كتابات

أروش الجنايات يقدرها القاضي عند نظره للدعوى ولا يحيل تقديرها إلى الأمين الشرعي

القاضي مازن امين الشيباني

لا يجوز للمحكمة ان تلزم المجني عليه بإحضار تقدير لأرش الجنايات الثابتة في تقرير طبي من الأمين الشرعي، بل المحكمة نفسها هي من يقوم بتقدير اروش الجنايات التي ثبت لديها حصولها بالمجني عليه.

ويقع على المحكمة واجبان عندما يوضع بين يديها تقرير طبي يبين الجنايات الحاصلة بالمجني عليه خلال قيامها بنظر الدعوى الجزائية والدعوى الخاصة بالمجني عليه.

 

الواجب الأول: إعطاء الجنايات والإصابات الواردة في التقرير الطبي اسمها الشرعي والقانوني:

فعلى سبيل المثال: يرد في التقرير الطبي ان الاصابة عبارة عن جرح قطعي نازف، وهنا يجب على المحكمة ان تسمي هذه الجناية اسمها الشرعي والقانوني هل تعتبر دامية كبرى او دامية صغرى، واذا وردت في التقرير عبارة: (جرح قطعي في الجهة الخارجية من الساعد الايمن بعمق حتى العظم) هذه الاصابة لها اسم شرعي وهو اعتبارها موضحة واذا كان العظم مكسوراً قيل عنها هاشمة واذا كان العظم قد خرج من مكانه او تفتت قيل عنها ناقلة وهكذا

هذا الواجب الاول الذي يقع على عاتق المحكمة.

اما الواجب الثاني الذي يقع على عاتق المحكمة هو ان تقدر قيمة ارش الاصابة التي قامت بإعطائها اسمها الشرعي وذلك وفقا لنصوص القانون.

هذان الواجبان يقعان على عاتق المحكمة ولا يجوز ان تحيل المحكمة القيام بهذه الواجبات الى جهة اخرى ابدا.

لأن الحكم هو تعبير عن عقيدة المحكمة وقناعتها، فالقاضي يحكم وفق قناعته ووفق ما ثبت لديه وهو ملزم بان يطبق هو نصوص القانون على الواقعة محل النزاع وان يفصل في هذه المسائل وفق ما ثبت لديه، واعطاء الجنايات اسمها الشرعي ثم أن تقدير ارش كل جناية هو جزء من تطبيق القاضي لنصوص القانون على الواقعة محل النزاع، ولا يجوز ان يحيل الحكم بهذه المسألة الى شخص آخر غيره، لان المسألة هنا ليست تقرير خبرة، تقرير الخبير يكون سابقاً على معرفة ما هي الاصابات، فيحيل القاضي هذا الامر الى الطبيب باعتباره الخبير، والطبيب يبين ماهي الاصابات، وبعد ان يبين ماهي الاصابات هنا يأتي دور القاضي بتطبيق القانون على هذا التقرير ولا يجوز ان يحيل ذلك للأمين الشرعي.

فاذا حكم القاضي باستحقاق المجني عليه لأروش قيمتها مليون ريال فيجب ان يكون هذا التقدير هو من قام به وفقا لما تضمنه التقرير ووفقا لتطبيقه لنصوص القانون على هذا التقرير من حيث التسمية للجنايات ومن حيث تقدير ارشها، فقد نصت المادة (٤٠) من قانون الجرائم والعقوبات بقولها: (دية العمـد وشـبه العمـد خمسـة ملاييـن وخمسـمائة آلاف ريال والأرش نسبة من الدية طبقاً لما هو منصوص عليه في القانون، ودية الخطأ مليون وستمائة الف ريال والأرش نسبة معينة من الدية بحسب الجنايـة)، ثم نصت المادة (٤٢) من نفس القانون بقولها: (يتحدد الأرش فيما عدا ما تقدم بما يلي:

(١) الجائفة او الآمة او الدامغة ( ثلث الدية).

(٢) في الناقلة ثلاثة ارباع خمس الدية.

(٣) في الهاشمة عشر الدية.

(٤) في الموضحة نصف عشر الدية.

(٥) في السمحاق خمس عشر الدية.

(٦) في المتلاحمة خمس ونصف عشر الدية.

(٧) في الباضعة خمس عشر الدية ….الخ).

هذا نص قانوني والقاضي هو الملزم بتطبيقه على النزاع ولا يحيل تطبيقه للأمين الشرعي.

