كتابات

النظام القانوني لشرط التحكيم

المحامي الدكتور هشام قائد عبدالسلام الشميري

 

يقتضي منا الحديث عن النظام القانوني لشرط التحكيم أولاً تناول ماهية شرط التحكيم، ومن ثم تناول الشروط الموضوعية والشكلية لشرط التحكيم، ومن ثم تناول الأثر النسبي لشرط التحكيم، وأخيراً تناول أسباب انقضاء شرط التحكيم، وذلك على التوالي:

أولاً: ماهية شرط التحكيم:

شرط التحكيم هو ذلك الشرط الذي يرد في العقد الاصلي والذي بموجبه يتفق طرفاه على أن أي خلاف ينشأ في المستقبل عن ذلك العقد يتم تسويته عن طريق التحكيم، أو هو الاتفاق بين طرفي علاقة معينة على أن ما قد ينشأ عنها في المستقبل من نزاع يفصل فيه عن طريق التحكيم.

وما يميز شرط التحكيم هو أن المنازعات التي ينصب عليها لم تنشأ بعد، حيث يلزم في شرط التحكيم أن يكون العقد والشرط سابقين على قيام المنازعة، وهذا ما يميز شرط التحكيم عن مشارطة التحكيم، فشرط التحكيم يتعلق بنزاع محتمل غير قائم ويواجه منازعات احتمالية غير قائمة بالفعل يمكن أن تنشأ في المستقبل بين الأطراف وقد لا تنشأ على الإطلاق، بينما مشارطة التحكيم تتعلق بنزاع قائم بالفعل فهي الاتفاق على التحكيم منفصلاً عن العقد الأصلي يبرمه الأطراف بصدد نزاع قائم بالفعل بينهم، وبالتالي إذا ورد شرط التحكيم على نزاع نشأ بالفعل وعلى ما قد ينشأ من نزاع في المستقبل فإنه في هذه الحالة يعتبر اتفاق تحكيم صحيحاً ومحتوياً على شرط تحكيم ومشارطة تحكيم ولكل منهما محل مختلف.

ويمتاز شرط التحكيم عن بنود العقد الأخرى وعن العقد نفسه، حيث أن شرط التحكيم يُعد عقداً داخل عقد أي أن العقد الوارد فيه شرط تحكيم هو في الحقيقة عقدان تضمهما وثيقة قانونية واحدة، بمعنى أننا أمام عقدين العقد الأصلي وعقد التحكيم الوارد في العقد كأحد بنوده، حيث ينظر إلى شرط التحكيم الوارد في العقد على أنه عقد قائم بذاته رغم أنه ليس إلا جزءاً من هذا العقد أو أحد بنوده. كما أن شرط التحكيم محله عمل إجرائي بحت منفصل عن العقد الأصلي الذي يضاف إليه على نحو يجعل كل منهما عقداً متميزاً عن الآخر وإن تضمنتها وثيقة واحدة، فلا يُعد شرط التحكيم بنداً عقدياً موضوعياً بل هو بند عقدي إجرائي له طبيعة قانونية خاصة به، حيث أن شرط التحكيم بالرغم من وروده في العقد الأصلي المتعلق به في الأغلب الأعم إلا أنه يظل متميزاً عنه بمحله الخاص به، فهو تصرف قانوني مستقل بذاته وله موضوع مختلف عن موضوع العقد الأصلي، فموضوع أو محل الشرط هو الفصل في النزاع الذي قد ينشأ عن العقد عن طريق التحكيم، وهو موضوع أو محل مختلف عن محل العقد الأصلي الذي يختلف حسب نوع العقد الذي قد يكون عقد بيع أو مقاولة أو وكالة أو غيره، وبالتالي فإن شرط التحكيم يُعد مستقلاً عن العقد الأصلي حتى لو ورد كشرط من شروط هذا العقد وذلك إعمالاً لمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي الذي قررته صراحةً المادة (16) من قانون التحكيم، ومعنى استقلال شرط التحكيم أن مصيره لا يرتبط بمصير العقد الأصلي في حالات البطلان أو الفسخ أو الانهاء طالما كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته بمعني توافرت فيه شروط صحته وأركانه ومن ثم لا تنطبق قاعدة”الفرع يتبع الأصل” بل يظل اتفاق التحكيم قائماً وتظل ولاية المحكم قائمة حتى تسوى جميع المنازعات الناشئة عن البطلان أو الفسخ أو الانهاء، وإذا كان الأصل هو بقاء شرط التحكيم رغم زوال العقد الأصلي إلا أنه استثناءً من ذلك هناك أسباب لإبطال العقد الأصلي تؤثر في شرط التحكيم مثل عيب الاكراه والغلط في شخص المتعاقد.

وشرط التحكيم باعتباره اتفاقاً على اللجوء إلى التحكيم قبل نشوء النزاع يُعد التزاماً معلقاً على شرط واقف وهو حصول النزاع، وهذا النزاع قد يحدث أو لا يحدث، ومن ثم فإنه لا يجوز لأحد طرفي هذا الاتفاق أن يستقل بنقضه دون إرادة الطرف الآخر. وإذا كان لجوء أطراف العقد لإدراج شرط التحكيم كبند من بنود العقد اختيارياً لهم، إلا أنه بعد إدراج شرط التحكيم في العقد يصبح طرفا العقد مجبرين على حل أي نزاع قد ينشأ بينهما عن طريق التحكيم شريطةً أن لا يتفق الطرفان على التنازل عن ذلك الحق. وإذا كان شرط التحكيم عبارة عن بند من بنود العقد المبرم بين المتعاقدين اللذين يشترطان أن يتم حسم النزاع الذي قد يحدث بينهما مستقبلاً عن طريق محكم معين أو هيئة تحكيم معينة فإن تطبيق شرط التحكيم لا يتحقق إلا إذا حدث خلاف بين المتعاقدين بشأن تفسير العقد المبرم بين الطرفين وهذا الخلاف قد يحدث في المستقبل وقد لا يحدث، أي أن شرط التحكيم وفقاً لهذا المفهوم معلق على أمر مستقبلي غير محقق الوجود.

