ابحاث

ولادةً ولا تموت

دينا الرميمة

مع كل عملية اغتيال ينفذها الصهاينة بحق قادة من حماس أو من محور المقاومة تظهر عليهم معالم النشوة بتمكنهم من القضاء على خطر يهددهم، وربما كان هذا واضحا بعد عملية الاغتيال التي طالت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس القائد إسماعيل هنية، والتي جعلتهم يوزعون الحلوى فرحا بإراقة دمه في العاصمة الايرانية طهران، واعتبروا ذلك نصرا على أمة باتت عفيفاتها النائحات في غزة تستغيث بالإسلام والعروبة ولا معتصم يلبي صرخاتهن- الا قليلا من أحرار الأمة- بعد أن وضعت اتفاقيات السلام والتطبيع الكثير منهم موضع المتفرج الصامت، متجاهلين أن مصاب غزة قد يطال بقية بلدانهم ومدنهم، في حال تمكن العدو منها، سيما وان حدود اطماعه ليست محصورة عند معابر فلسطين وبحرها إنما عيونه ترمق كامل الأرض العربية ومقدساتها، ليثبت الصهاينة لأنفسهم خرافة انهم شعب الله المختار التي يتباهون بها.

حلم كانوا يرونه قريبا فأصبح كابوسا منذ اللحظة التي تجند فيها الشعب الفلسطيني ضدهم وصنع منه الاحتلال مقاومة آمنت بفكرةٍ جعلتهم يقدمون ارواحهم فداءً لفلسطين وقدسها وتعاقب فيها القادة والمجاهدون على معراج الشهادة دون ان تنتهي المقاومة، بل تجذرت أكثر وأصبحت مترساً عليه تحطمت كل آمال الصهاينة بمد نفوذ الاستيطان خارج حدود فلسطين، في الوقت الذي سهل فيه قادة ورؤساء الدول العربية على الصهاينة مهمة تهويد الأرض العربية ودعم دولة اسرائيل على أنقاض الدولة الفلسطينية.

هذا الأمر جعل فكرة المقاومة مستنسخة في الكثير من الدول بعد ان أدرك أبناؤها الأحرار تنامي الخطر الصهيوني ووصوله إليهم بعد ان تمكن الصهاينة ومن خلفهم أمريكا من السيطرة على مراكز القرار داخل سلطاتهم الحاكمة المعترفة بدولة الكيان إما بشكل علني أو من تحت الطاولة خوفا من ردة فعل الشعوب كما كان حال اليمن في عهد النظام السابق وبهذا، ومع وجود فئات من الشعوب داخل الدول تناهض المشروع الصهيوني لم تعد فلسطين وحيدة واصبح لديها من يساندها ويدعم حقها في دولة من البحر إلى النهر شعاراً بدأ من ايران و من ثم لبنان واليمن والعراق وسوريا، وتبنت- مع حرب غزة- الكثير من الشعوب سواء الغربية او العربية بعد المجازر وحرب الابادة التي مارسها الصهاينة في غزة، أملا في كسر مقاومتها وتغيير ملامحها العربية التي عجزوا خلال سنوات من احتلالهم عن تغييرها.

وخلال عشرة أشهر من العنف وتجاوز الخطوط الحمراء في غزة فَقَدَ الكيان الصهيوني هيبته التي عمل عليها منذ سبعة عقود ونصف، وبدأ العالم ينظر بعين الحقيقة لفلسطين وحق شعبها بدولتهم، وبدأت العُرى الوثقى للكيان الصهيوني مع شعوب العالم تتفكك بخروج المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني والمنددة بجرائم الصهاينة في غزة والمطالبة حكوماتها بوقف الدعم السياسي والعسكري لهم.

غير ان انظمة الحكم الغربية والعربية تتجاهلهم وتخنع بشكل مقيت للصهاينة وتمدهم بكل وسائل الموت للشعب الفلسطيني المتشبث بحقه بالحياة وبكرامة طالت عنان السماء وصبر استوطن قلوبهم يقينا أن ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، سيما وقد أصبح لهم صوت مسموع وجبهات مساندة جعلت فكرة التحرير التي كانت مجرد حلم يستوطن مخيلاتهم واقعا ملموسا على انقاض الدم والدمار الذي خلفته الحرب في غزة، ورفض نتن ياهو المفاوضات السياسية وانهاء الحرب، التي جعلته هزائمه فيها يتصرف تصرفات رعناء وغير مدروسة، متجاوزا كل الخطوط الحمراء آخرها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس الشهيد اسماعيل هنية في طهران، والقائد في حزب الله الشهيد فؤاد شكر في ضاحية لبنان في عمليتين تعدان انتهاكا لسيادة دولتين لا تعترف بالوجود الصهيوني على أرض فلسطين.

هدف نتن ياهو من هاتين العمليتين خلق فتنة طائفية بين المحور المقاوم وفصائل المقاومة السنية بقتل هنية في طهران والهدف الآخر كان يرمي به القضاء على حماس، فاذا بها تفاجئه بقيادة عسكرية بديلة عن القيادة السياسية باختيار حركة حماس بالإجماع القائد يحيى السنوار خلفا لهنية الشخص الذي يعتبره الصهاينة رعبا يدمر وجودهم، وترتب عليه تخبط مواقف الصهاينة، التي جاءت على لسان جون كيربي الذي وصف السنوار بالإرهابي، وبذات الوقت طالبه بالرضوخ للحل السياسي في محاولة منه لتلافي الضربة التي توعدت بها ايران ثأرا لدم ضيفها، ومعها حزب الله واليمن والعراق ثأرا ومساندة، يترقبها الصهاينة بحذر جعلهم يسكنون الملاجئ وخوفا ربما لا يتحمله الكثير منهم فيسقطون على إثره قتلى قبل ان يأتيهم الرد الذي يرجح الصهاينة بأنه الرد الذي سيقصم ظهرهم، وربما قد يمحو ما تبقى لهم من أثر على أرض فلسطين، سيما وان المعركة باتت مفتوحة ولم تعد جبهات اسناد ويجهلون ما اذا كان الرد سيأتي فرديا أم جماعيا.

ما يجدر ذكره الان هو انه وان كان رحيل القادة يؤلم قلوبنا وخسارة فادحة تطال امتنا الا أن دماءهم تكون دائما سببا في ولادة فجر أكثر اشراقا للمقاومة الولادة للأبطال، وبها تنبت اشجار سامقة من الحرية وقلاع مقاومة أكثر تحصنا ورغبة بالتحرير الذي يرونه بعيدا ونراه قريبا..

Loading