كتابات

مخاصمة قانون البنوك لقانون العمل مشجعاً تمرد الواقع

المحامية/ نسمة عبد الحق النجار*

لا لا (!!)، نعم لا مكان على الإطلاق في المجال القانوني لمقولة:(خطأ شائع خير من صحيح ضائع)، يجب وضع النقاط على الحروف ومساعدة السفينة في الرسو في شاطئ آمن بعيد عن اضطراب الامواج والعواصف الرعدية والرياح التي تحاول الانحراف بالسفينة عن مرساها الصحيح.

نعم يجب إعطاء كل مجال حقه في التطبيق الصحيح وهو الحال المتوجب انطباقه في المجال القانوني، فيجب ابتداء ضبط المصطلحات القانونية مروراً بتطبيق القواعد القانونية وانتهاءً بتوعية المجتمع بحقوقه وواجباته القانونية.

في هذا الموضوع سنشير إلى أخطاء شائعة تعتري واقع القطاع الخاص وتحديداً البنوك، والسبب لا يعود فحسب إلى الواقع المعاش بل يتجاوز إلى زلات المشرع القانوني وعدم تحقيقه وضبطه للمصطلحات القانونية ما يفسح المجال أكثر وأكثر إلى استغلال العديد من الثغرات القانونية ، وبالتالي ظهور عُرف دأب عليه المجتمع يسيطر ويُنبئ بمستقبل قانوني يحتل العرف السمة البارزة نتيجة جهل المجتمع وتقصير القانونيون في توعية المجتمع.

هل لنا أن نغوص في الموضوع (؟!)، نعم وهاكم البيان:

يعرف قانون العمل في المادة (2) منه العامل بما نصه: ( كل شخص يعمل لدى صاحب العمل ويكون تحت إدارته ولو كان بعيداً عن نظارته لقاء أجر ووفق عقد مكتوب أو غير مكتوب ويشمل ذلك الرجال والنساء والأحداث ومن كان قيد الاختبار والتدريب)، كما يعرف القانون ذاته في المادة ذاتها صاحب العمل بأنه: ( كل شخص طبيعي أو اعتباري يستخدم عاملاً أو أكثر لقاء أجر في مختلف قطاعات العمل الخاضعة لأحكام هذا القانون )، كما عُرف العمل بأنه: ( كل ما يبذله العمال من جهد ذهني أو عضلي أو كليهما بصفة دائمة أو مؤقتة لقاء أجر معين )، وبالرجوع لمواد القانون ذاته نجد أن المادة (27) قد عرفت عقد العمل بأنه:( اتفاق بين صاحب العمل والعامل يتضمن تحديد شروط العمل ويتعهد العامل بمقتضاه أن يعمل تحت إدارة صاحب العمل وإشرافه مقابل أجر)، و لا يختلف الحال ذاته عما ورد في تنظيم القانون المدني لعلاقة العمل في الفصل السادس منه والمعنون ب (إيجار الأشخاص” عقد العمل”) .

وبالتدقيق في قانون العمل بمجمله وتحديداً المواد سالفة الذكر يتضح انطباقه على القطاع الخاص ومن جملته البنوك ، فكل من يلتحق للعمل في القطاع الخاص تربطه جزماً ويقيناً وقطعاً علاقة عمل بينه وبين صاحب العمل أو رب العمل (كلا المصطلحين استخدمهما المشرع القانوني للتعبير عن الطرف القوي في العلاقة العمالية) .

