كتابات

قرار الإعادة من الاستئناف إلى أولى درجة بسبب الإجراءات لا يكفي دون الفصل في الموضوع إذا كانت قد فصلت فيه أولى درجة

بقلم المستشار القانوني/ أحمد محمد نعمان

 محامٍ امام محكمة النقض اليمنية

 

نصت المادة (288) من قانون المرافعات اليمني المعدل رقم (40) لسنة 2002م: بما لفظه: (يطرح الاستئناف القضيةَ المحكوم فيها أمام محكمة الاستئناف للفصل فيها من جديد في الواقع والقانون مع مراعاة الأحكام الآتية:

و – تحكم المحكمة الاستئنافية إما بتأييد الحكم المستأنف أو إلغائه أو تعديله، وإما بإعادة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل فيما لم يتم الفصل فيه).

في البداية أود الإشارة إلى مسألة مهمة جدا وهي قاعدة عامة تنتظم كل المعاملات وكل الأحكام والتقارير والإنشاءات وغيرها مما يتصل بحقوق الإنسان وهي مسألةٌ مفترضة منطقا وعقلا وجاءت بها الشرائع السماوية كلها وهو مبدأ وجوب التسبيب في الأحكام والإلزاميات والأفعال الموجهة إلى الغير وضرورتها ؛ فلا يجوز أن يُؤخَذ المرء بعقوبة أو يُلزَم بفعل أو بالكف عن فعل أو يُطالب بأمر ما لم يقم ذلك على بيان السبب الكافي الواجب عقلا ومنطقا في ذاته الموجب بوجوبه للمطلوب والمحكوم؛ وما لم يتحقق ذلك فإنه لا يمكن أن تتحقق العدالةُ؛ مهما كانت رتبةُ المُلزَم ومكانته وشخصه؛ ولا يصح التنازل عن ذلك إلا إذا كان السبب باديا وظاهرا مسبقا بحكم عقلي أو عرفي وحتى هذا الاستثناء في الأحكام العرفية والعادية والالتزامات الشخصية لا في القضاء وسوف نفرد لهذا المعنى بحثا مستقلا إن شاء الله.

نعود إلى صلب موضوعنا فنقول: لا شك أن تصدي محكمة الاستئناف لنظر الموضوع الذي نظرته المحكمة الابتدائية؛ وذلك في حدود أسباب الاستئناف وطلباته؛ لأن نظرها إذا لم يكن في حدود أسباب الاستئناف وطلباته فإنه سيكون إنشاءً لدعوى من قبلها لأن الاستئناف هو في الحقيقة إعادة لطرح القضية أمام درجة ثانية من درجات التقاضي؛ وبالتالي فلا يُنسب لصاحبه ولا يُحكَم له بغير طلباته في حالة قُبِلَ استئنافه؛ ولا يُحكم بما لم يطلبه الخصوم.

ولذا فإن محكمة الاستئناف تنظر في النزاع الذي طرح أمام المحكمة الابتدائية والتي استنفدت فيه المحكمة الابتدائية سلطتها في نظره؛ ولها في ذلك جميع السلطات التي تتمتع بها محكمة أولى درجة؛ ولذا فيمكنها أيضا أن تُمحِّصَ النزاع وأدلته الجديدة وتقبل مستندات جديدة لم يسبق أن طُرحَتْ أمام المحكمة الابتدائية ولها أن تستمعَ إلى الشهود ولها أن تجري تحقيقات قضائية جديدة إلا في ما استثني قانونا؛ وكذلك إذا كانت قد سُمِعتْ تلك الأدلة في محكمة أولى درجة وقضت فيها بحكم مُسبَّب فإن ذلك لا يمنع المحكمة الاستئنافية من معاودة النظر فيها لأنها درجة ثانية من درجات التقاضي.