ومهما كان الأمر حول تكييف شرط التحكيم فإن الأمر المؤكد أن شرط التحكيم يُعد عقداً تاماً كافياً في حد ذاته للبدء في إجراءات التحكيم يغني عن إبرام مشارطة التحكيم لأن شرط التحكيم شأنه شأن مشارطة التحكيم اتفاق على التحكيم يلزم أطرافه ويرتب آثاره، فلا يحتاج الطرفان إلى إبرام مشارطة تحكيم لاحقة على نشأة النزاع. فإذا أبرم الأطراف وثيقة بعد شرط التحكيم اسموها مشارطة التحكيم فإنها لا تكون مشارطة تحكيم بل تعد إما وثيقة الإحالة إلى التحكيم أو وثيقة إجراءات التحكيم، أي أن تلك الوثيقة لا تصبح وثيقة إنشاء لمركز قانوني إجرائي قضائي جديد وهو التحكيم بل هي وثيقه إجرائية تنظيمية لمركز أوجده شرط التحكيم مسبقاً. وبالتالي إذا كان شرط التحكيم باطلاً وأبرم الطرفان مشارطة تحكيم بعد نشأة النزاع فإن بطلان الشرط لا يؤدي بالضرورة إلى بطلان المشارطة، كما أن بطلان مشارطة التحكيم لا يؤدي بالضرورة إلى بطلان شرط التحكيم السابق على إبرامها.

ويتنوع شرط التحكيم بحسب مصدره إلى شرط تحكيم مباشر وشرط تحكيم عن طريق الاحالة، وشرط التحكيم المباشر هو الاتفاق الصريح بين طرفين على أن ما قد ينشأ بينهما من نزاع بشأن علاقة قانونية معينة يتم الفصل فيه عن طريق التحكيم، أما شرط التحكيم بالإحالة فهو وضع بند في العقد يحيل إلى وثيقة خارجية سواء كانت مستقلة تمامًا عن المعاملة أو جزءاً من وثائق المعاملة تتضمن شرط التحكيم أي هو إحالة وثيقة لا تتضمن شرط التحكيم إلى وثيقة أخرى تتضمن شرط التحكيم كالإحالة إلى أحكام عقد نموذجي يوجد فيه شرط التحكيم. ويتنوع شرط التحكيم بحسب مجاله إلى شرط تحكيم عام وشرط تحكيم خاص، وشرط التحكيم العام هو نص يتم إدراجه في العقد بموجبه تلتزم الأطراف بإحالة كافة المنازعات التي قد تنشأ مستقبلاً عن العقد، أما شرط التحكيم الخاص فهو نص يرد بالعقد الأصلي يلتزم بموجبه الأطراف بإحالة أية خلافات تثور مستقبلاً إلى التحكيم بشأن مسألة معينة أو مسائل محددة على سبيل الحصر كتفسير العقد أو تطبيقه أو بشان بند أو بنود معينة من بنود العقد، بمعنى آخر قد يتفق الأطراف في شرط التحكيم على أن يكون التحكيم كلياً شاملاً لجميع المنازعات المتعلقة بتفسير أو تنفيذ عقد من العقود سواءً كانت المنازعات قانونية أم فنية أم مالية أم اقتصادية، وقد يكون اتفاقهم جزئياً يشمل بعض المنازعات المتعلقة بتفسير العقد كالمنازعات القانونية أو المنازعات الفنية فقط أو يشمل المنازعات المتعلقة ببند معين من بنود العقد.

 

ثانياً: الشروط اللازم توافرها في شرط التحكيم:

