كتابات

الإشكالات القانونية المتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم (1-2)

يعتبر الأمر بتنفيذ حكم التحكيم بمثابة الضوء الأخضر للاعتراف بالحكم التحكيمي وتنفيذه جبراً، ويترتب عليه رفع حكم التحكيم إلى مصافِ الأحكام القضائية، فلا يتمتع حكم التحكيم بقوة تنفيذية في ذاته تمكن المحكوم له من اقتضاء حقه جبراً، بل يتطلب لتزويد حكم التحكيم بالقوة التنفيذية أن يصدر أمر بالتنفيذ من قضاء الدولة بمقتضاه يمارس القضاء رقابة شكلية لاحقة على حكم التحكيم قبل إصدار الأمر بتنفيذه، فهو يمثل نقطة الالتقاء بين القضاء الخاص والقضاء العام للدولة.

 المحامي الدكتور/ هشام قائد الشميري

 وقد نظم المشرع اليمني في قانون التحكيم رقم (٣٢) لسنة ١٩٩٧م تنفيذ حكم التحكيم في المواد (٥٧، ٥٨، ٥٩، ٦٠)، فقد حددت المادة (٥٨) المحكمة المختصة بتنفيذ حكم التحكيم، بينما بينت المادة (٥٩) الوثائق اللازم إرفاقها بطلب التنفيذ، في حين أوردت المادتان (٥٧،٦٠) الشروط اللازم توافرها لإصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم. والملاحظ عدم وضوح تنظيم المشرع اليمني في قانون التحكيم رقم (٣٢) لسنة ١٩٩٧م لتنفيذ حكم التحكيم، فقد جاءت النصوص المنظمة لذلك مشوبةً بالغموض واللبس، ومشوبةً بالقصور والنقص كونها لم تعالج مسائل على قدر كبير من الأهمية. والملاحظ أيضاً في الواقع العملي أن عدم وضوح تنظيم المشرع اليمني في قانون التحكيم لتنفيذ حكم التحكيم قد أدى إلى ظهور إشكالات وصعوبات قانونية كثيرة كانت محل جدل وخلاف لدى القضاء اليمني على وجه الخصوص فيما يتعلق بالتكييف القانوني للأمر بتنفيذ حكم التحكيم والقواعد الإجرائية التي تطبق عليه، وفيما يتعلق أيضاً بحدود الإنابة المقررة في المادة (٥٨) من قانون التحكيم، وفيما يتعلق كذلك بالشروط القانونية للأمر بتنفيذ حكم التحكيم. وسوف نتناول تلك الإشكالات القانونية المتعلقة بتنفيذ حكم التحكيم على النحو الآتي:

أولا: الإشكالات القانونية المتعلقة بتكييف الأمر بتنفيذ حكم التحكيم.

أدى عدم وضوح تنظيم المشرع اليمني لتنفيذ حكم التحكيم إلى اختلاف احكام القضاء اليمني حول التكييف القانوني للأمر بتنفيذ حكم التحكيم والذي استتبع اختلافها أيضاً بخصوص القواعد الإجرائية التي تطبق عليه المتعلقة بتحديد القاضي المختص بإصداره والنظام الاجرائي لإصداره والفصل فيه والتظلم منه، فقد تباينت أحكام القضاء بشأن ذلك إلى رأيين هما:

  • اتجهت بعض أحكام القضاء نحو القول بأن الأمر بتنفيذ حكم التحكيم يعد عملاً ولائياً تطبق بشأنه القواعد العامة في الأوامر على عرائض الواردة في قانون المرافعات سواءً من حيث تقديمه أو اصداره أو التظلم منه، بحيث يصدره رئيس المحكمة الاستئنافية أو رئيس الشعبة الاستئنافية مكتوباً في شكل أمر على عريضة دون خصومة ودون مواجهة بناءً على ما قدم إليه من مستندات مرفقة بعريضة الطلب ويجوز التظلم منه أمام الشعبة الاستئنافية مصدرته سواءً صدر القرار بالأمر بالتنفيذ أو برفض الأمر بالتنفيذ، وهذا ما قررته المحكمة العليا صراحةً في الكثير من أحكامها “طعن مدني رقم (29711)لسنة1428ه جلسة6/4/2008م، طعن مدني رقم(3840)لسنة1422ه جلسة23/8/2001م، طعن مدني رقم(133)لسنة 1422ه جلسة28/10/2001م،طعن التجاري رقم(33106)لسنة1429ه جلسة15/2/2009م”.
  • بينما اتجهت بعض أحكام القضاء نحو القول بأن الأمر بتنفيذ حكم التحكيم لا يعد عملاً ولائياً وانما يعد عملاً قضائياً يخضع للقواعد العامة لطرق التقاضي العادية سواءً من حيث تقديمه أو اصداره أو الطعن فيه، بحيث لايخضع للسلطة الولائية لرئيس المحكمة الاستئنافية أو لرئيس الشعبة الاستئنافية وإنما تنظره الشعبة الاستئنافية مجتمعة بحضور الأطراف وتصدره الشعبة مجتمعة في مواجهة الأطراف في شكل حكم وليس في شكل أمر على عريضة، فلا يصدر في شكل أمر على عريضة وإنما يصدر في مواجهة الأطراف في شكل حكم يقبل الطعن فيه أمام المحكمة العليا، وهذا ما قررته المحكمة العليا صراحةً في بعض أحكامها نذكر منها الحكم الصادر من الدائرة التجارية بتاريخ11/6/2006م.