ولكن إذا كانت المحكمة الابتدائية لم تخُض في الموضوع ولم تفصل فيه كأن قضتْ بعدم قبول الدعوى شكلا؛ أو قررت عدم اختصاصها؛ وكان صاحب الشأن في ذلك قد استأنف القرار أو الحكم الابتدائي فإن محكمة الاستئناف لا تنظر في الموضوع بل تقضي ببطلان القرار أو إلغائه وتُعيده إلى المحكمة الابتدائية للفصل في الموضوع؛ فتَمثَّل دورها هنا في الرقابة على المحكمة الابتدائية في قراراتها التي أفضتْ إلى الامتناع عن النظر في موضوع النزاع وتحتَجبُ المحكمة الاستئنافية عن نظره كونها محكمة ثاني درجة ولا بد أن يسير الموضوع بداية في محكمة أولى درجة، وإذا نظرت المحكمة الاستئنافية في موضوع النزاع في حالة ما إذا كانت محكمة أولى درجة قد فصلتْ فيه ورأتْ أن تُلغي الحكم الابتدائي أو تبطلَه فيجب أن تُسبب قرارها ذلك تسبيبا كافيا ولكن إذا رأت تأييده فإنه يمكنها أن تحيل على أسباب المحكمة الابتدائية؛ أو تحيلَ على جزء من أسباب الحكم الابتدائي شريطةَ أن يكون ذلك الجزء ليس الجزء الذي قضتْ ببطلانه أو إلغائه؛ وإلا كانت إحالة منها على معدومٍ وصارت بذلك مستمسكةً بما قضت بعدم صحة التمسك به.

ولكن ماذا لو قضتْ المحكمة الابتدائية في الموضوع واستُؤنِفَتْ القضية إلى المحكمة الاستئنافية التي رأت أن المحكمة الابتدائية قد أخطأت في الإجراءات خطأ يُبطِل حكمها؛ فهل تكتفي محكمة الاستئناف ببحث ذلك وبيانه وتقضي بإعادة القضية إلى أولى درجة أم عليها أن تبحث في الموضوع وتفصل فيه كونها محكمة موضوع؟ نعم يجب عليها أن تفصل في الموضوع الذي نظرته أولى درجة وتفصل فيه وتستكمل ما يلزم؛ وذلك ما أكدته القاعدة القانونية بخصوص الطعن رقم (۱۳۷) لسنة (١٤٢٣) هـ مدني

الموجز: الإعادة من قبل محكمة الاستئناف إلى المحكمة الابتدائية فيما فصلت فيه بحجية الإجراءات أثره: (أن محكمة الاستئناف قد دونت ملاحظاتها على حكم الحاكم وقررت إعادة ملف القضية إليه دون أن تبحث النقطة التي بحثها الحاكم وقرر سقوط حق الشفعة لمضي المدة وكان على محكمة الاستئناف استكمال ما يلزم لأنها محكمة موضوع)؛ ولكن لماذا يجب عليها ذلك؟ لأن محكمة الاستئناف محكمة موضوع فيجب عليها الفصل فيه إذا كان قد فُصل فيه في أولى درجة واستُؤنِفَ لديها إعمالا منها للدرجة الثانية للتقاضي وهي درجة مفرُوضة لا مُفتَرَضة فحسب بمعنى يجب عدم الإخلال بها طالما استعملها من شُرِعت لصالحه استعمالا وفقا للقانون؛ وأيضا فإن وجوب نظرها في حدود ما نظرته المحكمة الابتدائية واستُؤنِف لديها هو إعمال لمبدأ مهم من مبادئ التقاضي والعدالة على حد سواء وهو مبدأ الاقتصاد في الاجراءات ولا يجوز أن ينطلي الدفاع على طلبات جديدة لم تُطرح على المحكمة الابتدائية.

ويُخطِئ بعضُ المتكلمين في شؤون القانون فيطلقون على الاستئناف المرحلة الثانية من مراحل التقاضي يعنون به الدرجة الثانية ولا تؤدي لفظة مرحلة ما تؤديه لفظة درجة الذي يفيد زيادة على كونه (ثانيا) أنه أرفع شأنا من أولى درجة، وله حق الرقابة عليه؛ كما تُطل الدرجة الثانية على الأولى؛ والعرب لا يقولون درجة إلا إذا وجدت درجة أخرى ولا يقولون درجة أيضا الا إذا كان السير فيها صعودا لأعلى وإلا قالوا (دركات)؛ من هنا كانت الجنة (درجات) والنار (دركات)..