اتفاق التحكيم الذي يعد شرط تحكيم أحد صوره يعتبر عقداً كأي عقد يخضع للقواعد العامة للعقود المنصوص عليها في القانون المدني بما لا يتعارض مع نصوص قانون التحكيم الذي يعد قانوناً خاصاً، ولذلك فإن شرط التحكيم شأنه شأن أي عقد يلزم لانعقاده ما يتطلبه أي عقد آخر من الشروط الموضوعية العامة اللازمة لانعقاده المتمثلة بالرضا والأهلية والمحل والسبب، حيث يتطلب في شرط التحكيم توافر ركن الرضا الذي يتحقق بتلاقي إرادة الطرفين على اللجوء إلى التحكيم لحل النزاع ويجب أن تكون هذه الإرادة حرة خالية من عيوب الرضا وأن تتجه إلى إحداث أثر قانوني وهو فض المنازعات عن طريق التحكيم بدلاً عن القضاء، ويتحقق التراضي على التحكيم في شرط التحكيم بالمفاوضات التي تدور حول  شروط العقد من بينها شرط التحكيم ثم اتفاق الأطراف على مجمل العقد في النهاية بكافة شروطه التي من بينها شرط التحكيم وليس ثمة هنا حاجة إلى تراضٍ خاص بشرط التحكيم، وهذا بخلاف التراضي على التحكيم في مشارطة التحكيم فإنه يتحقق بقبول مبدأ التحكيم ذاته كموضوع للمشارطة وإثبات التراضي على ذلك كتابةً وتوقيع مشارطة التحكيم من الأطراف. ولا يكفي الرضا ليكون اتفاق التحكيم صحيحاً وإنما يجب أن يكون اطراف اتفاق التحكيم ذوي أهلية لكي يمكن إلزامهم بما قد يسفر عنه اتفاق التحكيم، والمقصود بالأهلية هنا أهلية التصرف التي تثبت لمن بلغ سن الرشد خمس عشرة سنة بالغاً عاقلاً غير محجوراً عليه، والعبرة بتوافر الأهلية وقت إبرام التصرف ولا يؤثر زوالها بعد ذلك في صحته وقيامه، ولذلك لا يجوز إبرام اتفاق التحكيم من قاصر أو مجنون، ولا يجوز أيضاً للوصي أن يبرم اتفاق التحكيم نيابةً عن القاصر بغير إذن من المحكمة بذلك، كما لا يجوز للوكيل بوكالة عامة أن يبرم اتفاق التحكيم نيابةً عن موكله فلا تكفي الوكالة العامة لإبرام اتفاق التحكيم بل لابد من وكالة خاصة تخول الوكيل الاتفاق على التحكيم ولابد من أن تكون الوكالة مكتوبة لأن التصرف الموكل فيه “اتفاق التحكيم” يجب أن يكون مكتوباً. ويتطلب أيضاً في شرط التحكيم توافر ركن المحل وهو النزاع الذي ارتضى الأطراف فضه بطريق التحكيم دون المحكمة المختصة، ويكفي في شرط التحكيم أن يكون محله منازعة ممكنة الوجود في المستقبل لأن شرط التحكيم يواجه منازعات احتمالية غير قائمة فعلاً يمكن أن تنشأ في المستقبل بين الأطراف. ويشترط أن تكون المنازعة محل شرط التحكيم من المنازعات القابلة للتحكيم التي يجوز فيها التحكيم، فلا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام. ويتطلب كذلك في شرط التحكيم توافر ركن السبب وهو الدافع المراد تحقيقه من وراء اتفاق التحكيم، وأن اتفاق الأطراف على التحكيم يجد سببه في إرادة الأطراف استبعاد طرح النزاع على القضاء وتفويض الأمر للمحكمين، وهذا سبب مشروع دائماً ولا تتصور عدم مشروعيته إلا إذا ثبت أن المقصود بالتحكيم التهرب من أحكام القانون الذي كان سيتعين تطبيقه لو طرح النزاع على القضاء.

كما اشترط المشرع في قانون التحكيم إلى جانب الشروط الموضوعية العامة سالفة الذكر ضرورة أن يتوافر في اتفاق التحكيم شروط شكلية معينة اقتضتها خصوصية اتفاق التحكيم التي تميزه عن غيره من العقود، وهي أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً، وأن يتضمن اتفاق التحكيم تعيين موضوع التحكيم وتعيين هيئة التحكيم أو تحديد طريقة تعينها، وسوف نبين تلك الشروط الشكلية كالاتي:

١كتابة شرط التحكيم: اشترط المشرع اليمني في المادة(١٥) من قانون التحكيم لانعقاد اتفاق التحكيم أن يكون مكتوباً وإلا كان باطلاً، وإعمالاً لذلك النص الوارد في قانون التحكيم الذي يعد القانون الخاص النابع من خصوصية اتفاق التحكيم التي تميزه عن غيره من العقود فإن المشرع قد اعتبر كتابة اتفاق التحكيم ركناً شكلياً لازماً لوجود وانعقاد اتفاق التحكيم، فلا ينعقد اتفاق التحكيم ما لم يكن مكتوباً ولا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا بالكتابة وإلا كان اتفاق التحكيم باطلاً ومن ثم يكون حكم التحكيم الصادر بناءً على اتفاق تحكيم غير مكتوب باطلاً بل منعدماً وفقاً لنص المادة (٥٣/أ) من قانون التحكيم؛ وذلك لأن التحكيم والاتفاق عليه من التصرفات القانونية ذات الخطر لما في ذلك من نزع الاختصاص بنظر النزاع من قضاء الدولة الذى يتعين عليه الامتناع عن الفصل في أي دعوى يتمسك فيها الخصم بوجود اتفاق تحكيم، ومن ثم يتعين التيقن من أن إرادة الأطراف اتجهت إلى إبرام اتفاق التحكيم عن إرادة واضحة ويقين قاطع. ويشمل مصطلح “اتفاق مكتوب” الوارد في المادة (١٥) من قانون التحكيم شرط التحكيم الذي يرد في عقد أو أي اتفاق تحكيم موقع عليه من الطرفين أو وارد في رسائل أو برقيات متبادلة، ويرد شرط التحكيم في الغالب الأعم في نفس العقد الأصلي مصدر الرابطة القانونية بحيث يتفق الطرفان على أن أي نزاع حول هذا العقد أو حول تنفيذه أو تفسيره يتم تسويته عن طريق التحكيم، ولا يوجد ما يمنع من ورود شرط التحكيم في اتفاق لاحق قبل نشوء أي نزاع بل أن القانون قد يتطلب لصحة شرط التحكيم في بعض الأحيان أن يرد شرط التحكيم في اتفاق خاص منفصل عن شروط الاتفاق الأصلي كما هو الحال فيما نصت عليه المادة (1069) من القانون المدني بالنسبة لعقود التأمين من بطلان شرط التحكيم اذا لم يرد في اتفاق خاص منفصل عن الشروط العامة المطبوعة في وثيقة التامين.