وبدورنا نؤيد الرأي الأول الذي أخذ به فقهاء وشراح القانون اليمني، كونه يحقق فاعلية أكبر لنظام التحكيم ويتفق مع طبيعة وخصوصية نظام التحكيم ومع ما هو مقرر في معظم تشريعات التحكيم الحديثة.

كما أن الرأي الثاني يؤدي إلى تأخير حصول المحكوم له على حقه الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى عام كامل إن لم يكن أكثر من عام وهو ما يؤدي إلى شل فاعلية نظام التحكيم، وهذا ما تضمنه المنشور القضائي الصادر من المحكمة العليا برقم (35/5) لسنة 2009م بما جاء فيه ما نصه: (الملاحظ أن بعض محاكم الاستئناف عندما ترفع اليها طلبات تنفيذ احكام المحكمين تقوم بتكليف المنفذ ضده بالحضور وتجري لذلك العديد من الجلسات ثم تصدر قراراً يتضمن قبول طلب التنفيذ وانابة المحكمة الابتدائية بالتنفيذ وهذا عمل لا يوافق القانون).

ومع ذلك لا مانع من إجراء القاضي تحقيقاً مختصراً قبل إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم إذا رأى ضرورة ذلك، لأنه لا يوجد في القانون اليمني ما يمنع القاضي عند إصدار الأوامر على عرائض من إجراء تحقيق مختصر قبل إصدار الأمر حتى يتبين له وجه الحق في إصداره، وهذا هو الأحرى إذ يمكن القاضي التحقق أكثر من توافر الشروط الواردة في المادة (60) من قانون التحكيم على وجه الخصوص شرط عدم تعارض حكم التحكيم مع حكم سبق صدوره وشرط صيرورة حكم التحكيم نهائياً قابلاً للتنفيذ.

وعلى ذلك يقدم طلب تنفيذ حكم التحكيم على عريضة تحرر من نسختين متطابقتين تشتمل على البيانات المتعلقة بأسماء الخصوم ومهنتهم وموطن كل منهم وتعيين موطن مختار لطالب الأمر مع بيان وقائع الطلب وأسانيده وفقاً لنص المادة (٢٤٨) مرافعات، ويصدر الأمر بتنفيذ حكم التحكيم من رئيس المحكمة الاستئنافية أو رئيس الشعبة الاستئنافية كما تصدر الأوامر على عرائض في شكل أمر على عريضة دون خصومة ودون مواجهة بناءً على ما قدم إليه من مستندات مرفقة بعريضة الطلب وفقاً لنص المادة (٢٤٩) مرافعات، ويجوز التظلم من الأمر الصادر في طلب التنفيذ أمام الشعبة الاستئنافية مصدرته سواءً صدر القرار بالأمر بالتنفيذ أو برفض الأمر بالتنفيذ وفقاً لنص المادة (٢٥١) مرافعات)).

ثانياً: الإشكالات القانونية المتعلقة بحدود الإنابة المقررة في المادة (٥٨) من قانون التحكيم.

إن المشرع اليمني لم يكن واضحاً فيما قرره في المادة (58) تحكيم من تخويل محكمة الاستئناف المختصة إنابة غيرها من المحاكم في تنفيذ أحكام التحكيم، فلم يبين حدود هذه الإنابة، وهو ما يثور معه التساؤل عن المحكمة المختصة بإصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وتذييله بالصيغة التنفيذية والمحكمة المختصة بنظر منازعات التنفيذ وتوزيع حصيلة التنفيذ فهل تختص بذلك المحكمة المنابة أم محكمة الاستئناف المنيبة؟

وبدورنا نرى في هذا الشأن تطبيق قواعد وأحكام الإنابة في التنفيذ المنصوص عليها في قانون المرافعات والتنفيذ المدني باعتبار أن قانون التنفيذ المدني هو القانون الواجب التطبيق على المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم، وهو ما قررته المحكمة العليا في الكثير من أحكامها نذكر منها حكمها الصادر في الطعن التجاري رقم (21)لسنة 1412ه بتاريخ 25/1/1992م.

وتطبيقاً لذلك فإن سلطة محكمة الاستئناف إنابة غيرها من المحاكم في تنفيذ أحكام التحكيم لا تمتد إلى إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وتذييله بالصيغة التنفيذية وإنما تقتصر فقط على مباشرة إجراءات  التنفيذ اللازمة لاستيفاء الحق المحكوم به في حكم التحكيم “إجراءات التنفيذ بالمعنى الدقيق” كلها أو بعضها، بحيث لا تصدر الإنابة من محكمة الاستئناف إلا بعد إصدارها الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وتذييله بالصيغة التنفيذية. وبالتالي فإن اختصاص محكمة الاستئناف المقرر في المادة (58) تحكيم لا يشمل فحسب القيام بإجراءات التنفيذ اللازمة لاستيفاء الحق المحكوم به في حكم التحكيم “إجراءات التنفيذ بالمعنى الدقيق”، وإنما يشمل أيضاً إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وتذيله بالصيغة التنفيذية، وعلى ذلك اذا أصدرت المحكمة بعد التثبت من عدم وجود مانع من موانع التنفيذ أمراً بتنفيذ حكم التحكيم أو إنابة محكمة أخرى لتنفيذه فإن عليها وضع الصيغة التنفيذية على أصل حكم التحكيم، وذلك وفقاً لنص المادة (326،323) من قانون المرافعات.

ويقتصر اختصاص المحكمة المنابة في نظر منازعات تنفيذ حكم التحكيم على المنازعات الواردة على سبيل الحصر في المادة (325) مرافعات، بحيث يظل غيرها من المنازعات من اختصاص محكمة الاستئناف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نشر في العدد 198 الصادر بتاريخ 21مايو2022م.

Loading