والفائدة من استعمال المادة القانونية السالفة عبارة: للفصل فيها من جديد هي الجِدَّة والجِدة في الفصل المقصودة في العبارة السابقة هي الجِدة في الإجراءات والنظر والاستدلالات والتسبيب الجديد الذي تتوصل إليه المحكمة الاستئنافية بنفسها والذي يفضي إلى الحكم الاستئنافي الذي يحقق وظيفة الاستئناف في كونه (درجة ثانية) ولا يكون إعادةً وتكرارا لما جرى لدى (أولى درجة) ولذلك لم يقل القانون: للفصل فيها مرة أخرى بل قال للفصل فيها من جديد.

فمعنى (مِن) هنا: إما أن يكون للابتداء أن يفصل فيها الاستئناف بنظرها من بدايتها في إطار ما رفع أمامه من أسباب وطلبات؛ وإما أن تكون بمعنى الباء فيكون المقصود بأسباب جديدة كما تقول: هذا الجَزَاء من عملك أي بسبب عملك.

وقوله: (في الواقع والقانون) يُستفاد منه أن يكون تَسبِيبُ المحكمة الاستئنافية مشتملا على الأسباب الواقعية والقانونية التي تأَسس عليها حكمها.

اما في قوله: (بتأييده)

يطرح البعض من المتحدثين لفظ التأييد بلفظ الموافقة ؛ وهذا غلط ؛ لأن لفظ الموافقة يختلف عن لفظ التأييد الذي استعملته المادة القانونية السالفة؛ فلفظ الموافقة يعني أن الحكم الابتدائي يشترط عليه أن يُعرَضَ على المحكمة الاستئنافية وتُوافِق عليه ليكون صحيحا؛ بمعنى أن الاستئناف سيكون جبرا ويكون الحكم الابتدائي فاقدا لقوة الأمر المقضي به حتى يُوافِقَ عليه الحكم الاستئنافي حتما وهذا المعنى فاسِدٌ كما لا يخفى ناهيك أن لفظ التأييد تفي باحترام الحكم الابتدائي ولو كان محل استئناف لأن الأصل في الأحكام الابتدائية الصحة وليس التوقف في الصحة على إقرار وموافقة الاستئناف؛ ولذا فإن الحكم الابتدائي صحيح في الأصل والاستصحاب لأنه صادر عن هيئة قضائية شرعية ومختصة ما لم يُلغَ أو يعدلْ أو يعاد للفصل فيه؛ لا كما يظُن البعضُ أن الحكم الابتدائي متوقف عن الصحة حتى الفصل بالتأييد من قبل الاستئناف وحتى لو كان الحكم الابتدائي قابلا للحكم بالإعدام لأن انعدامه لا يكون إلا بحكم وحتى صدور ذلك الحكم يظل صحيحا له قوة الأمر المقضي به

ومن جهة أخرى فإن لفظة تأييد تفي بمعنى آخر وهو القوة الإضافية التي يضفيها الحكم الاستئنافي بالتأييد للحكم الابتدائي؛ ذلك لأن لفظ التأييد يُستَعمل أيضا في إفادة معنى الإمداد والزيادة والتثبيت؛ كما قال تعالى عن عباده المؤمنين: (وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ) سورة المجادلة الآية (22) وأصل التأييد في الوضع اللغوي القوة أيضا ولذا قِيلَ يد؛ وقيل أيد والمراد قوة كما قال تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ)سورة الذاريات الآية (46) والمعنى: بقوة، والله أعلم ورد العلم إليه أحوط وأسلم.

 

المراجع:

1)قانون المرافعات اليمني رقم (40) لسنة2002م المعدل عامي 2010م و2021م

2) القاعدة القانونية بخصوص الطعن رقم (۱۳۷) لسنة (١٤٢٣) هـ مدني- مجموعة المبادئ والقواعد القانونية العدد الاول-المحكمة العليا في اليمن

3) مراجع أخرى

 

 

Loading