ولكن بالرجوع إلى قانون البنوك يتضح لنا بجلاء مخاصمته لقانون العمل منحازاً لما هو متداول واقعاً حتى وان كان خاطئاً، فمثلاً نراه في المادة (2) وتحديداً الفقرة (س) قد عرف كبار الموظفين بأنهم: ( المدير التنفيذي، مدير العمليات، المدير المالي، مدير التدقيق الداخلي، مدير الإقراض ونوابهم والمستشار القانوني)، وبالرجوع إلى الواقع نرى أن تلك المناصب ينظمها قانون العمل أي وجود علاقة عمل وبالتالي فأن الأصل تسميتهم ب (كبار العاملين) ، أيضاً نص القانون ذاته في المادة (8/2) على لفظ الموظفين وكذا حال المواد (19) و (22) و (24) و (77) و (78) من القانون ذاته وبالمخالفة الصريحة لقانون العمل، فالعلاقة المنطبقة هي عمالية بحتة ، والملاحظ أن المشرع لقانون البنوك قد حاول تدارك الأمر وإعادة الأمور إلى نصابها فاستخدم مصطلح العاملين في الفقرة (د) من المادة (61) بما نصه (مرتبات العاملين) حتى وإن جمع في الفقرة (و) على مصطلحي المرتب والأجور، إلا أنه أوقع نفسه مجدداً في منزلق الخطأ وأصبح كالمستجير من الرمضاء بالنار، وهنا تدق المشكلة ناقوس الخطر معلنةً حالة طوارئ لتمرد قانون البنوك مجدداً على قانون العمل طالبة في الوقت ذاته من المشرع الإسعاف (!!)، فبالإضافة إلى المواد سالفة الذكر لقانون العمل ولمجمل مواده بشكل عام والذي أسمى ما يتقاضاه العامل (أجر) سواءً كان أساسياً أم كاملاً أو إضافياً، وقد كان المشرع في الفصل الأول من الباب الخامس منه تحت عنوان ( الأجور)، قد تحدث عن جميع أنواع الأجور وكيفية تنظيمها واستحقاقها، وكذا عرفت المادة (2) من القانون ذاته أنواع الأجر سالفة الذكر والذي يستحقها أي عامل يرتبط مع الجهة التي يعمل بها بعقد عمل بالوصف والتكييف الموضح في القانون.

ولم يتطرق المشرع العمالي إلى مصطلح (المرتب) إلا في المادة (120/2) وكأن المشرع قد أغمي عليه برهة من الزمن وغشى الضباب عينيه، فوضع مصطلح المرتب عوضاً عن الأجر الذي تم وضعه وإقراره في المادة ذاتها بعد أن أفاق المشرع، ولكن يظل ذلك خروجاً عن الأصل ويعد وجوده في مجمل قانون العمل نادراً ” والنادر لا حكم له”.

نعم مصطلحا (المرتب والموظف) لم يوضعا إلا في قانون الخدمة المدنية ، فقد عُرفت الوظيفة في المادة (2) بما نصه: ( مجموعة من الواجبات والمسئوليات أو الأعمال ذات الطبيعة الذهنية أو المهنية أو الحرفية أو غيرها ، والتي تناط بشاغلها المساهمة في تحقيق أهداف الوحدة الإدارية التي ينتمي إليها خدمة للصالح العام… ) ، وعرف الموظف في القانون ذاته بأنه: ( الشخص المعين بقرار من السلطة المختصة للقيام بعمل …. تنظمه وظيفة مصنفة ومعتمده في الموازنة العامة للدولة… )، كما عُرف الراتب بأنه: (الراتب الأساسي الشهري الذي يستحقه الموظف ويتقاضاه بمقتضى جدول الوظائف والمرتبات)، أيضاً عرفت المادة ذاتها الخدمة المدنية بما نصه:( العمل في أية وحدة تابعة للحكومة بموجب هذا القانون ) أي قانون الخدمة  المدنية، وفي الفصل الثاني من القانون ذاته حدد المشرع مجال انطباق القانون واستبعد تماماً القطاع الخاص ، وقد نصت المادة (4) من القانون ذاته على: ( يتولى مجلس الوزراء الإشراف العام على شئون الخدمة المدنية والموظفين وله في سبيل ذلك القيام بما يلي:

أ- إقرار خطة متكاملة لتوصيف وترتيب الوظائف على مستوى الدولة…

ب- إعادة النظر في جدول الوظائف و الرواتب والعلاوات…

و- وضع أو إقرار أية مشروعات أو خدمات لمصلحة الموظفين…

ز- إقرار الأحكام الخاصة بشروط شغل الوظائف…

ي- … انتقاء الموظفين للتعيين في الخدمة المدنية… ).

