والخدمات والعوائق الواقعية والقانونية وغيرها وتفسيرها وتناول مشكلاتها  مع وضع كافة المعالجات اللازمة لتسهيل الإجراءات وتقريب خدمات العدالة للمواطنين .

ويمكن القول بأن النظرية العامة للعدالة الناجزة هي المبادئ والأصول النظرية العامة أو الآلية لإيصال الحقوق لإصحابها بأقصر الطرق مع معالجة كل معوقات السلطة القضائية وما يتصل بها من نشاط. وتبعاً لذلك نوضح  هنا معنى العدالة الناجزة بشكل موجز وأولي كما يلي:

المبحث الأول

تعريف العدالة الناجزة حال كونها مركباً إضافياً:

اي حال كونها مركباً من لفظي:  العدالة، والناجزة، وهنا يكون تعريفه متوقفا على بيان المضاف أي العدالة، والمضاف إليه وهي (الناجزة)، لكون تعريف المركب يتوقف ضرورة على تعريف مفرداته، لأن معرفة الكل لا تتحقق إلا بمعرفة أجزائه، ولذا سنعمد إلى تعريف العدالة لغة واصطلاحا، ثم نعرف الناجز كذلك لغة واصطلاحا

أولا: تعريف العدالة لغة واصطلاحا

1_العدالة مأخوذة من العدل، الذي هو ضد الجور والظلم والعدل معناه لغة ما قام في النفوس أنه مستقيم، والعدالة مصدرها ” العدل” وهو الحكم بين الناس بالحق، والعدالة تعني الاستقامة والاعتدال، والمساواة والثبات على الحق  ويقال في العدالة بأنها الانصاف وهو إعطاء  المرء ما له  وأخذ ما عليه ، و يعرفها بعضهم بأنها: الاعتدال والاستقامة والميل إلى الحق وتبدو العدالة كما لو كانت غريزة فطرية تنزع اليها النفس البشرية ..  بمعنى عدم انحياز القاضي في المحاكمة، والعدالة هي الاستقامة والميل إلى الحق وبالتأمل لما ذكر من قوله ما قام في النفوس فهذا يؤكد أن العدل مفهوم وجداني يقوم على الحكم بين الناس بالحق، وبإنصاف و بإعطاء المرء ما له وما عليه دون تعسف او تأخير او لدد..

2) تعريف العدالة اصطلاحا:.

إعادة وضع الشيء في موضعه، وهي ضد الظلم وقيل هو:

“استعمال الأمور في مواضعها، وأوقاتها، ووجوهها، ومقاديرها، من غير سرف، ولا تقصير، ولا تقديم، ولا تأخير”،  وقيل: ” الاعتدال والثبات على الحق، ويعرفه بعضهم بأنه: ” إنصاف الغير بفعل ما يجب له ويستحق عليه وترك ما لا يجب عليه، وعرف ايضا، بأنه: الأمر المتوسط بين الأفراط والتفريط، وفي موضع آخر قيل هو الميل  إلى الحق، وقيل العدل هو: “أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه”، وقيل هو: “عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دينًا”، وقال آخر: بأنه تنفيذ حكم الله؛ أي أن يحكم القاضي المسلم وفقا لما جاءت به الشريعة الإسلامية الحقه كما أوحى الله إلى انبيائه…

ثانيا: تعريف لفظ “الناجز” لغة واصطلاحا:

1_تعريف الناجز لغة:  ناجز اسم فاعل من نجز، وتعني قائم أو تام، والناجز هو الحاضر المعجل.

والنَّاجِزَة : كلمة أصلها الاسم (نَاجِزٌ) في صورة مفرد مذكر وجذرها (نجز) وجذعها (ناجز) وتحليلها (ال + ناجز + ة)

أما نَاجِزَة فقط فهي: مؤنث مفرد لاسم الفاعل (نَاجِز + ة) في حال يكون مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا والمشتق من الفعل (نَجَزَ) والذي جذره (نجز)

2_ تعريف الناجز اصطلاحا:

هو الامر  غير المعلق. وبالتأمل للتخصيص العرفي  فقد صار لفظ  الناجز قيداً لإخراج العدالة المنبثقة عن القوانين والنظريات الغربية والاجتهادات المؤدية للتطويل والتسويف والتعسف واللدد و التي جعلت ايصال الحقوق مطولاً وغير ناجز؛ ولعل المعنى من الناجز تعجيل إنجاز القضايا والخدمات  بدون تعليق  ولا بطء بكفاءة وفعالية مع تسهيل اجراءات التقاضي وضمان النفاذ للحقوق والالتزامات.

