الشرط الأفضل للعامل
المجامية/ نسمة عبد الحق النجار
إنها العدالة الاجتماعية التي اقتضت السماح للعامل مع رب عمله بممارسة وظيفة التشريع اللاحق بناءً على أساس ثابت يضعه المشرع القانوني ابتداء، ليس خروجاً عن القانون وإنما تجسيداً لروح القانون ودفاعاً عن طرف افترض المشرع ضعفه في علاقة العمل، فقد حرص المشرع القانوني أن لا يهضم في ظل عقد عادةً ما يكون أشبه بعقد الإذعان إن لم يكن الإذعان ذاته..!نعم الحديث عن الشرط الأفضل للعامل الذي يعالج ويخفف من حدة المنازعات التي تطرأ على العلاقة العمالية ، كما أنه الملاذ الوحيد والأخير للعامل حال وجود عدة تناقضات أو منازعات بخصوص مسألة معينة.. فيما يأتي نتعرف أكثر على الشرط الأفضل للعامل.
المقصود بالشرط الأفضل للعامل ومسمياته الأخرى:
هو الشرط الذي يمنح العامل أفضل المزايا ويعفيه من أسوأ الظروف والالتزامات الشاقة، ويطلق الفقه على الشرط الأفضل للعامل كمسمى شائع عدة مسميات منها ( مبدأ الأكثر محاباة، المبدأ الأكثر رعاية ، مبدأ الأكثر فائدة، مبدأ تطبيق الحكم الأفضل للعامل ).
حكمة تشريع الشرط الأفضل للعامل ومبدأ تدرج الهرم التشريعي في ظل هذا الشرط:
يهدف المشرع من تشريعه للشرط الأفضل للعامل إضفاء الطابع الحمائي لقانون العمل وروحه التي تحقق العدالة بين طرفي العلاقة العمالية، فالشرط يهدف إلى تحقيق أكبر قدر من النفع للعامل سواءً بصورة إيجابية كمنحه حق هو الأفضل بين الحقوق لذات السبب أو الموضوع أو بصورة سلبية كالتخفيف عن كاهله من أي التزام شاق وإقرار الالتزام الأقل إرهاقاً من بين العديد من الالتزامات، ويتجه الفقه إلى القول بأنه لا عبرة بالتفرقة بين القاعدة الخاصة والعامة عند التعارض ففي كل الأحوال يطبق الشرط الأفضل للعامل وكذا الحال عند وجود تعارض بين عدة قوانين ولوائح وقواعد وأنظمة أو أي نظام خاص أقر شرط أفضل للعامل.
حدود ونطاق تطبيق الشرط الأفضل للعامل:
لا يحد من نطاق تطبيق الشرط سوى النظام العام الذي يجب المحافظة عليه والحرص على عدم مخالفته والخروج عنه مهما كان الشرط محققاً للعامل فائدة ومصلحة ، وذلك لأن المصلحة العامة للجماعة تقدم على المصلحة الخاصة الفردية.
الجمع بين عدة مزايا لصالح العامل وتطبيقها مجتمعة دون ترجيح:
يتجه الفقه الفرنسي إلى القول بأن الجمع بين كل المزايا وتطبيقها مجتمعة دون ترجيح لإحداها يعد أصلح وشرط أفضل للعامل ، كما أن القضاء الفرنسي قد حجب مبدأ التدرج للقواعد القانونية ، بينما اتجهت بلدان أخرى على اختيار الأصلح للعامل على ما سواه دون الجمع وعلى وجه الخصوص إذا كانت جميع المزايا تحمل ذات الموضوع أو السبب.
ويذهب اتجاه آخر في الفقه إلى القول أن الجمع بين المزايا هو الأصل كونه الأصلح للعامل وأن الاستثناء هو عدم الجمع وترجيح إحدى المزايا حيث يكون ذلك واجباً إذا ظهر أن الإرادة الصريحة أو الضمنية تنصرف إلى ذلك.
طرق المفاضلة بين المزايا عند البحث عن الشرط الأفضل للعامل:
1- طريقة المقارنة الإجمالية
تستخدم هذه الطريقة عندما تكون المقارنة بين المزايا أو القواعد أو الشروط لذات الموضوع.
2- طريقة المقارنة التحليلية
تستخدم هذه الطريقة عندما تكون المقارنة بين المزايا أو القواعد أو الشروط لعدة مواضيع.
الحالة الوحيدة التي لا يستطيع القاضي بوجودها إعمال الشرط الأفضل للعامل:
يقف القاضي موقف العاجز عن تطبيق الشرط الأفضل للعامل إذا وضع المشرع حداً أقصى لمزية من المزايا ولم يسمح للمصادر الأخرى بالتجاوز ، وبرر ذلك الفقه أن ذلك يخرج القاعدة من دائرة النظام الحمائي للعامل ليدخلها في دائرة النظام العام المطلق ” وعلى ما يبد أنها لا تختلف كثيراً عن حالة مخالفة النظام العام “.
تنظيم المشرع اليمني للشرط الأفضل للعامل:
وحيث أن الموضوع طويل جداً ومتشعب خصوصاً في الدول التي لا يجد فيها الشرط النور في محاكمها!! ، وبالتالي سيكون الموضوع غير مكتمل لو لم نتطرق لتنظيم المشرع العمالي اليمني للشرط.
بمطالعة قانون العمل النافذ سنجد أن المشرع أخذ بالشرط الأفضل للعامل في عدد من مواده صراحةً وكذلك ضمناً ، ومن هذه المواد التالي:
المادة (6) والتي تنص على: ( تمثل الأحكام الواردة في هذا القانون الحد الأدنى لحقوق العمال وشروط العمل و حيثما وجد نظام خاص لعلاقات العمل بشروط وضمانات أفضل تطبق على العمال أفضل الأحكام الواردة في هذا القانون أو في النظام الخاص).