حجية تقدير الأمين الشرعي للجنايات:

بعض الأشخاص تحدث فيهم اصابات لكن لا يكون لديهم تقارير طبية خاصة في اثباتها وانما لديهم تقرير امين شرعي يتضمن انه (بتاريخ كذا حضر فلان بن فلان لرؤية الاصابات التي فيه وتقدير ارشها وقد وجدنا فيه ما يلي:

(١) محمرة في الجهة اليمنى من الوجه.

(٢) دامية كبرى في العضد الايسر …الخ وبعد تنزيل ارش الجنايات المذكورة تبين ان ارشها مبلغ وقدره كذا وكذا).

فما حجية هذا المحرر في بيان الاصابات التي تعرض لها المجني عليه؟

في الحقيقة لا يكون لتقدير الامين الشرعي للأروش اي الزام للمحكمة الا اذا كان تقدير الارش يتفق مع نص القانون، لكن هل لتقدير الامين الشرعي حجية في اثبات ان الاصابات الواردة فيه قد حدثت فعلا في المجني عليه؟

ان محرر تقدير الارش المحرر بخط الامين الشرعي هو محرر عرفي وليس محرراً رسمياً، كون الأصل ان اثبات الاصابات يكون بتقرير طبي، ولكن هذا المحرر يخضع تقديره للمحكمة في صلاحيته لإثبات وقوع الاصابات الواردة فيه بالمجني عليه، وللقاضي ان يأخذ به وله طرحه، وذلك في ضوء ما هو ثابت امامه من ادلة وبراهين اخرى تضمنها ملف القضية، الا ان هناك حالات يكون من غير الجائز الاكتفاء بتقدير الامين الشرعي لإثبات حصول الاصابات الواردة فيه، وذلك في الحالات التي يتضمن فيها تقدير الامين اثبات وجود جنايات جسيمة في المجني عليه، مثل ان يقول وجدنا في المجني عليه هاشمة، او وجدنا جائفة، او وجدنا متلاحمة، فهذه جنايات لا يثبتها تقدير الامين الشرعي كونها جنايات كبيرة تستدعي تدخلا جراحيا وعلاجات، وبالتالي فان اللازم اثباتها بتقارير طبية، لان المصاب بهذه الجنايات لابد ان يتلقى علاجاً، فاذا تلقى علاجاً فلابد من تقرير طبي يثبت وجود هذه الجنايات في المجني عليه

وهذا يعني ان تقدير الامين للجنايات قد يكون صالحا لإثبات وقوع جنايات في المجني عليه فيما كان دون المتلاحمة، اي الباضعة وما دونها اما المتلاحمة وما فوقها كالسمحاق والموضحة والجائفة والناقلة فنرى انها لا تثبت الا بتقرير طبيب لأنها تستلزم تدخلاً جراحياً، واذا استلزمت تدخلا جراحيا فيجب ان يتم عمل تقرير طبي بشأنها، واحيانا قد يتضمن تقدير الأمين جنايات بالجملة، مثل ان يقول وجدنا عشر محمرات في الفخذ الايمن وست وارمات في الركبة واحد عشر خدشا في الوجنة اليمنى او الجبهة.

هذا التقدير الذي يورد جنايات بالجملة في العضو الواحد لا يؤخذ به على علاته، فاذا ثبت للقاضي وقوع الاشتباك وكانت الادلة الأخرى كشهادة الشهود  تؤكد وقوع اصابات في المجني عليه فيجوز للقاضي ان يعتبر كل الاصابات في العضو الواحد اصابة واحدة من ذات الجنس المذكور في تقدير الامين، فاذا قال: “خمس وارمات في الركبة” اعتبرت وارمة واحدة، اما اذا كانت الاصابات في العضو الواحد مختلفة الجنس كأن يقول: “وارمتان ومحمرتان في الركبة” فيأخذ جناية واحدة من الجنايات الأعلى ارشا فتعتبر المحمرتان والوارمتان في الركبة وارمة واحدة، وذلك لأن هذا القدر من الجنايات هو المتحقق حصوله في ذلك العضو من الجسد، ويجوز للقاضي في كل الحالات ان يستوفي ما جاء في تقدير الامين او بتقرير الطبيب بسماع اقوال الامين نفسه او اقوال الطبيب او بيمين المجني عليه باعتبار محرر الامين دليلاً ناقصاً يتم استيفاؤ باليمين المتممة مالم يقره الخصم.

Loading