ويجب أن يكون شرط التحكيم واضحاً، حيث يجب أن يكون الاتفاق على شرط التحكيم واضحًا دون غموض في معنى وجوب اللجوء إلى التحكيم، فيجب أن يكون نصاً محدداً قاطع الدلالة على نية الأطراف في الالتجاء إلى  التحكيم بدلاً عن محاكم الدولة. ويجب أيضاً أن يكون شرط التحكيم ناجزاً وجازماّ لا خيار فيه حتى يتم العمل بموجبه وحمل المتعاقدين على الالتزام به، فإذا كان شرط التحكيم معلقاً على اختيار أو إرادة المتعاقدين كالتخيير بين اللجوء إلى القضاء أو اللجوء إلى التحكيم فإنه لا يستطيع أحد المتعاقدين التمسك بشرط التحكيم في مواجهة الطرف الآخر طالما أن ذلك متروك لاختيار المتعاقدين لأن التخيير في شرط التحكيم يتنافى مع لزوم شرط التحكيم، فلا يجوز أن يتضمن شرط التحكيم ألفاظاً تدل على عدم القطعية أو عدم الإلزامية مثل لفظ (يمكن أو يجوز للأطراف اللجوء إلى التحكيم)، أو لفظ لا يسلب محاكم القضاء العام حقه في نظر الدعوى). ولكن يجوز أن يكون شرط التحكيم معلقاً على شرط واقف، كأن يعلق شرط التحكيم على شرط عرض النزاع أولاً على مهندس أو خبير ليتخذ قراراً ثم يعرض ذلك على التحكيم فإن هذا الشرط يعد ملزماً، بحيث إذا لم يحدث ذلك يكون حكم التحكيم قابلاً للإبطال لعدم وجود اتفاق تحكيم وفقاً لنص المادة (53/أ) من قانون التحكيم.

٢تعيين موضوع التحكيم: اشترط المشرع اليمني في المادة (15) ) من قانون التحكيم لصحة شرط التحكيم تضمنه تعيين موضوع التحكيم وإلا كان باطلاً، ومن ثم يكون حكم التحكيم الصادر بناءً عليه قابلاً للإبطال وفقاً لنص المادة (53/أ) من قانون التحكيم. والأصل تعيين موضوع التحكيم في اتفاق التحكيم ذاته تعييناً نافياً للجهالة لان موضوع التحكيم من أهم البيانات التي يجب أن يتضمنها اتفاق التحكيم، غير أنه يجوز على الاستثناء تحديد موضوع التحكيم كتابةً في اتفاق لاحق يُضم إلى اتفاق التحكيم؛ وذلك لأن المشرع أجاز انعقاد اتفاق التحكيم في مكانين وزمنين مختلفين ولم يشترط انعقاده في مجلس واحد أو وقت واحد فقد أجاز في المادة (15) من قانون التحكيم أن يتم اتفاق التحكيم عن طريق البرقيات والرسائل المكتوبة أو وسائل الاتصال ذات الطابع التوثيقي ومما لاشك فيه أن ذلك لا يتم في وقت واحد من قبل المحتكمين.

ويتحقق تعيين موضوع التحكيم في شرط التحكيم الذي اشترطه المشرع في المادة (15) من قانون التحكيم بتحديد أمرين؛ أولهما تحديد العلاقة القانونية القائمة بين الأطراف الناشئ عنها النزاع محل التحكيم والعلاقة المحددة هي العلاقة المعروفة للطرفين عند إبرام اتفاق التحكيم كأن يبرم الطرفان عقد بيع أو مجموعة من عقود البيع ويتفقان عند الابرام أو بعد الإبرام على أن أي نزاع ينشأ عن هذا العقد أو العقود يُحال إلى التحكيم، ويكفي لتحديد العلاقة القانونية أن يُدرج شرط التحكيم في اتفاق معين وهنا تحدد العلاقة القانونية بما ورد في هذا الاتفاق لأن إدراج شرط التحكيم في عقد من العقود يفيد أن التحكيم ينصرف إلى المنازعات الناشئة عن ذلك العقد على نحو لا يمكن معه القول بأن المنازعات محل التحكيم غير محددة حيث ينصرف التحكيم إلى جميع المنازعات الناشئة عن هذا العقد دون غيره، كما يجوز أن يتضمن شرط التحكيم نصاً بالفصل في جميع المنازعات الناشئة عن العقد لأن موضوع التحكيم سوف يكون منازعات عقد معين معروف للطرفين بما يفي بالغرض من النص، ويجوز أن يتضمن شرط التحكيم نصاً بالفصل في جميع المنازعات التي يمكن أن تنشأ في المستقبل عن تفسير العقد أو تنفيذه بطريق التحكيم، ويجوز أيضاً أن يقتصر شرط التحكيم في النص على الفصل في بعض المنازعات المحتملة التي يمكن أن تنشأ عن تفسير العقد أو تنفيذه في المستقبل كالمنازعات القانونية أو المنازعات الفنية فقط. وثانيهما تحديد النزاع الناشئ عن تلك العلاقة القانونية، ويكفي في شرط التحكيم أن يتضمن تحديد الالتزام الأساسي لشرط التحكيم وهو التزامهم بحل المنازعات المستقبلية التي يمكن أن تنشأ عن العقد أو عن تفسيره أو تنفيذه بطريق التحكيم دون تحديد مواضع النزاع؛ وذلك لاستحالة تحديد النزاع في شرط التحكيم باعتباره يبرم قبل نشوء النزاع وقبل الإلمام بكافة تفاصيله وأن ما اشترطه المشرع في المادة (15) من قانون التحكيم من تحديد موضوع التحكيم لحظة إبرامه لن يتحقق في شرط التحكيم إلا بتحديد الالتزام الأساسي لشرط التحكيم الذي بتحديده يصبح النزاع قابلاً للتعيين واتفاق التحكيم عقد كأي عقد يشترط في محله أن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين، فإذا خلا شرط التحكيم من تحديد الالتزام الأساسي الذي يمثل الحد الأدنى لمضمون شرط التحكيم كان باطلاً لوروده على غير محل، وبالتالي فلا محل لتحديد مواضع النزاع في شرط التحكيم بحيث يتم تحديد مواطن النزاع بمشارطة تحكيم تبرم بعد وقوع النزاع أو في طلب التحكيم الذي يرسله أحد الطرفين إلى الآخر أو في خصومة التحكيم بشرط أن يدخل ذلك التحديد في الإطار العام المحدد في شرط التحكيم أي في الالتزام الأساسي المحدد في شرط التحكيم.

