كتابات

سلطان النص المكاني في التشريع مقارنة بأحكام الشريعة الإسلامية

طاهر الجنيد

نقاش قوة الدولة وقدرتها من حيث استطاعتها على بسط سلطانها وسيطرتها على ما تحت يدها من نطاق مكاني، جغرافي، ويشمل ما يشار إليه بالفقه الحديث بالإقليم، ولذلك سنتعرف على معاني السلطان المكاني، والإقليم، والأحكام القانونية التي تأخذ بها الدول، في بسط نفوذها وسيطرتها على الأقاليم التابعة لها، وماهية القواعد القانونية التي أخذ بها المشرع اليمني في تحديد الاختصاص، ومبررات المبدأ، وكيفية تحديد مكان ارتكاب الجريمة، والتحقيق منه والاستثناء عليه في أولاً.

وفي ثانياً: نتعرف على مبدأ العينية، مدلوله وأهميته والنصوص القانونية الدالة عليه، وشروط تطبيقه.

وفي ثالثاً: شخصية النص، مدلوله وأهميته، ومجالات تطبيقه.

وفي رابعاً: عالمية (النص الجنائي، وأهميته)

تحديد المصطلحات:

سلطان: مشتقه من (سلط) وتأتي لعدة معان: الطول: ومنها طول اللسان، (سلطة) السلطان والقدرة: التمكين والحكم والتحكم والسيطرة، والتسلط، والقوة، والقهر[1].

-ويعرف المكان: بالمنزلة والموضع[2] ، الاقليم: منطقة من مناطق الأرض تكاد تتحد فيها الاحوال المناخية والنظم الاجتماعية، ومنه (استقل): ارتفع وعلا، والدولة استكملت سيادتها وانفردت بإدارة شؤونها الداخلية والخارجية، فلا تخضع في ذلك لرقابة دولة أخرى[3].

ومن خلال تلك التعريفات السابقة يمكن فهم طبيعة السلطان المكاني للنص الجنائي فهو يرتبط بقدرة الدولة وقوتها، وأن تشمل بأحكامها الاقليم الذي تبسط عليه سيطرتها، وتنفذ فيه قانونها وشريعتها، لأن القانون وتنفيذه مظهر من مظاهر السيادة والسيطرة، خاصة القوانين العقابية.

فإذا كانت الدول تبسط سيطرتها وقوتها على إقليمها فتخضع كل من يرتكب جريمة لأحكام قانونها وشريعتها – فمعنى ذلك أنها لا تستطيع بسط سلطاتها وسيطرتها على إقليم آخر يتبع دولة أخرى، وفقاً لمبادئ احترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، فالقانون الوطني يطبق على الاقليم دون اعتبار لشخص الجاني أو المجني عليه أو للمصلحة التي تم الاعتداء عليها أكانت مصلحة عامة، أم خاصة، وطنية أم عالمية فمقتضيات الوظيفة العامة، هي حماية الأمن والسكينة العامة، ومكافحة الجريمة، وبسط الأمن والاستقرار على الاقليم الذي تسيطر عليه، وتمد نفوذها عليه.

ولأن تحقيق العدالة هو الذي يميز سلطة عن أخرى، فالله سبحانه وتعالى ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ويخذل الدولة المسلمة الظالمة، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذا المبدأ حينما أمر اصحابه الكرام بالهجرة إلى أرض الحبشة فراراً بدينهم من ظلم الاقليم الذي يعيشون فيه قائلاً: ((إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده، فالحقوا بلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما فيه))[4]

ومقتضى العدالة أن تحترم الحقوق، وتصان الحريات ولا يؤاخذ برئ بذنب، ولا يفلت مجرم من العدالة، ويحدد فقهاء القانون اربعة مبادئ لتحديد السلطان المكاني للنص الجزائي وهي[5]:

(1) إقليمية قانون العقوبات: فالقانون الوطني يطبق على كل الجرائم التي ترتكب على الاقليم الخاضع لسيادة وسيطرة الدولة مهما كانت جنسية مرتكبيها.

(2) شخصية قانون العقوبات: أو صلاحيته الشخصية: أن يطبق على كل شخص يحمل جنسية الدولة أياً كان الاقليم الذي ارتكبت فيه الجريمة.

 

 

(3) عينية النص: أو صلاحيته الذاتية: أن يطبق على كل جريمة تمس المصالح الاساسية للدولة أياً كانت جنسية مرتكبيها ومكان ارتكابها.

(4) عالمية النص: أو شموليته: أن يطبق على كل جريمة يقبض على مرتكبها في إقليم الدولة أياً كانت جنسيته ومكان ارتكاب الجريمة.

