كتابات

اتخاذ التدابير المستعجلة بغير الطريق القانوني

المحامي الدكتور هشام قائد الشميري

تتنوع الحماية القضائية للحقوق والمراكز القانونية تبعاً لصور الاعتداء عليها إلى حماية موضوعية تتضمن تأكيد الحقوق والمراكز القانونية الموضوعية وإزالة التجهيل برأي يحقق اليقين القانوني، وحماية مستعجلة لمواجهة خطر التأخير في توفير الحماية الموضوعية للحقوق والمراكز القانونية عن طريق اتخاذ تدابير وقتية أو تحفظية. فالحماية القضائية الموضوعية إجراءاتها طويلة وتحتاج إلى وقت ليس بالقصير في بعض الأحيان قد يصل لسنوات عده، وهذا الأمر جعل الحاجة ملحة إلى إيجاد نظام يحمي الحق حماية وقتية إلى أن تتقرر الحماية الموضوعية النهائية له، وللتوفيق بين وجوب التأني في الفصل بالمنازعات والسرعة في منح الحماية القانونية اتجهت التشريعات إلى إيجاد نظام القضاء المستعجل ليواجه خطر التأخير والبطء جراء طول إجراءات التقاضي وليكون مختصاً بمنح الحماية العاجلة المؤقتة.

والحماية المستعجلة التي تعد صورة من صور الحماية القانونية لمواجهة خطر التأخير في منح الحماية الموضوعية للحقوق والمراكز القانونية إما أن تُطلب بصحيفة دعوى تنشأ عنها خصومة يصدر فيها حكم “الدعاوى المستعجلة”، وإما أن تطلب بعريضة يصدر فيها أمر بدون خصومة “الأوامر على عرائض”. فالحماية المستعجلة وإن كان تصدر كقاعدة عامة في صورة أحكام قضائية بناءً على دعوى وخصومة، إلا أن المشرع استثناءً من تلك القاعدة أجاز بنص خاص مباشرة القضاء المستعجل في صورة أوامر وقتية تصدر بناءً على عريضة دون خصومة في غير مواجهة الخصوم.

وقد أورد المشرع اليمني في المادة(240) مرافعات بعض تطبيقات الدعاوى المستعجلة وهي “طلب سماع شاهد، طلب استرداد الحيازة، طلب إثبات الحالة، طلب بيع الأموال القابلة للتلف أو الإذن به، طلب فرض الحراسة القضائية، طلب الأمر بنفقة مؤقتة، الطلبات المتعلقة بحماية الوضع الظاهر وإعادة الحال إلى ما كان عليه”، ويفهم من نص المادة(240) مرافعات أن السبع المسائل المذكورة التي تعد من تطبيقات الدعاوى المستعجلة واردة على سبيل المثال لا الحصر، لأن نص المادة(240) مرافعات تصدرها عبارة(يُعتبر من المسائل المستعجلة) وحرف (من) يُستخدم للتبعيض ما يعني أن السبع المسائل التي أوردتها تلك المادة واردة على سبيل المثال لا الحصر فهي بعض من كل، ومن ثم فإن الدعاوى المستعجلة ليست مقتصرة على التطبيقات التي نص عليها القانون في المادة(240)مرافعات بل تشمل غيرها من التطبيقات التي تخضع للمعيار العام للقضاء المستعجل ولو لم يوجد نص عليها في القانون. كما أن المشرع اليمني لم يحدد الأحوال التي يكون فيها للقاضي اصدار أمر على عريضة وإنما أعطى للقاضي سلطة اصدار الاوامر على عريضة في كل حالة يرى فيها لزوم صدوره شرعاً وقانوناً بناء على طلب ذي مصلحة وفقاً لنص المادة (247) مرافعات، لذا فإن الاوامر على عرائض ليست مقتصرة على التطبيقات التي نص عليها القانون بل تشمل غيرها من التطبيقات التي تخضع للمعيار العام ولو لم يوجد نص عليها في القانون.