٣- تعيين هيئة التحكيم: اشترط المشرع اليمني في المادة (17) من قانون التحكيم لصحة شرط التحكيم تضمنه تعيين هيئة التحكيم وإلا كان باطلاً، وهذا التعيين يتحقق بتحديد المحكمين بأشخاصهم أو صفاتهم، ويتحقق أيضاً بتحديد طريقة وكيفية تعيينهم كما في حالة الإشارة إلى أن التحكيم يتم وفقاً لاتفاقية تحكيم مؤسسي معين أسندت لها تنظيم التحكيم وكما في حالة ما إذا اتفق الطرفان المحتكمان على إسناد مهمة التحكيم لمحكم واحد يختاره الطرفان أو لثلاثة محكمين يختار كلاً منهما محكم والمحكم الثالث يختاره الطرفان أو شخص من الغير. فالأصل في التحكيم حق الأطراف في اختيار هيئة التحكيم وكيفية ووقت اختيارها، فإذا لم يتفقوا على اختيار هيئة التحكيم وفق الطريقة والكيفية المحددة في شرط التحكيم تتولى المحكمة المختصة اختيار المحكمين بناءً على طلب أحد الأطراف يقدم وفقاً للإجراءات المعتادة لرفع الدعوى وذلك وفقاً لنص المادة(22) من قانون التحكيم.

وإذا لم تتوفر الشروط السابق بيانها يصبح شرط التحكيم باطلاً، ولكن هذا البطلان لا يؤدي بالضرورة إلى بطلان العقد الذي تضمن شرط التحكيم المشوب بالبطلان؛ وذلك إعمالاً لمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي الذي قررته صراحةً المادة (16) من قانون التحكيم.

 

ثالثاً: الأثر النسبي لشرط التحكيم:

شرط التحكيم شأنه شأن مشارطة التحكيم اتفاق على التحكيم يلزم أطرافه ويرتب آثاره القانونية في مواجهتهم بمجرد انعقاده، حيث يتمتع شرط التحكيم بقوة إلزامية متى توافرت أركانه وشروطه الموضوعية والشكلية وتضفى عليه قوته الملزمة، فلا يجوز لأحد أطرافه بإرادته المنفردة فسخه أو إلغاؤه أو التنازل عنه، فإذا انعقد شرط التحكيم انعقاداً صحيحاً بشأن نزاع معين ترتبت عليه آثار قانونية تتمثل في إقصاء قضاء الدولة من النظر في النزاع وامتناع الأطراف عن اللجوء إلى قضاء الدولة الذي يمتنع هو الآخر عن نظر النزاع، حيث يترتب على شرط التحكيم آثر سلبي وأثر إيجابي، والمقصود بالأثر الإيجابي لشرط التحكيم هو التزام أطرافه بحسم النزاع عن طريق التحكيم وعند لجوء أحدهما للقضاء يحق لخصمه الدفع بوجود هذا الاتفاق لمنع القضاء من نظره ويستجيب القضاء لهذا الدفع ما لم يتسن له بطلانه أو عدم قابليته لإعمال أثره، والمقصود بالأثر السلبي لشرط التحكيم هو التزام أطرافه بعدم الالتجاء إلى القضاء وامتناع القضاء عن النظر في النزاع عند الدفع بوجود اتفاق التحكيم إذا ما تبين له صحة هذا الاتفاق مالم يتنازل أطراف اتفاق التحكيم عنه صراحةً أو ضمناً. ويُعد أثر شرط التحكيم أثراً نسبياً من حيث أشخاصه وموضوعه، حيث يقتصر أثر شرط التحكيم على أشخاصه وموضوعه، فاتفاق التحكيم شأنه شأن أي عقد يخضع لقاعدة نسبية الآثار المتولدة عن العقد، وسوف نبين ذلك على النحو الآتي:

* الأثر النسبي لشرط التحكيم من حيث موضوعه:

يمتلك شرط التحكيم أثراً نسبياً من حيث موضوعه، وذلك بقصر الالتجاء إلى التحكيم على المنازعات التي انصرفت إرادة المحتكمين إلى عرضها عليها على هيئة التحكيم للفصل فيها، فإرادة الأطراف هي التي تحدد موضوع النزاع محل التحكيم الذي يكون للمحكم سلطة الفصل فيه، حيث يُعد التحكيم طريقاً استثنائياً للفصل في المنازعات ينبع من إرادة الأفراد في الحدود التي يسمح بها القانون. ويتم تحديد تلك المنازعات عن طريق تفسير إرادة المحتكمين في اتفاق التحكيم مع اعتبار مختلف الوثائق المتبادلة بين الطرفين جزءاً لا يتجزأ من الاتفاق، ولما في تفسير شرط التحكيم من خطورة فإنه يجب على القاضي أو المحكم على حد سواء التقيد بالقواعد العامة لتفسير العقود، فلم تنص تشريعات التحكيم على قواعد خاصة لتفسير اتفاق التحكيم مما يعني خضوع تفسير اتفاق التحكيم للقواعد العامة للعقود باعتبار اتفاق التحكيم عقد كأي عقد يخضع للقواعد العامة للعقود.