اولاً: إقليمية قانون العقوبات:

– الاقليم هو المنطقة التي تبسط الدولة سيطرتها عليه ويشتمل على ثلاثة أجزاء هي:

– الارضي، والمائي، والجوي.[6]

(1) الاقليم الارضي: المساحة من الأرض التي تمارس عليها الدولة سيادتها، ويشمل طبقات الأرض إلى مركز الكرة الأرضية.

(2) الإقليم المائي: المساحات المائية داخل حدود الدولة الانهار والاجزاء التابعة لها من الانهار الدولية، والبحار المغلقة والقنوات والمضايق والخلجان والموانئ البحرية، وأيضاً البحر الاقليمي: المنطقة التي تلاصق شاطئ الدولة وتتصل بالمياه الدولية، واستقر العرف الدولي على أن يكون عرضه وفقاً لاتفاقية جنيف لتحديد البحر الإقليمي لعام 1958م على أن لا تتجاوز المسافة اثني عشر ميلاً م (4)

(3) الإقليم الجوي: كل طبقات الهواء التي تعلو الإقليم الأرضي والمائي إلى ما لا نهاية في الارتفاع.

-وهناك الاقليم الحكمي الذي تبسط الدولة سيطرتها عليه، وهو السفن والطائرات التابعة لها والمركبات الهوائية – فهي تعد حكماً من الاقليم التابع للدولة.

– ومعلوم أن اليمن يمتلك حدوداً بحرية تصل إلى أكثر من ألفين وخمسمائة كيلو متر مربع على البحر العربي والمحيط الهندي وعلى البحر الأحمر، وإذا كان تحديد البحر الإقليمي على البحر العربي والمحيط الهندي لا يثير أي مشكلة باعتبار اتساع المساحة فإن المشكلة قد تفوز فيما يخص البحر الأحمر إذا كان تحديد البحر الإقليمي قد يتجاوز ما هو مسموح في القانون الدولي وفي العصور القديمة كان التحديد للبحر الإقليمي والمسافة ثلاثة أميال بحرية والميل الدولي 1852م وهو المدى الذي يمكن أن تصل إليه قذيفة المدفع في القرن الثامن عشر لكن هذا المدى أصبح من الماضي مع تطور الصناعات الحربية وتقدم الاسلحة في العصر الحاضر – وهو الأمر الذي جعل اتفاقية جنيف لتجعل المدى مسموح به للمياه الاقليمية اثني عشر ميلاً بحرياً (8) ولكن تحديد البحر الإقليمي يخضع لقرار داخلي للدول حيث تستطيع كل دولة أن تصدر قانوناً يحدد مدى البحر الإقليمي لها، بثلاثة أميال، أو ستة أو اثني عشر ميلاً، وتمارس الدولة عليه سيادتها إلى أعماق البحار وسلطاتها على ما يعلوه من الاجواء اسوة بالإقليم البحري، وهو ما قرره مؤتمر جنيف الذي دعت إليه الأمم المتحدة 1958م وتم توقيع الاتفاقية على البحر الإقليمي في 29 إبريل 1958م فنصت المادة (1) ((أن سيادة الدول تمتد خارج اقليمها البري ومياهها الداخلية إلى حزام من البحر ملاصق لشاطئها يوصف بأنه البحر الإقليمي)) ونصت المادة (2) منه (( أن سيادة الدولة الشاطئية تمتد إلى النطاق الهوائي فوق بحرها الإقليمي كما تمتد إلى قاعه وإلى ما تحته.

– صدر القرار رقم (37) لعام 1991م: بتحديد البحر الإقليمي اليمني على النحو الآتي:

م (4) يمتد البحر الإقليمي للجمهورية فيما يلي المياه الداخلية إلى المسافة 12 ميلاً بحرياً باتجاه البحر نفاس من خط الاساس المستقيم أو من أدنى مستوى لمياه الجزر المنحسرة الممتدة على طول الساحل.

ونصت المادة (7) اشكال المخالفات التي تتعارض مع حق المرور البري وهي كل الأعمال التي تتصل باستعمال القوة أو التهديد بها، والمناورة والتدريب، وأي عمل يستهدف جمع المعلومات، وتحميل أو انزال الطائرات أو أعمال التلويث وغير ذلك من الانشطة التي تتعارض مع مبدأ حق المرور البري.                   

[1] المعجم الوجيز – منشورات مجمع اللغة العربية – القاهرة ط 1420هـ -1999م صـ318

 [2] المعجم الوجيز – منشورات مجمع اللغة – مرجع سابق صـ546

 [3] المعجم الوجيز – منشورات مجمع اللغة – مرجع سابق صـ513

 [4]المحدث – محمد ناصر الدين الالياني – سلسلة الأحاديث الضعيفة – حديث رقم (3190)

 [5]د. محمود نجيب حسنى – شرح قانون العقوبات – القسم العام – منشورات دار النهضة – مصر

 د. محمود نجيب حسنى – القسم العام – مرجع سابق صـ136 [6]

Loading