والحماية المستعجلة تصدر كقاعدة عامة في صورة أحكام قضائية بناءً على دعوى وخصومة، واستثناء من تلك القاعدة أجاز المشرع بنص خاص مباشرة القضاء المستعجل في صورة أوامر وقتية تصدر بناءً على عريضة دون خصومة في غير مواجهة الخصوم، فالأوامر المستعجلة التي تصدر دون خصومة تُعد ذو طبيعة استثنائية لكونها تتعارض مع الأصول والمبادئ الأساسية للتقاضي وهي مبدأ المواجهة ومبدأ العلنية، وبالتالي يجب حصرها في أضيق نطاق وعدم التوسع فيها. وأساس ذلك أن الخصومة تمثل الشكل الإجرائي العام للعمل القضائي كقاعدة عامة، حيث يلزم تواجد هذا الشكل حتى تكتمل أركان العمل القضائي، فلا يُعد عملاً قضائياً ما يصدر في غير خصومة عدا ما استثناه المشرع من هذه القاعدة لاعتبارات خاصة حالات معينة سمح فيها بنص صريح أداء العمل القضائي بغير هذه الوسيلة في صورة أوامر تصدر دون خصومة.

والملاحظ أن هناك من القضاة يصدر بطريق الاوامر على العرائض قرارات باتخاذ بعض التدابير الوقتية التي تعد من تطبيقات الدعاوى المستعجلة، كإصدار أمر على عريضة بفرض الحراسة القضائية أو باسترداد الحيازة أو بمنع التعرض المادي وذلك بالرغم من أن هذه التدابير الوقتية تعد من تطبيقات الدعاوى المستعجلة وفقاً لنص المادة (٢٤٠) مرافعات، وهنا يثور التساؤل حول أثر اتخاذ التدابير المستعجلة بغير الطريق القانوني؟

الأوامر القضائية التي تصدر دون خصومة تُعد ذو طبيعة استثنائية لكونها تتعارض مع الأصول والمبادئ الأساسية للتقاضي وهي مبدأ المواجهة ومبدأ العلنية، وبالتالي يجب حصرها في أضيق نطاق وعدم التوسع فيها، وأن أي تجاوز لنطاق هذه الأوامر الذي حدده القانون يُعد تجاوزاً لولاية إصدارها الذي يجب أن يواجه بأشد الجزاءات الإجرائية وهو الانعدام. ويرجع أيضاً انعدام الأوامر الوقتية الصادرة بناءً على عريضة دون خصومة المتضمنة تجاوزاً لنطاقها الذي حدده القانون إلى انتفاء ركن الخصومة القضائية اللازم لوجود العمل القضائي، حيث أن العمل القضائي لا يقوم بوظيفته إلا في ظل خصومة قائمة وإلا كان العمل منعدماً لانتفاء ركن الخصومة اللازم لوجوده القانوني وذلك وفقاً لنص المادتين(56، 217) مرافعات، فالخصومة تمثل الشكل الإجرائي العام للعمل القضائي كقاعدة عامة، حيث يلزم تواجد هذا الشكل حتى تكتمل أركان العمل القضائي، فلا يُعد عملاً قضائياً ما يصدر في غير خصومة عدا ما استثناه المشرع من هذه القاعدة لاعتبارات خاصة حالات معينة سمح فيها بنص صريح أداء العمل القضائي بغير هذه الوسيلة في صورة أوامر تصدر دون خصومة. كما أن تقديم الطلب القضائي بالشكل والطريق الإجرائي الذي حدده القانون يُعد ركناً شكلياً لوجوده القانوني وتقديمه بغير الطريق القانوني يجعله منعدماً عديم الأثر مثله مثل عدم تقديمه، فالقانون إذا حدد طريقاً معيناً لتقديم الطلب القضائي لا يغني أي طريقاً آخر عنه، ودليل ذلك أن المشرع اليمني أوجب في المادة (221) مرافعات على المحكمة الحكم في كل طلب أو دفع قدم إليها وفقاً للقانون ويستفاد من مفهوم مخالفة هذه المادة عدم الاعتداد بأي طلب أو دفع لم يقدم أمام المحكمة وفقاً للقانون.

وعلى ذلك لا يجوز اصدار أمر على عريضة دون خصومة بفرض الحراسة القضائية أو باسترداد الحيازة أو بمنع التعرض المادي وإلا كان ذلك الأمر منعدماً لانتفاء ركني الولاية والخصومة اللازمين لوجود العمل القضائي؛ وذلك لأن طلب الحراسة القضائية واسترداد الحيازة ومنع التعرض المادي لا يكون بطريق الأوامر على عرائض وإنما يكون بطريق رفع دعوى مستعجلة ينعقد فيها خصومة وفقاً لنص المادة (٢٤٠) مرافعات.

Loading