كتابات

التنفيذ على الضمين لا يحتاج إلى سند تنفيذي خاص

تعليق على حكم

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين*

تطول إجراءات التقاضي وتتعقد بسبب عدم إدراك طبيعة  بعض التصرفات كالكفالة أو ما يطلق عليه الضمانة حيث يتم اختصام الكفيل امام المحاكم الجزائية حتى يكون الحكم حجة عليه مع ان الكفالة أو الضمانة تصرف مدني لا يختص بنظره القاضي الجزائي، ولذلك يقوم المكفول له برفع دعوى مدنية أو تجارية مستقلة أمام المحكمة المدنية أو التجارية، وهكذا تكثر الاحكام في القضية الواحدة وهكذا يتم ارهاق الخصوم والقضاة والعدالة، كما أن مبادى العدالة وقواعدها تقتضي ان يقوم القضاء بالتحقق من صحة الكفالة ونوعها وحدودها قبل مباشرة إجراءات التنفيذ في مواجهة الكفيل بموجب الحكم الجزائي الصادر ضد الموظف المكفول عليه   وقد صرح الحكم محل تعليقنا ان الكفالة من حيث طبيعتها تخول المكفول له ان يباشر إجراءات تنفيذ السند التنفيذي الحكم الصادر على المكفول عليه وذلك في مواجهة الكفيل دون حاجة إلى رفع دعوى مستقلة على الكفيل او الضامن أو إدخاله في الدعوى المرفوعة على الموظف المكفول عليه امام القاضي الجزائي، والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2/2/2010م في الطعن المدني رقم (35752) لسنة 1429هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد الأشخاص قام بإصدار ضمانة تجارية على موظف وفي تاريخ لاحق اقدم الموظف على ارتكاب جريمة خيانة الأمانة حيث ضم الى ملكه مبلغاً كبيراً كان مؤتمناً عليه للشركة التي يعمل لديها وقد تم القبض على الموظف المتهم وتم تقديمه للمحاكمة الجزائية وتم الحكم عليه واستنفذ الحكم طرق الطعن وشرع المحكوم له بإجراءات التنفيذ في مواجهة الكفيل أو الضامن ، فقام الكفيل بتقديم استشكال مفاده ان الحكم الجاري تنفيذه جزائي والكفيل ليس طرفاً فيه وحجية الاحكام قاصرة على أطرافها إضافة إلى ان الضمانة تجارية لا يختص بها القاضي الجزائي فاصدر  قاضي التنفيذ قرارا مفاده: ان الرجوع على الكفيل يحتاج الى رفع دعوى موضوعية مبتدأة لدى القاضي المختص فقامت الشركة طالبة التنفيذ باستئناف القرار إلا ان محكمة الاستئناف قضت بتأييد القرار الابتدائي فلم يقبل طالب التنفيذ بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض حيث قبلت المحكمة الطعن ؛وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا  (والدائرة تجد ان الاحكام الصادرة في القضية قد كثرت نظراً لعدم فهم هذا الموضوع فليس صحيحاً ما قضى به الحكم المطعون فيه بانه لا يحق مباشرة إجراءات تنفيذ الحكم الجزائي على الكفيل لانه ليس طرفاً في هذا الحكم، فهذا القضاء غير سديد لان المطعون ضده وان لم يكن طرفاً في الحكم الجزائي (السند التنفيذي) إلا أن الكفيل المطعون ضده طرف في إجراءات التنفيذ بصفته كفيلاً ضامناً ؛فمركز الضامن المطعون ضده في النزاع بين الموظف المضمون عليه والشركة المضمون لها يتحدد هذا المركز بالاستناد إلى احكام الكفالة حسبما تضمنته المواد (1026 و 1040 و 1057) مدني  فالقانون يقرر جواز الرجوع على الضامن دون ان يشترط ان يكون طرفاً في النزاع فيما بين المضمون له والمضمون عليه ودون الحاجة الى صدور حكم ضد الكفيل، فقضاء الشعبة الاستئنافية في حكمها المطعون فيه بلزوم صدور حكم في مواجهة الضامن كي يمكن مباشرة إجراءات التنفيذ ضده هذا القضاء غير سديد فهو لا يوافق احكام الكفالة الواردة في القانون المدني التي جعلت الكفيل طرفاً في إجراءات التنفيذ بصفته كفيلا على المكفول عليه من دون لزوم صدور سند تنفيذي مخصوص في مواجهة الكفيل حيث نصت المادة (1026) مدني على ان الكفالة هي ضم ذمة هي ذمة الكفيل الى ذمة المكفول عليه للاستيثاق فيما كفل به ولا تتوقف على رضاء المكفول عليه زيادة في الضمان المقرر للدائن للوصول الى حقه سواء من المنفذ ضده أو من الضامن دون توقف على رضاء المكفول عليه، لان الأصل في الكفالة هو التبرع حسبما قررت المادة (1035) مدني، لذلك قرر القانون ان الكفالة المالية اذا كانت حالة فأن للمكفول له ان يطالب الكفيل أو الأصيل بحقه ايهما شاء حسبما قررت المادة (1040) مدني، وقد بين قانون المرافعات في المادة (346) أن أساس توجيه إجراءات التنفيذ الجبري ضد الكفيل هو ثبوت صدور الكفالة من الكفيل ومطالبة الأصيل أولاً، فلم يشترط القانون للتنفيذ على الكفيل صدور حكم بثبوت الكفالة على الكفيل ؛ومن خلال ذلك كله يظهر خطأ الشعبة الاستئنافية بما اشترطته من عند نفسها بلزوم توفر سند تنفيذي ضد الكفيل لمباشرة إجراءات التنفيذ في مواجهته وهو خطأ غير يسير، كما ان القول بلزوم سبق مطالبة الأصيل لا يعني سبق اشتراط مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري في مواجهة الأصيل المكفول عليه اولا، وينبني على ما تقدم ان طلب التنفيذ بموجب سند تنفيذ واجب التنفيذ يجوز استعماله في طلب مباشرة إجراءات التنفيذ في مواجهة الكفيل المنفذ ضده قبل الأصيل المكفول عليه أو في مواجهتهما معاً إعمالاً لقاعدة لزوم تتبع ما يحقق المصلحة لطالب التنفيذ الجبري في كل إجراءات التنفيذ كونه الأولى بالحماية والرعاية معاً لأنه صاحب سند تنفيذي يوجب القانون تنفيذه بقوة الشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول: التكييف القانوني للكفالة:

صرح القانون المدني وأشار الحكم محل تعليقنا إلى ان الكفالة هي ضم ذمة مالية إلى ذمة مالية أخرى، أي ان الكفيل يضم ذمته المالية إلى الذمة المالية للمكفول عليه، بل ان كثيراً من الضمانات ترد فيها عبارة (بما يتقرر شرعاً أو بما يتقرر بموجب حكم بات أو نهائي)، وذلك يعني انه اذا صدر حكم على المكفول عليه وقضى هذا الحكم بالزام المكفول عليه بدفع مبلغ معين فان ذلك يعني أيضا انه قد تقرر وتوجب على المكفول عليه بحكم قضائي ان يدفع ذلك فان لم يقم بذلك اختيارا فان لم يفعل ذلك ؛ فان هذا يعني أيضاً تحقق شرط الكفالة أي وقوع الشيء المكفول منه ولزم على الكفيل السداد وجاز للمكفول له ان يباشر إجراءات التنفيذ في مواجهة الكفيل وحده او في مواجهة الطرفين الكفيل والمكفول عليه حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا فلا حاجة لوجود سند تنفيذي مستقل  خاص للتنفيذ على الكفيل لان إجراءات التنفيذ في مواجهة الكفيل تتم بموجب الحكم سند التنفيذ الصادر على المكفول عليه؛ كما استند الحكم محل تعليقنا في قضائه الى ان قانون المرافعات لم يشترط صدور حكم سند تنفيذي مستقل خاص على الكفيل لمباشرة إجراءات التنفيذ في مواجهته، حيث أشار الحكم الى ان قانون المرافعات قد أجاز التنفيذ على الكفيل بموجب  سند التنفيذ الصادر على المكفول عليه؛ واستند حكم المحكمة العليا الى المواد (345و346 و347)مرافعات حيث نصت المادة 345 على انه ؛( يجوز توجيه إجراءات التنفيذ الجبري للكفيل الشخصي والكفيل العيني والغير والحائز لمال المنفذ ضده وفقا للشرع والقانون) وفي السياق ذاته نصت المادة 346 على انه؛( لا يجوز التنفيذ على الكفيل الا بثبوت الكفالة وبعد الرجوع بالمطالبة على الأصيل المكفول أولاً وبالشروط الموضوعية المقررة في القوانين الأخرى) وكذا نصت المادة 347 على انه ؛( يلزم اعلان الكفيل قبل مباشرة إجراءات التنفيذ في مواجهته بسبعة أيام من تاريخ ثبوت الرجوع بالمطالبة وتعذر التنفيذ في مواجهة المكفول عليه ) فهذه المادة صريحة في اشتراط ان الرجوع في التنفيذ على الكفيل لا يتم الا بعد الرجوع على المكفول عليه وتعثر إجراءات التنفيذ عليه.

