كتابات

حكم التصرف اللاحق للإقعاد

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الإقعاد أو الإقامة هو أن يجعل الجد أولاد ولده المتوفى أثناء حياته مقام والدهم المتوفى، بحيث يحصلون على ما كان سيرثه والدهم لو كان حياً شريطة أن لا يزيد ذلك عن ثلث تركة الجد، باعتبار الإقعاد وصية من الجد لأولاد ولده لا تنفذ إلا بعد وفاة الجد، وهذا الأمر لا إشكالية بشأنه، بيد أنه قد تصدر من الجد تصرفات من بعد الإقعاد لأولاد ولده مثل تمليكهم بعض أموال الجد أو قيام الجد بالنذر لهم أو الهبة لهم أو التنازل لهم عن نصيب الجد في تركة أبيهم، فلا ريب أن لهذه التصرفات اللاحقة على الإقعاد آثار على الإقعاد أو الإقامة من حيث دخول هذه التصرفات أو تداخلها مع الإقعاد، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-3-2013م في الطعن رقم (47671)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى بأنه (ليس من العدل أن يكون لورثة الابن المتوفي نصيب أكثر من أخيه الحي الوارث، حيث أن نصيب الولد الحي الخمس مقابل الثلث المتحصل من الإقعاد والنذر والتمليك لأولاد الابن المتوفى، وبناءً على ذلك، وحيث سبق لجد المدعين إقعادهم مكان أبيهم المتوفي فور موته بموجب محرر الإقعاد، فذلك ما يجب تطبيقه وإعماله لموافقته أحكام الشرع والقانون الذي اعتبر ذلك وصية من الجد)، وقد قضى الحكم الاستئنافي بإلغاء الحكم الابتدائي وجاء ضمن أسباب الحكم الاستئنافي: (فما عللته المحكمة الابتدائية غير سديد، فالإقعاد والنذر والتمليك في حدود الثلث صحيح، لأن أولاد الولد المتوفى غير وارثين، فالشارع قد أجاز للشخص التصرف في حدود ثلث تركته، فالشرع والقانون لم يمنعا ذلك إلا في حق الوارث للحيلة أو وارث الوارث في حياة مورثه، فتعليل المحكمة الابتدائية بالإقعاد مردود، لأن الإقعاد قد تعقبه النذر والتمليك ودخل فيه، حيث حصل أولاد الولد المتوفي على أقل مما هو للولد الواحد من أولاد المتوفى)، وقد أقرت الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وجاء ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((أما بخصوص الإقعاد فإن ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف من أن الإقعاد قد تعقبه النذر والتمليك ودخل فيه، فذلك تعليل في محله))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: وجهة الحكمين الابتدائي والاستئنافي:

في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان الحكم الابتدائي قد قضى باعتماد الإقعاد فقط وعدم تداخله مع التصرفات اللاحقة كالنذر والتمليك لأولاد الولد المتوفى، لأن ذلك سيؤدي إلى زيادة المال الذي تصرف فيه الجد إلى أولاد ولده عن ثلث تركة الجد بحسب وجهة الحكم الابتدائي، في حين كانت وجهة الحكم الاستئنافي أن الإقعاد يتداخل مع التصرفات اللاحقة له شريطة أن لا يزيد ما يذهب إلى أولاد الولد عن ثلث التركة، وقد أقر حكم المحكمة العليا محل تعليقنا ما قضى به الحكم الاستئنافي، لأن الإقعاد يتداخل مع التصرفات اللاحقة له شريطة عدم زيادة إجمالي ما يصير لأولاد الولد المتوفى عن ثلث تركة الجد.

الوجه الثاني: تداخل الإقعاد مع التمليك والنذر:

كان الحكم محل تعليقتا قد قضى بتداخل الإقعاد مع التمليك والنذر اللاحق للإقعاد شريطة أن لا يزيد ما يصير لأولاد الولد عن ثلث تركة الجد، فالتصرفات اللاحقة للإقعاد لا تنسخ الإقعاد ولكنها تدخل فيه أو تتداخل معه، فإذا قام الجد بعد الإقعاد بالهبة أو النذر لأولاد ولده أو تمليكهم بعض أمواله أو التنازل لهم عن نصيبه في تركة أبيهم، فإن هذه التصرفات تكون نافذة شريطة عدم زيادة إجمالي ما يصير لأولاد الولد عن ثلث تركة الجد، في حين كان يذهب الحكم الابتدائي إلى عدم نفاذ أية تصرفات للجد لاحقة للإقعاد وأنه ينبغي الوقوف على الإقعاد.