وبناءً عليه وإعمالاً للقواعد العامة للتفسير إذا جاءت عبارات شرط التحكيم واضحة فإنه لا يجوز تفسيرها للوصول إلى معنى مختلف عن المعنى الواضح بحثًا عن إرادة طرفي الاتفاق وذلك احتراما لمبدأ سلطان الإرادة، إلا إذا دلت الظروف على أن طرفي التحكيم قصدا معنى معيناً وعبرا عنه بلفظ لا يستقيم مع هذا المعنى فيجب تفسيره في المعني الذي قصده الطرفان. أما إذا كانت عبارات شرط  التحكيم غير واضحة فإنه يجب على البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف على المعنى الحرفي للألفاظ، وذلك لأن العبرة بالإرادة الحقيقية لأطراف الاتفاق. كما أنه إذا ثار شك بشأن عبارات شرط  التحكيم فإن هذا الشك يجب أن يفسر لمصلحة الطرف الذي يتم التمسك في مواجهته بالتحكيم، فيجب في تفسير شرط التحكيم مراعاة أن الشك يفسر لصالح المدين وهو المحتكم ضده، فالطبيعة الاستثنائية للتحكيم تستلزم أن يُفسر بالنسبة للمسائل التي يشملها تفسيراً ضيقاً بما يتفق مع طبيعته والشروط الاستثنائية يجب أن تفسر تفسيراً ضيقاً دون التوسع في تفسيرها بحيث إذا ثار الشك بشأنها يتم الرجوع إلى الأصل العام.

وعلى ذلك يقتصر أثر اتفاق التحكيم على العقد أو العقود المشار إليها في شرط التحكيم دون غيرها، فإذا كان بين الطرفين أكثر من عقد وورد في أحدها شرط تحكيم بالنسبة للمنازعات الناشئة عن ذلك العقد فلا ينصرف شرط التحكيم إلى العقود الأخرى إلا إذا تمت الإحالة فيها صراحة على شرط التحكيم، ويستثنى من ذلك العقود المتكاملة التي يكمل الواحد منها الآخر ففي هذه العقود إذا ورد شرط التحكيم في العقد الأساسي الذي يمثل إطاراً عاماً للتعامل بين الطرفين أو الذي يوضح المبادئ العامة لهذا التعامل ولم يرد شرط التحكيم في العقود التي تبرم لاحقاً ضمن الإطار الذي وضحه العقد الأساسي أو في العقود التي تفصل ما أجمله العقد الأساسي فإن شرط التحكيم الوارد في العقد الأساسي يمتد إلى العقود الأخرى التي تساهم في تحقيق العملية التعاقدية. ويقتصر أيضاً أثر اتفاق التحكيم على النزاع المشترط إحالته للتحكيم دون النزاعات الأخرى حتى ولو نشأت عن ذات العقد الوارد فيه شرط للتحكيم، وبالتالي فلا يمتد الاتفاق على التحكيم في المنازعات الناشئة عن تفسير العقد إلى المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقد، ولا يمتد أيضاً الاتفاق على التحكيم في المنازعات الناشئة عن تفسير أو تنفيذ العقد إلى المنازعات التي تقوم بين الطرفين تأسيساً على المسؤولية غير التعاقدية والمسئولية التقصيرية، كما لا يمتد الاتفاق على التحكيم في المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقد إلى المنازعات المتعلقة ببطلان هذا العقد أو ما يترتب على البطلان من تعويضات لأنه لا يتصور أن تُعد المنازعات المتعلقة ببطلان العقد تنفيذاً للعقد.

بينما يمتد الاتفاق على التحكيم في المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقد إلى كل المنازعات المترتبة على عدم التنفيذ، كطلب التعويض أو التنفيذ العيني أو الفسخ. وأيضاً يمتد الاتفاق على التحكيم في المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقد إلى المنازعات المتعلقة بتفسير العقد؛ وذلك لأن قيام هيئة التحكيم بمهمتها مرهون بالضرورة بأن تشرع أولاً بتفسير العقد. كما يمتد شرط التحكيم الوارد في العقد الأصلي إلى جميع الأعمال التي تُعد جزءً من العقد الأصلي في الأحوال التي يتغير فيها موضوع العقد الأصلي من حيث الزيادة والنقصان، ويكثر ذلك في عقود المقاولات الإنشائية حيث يصدر المهندس الاستشاري (المشرف) أوامر تغييرية للمقاول بإضافة أعمال جديدة للأعمال المطلوبة من المقاول أو حذف بعض الأعمال، ويعتبر التغيير في موضوع العقد على هذا النحو جزءاً من العقد الأصلي تسري عليه أحكام العقد الأصلي بما في ذلك شرط التحكيم، فإذا حصل خلاف بين الفريقين بشأن الأعمال الإضافية أو الأعمال التي تم حذفها فإن الاختصاص بتسوية النزاع ينعقد للتحكيم وليس للقضاء.

* الأثر النسبي لشرط التحكيم من حيث أشخاصه:

تقتصر آثار اتفاق التحكيم على أطرافه وذلك إعمالاً لقاعدة نسبية أثر العقود التي تقرر سريان العقد في مواجهة من التزم به دون غيره، وباعتبار التحكيم طريقاً استثنائياً للتقاضي فإنه لا يحتج باتفاق التحكيم إلا على الطرف الذي ارتضاه وقبل خصومته، ويترتب على ذلك أنه إذا كان هناك حالة تضامن بين مدينين وأبرم أحدهم اتفاق تحكيم مع الدائن فلا يجوز له الاحتجاج بهذا الاتفاق على بقية المدينين المتضامنين معه.

