أخبار

التكييف القانوني لعقد العمل الخاص

يعد عقد العمل كحال أي عقد يرتب التزامات تعاقدية بين طرفيه إلا أن له طبيعة قانونية خاصة، وبالتالي منحه المشرع عناية واهتماماً لم يمنحها أي عقد.

بدايةً وبعد استقراء قانون العمل وسائر تشريعات العمل الأخرى الدولية والوطنية إجمالاً وتفصيلاً، باعتبارها قوانين معنية بتنظيم علاقة العمال بأرباب أعمالهم، اتضح وجود فكرة رئيسية وخلاصة جوهرية تتمثل بأنه: (ما يعد حقاً للعامل يعد واجباً على رب العمل والعكس من ذلك صحيح؛ فما يعد حقاً لرب العمل يعد واجباً على العامل، كل ذلك مع مراعاة الشرط الأفضل (الأصلح) للعامل كميزة قانونية تتفرد بها العلاقة العمالية عن العلاقات الأخرى كون العامل هو الطرف الضعيف ورب العمل هو الطرف القوي).

باستقراء القانون والواقع معاً اتضح بجلاء أن عقد العمل يعد أحد صور عقد الإذعان، وذلك لتفرد رب العمل بوضع بنوده وشروطه (صياغته بمفرده) وليس للعامل الاعتراض عليه أو تعديله أو مجرد مناقشته، وان أُتيحت له فرصة المناقشة فالنتيجة ستكون كمن ينفخ في بالون مثقوب لأن رب العمل هو الطرف القوي وسبق وأن قال كلمته (!!)؛ فليس للعامل إلا الموافقة الكاملة عليه دون أي تحفظ أو رفضه بمجمله ما يعني خُسران فرصة العمل وهو ما لا يحدث كون العامل هو الطرف الضعيف وبأمس الحاجة للعمل لتوفير احتياجات الحياة ومتطلباتها خاصة الضرورية منها، ويزداد الأمر أهمية بالنسبة له إذا كان العائل الوحيد لأسرته ويوجد العديد من العمال أمثاله من لديهم استعداد للعمل مكانه مهما كانت شروط العقد خاصةً وان مجتمعنا يعاني من البطالة المستشرية، ويعد أخذ رب العمل بتحفظ العامل وإبداء ملاحظاته على  بعض بنود العقد أو الجلوس معاً لصياغة العقد شيئاً نادراً والنادر لا حكم له كونه استثناء ضيقاً لا يصح التوسع فيه ولا القياس عليه، وذلك لن يكون إلا في حالة وحيدة وهي حالة إذا ما رغب رب العمل بأن يعمل العامل لديه، سواءً كان قدم العامل طلب الالتحاق للعمل أو طلب منه رب العمل العمل لديه.

ولما كان الأمر كما سبق إيضاحه وبيانه فإن عقد العمل تنطبق عليه المادة (213) من القانون المدني النافذ والتي تنص على أنه: [إذا حصل شك في عبارات العقد يُفسر الشك في مصلحة المدين لأنه الطرف الملتزم، إلا في عقود الإذعان وهي التي وضع شروطها القوي على الضعيف فلا يجوز أن يكون التفسير فيها ضاراً بمصلحة الطرف المذعن (الضعيف)]، ولأن رب العمل هو الطرف القوي بالعقد والعامل هو الطرف الضعيف فقد قيد القانون الطرف الأول بقيود جوهرية لصالح الطرف الأخير عند وضعه بنود العقد، وذلك ليُحتفظ للعامل بأدنى حقوقه حتى لو سلم بعقد رب العمل وأمضى عليه، ولذلك نصت المادة (7) من قانون العمل النافذ على أن: (تكيف علاقات العمل وفق أحكام هذا القانون بموجب الأسس التالية: 1- عدم جواز تنازل أو إبراء أية حقوق مترتبة للعمال عن عقد العمل إذا كان ذلك مخالفاً لأحكام هذا القانون، 2- سريان شروط العمل وحقوقه المحددة بهذا القانون على العمال ما لم تكن قد وردت في العقد بشروط أفضل)، وعبارات هذه المادة صريحة وقاطعة في إلزام رب العمل بالتقيد بأحكام قانون العمل التي تعد الحد الأدنى لحقوق العمال ما يعني تعلقها بالنظام العام، ويؤكد ذلك نص المادة (6) من قانون العمل النافذ والتي تنص على أن: (تمثل الأحكام الواردة في هذا القانون الحد الأدنى لحقوق العمال وشروط العمل وحيثما وجد نظام خاص لعلاقات العمل بشروط وضمانات أفضل تُطبق على العمال أفضل الأحكام الواردة في هذا القانون أو في النظام الخاص)، ولا يغلب ولا يقدم على أحكام قانون العمل إلا ما هو أفضل للعامل والذي عبر عنه قانون العمل اليمني بمصطلح: (الشرط الأفضل)، وقد أسماه فقهاء القانون المصري في مؤلفاتهم بعدة مصطلحات منها (الشرط الأفضل، الشرط الأصلح وشرط المحاباة)، وهذا الشرط سبق وأن أفردنا له موضوعاً مخصصاً للحديث عنه في أحد أعداد القضائية السابقة.

أخيراً ولأن طبيعة عقد العمل وتكييفه القانوني كما أوضحناه وبيناه، ولأن الواقع يثبت ويحكي مخالفة عقود العمل لبعض أحكام قانون العمل؛ فإن المشرع شرع عدة أنواع للرقابة عليه- عقد العمل- قبل انعقاده وبعد انعقاده، أي مروراً بتطبيقه ودخوله حيز النفاذ وحتى انتهائه، هذه الأنواع من الرقابة سيكون الحديث عنها إن شاء الله في عدد قادم للصحيفة.

(هذا وفوق كل ذي علم عليم)،،،

Loading