وقد تم عنونة الفصل الثاني من الباب الثالث ب (واجبات الموظف) ، إلا أن المشرع لقانون الخدمة المدنية قد خالف الثابت أصلاً وافتراضاً وانحاز للنادر الذي لا حكم له ووقع في حالة الإغماء الذي وقع بها المشرع لقانون العمل والموضحة آنفاً، وذلك في الباب الثالث من القانون ذاته والذي تعنون ب (نظام الوظائف والأجور) وكان الأحرى عنونته ب (نظام الوظائف والرواتب) انسجاماً وترابطاً مع القانون والأصل المفترض إلا أن الواضح أن المشرع أفاق من غيبوبته وتدارك الأمر ، فعند حديثة في الفصل الثاني من الباب الثالث والمعنون ب(نظام الأجور ومبادئ وأسس نظام الأجور ) ذكر مصطلح (الراتب) ، وفي كل الأحوال فأن الغلبة في قانون الخدمة المدنية لمصطلح (الراتب) أما مصطلح  (الأجر ) فهو من نصيب قانون العمل كما سبق إيضاحه آنفاً.

وبالرجوع لقانون الخدمة المدنية يتضح أن القطاع الخاص لا مكان له في القانون ، وبالمقابل بالرجوع إلى قانون العمل وتحديداً المادة (3) منه والتي نصت على: ( أ- تسري أحكام هذا القانون على جميع أصحاب الأعمال والعمال إلا من يرد بشأنهم نص خاص في هذا القانون، ب- لا يسري هذا القانون على الفئات التالية…)، ولم يذكر المجال المصرفي من الاستثناءات وبالتالي يعامل معاملة الأصل.

وبمطالعة مواد القانون كاملة لم نجد بها ما يؤيد ويعزز ويبرر تمرد قانون البنوك على قانون العمل (!!).

الخلاصة:

الموظف هو من يرتبط بالدولة بموجب قرار إداري مهما كان موقعه في السلم الإداري ، أي أنه يعمل في القطاع العام مؤدياً واجباته الوظيفية ، ووزارة الخدمة المدنية هي المسئولة عنه وأي نزاع قد ينشب فإن الاختصاص القضائي ينعقد للمحكمة الإدارية.

أما العامل فهو من يرتبط بجهة عمله الخاص -القطاع الخاص- بموجب عقد عمل مهما كانت طبيعة عمله، ووزارة الشئون الاجتماعية والعمل هي المسئولة عن أي نزاع قد ينشب وينعقد الاختصاص القضائي للمحكمة العمالية، وهذا هو حال كل من يرتبط بعمل في البنوك بموجب عقد عمل مكتوب أو غير مكتوب كما أوضحه القانون ويخضع عمال البنك لما يخضع له أي عامل في أي جهة خاصة والواقع القضائي خير شاهد ودليل.

التوصيات: 

بناءً وتأسيساً واستناداً على كل ما سبق توضيحه آنفاً نوصي بالتالي:

1- نوصي المشرع بإعادة النظر في قانون البنوك والعمل على ضبطه وإيقاف تمرده وبما يتلاءم مع قانون العمل.

2- نوصي المشرع بإعادة الشاذ والنادر إلى أصله في كل من قانوني العمل والخدمة المدنية.

3- نوصي مكتب العمل المخول قانوناً باعتماد اللائحة الداخلية والتنظيمية لأي جهة عمل خاصة و منها البنوك أن  يحرص ويدقق قبل الاعتماد والمصادقة لأي لائحة تنظيمية لأن الواقع يحكي عدم تطبيق القانون كما يجب لا لفظاً ولا حكماً.

4- نوصي القطاع الخاص وتحديداً البنوك إبدال عبارة (شئون الموظفين) إلى عبارة (شئون العاملين) وكذا إحلال مصطلحي (العامل والأجر ) عوضاً عن ( الموظف والراتب) في لائحتها الداخلية التنظيمية وكافة قراراتها ووثائقها وتعاملاتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحثة قانونية.

Loading