وقد يتبادر إلى الذهن أن أطراف الاتفاق الملتزمين به هم المتعاقدون الذين وقعاه إلا أن مصطلح” المتعاقدين” يشمل دائرة أوسع من ذلك وهي”الخلف العام والخلف الخاص” ما لم ينص في الاتفاق على خلاف ذلك، حيث أن اتفاق التحكيم لا ينصرف أثره إلى المتعاقدين فحسب وإنما ينصرف أيضاً طبقاً للقواعد العامة في القانون المدني إلى الخلف العام والخلف الخاص للمتعاقدين بحيث يسري في حقه ما يسري في حق السلف في شأن هذا الاتفاق لأن اصطلاح المتعاقدين يشمل كل من يمثله المتعاقدان في العقد أو خلفه العام أو خلفه الخاص. والخلف العام هو من يخلف الشخص في ذمته المالية من حقوق والتزامات أو في جزء منها باعتبارها مجموعاً من المال كالوارث والموصى له بجزء من التركة في مجموعها والشخص المعنوي الدامج بطريق الضم أو الشخص المعنوي الناشئ عن الاندماج بطريق المزج، حيث ينصرف أثر اتفاق التحكيم إلى هؤلاء على أساس إعتبارهم خلفاً عاماً للطرف الأصلي وبالتالي إمتداداً له، ويترتب على انصراف أثر العقد إلى الخلف العام أنه يسري في حقه ما يسري في حق السلف في شأن هذا العقد. والخلف الخاص هو من يخلف الشخص في شيء معين بالذات أو في حق عيني عليه، كالمشتري يخلف البائع في المبيع والموصى له بعين في التركة يخلف الموصي والمنتفع يخلف المالك في حق الانتفاع، وقد يكون الشيء الذي يتلقاه الخلف عن سلفه حقاً شخصياً كالمحال له يخلف المحيل في الحق المحال به والمتنازل له عن الإيجار يخلف المستأجر الأصلي، حيث ينصرف أثر اتفاق التحكيم إلى الخلف الخاص للمتعاقد. وبالتالي فإن اتفاق التحكيم يسري في مواجهة الخلف العام طبقاً للقواعد العامة في القانون المدني، لأن اصطلاح المتعاقدين يشمل كل من يمثله المتعاقدان في العقد أو خلفه العام الذي يتلقى كل حقوق ذلك المتعاقد، إلا أنه إذا كانت العلاقة القانونية موضوع التحكيم شخصية بحتة فلا يسري اتفاق التحكيم في حق الخلف العام. كما يسري اتفاق التحكيم في مواجهة الخلف الخاص طبقاً للقواعد العامة في القانون المدني، حيث أن أثر اتفاق التحكيم ينتقل الى الخلف الخاص باعتبار أن الالتزامات الناشئة عن عقود تبادلية تنتقل من السلف إلى الخلف لأنها مقابل للحقوق التي انتقلت إلى الخلف الخاص بموجب هذا العقد، ومن ثم يلتزم الخلف الخاص بالسير في إجراءات التحكيم ويفرض عليه الحكم الصادر من المحكم.

ومع ذلك يستثنى من قاعدة نسبية أثر اتفاق التحكيم بعض الحالات التي يمتد فيها أثر اتفاق التحكيم إلى الغير الذي لم يكن طرفاً في اتفاق التحكيم ولا خلفاً لأطرافه، وهي حالة الاشتراط لمصلحة الغير، حيث يترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقاً مباشراً قبل المتعهد بتنفيذ الاشتراط، بحيث يكون للمتعهد أن يتمسك قبل المنتفع بالدفوع التي تنشأ عن العقد كما يجوز للمشترط أن يطالب بتنفيذ ما اشترط لمصلحة المنتفع إلا إذا تبين من العقد أن المنتفع وحده هو الذي يجوز له ذلك، وبالتالي فإنه يمكن أن يكون الغير المشترط لصالحه طرفاً في خصومة التحكيم كما يمكن للمشترط إعمال شرط التحكيم الوارد بالعقد كي يتمكن من المطالبة بحقوق هذا الغير. وحالة العقد الجماعي وهو العقد الذي يوقع بين مجموعة من الأفراد بصفتهم الجماعية وبين فرد أو مجموعة من الأفراد، فهذا العقد الجماعي ينصرف أثره لجميع أفراد المجموعة سواء من وقعه أم لم يوقعه. وحالة المجموع العقدي وهو مجموعة عقود تقوم على فكرة وحدة المحل أو وحدة السبب وتشكل هذه العقود وحدة اقتصادية واحدة تهدف إلى تحقيق ذات العملية التجارية، فإذا تضمنت هذه العقود شرط تحكيم ووقع نزاع بين الغير وأحد أفراد هذه المجموعة امتد أثر اتفاق التحكيم إلى العقود التي تربطهما بالرغم من خلو هذه العقود من هذا الشرط. وحالة الاتفاق مع من يظهر بمظهر صاحب الصفة وهو الشخص الذي يرسي مركزاً قانونيًاً معيناً توحي الظروف بوجوده ـرغم أنه- لا يتمتع فعلاً أو قانونًاً بهذا المركز، كمن يتعاقد بصفته نائبًا عن الغير فإذا تعاقد مع شخص حسن النية بناء على الوضع الظاهر فإنه يعتد بهذه العلاقة حماية للوضع الظاهر وينصرف أثر اتفاق التحكيم إلى الأصيل الذي هو من الغير ولم يوقع على العقد. وحالة المرسل إليه في عقد النقل، وهي الحالة التي يتضمن فيها سند الشحن اتفاق تحكيم فإن اتفاق التحكيم يمتد أثره إلى المرسل إليه الذي لم يكن طرفًا في سند الشحن أو العقد الأصلي، حيث يمتد أثر اتفاق التحكيم في حق المرسل إليه على أساس وجود ارتباط بين العقد الأصلي الذي هو في الوقت ذاته محل اتفاق التحكيم.

