كتابات

قرارات دائرة فحص الطعون وإمكانية ورود جزاء الانعدام عليها

المحامي الدكتور هشام قائد عبد السلام الشميري

إن اختصاص دائرة فحص الطعون بالمحكمة العليا محدد بالقانون بشكل واضح ودقيق وهو الفصل في الطعون من حيث الشكل واستيفاء الشروط الشكلية المطلوبة قانوناً، حيث أن اختصاص دائرة فحص الطعون يعد اختصاصاً حصرياً محصور في البحث والتحقق من توافر الشروط الشكلية للطعن بما فيها الرسوم ورفعه من ذي صفة على ذي صفة وقابلية الحكم للطعن فيه أمام المحكمة العليا، فإذا رأت دائرة فحص الطعون عدم توافر الشروط الشكلية للطعن أو أن الطعن قد سقط أو أن إجراءاته باطلة قررت عدم قبول الطعن شكلاً بقرار موجز التسبيب في محضر الجلسة، وإذا قررت دائرة فحص الطعون قبول الطعن من الناحية الشكلية يتعين عليها رفع الطعن إلى رئيس المحكمة لإحالته إلى الدائرة المختصة للفصل فيه. وفي ذلك نصت المادة (٢٦) من قانون السلطة القضائية رقم (١) لعام١٩٩١م على أنه (تفصل دائرة فحص الطعون في الطعون المقدمة من حيث الشكل واستيفاء الشروط المطلوبة قانوناً)، ونصت أيضاً المادة (٢٩٨) من قانون المرافعات على أنه (بعد انقضاء المواعيد السابقة يحيل رئيس المحكمة أو من ينيبه الطعن إلى دائرة فحص الطعون وعليها أن تبحث الشروط الشكلية للطعن بما فيها الرسوم ورفعه من ذي صفة على ذي صفة فإذا رأت أن الطعن قد سقط أو بطلت إجراءاته قررت عدم جواز نظره بقرار موجز التسبيب في محضر الجلسة وألزمت الطاعن بالنفقات وصادرت الكفالة وإذا قررت قبول الطعن رفعته إلى رئيس المحكمة لإحالته إلى الدائرة المختصة لإدراجه في جدول جلساتها).

ووفقاً لذلك تقوم دائرة فحص الطعون بمراجعة ملفات الطعون والفصل فيها وفقاً للقانون من حيث الشكل واستيفاء الشروط الشكلية المطلوبة قانوناً، ويدخل في ذلك التحقق من أن الطعن بالنقض مرفوع خلال الميعاد القانوني من ذي صفة ومصلحة والتحقق أيضا من أن الحكم المطعون فيه حكم منهٍ للخصومة يجوز الطعن فيه وفقاً للقاعدة العامة المقررة في المادة (٢٧٤) مرافعات التي تحظر الطعن فيما تصدره المحكمة من أحكام غير منهية للخصومة أثناء سيرها إلا بعد صدور الحكم المنهي لها كلها فيما عدا الاستثناءات الواردة على سبيل الحصر في نفس المادة سالفة الذكر. ويقتصر اختصاص دائرة فحص الطعون على التحقق من الشروط الشكلية في الطعن دون البحث في الأسباب الموضوعية للطعن بالنقض، فهي ليست دائرة حكم. ويجب أن يمر الطعن بالنقض أولاً بدائرة فحص الطعون للتحقق من توافر الشروط الشكلية للطعن، فلابد أن تبدأ الدورة الإجرائية لنظر الطعن أمام المحكمة العليا من دائرة فحص الطعون للطعن وإحالته إلى المحكمة، ولا تستطيع أي دائرة أخرى من دوائر المحكمة العليا أن تنظر أي طعن في قضية من حیث الموضوع لم یسبق بشأنه قرار من دائرة فحص الطعون بقبوله من حيث الشكل وإلا كان الحكم الصادر من دوائر المحكمة العليا الأخرى معيباً بعيب جسيم.

وإن دائرة فحص الطعون علاوة على كونها دائرة من دوائر المحكمة العليا فإنها تعتبر هيئة قضائية بالمعنى الفني ومحكمة ذات ولاية قضائية خاصة، حيث أن المشرع في قانون السلطة القضائية وقانون المرافعات ذكر دائرة فحص الطعون بالاسم شأنها شأن الدوائر الأخرى وجعل اختصاصها اختصاصاً حصرياً متعلقاً بالنظام العام لا تستطيع أن تباشره أي دائرة أخرى من دوائر المحكمة العليا ولا تستطيع أي دائرة أخرى من دوائر المحكمة العليا أن تنظر أي طعن في قضية من حیث الموضوع لم یسبق بشأنه قرار من دائرة فحص الطعون بقبوله من حيث الشكل.

وتصدر دائرة فحص الطعون نوعين من القرارات أحدها يعد قراراً قضائياً والآخر يعد قراراً ولائياً، حيث أن القرار الصادر من دائرة فحص الطعون بقبول الطعن من الناحية الشكلية ورفعه إلى رئيس المحكمة العليا لإحالته إلى الدائرة المختصة للفصل في الموضوع يعد قراراً ولائياً، بينما القرار الصادر من دائرة فحص الطعون بعدم قبول أو جواز الطعن يعد قراراً ذا طبيعة قضائية وحكماً قضائياً يخضع لكل ما تخضع له أحكام الدوائر الأخرى من قواعد وإجراءات، ولذلك فإن القرارات الصادرة من دائرة فحص الطعون تعد ذات طبيعة مزدوجة. وبالتالي فإنه يشترط لإسباغ الصفة القضائية أو وصف الحكم القضائي على قرار دائرة فحص الطعون أن يصدر بعدم قبول أو جواز الطعن من الناحية الشكلية، أما في حالة قبول الطعن فإن دائرة فحص الطعون تمارس سلطتها الولائية وتصدر قراراً ولائياً وليس حكماً بإحالة الطعن إلى دائرة الموضوع بالمحكمة العليا.