وتنص المادة (7) على:( تكيف علاقات العمل وفق أحكام هذا القانون بموجب الأسس التالية:
1- عدم جواز تنازل أو إبراء أية حقوق مترتبة للعمال عن عقد العمل إذا كان ذلك مخالفاً لأحكام هذا القانون.
2- سريان شروط العمل وحقوقه المحددة بهذا القانون على العمال مالم تكن قد وردت في العقد بشروط أفضل ).
كما تنص المادة (39) على: ( يستحق العامل تعويضاً خاصاً عما لحقه من ضرر بسبب إنهاء العقد من جانب صاحب العمل بصورة تعسفية أو إذا تم إنهاء العقد وفقاً لأحكام الفقرة (ثانياً) من المادة (35) وذلك بالإضافة إلى ما يستحقه من أجر مقرر عن فترة الإشعار وسائر المستحقات الأخرى المنصوص عليها في هذا القانون وتشريعات العمل المنفذة له)، فعبارة ” وتشريعات العمل المنفذة له” الواردة في ختام المادة تحمل في طياتها الشرط الأفضل للعامل.
كذلك تنص المادة ( 97/5) من القانون ذاته على: ( يستمر العمل بنسب ومعدلات الاجازة المكتسبة للعاملين بالشروط الأفضل) ، وتنص المادة (120) على:(1 – يستحق العامل عند انتهاء خدمته معاشاً شهرياً أو مكافأة مقطوعة وفقاً لأحكام قانون التأمينات الاجتماعية أو وفقاً لأي نظام خاص آخر إذا كانت شروطه أفضل للعامل.
2- إذا لم يكن العامل مشمولاً بأحكام قانون التأمينات الاجتماعية أو أي نظام خاص وفقاً لأحكام الفقرة السابقة…) .
وتنص المادة (36) على: ( يجوز لأي من طرفي العقد إنهائه شريطة أن يقوم الطرف الراغب في الإنهاء بإشعار الطرف الآخر كتابة في إحدى الحالات التالية:
أ- اذا أخل الطرفين بشروط العقد أو تشريعات العمل الأخرى ).
وكذلك تنص المادة (128) على: ( يقصد بمنازعات العمل الخلافات التي تنشأ بين أصحاب الأعمال والعمال حول ما ينجم من خلافات عن تطبيق أحكام هذا القانون ولوائحه وسائر تشريعات العمل الأخرى وعقود العمل الفردية والجماعية ) ، أيضاً تنص المادة ( 39) من القانون ذاته على:( يجوز لصاحب العمل في حالة مخالفة العامل لواجباته المحددة في هذا القانون أو في عقد العمل أن يوقع بحقه إحدى العقوبات التالية:
4- الفصل من العمل مع احتفاظ العامل بحقه في كآفة المستحقات المنصوص عليها في هذا القانون وفي تشريعات العمل الأخرى)، فعبارتي ” تشريعات العمل الأخرى، شروط العقد ” الواردة في المواد سالفة الذكر تدل على الأخذ بالشرط الأفضل للعامل حيث وان المفترض أنه لا يكون الأفضل للعامل ويكون به مخالفة وأقل من الحقوق الواردة في قانون العمل مالم فإنه يعد تشريع باطل لا يُعترف به من الناحية القانونية ، الأمر الذي يجعله كذلك من بقية النواحي، والمادة السابقة والموضح نصها تطبق على العامل والعاملة على حد سواء ، لذا وجب علينا الوقوف عند المادة (42) للتذكير والتنبيه أنه لا يعد تنظيم المشرع لنصوص خاصة لعمل العاملة من الشرط الأفضل أو من قبيل التمييز وانما لظروف خاصة بالمرأة اقتضتها طبيعتها الفسيولوجية وكذا مواصفات العمل او المهنة ، لذا نصت المادة ( 42) على: ( تتساوى المرأة مع الرجل في كآفة شروط العمل وحقوقه وواجباته وعلاقاته دون أي تمييز كما يجب تحقيق التكافؤ بينها وبين الرجل في الاستخدام والترقية والأجور والتدريب والتأهيل والتأمينات الاجتماعية و لا يعتبر في حكم التمييز ما تقتضيه مواصفات العمل أو المهنة).
أمثلة الشرط الأفضل للعامل:
1- يقدم العمل بأحكام عقد العمل الفردي للعامل حتى ولو كان مخالفاً لعقد العمل الجماعي مادام الأول قد تضمن قواعد وشروط وأحكام أفضل للعامل.
2- اذا نص عقد العمل للعامل على أن مدة الاشعار أكثر من المدة التي تطلبها القانون فإنه يتم العمل بالمدة المحددة بالعقد.
3- اذا نص عقد العمل للعامل على أن الاجازة السنوية تزيد عما شرعه القانون فإنه يتم العمل بالمدة المحددة بالعقد.
الخلاصة: أي نظام له علاقة بالعلاقة العمالية يكون أفضل للعامل وهو الذي يجب تطبيقه مادام أنه لا يقل عما شرعه قانون العمل او يخالف النظام العام.
أخيراً: نجد أساس وضمانة تطبيق الشرط الأفضل للعامل في اشتراط المشرع أن لا يكون أقل مما تطلبه قانون العمل من حقوق للعامل باعتبارها حداً أدنى يتمتع بها العامل ولكل ما أشرنا إليه في المقدمة.