 

رابعاً: انقضاء شرط التحكيم:

ينقضي أثر شرط التحكيم بفسخه أو إبطاله أو انهائه قضاء أو اتفاقاً قبل صدور حكم التحكيم، حيث يجوز للأطراف رفع دعوى أصلية أمام القضاء ببطلان اتفاق التحكيم أو التمسك بذلك عند الدفع أمام القضاء بوجود اتفاق تحكيم بشأن المنازعات المعروضة عليه، ويجوز أيضاً لأطراف اتفاق التحكيم التنازل عنه لأنه في الأصل قد تم الاتفاق على التحكيم برضائهم لذا فهم يملكون سلطة التنازل عنه بإرادتهم صراحةً أو ضمناً، فإذا قُضي ببطلان أو فسخ أو انهاء شرط التحكيم أو تنازل أطرافه عنه صراحةً أو ضمناً قبل صدور حكم التحكيم يسقط شرط التحكيم ويكون حكم التحكيم الصادر بعد سقوطه قابلاً للإبطال وفقاً لنص المادة (53/أ) من قانون التحكيم. وينقضي أيضاً أثر شرط التحكيم ويسقط بانقضاء مدته في حالة أن يحدد شرط التحكيم مدة محددة للتحكيم وانقضت تلك المدة قبل إصدار حكم التحكيم أو في حالة أن يحدد شرط التحكيم مدة لبدء التحكيم إذا رغب أحد الطرفين اللجوء إليه ولم تبدأ إجراءات التحكيم قبل انقضاء تلك المدة فإن ذلك يؤدي إلى انقضاء وسقوط شرط التحكيم بانتهاء مدته ما يجعل حكم التحكيم الصادر بعد انقضاء وسقوط شرط التحكيم قابلاً للإبطال وفقاً لنص المادة (53/أ) من قانون التحكيم،

كما ينقضي أثر شرط تحكيم بصدور حكم تحكيم سابق من المحكم رفع بشأنه دعوى بطلان قضت فيها محكمة الاستئناف ببطلانه، حيث أن الحكم الصادر ببطلان حكم التحكيم يؤدي إلى سقوط اتفاق التحكيم بحيث يكون للأطراف رفع الدعوى أمام المحكمة المختصة أو الاتفاق على عرض النزاع على هيئة تحكيم جديدة باتفاق جديد، فلا يجوز طرح ذات النزاع مرةً أخرى أمام ذات المحكم أو محكم آخر إلا بموجب اتفاق تحكيم جديد بين الأطراف، وفي ذلك قضت المحكمة العليا اليمنية في حكمها الصادر بتاريخ 20/ 4/ 2009م في الطعن التجاري رقم(33861) بقولها: (إن الطبيعة الاستثنائية للتحكيم توجب حصر استعمال شرط التحكيم مرة واحدة وعدم التوسع في اعماله، بحيث ينتهي أثر شرط التحكيم ويستنفذ العمل به بمجرد صدور الحكم من المحكم، فلا يملك أحد الخصوم إجبار الطرف الآخر التحكيم مرة ثانية إن هم أخفقوا في الوصول إلى حل النزاع بموجب تحكيم سابق صدر في موضوعه حكم تحكيم رفع بشأنه دعوى بطلان قضت فيها محكمة الاستئناف ببطلان حكم التحكيم؛ وذلك لأن الإمرة من ضروريات المأمور به وصيغة الشرط لا تقتضي التكرار إلى ما لا نهاية بتكرار اللجوء إلى محكمين آخرين، وشرط التحكيم يعد عائقاً مؤقتاً عن اللجوء إلى القضاء صاحب الاختصاص الاصيل في نظر الخصومات، والمنطق السليم لا يقبل تأبيد النزاع أمام التحكيم وحرمان الخصم من حقه الدستوري باللجوء إلى القضاء صاحب الولاية العامة).

وينقضي كذلك اثر شرط التحكيم بزوال النزاع محله بالتصالح أو بالتنازل عن الحق المدعى به أو بالإقرار بالحق المدعى به كاملاً أو باليمين الحاسمة المتعلقة بالحق المدعى به كاملاً، فإن هذا التصالح أو التنازل أو الإقرار لا يؤدي فحسب إلى زوال الخصومة لاستحالة محله وإنما يؤدي أيضاً إلى زوال الحق في إقامتها من جديد ويمنع مستقبلاً رفع دعوى بذات الموضوع والسبب والأطراف وإلا كانت الدعوى والخصومة المتعلقة بها منعدمة لانتفاء أحد أركانها الأساسية وهو ركن المحل، ومن ثم فإن زوال النزاع يؤدي إلى انقضاء شرط التحكيم لوروده على غير محل قانوني؛ وذلك لأن النزاع يعد من العناصر الأساسية للتحكيم الذي يوجد بوجوده وينعدم بانعدامه فلا تحكيم بدون نزاع، فاتفاق التحكيم عقد كأي عقد آخر يشترط أن يكون محله موجوداً أو ممكن الوجود في المستقبل ومحل اتفاق التحكيم هو النزاع الذي يراد حسمه عن طريق التحكيم، فالنزاع هو المحل الذي يرد عليه العمل القضائي والذي يُعد ركناً أساسياً من أركانه ومفترضاً ضرورياً لوجوده وهو السبب المبرر لنشوء الخصومة فلا يوجد العمل القضائي ولا توجد الخصومة بدون نزاع.

والله ولي الهداية والتوفيق،،

Loading