ابحاث

اليمن وإرادة القوة

“نحو أفق فكري مواكب للزخم الثوري ومآلاته”

زياد السالمي

من الغريب القول إن المجتمعات التي تقع في خانة العالم الثالث قد تجدها ذات يوم تخلصت من التبعية للغرب، واستطاعت بناء نسقها المعرفي والوجودي المقابل للأنانية الإمبريالية وعنصريتها المغلفة باسم الحرية الفردية.

كل البطش والسطوة التي بسطها ومارسها بوقاحة مفرطة المستعمر الغربي على الشرق الأوسط وفرض من خلالها  الانبهار والتشظي والانهيار والقبول اللاإرادي من الأنظمة، بذلك دون محاولة الحيلولة أو المقاومة قد أسس فكرا انهزاميا وترددا قميئا طيلة عقود من الزمن وتحديدا في  عصر ثورة المعلومات، وأصبح الإنتاج الثقافي تقليدياً للغرب أو تقليدياً في اتباع أدوات الآخر في التغلب على تبعيته له، فإن لم يكن مقلدا في التناول فهو مقلد في أدوات التجاوز، وأصبح بذلك منسلخا تماما عن واقعه وهويته وأثنيته وبنيته الوجودية التي لا يناسبها مثل ذينك، كونها في الوقوف قليلا حول أفقها ستظهر الفجوة وعدم التناسب والانسجام المأمول  وهو ما خلف إما اشمئزازاً غالباً في التعامل، أو استسلاماً محموماً في التعاطي.

كل هذه المقدمة ضرورية بطبيعتها لكي نقف على حال وواقع رافض ومحاول نحو تموضع شامل يسير في اتجاهات كثيرة نحو إيجاد ذات حرة تقوم على الندية والاعتزاز والاعتداد بملامحها وبسحنتها وأصالتها البنيوية، بأدوات مناسبة ومن صلب بنية الوجود والجسد الجغرافي للمنطقة.

نستطيع أن نقول لنيتشه حين قال: “كل شيء يسقط في الماء، ولكن لاشيء يغوص في الأعماق”، أن ثمة إرادة طامحة حية وجريئة وذكية أيضا قد أدركت ذلك وغاصت في أعماق الخطر الذي حاول المستعمر أن يحميه ببوارجه وبأدواته وقامت في سبر كنهه ومحاوراته وكشف مغزاه والعمل على تشخيص مرضه وإيجاد علاج مناسب له لعله استئصاله من الماء وإغراقه، هذا الخطر الآري الغربي، هو الذي جعل من كهنة الشمعدان ومثلث الهرم والعين الواحدة المهيمن على الأرض والذي يدير من فيها من خلف الظل، وهو الذي عمل جاهدا على محاربة الفكر الحر ومنهم فريدريك نيتشه وجعله في مصحة نفسية وبعدها قتله، المهم فإن الانبثاق المعرفي والاتصال السليم في كشف زيف وظلامية الماسونية وساديتها يعود من جديد عبر أياد شابة طامحة، تقدم الفعل على القول وكأن الأفكار تأتلف وتتلاقى مهما تباعد المؤدى زمنيا ومكانيا.

هنا من اليمن من البحر الأحمر والعربي والأبيض المتوسط والمحيط الهندي يأتي الانبعاث النيتشي كما كان منه الانبعاث المحمدي في محاربة هذا الزيف الكهنوتي واتخاذ السبيل الجريء عبر إرادة القوة في هزيمة سوداوية الصهيونية وأذرعها العقيمة من ذوي النفط والعملاء، تأتي هذه المعركة اليمنية التي حاول أن يلقي المستعمر الغربي عليها وسخه بوصفها بالرجعية والتخلف وإطلاقه لعمليته العدوانية اسم تحالف حارس الازدهار ردا على ظهور الحارس اليمني للبحر الأحمر وتدخله في فرض معادلة قوية فضحت هشاشة ووهن المستعمر أمام إرادة رجال الله الحقيقيين في الدفاع عن المستضعفين في الأرض كوسيط معرفي وتاريخي واجتماعي يعيد لنا الذاكرة والأمل في استرسال الوسائط الكونية ابتداء بالرسالة المحمدية وأخيرا وليس بآخر الموقف اليمني في البحر كحقبة جديدة تعيد الشرق الأوسط للواجهة وإلى مكانه الوجودي الفاعل العادل حينما أفشلت مخطط الشرق الأوسط الجديد بهذه الجرأة التي شهد لها القاصي والداني من شعوب العالم والتي تؤرخ لفتح جديد يمنح العالم مشروعيته في الحياة الشريفة العادلة وللإنسان كرامته التي أصبحت كما أصبح سلعة في سطوة وانتهازية واستغلال المال ورجال المال.

هنا اليمن نعم هنا يمن الواحد والعشرين من أيلول لا غير الذي نراه ومن خلفه طوفان المقاومة الذي لا شك سيغرق الإمبريالية إيذانا للتوازن القطبي وندية القوى والذي سيعيد للتهور والاستهتار الاستكباري من قوى الغرب جادة صوابه بعد أن طال أمد فساده في الأرض دون أن يبالي بالآخرين وبوجودهم الكوني المستحق.

Loading