كتابات

ثَمَرَةُ الأَحْكَامِ تَنْفِيْذُهَا

القاضي/ أحمد بن يحيى الكحلاني*

يُعَرِّفُ علماء النحو اسم الإشارة بأنه اسم معرفة يدل على شيء معين مشار إليه بإشارة حسية أو معنوية .. وأسماء الإشارة هي: “هذا- هذه- هذان- هاتان- هؤلاء”، وأسماء الإشارة تعرب بحسب موقعها من الجملة مثلها مثل بقية الأسماء رفعاً وخفضاً ونصباً، إلا أن أسماء الإشارة تعرب مبنية وتدخل عليها الهاء، وهي لا محل لها من الإعراب، وليس لها وظيفة سوى التنبيه، فيكون عمل الهاء في قولك: “هذا” هو التنبيه للموضوع المشار إليه وأهميته وخطورته، وقد تكون الهاء في محل تقدير جواب ذهني مرتبط بوقائع وأعمال تمهيدية كانت محل سؤال واستفسار عن سببها ودواعي القيام بها؛ لذلك نجد أن القضاة يذيلون أحكامهم بعبارة: “وبهذا حكمنا في إشارة إلى أهمية ما سبق ذكره في الحكم من وقائع وحيثيات وأسانيد شرعية وقانونية”.

الوقائع والأسانيد:

1-   إنه في يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة في السنة العاشرة للهجرة وبعد عودته- صلى الله عليه وآله وسلم- من حجة الوداع مع عشرات الآلاف من جموع المسلمين وقف في وادٍ اسمه (غدير خمّ)، وهي منطقة بين مكة والمدينة يفترق الناس منها إلى بلدانهم، وأمر النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- من تقدم وفارق تلك المنطقة بأن يعودوا إليها، وانتظر في ذلك المكان حتى تكامل الجمع.

2-   أن سبب وقوف النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- في ذلك المكان كان امتثالاً لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚوَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾[67:المائدة]، صدق الله العلي العظيم.

3-   بعد أن تكامل الجمع في (غدير خمّ) وتوافد الناس إليه وفي وقت الظهيرة وحرارة الشمس، أمر النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- برص أقتاب الإبل وصعد عالياً فوقها هو وابن عمه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، حتى يراهما الناس بشكل واضح ثم أعلن  ولاية الإمام علي بن أبي طالب (ع)، من بعده، وبايعه على ذلك كبار الصحابة بالقول: “بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب .. أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن”.

 

الحيثيات:

أولاً: في الشكل:

حيث وقف النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- في يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة في منطقة (خمّ) داعياً إلى ذلك المكان جمعاً كبيراً من المسلمين، وارتقى عالياً على أقتاب الإبل ومعه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو صاحب السبق والفضل، فإن هذه المظاهر كاشفة عن أهمية الحدث وما سيترتب عليه لاحقاً من أمر جليل القدر فهو من هذه الناحية مقبول شكلاً.

ثانياً: في الموضوع:

وحيث أنه لما كان في الأمر السماوي والنص القرآني ما يقتضي وجوب التبليغ فقد قام النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بالتبليغ في منطقة (خمّ)، وتسليم الأمانة المعهود بها إليه مخلياً بذلك مسئوليته منها أمام جموع كبيرة وعشرات الآلاف من الناس وتأكد لنا ذلك من قوله- صلى الله عليه وآله وسلم: “أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ مَوْلَايَ وَأَنَا مَوْلَى الْمُؤْمِنِيْنَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِم فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيٌ مَوْلَاهُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ” (رواه الترمذي في سننه برقم (3713) وابن ماجة في سننه برقم (121) والألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1750)).

وحيث أنه لما كانت الولاية لله ثم لرسوله، وقد تم إسنادها من بعده لابن عمه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، مؤكداً عليه باسمه وجسده ومشيراً إليه بقوله: “هذا”، وفي ترتيب متسلسل بأمرٍ من مولى الناس جميعاً، وتم مباركتها لاحقاً من كبار صحابة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فإن ذلك يقتضي انتقال الولاية بعد النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- إلى ابن عمه، الأمر الذي يلزم معه قنوع جميع الأطراف بتلك الولاية ولما فيها من مصلحة للجميع ولا يتميز بها طرف عن طرف آخر.

المنطوق:

وعليه واستناداً إلى النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، فقد تقرر ما يلي:

1-   في الشكل بالقبول وفي الموضوع بصحة ولاية أهل الحق ديناً وشرعاً.

2-   التعويض والتأييد المناسبين لمن أيد ووالى وناصر.

3-   إلزام المعادي والخاذل بأن يشرب من نفس الكأس من المعاداة والخذلان الإلهي.

 

بهذا حكمنا .. والله المؤيد والناصر

والله لا يهدي القوم الكافرين

 

*وكيل وزارة العدل لقطاع الشئون المالية والإدارية

Loading