المبحث الثاني

تعريف العدالة الناجزة باعتبارها علما

المقصود بتعريف العدالة الناجزة بالاعتبار الثاني؛ أي التعريف بالعدالة الناجزة بكونها علما؛ أي أن مصطلح (العدالة الناجزة) قد صار علما  منفردا عن غيره؛ وفي اطار النظرية تدل العدالة الناجزة، _ التي هي اسم علم مفرد_  أنها أصبحت مصطلحا عرفيا بجزئية كمصطلح واحدا فكلمة عدالة وحدها اصبحت لا تكفي في الدلالة على معنى العدالة الناجزة، وكذلك كلمة ناجزة، لكن مجموع اللفظين يدل على شيء معين اسمه (العدالة الناجزة)، ( كعبدالله) ومن ثم عندما يسمع أهل اختصاص علم المرافعات وغيرهم بمصطلح – أي باسم- العدالة الناجزة لا ينصرف إلى اذهانهم مدلول العدالة وحدها أو ناجز وحدة بل أول ما يتبادر إلى اذهانهم بمجرد اطلاق لفظ (العدالة الناجزة) أنه: (نظام يتيح سرعة الوصول للحق من خلال تسهيل اجراءات المحاكمة وانجاز القضايا ورفع الكفاءة والفعالية والدعم والاسناد مع معالجة عوامل بطء التقاضي بما يضمن التحسن المستمر ومنع الأخطاء قبل وقوعها ) كما صار العدل الناجز مقيدا كذلك… والان نحاول تعريف العدالة الناجزة وفقا للمعنى الأولي المذكور وبشكل استطلاعي كما يلي:

1-  العدالة الناجزة هي الإجراءات المبسطة واجبة الاتباع عند التقاضي أو فصل الخصومات والتي تنصب على الاهتمام بإيصال الحقوق لإصحابها والزامهم بأداء الواجبات بكفاءة وفاعلية ومواكبة و بشكل متقن ومن أول مرة.

2- العدالة الناجزة  تعني: صدور الحكم العادل والبات في وقت مناسب وبأقل النفقات مع ضمان الفعالية والكفاءة والمواكبة.

3- العدالة الناجزة: هي التخلص من العقبات التي تعيق او توقف او تعطل اداء فعالية رسالة القضاء سواء أكان مصدرها الأطراف أم السلطات او اعوان القضاء بغية ايصال الحقوق لمستحقيها بأقل وأقصر وقت وجهد وبإجراءات واضحة ومحددة وفي مدة معقولة  بما يضمن ويؤمن النفاذ والحماية ويمنع استنزاف الطاقات والأوقات والموارد.

ومن الطرق التي مصدرها الاطراف التعسف والكيد واللدد والرشوة والتزوير والتضليل والتحريف؛ وعدم تنفيذ القرارات والجهالة وعدم الوعي… الخ

4- العدالة الناجزة: هي وصول الحق لمستحقيه في أقرب ميقات مع نفاذه وحمايته من خلال تنظيم ضوابط اجراءات التقاضي واستخدام التنقية ببرامج عملية وخبيرة متطورة ذات جودة عالية تضمن التصدي لكل ما من شأنه  جعل آثار الالتزامات الموضوعية والخطوات والاجراءات والآجال غير مفعلة.

فالبرامج الرقمية ستنظم مسألة إدارة الدعوى بكفاءة  دون معوقات كوجود تأجيلات غير مبررة وفتح مجالات للدد؛ ويكون هدف البرامج الحرص على إحقاق الحق وإنصاف المظلومين وضمان تحقيق معايير العدالة والانجاز وتحقيق الترضية القضائية بغية التخفيف عن كاهل المجتمع من خلال ايجاد، مستحدثات تقنية مع  توفير للإمكانيات التي تختصر الزمن وتقلل الوقت المهدر وتحقق الفعالية.

5- العدالة الناجزة:  مفاهيم ونظم وبرامج تستهدف تبسيط وتيسير الاجراءات والخدمات والعمليات مع الاستغناء عن المعلومات والخطوات والمستندات غير الضرورية وذلك عند تقديم الخدمات العامة بهدف تقصير الوقت المستغرق في اجراءات الأداء حفاظا على طاقات الموارد البشرية من الاستنزاف والاحتراق مع توفير الدعم والإسناد وتحليل ورصد المشكلات والاختلالات والظواهر والمعوقات التي يعاني منها القضاء من أجل تحقيق الفاعلية وتقليل الكلفة والمحافظة على جودة الخدمة مع التوعية المستمرة والارشاد والمساعدة كيفية الوصول إليها تحقيقا لرضا الله ثم المواطنين تطبيقا للهوية الإيمانية.

المبحث الثالث

التعريف الاجرائي للعدالة الناجزة

سبق بعضها سلفا ونذكر هنا بشكل اولي تعاريف اخرى منها:

1- العدالة الناجزة هي علم يهتم بدراسة وتطوير سياسيات ونظم وأساليب واجراءات الأعمال والخدمات مع اقتراح مداخل وآليات تبسيطها وتطبيقها أو تطويرها بما يلائم الهوية ويحقق كفاءة الأداء والتحسن المستمر لمستوى الخدمات والاعمال المقدمة للمواطنين وغيرهم  مع توفير الشفافية والفاعلية وضبط معايير الكلفة والسرعة  وبما  يضمن حصولهم على خدمات عالية الجودة بإجراءات مبسطة  وبمواعيد زمنية محددة..