الوجه الثالث: تداخل الإقعاد مع الوصية للمقعدين:

الإقعاد يعد من قبيل الوصية الصادرة من الجد لأولاد أولاده مطلقاً ذكوراً وإناثاً، ولذلك تسري على الإقعاد أحكام الوصية، فيصح الإقعاد لأولاد الأولاد إذا لم يكونوا وارثين، كأن يكونوا محجوبين بأعمامهم، ويكون الإقعاد نافذاً بحدود ثلث تركة الجد بعد أن يموت الجد، لأن الوصية تصرف لما بعد الموت، وقد يجد الجد أن الإقعاد لا يكفي أولاد أولاده فيقوم بالوصية إليهم بمال معين أو نسبة معينة من تركته، وذلك جائز شريطة أن لا يزيد الإقعاد والوصية الإضافية عن ثلث تركة الجد، وهذا هو المقصود بالتداخل الذي أشار إليه الحكم محل تعليقنا، ولكن يحدث الخلاف في اليمن عند استخراج نصيب المقعدين، حيث يذهب اتجاه إلى أنه يجب الالتزام بمقصود الجد المقعد الذي أراد بالإقعاد حلول أولاد أولاده محل والدهم المتوفى في التركة، وذلك يقتضي دخول أولاد الأولاد في  إجراءات القسمة مثلهم في ذلك مثل باقي الورثة، فيكون لهم نصيب والدهم بعد القسمة حيث يتم إخراج الديون والوصايا والالتزامات القائمة على تركة الجد، فلا يأخذ أولاد الأولاد نصيب أبيهم من رأس التركة عملاً بالإقعاد أو الإقامة التي تعني معاملة الأولاد المقعدين معاملة أبيهم فإدخال المقعدين في إجراءات القسمة يتفق مع مقتضيات تكييف الإقعاد بأنه وصية اختيارية، في حين يذهب اتجاه آخر إلى أن الإقعاد وصية مثل غيرها من الوصايا، ولذلك تسري عليه القاعدة العامة في إخراج الوصايا قبل إجراء القسمة، فيخرج ما يخص المقعدين من رأس التركة قبل إجراء القسمة باعتبار الإقعاد وصية مثل غيرها من الوصايا .

الوجه الرابع: تداخل الإقعاد مع الهبة:

سبق القول إن الإقعاد وصية اختيارية لما بعد الموت تصدر من الجد لأولاد أولاده، ولذلك فالإقعاد تصرف لما بعد الموت أي إن تعريف الوصية يشمل الإقعاد، أما الهبة فمنجزة أثناء حياة الجد، وبما أن الهبة منجزة أثناء الحياة إذا قبضها الموهوب لهم أولاد الأولاد فاستهلكوها حقيقة أو حكماً أثناء حياة جدهم أو قبضوها أثناء حياة الجد فإنها لا تتداخل مع الإقعاد، لأن الهبة تصرف أثناء الحياة والإقعاد تصرف إلى ما بعد الموت، لكن القانون  اشترط  في الهبة مراعاة المساواة بين الورثة في الهبة حسبما ورد في المادة (183) أحوال شخصية، التي نصت على أنه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية)، ومن المعلوم أن أولاد الولد الذين تم إقعادهم ليسوا ورثة، كما إنهم ليسوا أولاداً بل أولاد ولد غير وارثين، ولذلك يجوز لجدهم أثناء حياته أن يهبهم بعض ماله إضافة إلى إقعادهم (الوجيز في أحكام الأسرة، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين، ص215).

الوجه الرابع: مدى تداخل الإقعاد مع تنازل الجد عن نصيبه من تركة ابنه المتوفى أثناء حياة الجد:

تنازل الجد عن نصيبه الشرعي في تركة ولده المتوفى أثناء حياته جائز، لأن هذا التنازل قد وقع بعد وجود حق الجد في تركة الولد، فتنازل الجد عن نصيبه في تركة ولده تصرف أثناء الحياة يكون حكمه حكم الهبة المنجزة، ولذلك فإنه لا يتداخل مع الإقعاد، لأن الإقعاد تصرف لما بعد الموت حكمه حكم الوصية، في حين أن التنازل عن النصيب يعد من قبيل الهبة الصادرة من الجد لأولاد ولده غير الوارثين، فتنطبق على هذا التصرف أحكام الهبة، فإذا قبض أبناء الابن المال المتنازل عنه أثناء حياة جدهم أو كان المال في قبضتهم قبل التنازل، فلا يجوز للجد الرجوع عنه بعد قبض أبناء الابن للمال المتنازل عنه حسبما هو مقرر في المادتين (196 و197) أحوال شخصية، أما إذا كان المال المتنازل عنه أو السدس بقبضة الجد ولم يستلمه أولاد الولد أثناء حياة الجد ولم يقبضه أبناء الابن فإنه يكون في حكم الوصية، فيتداخل عندئذ مع الإقعاد، باعتبار التنازل في هذه الحالة عبارة عن وصية لما بعد الموت، وعندئذ يتداخل التنازل مع الإقعاد، فلا ينفذ إلا في حدود ثلث تركة الجد على النحو السابق بيانه.

الوجه الرابع: تداخل الإقعاد مع الإقعاد:

يتداخل الإقعاد مع الإقعاد عندما يقوم الجد بإقعاد أولاد أحد أولاده ثم يموت ولد آخر فيقوم الجد نفسه بإقعاد أولاد ولده الثاني، وقد يموت ولد ثالث فيقوم الجد بإقعاد أولاده، ففي هذه الأحوال يتداخل الإقعاد مع الإقعاد، فعندئذ يستحق أولاد الأولاد المقعدين جميعاً ثلث التركة فقط، لأن الإقعاد من قبيل الوصية الاختيارية لما بعد الموت، فلا يجوز أن تزيد الوصية على ثلث التركة، والثلث كثير كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 

Loading