وباعتبار أن جزاء الانعدام وفقاً لنص المادة (55) من قانون المرافعات يرد على العمل القضائي الذي يباشره القائم به بصفته القضائية بما له من سلطة قضائية فإنه يجوز رفع دعوى انعدام أصلية على الحكم الصادر من دائرة فحص الطعون بعدم قبول الطعن شكلاً إذا شابه عيب جسيم يجرده من أركانه الأساسية اللازمة لوجوده القانوني ويمثل إهداراً للعدالة على نحو يفقد معها الحكم صفته كحكم بحيث لا يصبح عنوانا للحقيقة؛ وذلك لأن هذا القرار يُعد قراراً قضائياً بالمعنى الفني الدقيق صادراً من دائرة فحص الطعون بما لها من سلطة قضائية، وأن دائرة فحص الطعون تعد هيئة قضائية شأنها شأن دوائر المحكمة العليا الأخرى. وفي ذلك قضت المحكمة العليا اليمنية في حكمها الصادر في ١٥ /٧/ ٢٠١٨م في دعوى الانعدام رقم(٦١١٧٦) لسنة ١٤٣٩هـ بقولها: (إن الأحكام والقرارات الصادرة عن دائرة فحص الطعون غير محصنة من دعاوى الانعدام وقد سبق للمحكمة العليا أن أصدرت بشأنها بعض الأحكام وكل ما في الأمر أن هذه الدعوى موجهة مباشرة إلى حكم دائرة فحص الطعون محل النظر في هذه الدعوى وهو أشبه بقرار صادر برفض الطعن من أي دائرة من دوائر المحكمة العليا والقانون قد حدد في المادة (٥٧) الوضع القانوني للطعن بالنقض بعد الفصل في دعوى الانعدام أو الدفع به بأن على الدائرة التي نظرت بالانعدام أو فصلت في الدفع به متى ثبتت لدیها الدعوى بالانعدام أو صح لدیها الدفع به أن تنظر الطعن من جدید…وغیر سديد ما أشار إليه محامي المدعى علیه بالانعدام من أن هناك جانباً من الفقه يرى أن دائرة فحص الطعون لا تعد هيئة قضائية بالمعنى الفني ومن ثم فإن ما تصدره من قرارات لا تقبل دعوى الانعدام؛ لأن دائرة فحص الطعون في قانون السلطة القضائية الیمني دائرة مذكورة بالاسم شأنها شأن الدوائر الأخرى وأن اختصاصها في المحكمة العليا اختصاص من النظام العام لا تستطع أن تباشره أي دائرة أخرى من دوائر المحكمة العليا..).

وعلى ذلك يكون منعدماً القرار الصادر من دائرة فحص الطعون بالمحكمة العليا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه أو برفض الطعن موضوعاً، وذلك لتجاوزها حدود سلطتها المقررة قانوناً؛ لأن دائرة فحص الطعون ليست دائرة حكم، وإنما تقتصر سلطتها على التحقق من الشروط الشكلية في الطعن دون البحث في الأسباب الموضوعية للطعن بالنقض م (298) مرافعات.

كما يكون منعدماً الحكم الصادر من أي دائرة أخرى من دوائر المحكمة العليا في موضوع أي طعن في قضية لم یسبق بشأنه قرار من دائرة فحص الطعون بقبوله من حيث الشكل، فلابد أن يمر الطعن بدائرة فحص الطعون وإلا كان الحكم الصادر من دوائر المحكمة العليا الأخرى معيباً بعيب جسيم ينزل به إلى مرتبة الانعدام لعدم اتصال الطعن بها اتصالاً قانونياً؛ وذلك لأن القضية المتعلقة بالطعن لا تتصل بدوائر المحكمة العليا الأخرى اتصالاً قانونياً إلا بناءً على إحالة من دائرة فحص الطعون وبناءً على استنفاذ دائرة فحص الطعون ولايتها بشأنها ولأن ولاية دوائر المحكمة العليا الأخرى مقيدة بقيد استنفاذ دائرة فحص الطعون ولايتها المتعلقة بالجانب الشكلي للطعن، فلا تملك دوائر المحكمة العليا الأخرى ممارسة ولايتها في نظر موضوع الطعن إلا بعد أن تستنفذ دائرة فحص الطعون ولايتها المتعلقة بالجانب الشكلي للطعن.

بينما لا يرد جزاء الانعدام على القرار الصادر من دائرة فحص الطعون بقبول الطعن من الناحية الشكلية ورفعه إلى رئيس المحكمة العليا لإحالته إلى الدائرة المختصة للفصل في الموضوع، فلا يجوز رفع دعوى انعدام اصلية على القرار الصادر من دائرة فحص الطعون بقبول الطعن شكلاً؛ وذلك لأن هذا القرار لا يُعد قراراً قضائياً بالمعنى الفني الدقيق، وإنما يعد قراراً ولائياً صادراً من دائرة فحص الطعون بما لها من سلطة ولائية لا بما لها من سلطة قضائية.

Loading