كتابات

بعد 2000 لا انكسار

دينا الرميمة

بعد ألفي يومُ من العدوان مرت علينا ولاتزال أولى لحظاتها عالقة بأذهاننا.

تعرضنا خلالها  للكثير من المواقف الصعبة والمفجعة وعشنا لحظات مريعة من الصعب جداً نسيانها وخاصة انها لازالت يوميا تتكرر!!

كانت تلك الغارات الخبيثة في تلك اللحظات هي جرس انذار عن بداية سنوات عجاف من الحرب والحصار والموت الذي بات ومنذ تلك اللحظة جاثماً بيننا ولقى له مرتعاً خصباً من وسط الأرض اليمنية يقتات منها كل يوم ما لذ له وطاب !!

نعم هي بداية الألم، بداية القتل ،بداية التدمير والتهجير والتجويع والحصار وفوق كل هذا كله بداية الخذلان من كل العالم الذي انتظر نهايتنا بصمت قاتل وحتى اليوم ونحن نراهم يسيرون وفق قاعدة البقاء للأغنى ومن سيدفع أكثر !!وكانت بداية تكشف أقنعة المجتمع الدولي والمنظمات التي تدعي انها حامية وراعية للإنسانية فماتت انسانيتها في حرب اليمن وانفضحت أنها هي الأخرى خاضعة لسلطة البترودولار، ولعل الخذلان هو الأكثر ايلاماً حين  تجرعناه بغصة من كأس مكسورة الحواف تجرح دون رحمة وتقتلنا دون ان يرف لهم جفن!

هي حرب جاءت على حين غفلة ودون إنذار مسبق تنبأ عن حدوثها فإذا بالطائرات ترعد وتزمجر بسمائنا  وتنهال علينا بصواريخ كالمطر جرحت الأرض اليمنية جرحاً عميقاً لازال منذ تلك اللحظة والى اليوم وطيلة الفي يوم  ينزف بدل الدم  أنفساً وأرواحاً تودع عالمنا المنافق راحلة تستجدي أهل السماء بعد أن خذلها أهل الأرض.

حرب فيها تجمع  علينا كل شذاذ الآفاق وتجار الحروب وسيئوا النوايا واستجلبوا اليها كل قاذورات الأرض ونفاياتها وعفنها من المرتزقة والجنجويد  والبلاك وتر والصهاينة الذين خلّقوا الجميع بأخلاقهم الشيطانية حتى يكونوا اكثر وحشية وتفنناً بكل طرق الحرب والقتل والدمار  وكيف ستكون حرباً إذا لم يبدعوا ويبتكرون  طرقاً اكثر ايلاماً  ووجعا لإركاعنا سريعاً، حزن قاتل زرعوه في  اوساطنا وبين ثنايا ايامنا وليال كئيبة  لا تخلو ساعاتها من جنائز هنا وهناك  لضحايا أبرياء كان للأطفال النصيب الأكبر ذنبهم فقط انهم من بلد تعشق الكرامة!!

جلبوا كل أنواع السلاح قديمة وحديثة، بداية من السلاح الأبيض وليس انتهاءً بالصواريخ والطائرات بمختلف أنواعها وأحدث ما صنعته التكنولوجيا من القنابل الانشطارية والهيدروجينية والقنابل المحرمة دوليا ًالتي حلل  استخدامها في اليمن خيراً من أن تبقى مكدسة في مخازن الدول الأمارة بالحرب علينا.

وبالحصار اكتمل نصابهم المنقوص في أرصدتهم من القتل فكان  الجوع هو الاخر له ضحايا كثر لم يفرق عن ضحايا الغارات والرصاص ،بمعنى أنه الموت الذي لا مفر منه فمن لم يمت بالغارات مات جوعاً ومرضاً !

ولكن مقابل هذا القتل والدمار و الخذلان لم يكن لهم ما أرادوه من الخنوع ورفع راية الاستسلام، فلقد ذهبت أحلامهم أدراج الرياح حين تناسوا أن اليمن ستظل مقبرة الغزاة والطامعين فيها.

فلم يكن ذلك الصلف والتعنت والذكريات الأليمة إلا حافزاً للبحث عن طرق للدفاع والمواجهة بل والهجوم والتشبث بكل اصابع الحياة بحقنا فيها والوقوف على متارس تنفسنا منها هوى الكرامة والشموخ واستطعنا رغم كل المعوقات أن نحيل الألم إلى أمل وضمدنا كل تلك الجراح بمئزر من العنفوان والقوة واستطعنا خلال الالفي يوم أن نغير واقع سيء صنعه لنا اعداؤنا وكل من خذلنا وانضم لصفهم واستطعنا ان نتجاوز كل تلك المآسي المزروعة في جوانح قلوبنا.

كان اليمني ينهض من تحت الركام حاملاً بندقيته متوعداً عدوه بالقصاص والثأر.

وبيده الاخرى يزرع الأمل في أرضه التي دمرت فيها كل سبل الحياة.

ملئ الجرح المفتوح بكينا ونحن نقف على ركام منازلنا المقصوفة  نتذكر كل لحظاتنا الجميلة التي عشناها تحت سُقفها وأحلامنا التي لطالما نسجناها سوياً مع مخدات نومنا فاغتالوها قبل ان تولد، فكسرنا ذاك الحزن بابتسامة زادتنا تمسكاً بتحقيقها، وازددنا صموداً ورغبة في خوض معارك الدفاع عن كرامتنا وحقنا بمستقبل نصنعه نحن لا المحتل والغازي  الذي لم يزداد ألا خسارة ورصيد فائض من القتل والدمار.

بعد الفي يوم من الحصار منعوا دخول أبسط احتياجاتنا بغية تجويعنا وإماتتنا، وكلما امعنوا في ذلك تحركنا وفتحنا مدارك عقولنا لإيجاد كل الحلول البديلة، ووفق هدف الاكتفاء الذاتي زرعنا أرضنا وحكنا ملابسنا وصنعنا كل ما أمكن صنعه، حتى وصلنا إلى الصناعات العسكرية من “الصواريخ الباليستية” و “الطائرات  المسيرة” و”انظمة الدفاع الجوي” التي كسرت هيبة أمريكا المصنعة لأضخم الأنظمة الدفاعية، فتهاوت أمام السلاح اليمني الصنع حين وصوله  إلى عمق دول العدوان ومنشأتها الحيوية.

في أكثر من الفي يوم دمرت خلالها اغلب المنشآت الطبية ومنع عنها الدواء فصاح المرضى من على أسرة موتهم:” إلا كرامتنا وعزة اليمن نموت وتبقى اليمن حرة شامخة”، وتشبثوا اكثر بكرامة وطنهم.

وختاماً ها هي اليمن شامخة بشموخ ابنائها وإن زارتها الحرب يوما أو الفي يوم او الفي عام ستبقى اليمن هي اليمن وستبقى الحرب ذكرى تعلمنا منها الكثير، وكشفت لنا الأقنعة وعرّت الكثير ممن يدعون الوطنية، ويزعمون أنهم أبناء هذه الأرض فنبذتهم ونفتهم خارج حدودها.

وبالرغم من  الأسى وبرغم جراح الفقد إلا أننا نقول لكل من خذلونا: شكراً لكم فقد كانت اياماً ذهبية جعلتنا نرفع اسم اليمن عالياً في سماوات الخلود، وستسجل بطولاتنا في أنصع صفحات التأريخ و الى مزابل التأريخ  أنتم ومرتزقتكم إلى الأبد.

Loading