الوجه الثاني: تعذر ادخال الضامن في القضية الجنائية:

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان الكفالة قد كانت من تاجر على موظف قام بارتكاب جريمة خيانة ولذلك تم تقديمه للمحاكمة الجزائية أمام القاضي الجزائي، وقد كانت هناك محاولات لإدخال الكفيل في الدعوى المدنية التبعية التي يتم نظرها تبعاً للدعوى الجزائية على سبيل الاستثناء، إلا انه يتعذر قانوناً هذا الادخال لان الكفيل ليس طرفاً في الدعوى الجزائية وتبعا لذلك لا يصلح ان يكون طرفا في الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجزائيةكما الكفيل ليس المتسبب في حدوث الضرر الموجب للتعويض الذي ينجم عن ارتكاب الجريمة، كما ان المادة (48) إجراءات قد صرحت بانه لا يدخل في الدعوى الجزائية غير المدعى عليهم بالحقوق المدنية.

الوجه الثالث: وجوب تحقق القضاء من صحة الكفالة ونطاقها:

نظم القانون المدني احكام الكفالة بالمال في المواد (من 1040 إلى 1044) لذلك فان الكفالة واحكامها مدنية اذا كانت صادرة من غير تاجر كما ان الضمانة تكون تجارية يحكمها القانون التجاري اذا كانت صادرة من تاجر وقد نظم القانون التجاري احكام الضمانة والكفالة التجارية في المواد (من 230 حتى 249) والنصوص القانونية الناظمة لأحكام الكفالة المدنية والكفالة التجارية هي عبارة عن قواعد عامة مجردة يثير تطبيقها على الوقائع الغير متناهية وعلى الأشخاص غير المتناهيين يثير إشكاليات وخلافات كثيرة تحتاج الى تحقيق ومناقشة وكذلك الصياغات المختلفة للضمانات او الكفالات سواء المدنية أو التجارية حيث تختلف الصياغات فليس هناك صياغة واحدة ؛فاختلاف صيغة الكفالات يثير خلافات تحتاج الى تحقيق ومناقشة قضائية للتحقق من نوع الضمانة وحدودها ونطاقها والاستثناءات التي قد ترد فيها ؛ولذلك فان تنفيذ الحكم سند التنفيذ مباشرة في مواجهة الضمين او الكفيل من غير مناقشة للكفالة او الضمانة والضمين أمر في غاية الخطورة خاصة اذا لم يحسن المكفول عليه الدفاع عن نفسه في مواجهة المدعي في الدعوى المدنية التبعية؛ ولذلك فان غالبية الضمناء أو الكفلاء يضطرون إلى تقديم المساندة والاستشارات القانونية للموظف المكفول عليه أو المدعى عليه، ونظراً لهذه الوضعية فان قضاة التنفيذ يقبلون استشكالات الكفيل أو الضمين اثناء إجراءات التنفيذ وينظرون اليها بتعاطف مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، كما ان المادة 346  مرافعات قد اوجبت على قاضي التنفيذ  التحقق من ثبوت الكفالة حيث نصت هذه المادة على انه؛( لا يجوز التنفيذ على الكفيل الا بثبوت الكفالة وبعد الرجوع بالمطالبة على الأصيل المكفول أولاً وبالشروط الموضوعية المقررة في القوانين الأخرى)  علاوة  على ان الكفالات او الضمانات على الموظفين عند طلبهم للوظائف تكون على أمور مستقبلية قد تحدث او لا تحدث واذا حدثت فلا يعلم الضمين عند صدور الضمانة مقدار الاضرار المترتبة عليها ولذلك فان الغرر يحيط بالضمانات المستقبلية من كل جانبكما ان الضمين عند إصداره للضمانة فهو يضمن موظفاً بسيطاً عادياً عند تعيينه وبعد ذلك يتدرج في الوظائف التي ما كان الضامن يتوقعها او يتوقع المسؤوليات المترتبة عليها عند قيامه بإصدار الضمانة، وقد اشرنا الى هذه المسألة تفصيلاً في تعليق سابق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء.

Loading