2- دراسة النظم المتعلقة بنشاط القضاء وإي مهام أخرى تقتضيها طبيعة نشاطه لغرض التحقق من مدى كفايتها واقتراح وسائل تبسيطها وتطويرها وتطبيقها تسهيلا لسير العمل والخدمات ورفعا لمستوى الأداء والكفاءة  والفاعلية وتخفيضا للكلفة والزمن المهدر لأقصى نطاق وبما يضمن ايجاد افضل السبل و ايصال الحقوق لا صحابها وصونها مع دراسة اي معوقات ومصاعب ومعالجتها من جذورها.

3- العدالة الناجزة: وسيلة مستمدة من الهوية الإيمانية تتضمن الاتقان وتعزيز القيم والارتقاء والتحسن في مستوى الاداء عند تقديم الخدمات  بإجراءات واضحة وميسرة تكفل القرب من المواطن ومنع الاخطاء قبل وقوعها.

4- العدالة الناجزة : تعني تركيز الخصومة وتحقيق المرونة للإجراءات الشكلية وإعلاء إرادة الشرع ثم  الخصوم، مع التصدي لمواجهة بعض ممارسات اللدد والمماطلة  والتعسف والتأجيل غير المبرر في القضايا والاعمال،  مع تحديد النطاق والغاية وقياس مدى فعاليتها وكفايتها في ايصال الحق والانصاف، مع توفير المساعدة للفئات الضعيفة.

5-  العدالة الناجزة: هي القيام بالأعمال والخدمات والتصرفات على الوجه الأكمل وفقا لمعايير وشروط واضحه واجراءات مختصرة ومحددة تكفل خلالها كل الضمانات الضرورية ، بقصد إقامة وإحقاق الحق ونشره بين الناس طبقا لمفهوم الهوية الإيمانية.

اي أنه سيتم تجسيد العدالة بمعناها الحقيقي وبإيجابية بحيدة ونزاهة واستقلالية بما يحقق رفع مستوى الإنجاز وتلافي كل ما يهدر الأعمال والاجراءات والتصرفات بقصد النفاذ إلى الحقائق واستخلاص النتائج من أسبابها والحكم فيها على وجه  الحق بما يرضي الشارع تطبيقا لأداء الرسالة الاستخلاف بشكل عملي.

6- العدالة الناجزة: وسيلة لكشف وتحديد جوانب الاختلالات والقصور في اداء العدالة وتحديد الأسباب الحقيقية لذلك مع اقتراح انجع الحلول المناسبة لتصحيح وتصويب الاداء وتحسينه وتطويره وتفعيل ادارة الجودة والفعالية ومراعاة المالات وتفعيل التيسير والإحكام وسد الذرائع.

7 – العدالة الناجزة: وسيلة تهدف للقيام بحل معوقات أداء الخدمات والاعمال من خلال دراسة طرق وأساليب الاداء وتحديد مواطن الضعف والقوة والقصور والتطويل وكل ما يؤثر على كفاءة وفعالية سير الخدمات واقتراح الحلول المناسبة في الأوقات الطبيعية والاستثنائية بما يؤدي لتحسين أو تبسيط طرق واساليب العمل واحكام اجراءاته بغية تحقيق الاقتصاد والكفاءة في الانجاز وتقديم الخدمات والاعمال بيسر وسهولة وكفاءة.

8-  العدالة الناجزة : هي اختبار وتقويم  أفضل الطرق واقصرها من خلال تحليل الاجراءات والشروط التي تستخدم عند انجاز الاعمال والخدمات؛ بغية الاستغناء عن الشروط والاجراءات  الزائدة مع الحفاظ على الضروري منها بما يضمن الارتقاء بمستوى  الخدمات القضائية تحقيقا لرضا الله وللمصلحة العامة للأمة.

9_العدالة الناجزة هي إنشاء قاعدة بيانات وبرامج رقمية وخبيرة عملية ومتنوعة عبر شبكة وطنية مؤمنة لضمان الحصول على المعلومات والخدمات في الوقت المناسب وحفظها وخزنها واسترجاعها وحمايتها؛ وفقا لمعايير الهوية الإيمانية والزام الشرع وما يفرضه من أداء متفوق واحسان شامل ومتواصل مع مراعاة التدرج والملائمة والدعم والإسناد والترابط والتكامل والمواكبة  في معالجة كل ما يؤثر على العدالة (1).

تلك مجرد مفاهيم أولية؛ سيتم صقلها …والموضوع ذو شجون..

القاضي الجنائي والمدني والشخصي والإداري بمحكمة السدة م/ إب.

(1) العدالة الناجزة؛ بحث للكاتب ضمن سلسلة العدالة الناجزة؛ قيد النشر؛ وايضا له النظرية العامة للقسط والعدل الناجز، اليمن ، صنعاء؛  ص34

Loading