كتابات

التنازل عن الحق في الطعن بالحكم القضائي

المحامي الدكتور هشام قائد عبدالسلام الشميري

 

نصت المادة (213) من قانون المرافعات على أن(التنازل عن الاستئناف يجعل الحكم الابتدائي نهائياً…)، ونصت أيضاً المادة (273) من ذات القانون على أنه (لا يجوز أن يطعن في الأحكام إلا المحكوم عليهم ولا يجوز أن يطعن فيها من قبل الحكم صراحة في محضر الجلسة أو في جلسة لا حقه أو ممن قام بتنفيذ الحكم من تلقاء نفسه خلال مدة الطعن ولا ممن حُكم له بكل طلباته). والملاحظ من هذين النصين القانونيين تقريرهما جواز تنازل المحكوم عليه عن حقه في الطعن بالاستئناف الذي يستتبع جعل الحكم الابتدائي نهائياً غير قابل للطعن فيه بالاستئناف، وتقريرهما أيضاً عدم جواز الطعن في الحكم ممن قبله قبولاً يفيد تنازله عن حقه في الطعن.

وقد اشترط المشرع اليمني فيما قرره من جواز التنازل عن الحق في الطعن بالاستئناف أن يكون التعبير عنه قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وتركه الحق في الطعن فيه، فيجب وفقاً للقواعد العامة في القانون المدنى أن يكون التعبير عن إرادة ذلك التنازل قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وتركه الحق في الطعن فيه، وقد يكون التنازل عن الحق في الطعن بالاستئناف صريحاً كما لو ارتضى المحكوم عليه باعتبار الحكم الابتدائي نهائيا وسقوط حقه في الطعن فيه أو قبل الحكم صراحةً وكما لو اتفق الطرفان صراحة على أن لا يكون لأي منهما الحق في استئناف الحكم الابتدائي، وقد يكون التنازل عن الحق في الطعن بالاستئناف ضمنياً كما لو قام المحكوم عليه بتنفيذ الحكم من تلقاء نفسه خلال مدة الطعن وكما لو طلب المحكوم عليه تنفيذ الحكم.

واشترط أيضاً المشرع اليمني فيما قرره من جواز التنازل عن الحق في الطعن بالاستئناف أن يصدر ذلك التنازل عن الحق في الطعن بعد صدور الحكم، فلا يجوز التنازل قبل صدور الحكم ولا يُعتد بالتنازل إلا بعد ثبوت الحق الإجرائي، فالتنازل عن الحق في الطعن لايثبت إلا بعد صدور الحكم باعتباره أثراً من آثار الحكم فلا يجوز التنازل عن الحق في الطعن إلا بعد ثبوته أي بعد صدور الحكم؛ وذلك لأن التنازل لا يرد على حق قبل ثبوته للجهالة، وأن الحق في الطعن على الحكم لا يثبت إلا بعد صدور الحكم وليس لأحد النزول عن حق قبل نشأته إنما ينتج التنازل أثره في سقوط حق المتنازل في الطعن إذا حدث بعد صدور الحكم، كما أن الحق في قبول الحكم لا يثبت إلا بعد صدور الحكم فلا يُعتد بقبول المحكوم عليه الحكم قبل صدوره ولا ينشأ الحق في الطعن إلا بصدور الحكم، فالملاحظ ان عبارة (التنازل عن الاستئناف يجعل الحكم الابتدائي نهائياً) الواردة في المادة (213) من قانون المرافعات تعني أن ثبوت الحق في الطعن يتحقق بصدور الحكم المتضمن ماهية الحق المحكوم به مما يعني التنازل عن الحق في الطعن يكون بعد صدور الحكم لأن التنازل لا يرد على حق قبل ثبوته للجهالة، كما أن عبارة (ممن قبل الحكم) الواردة في المادة (273) مرافعات توجب عدم الاعتداد به إذا تم قبل صدور الحكم لأنه قبول بالعدم والقبول يعني أن المحكوم عليه يقرر بأحقية المحكوم له في الحكم الصادر فالقبول يجب ان يقع على شيء موجود فعلاً ومعين. غير أن بعض التشريعات – كما هو الحال في قانون المرافعات المصري وقانون أصول المحاكمات المدنية الاردني وقانون الإجراءات المدنية اللبناني- بالرغم من إقرارها المبدأ القائل بمنع التنازل السابق لنشوء الحق في الطعن أجازت في بعض الحالات على سبيل الاستثناء التنازل السابق عن ذلك الحق فقد أجازت على سبيل الاستثناء اتفاق الخصوم مقدماً على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولى انتهائياً إلا أنها جعلت جواز ذلك الاتفاق مشروطاً بأن يكون اتفاق الطرفين على انتهائية الحكم بالنسبة لهما معاً أي أن يكون ذلك الاتفاق صادراً من جميع أطراف النزاع، فلم تجز هذه التشريعات الاتفاق على أن ينزل احد الخصوم وحده عن حقه في الاستئناف دون الخصم الآخر لأن مثل هذا الاتفاق لا يؤمن معه التعسف ويكون مفروضاً من الجانب القوي فضلاً عن إخلاله بإجراءات التقاضي التي تجيز الاستئناف المتقابل من جانب المستأنف ضده.

كما اشترط المشرع فيما قرره من جواز التنازل عن الحق في الطعن بالاستئناف أن يصدر ذلك التنازل من شخص يتمتع بأهلية التنازل والتخلي عن حق الاستئناف، والتنازل عن الحق في الطعن هو تصرف إرادي بإرادة منفردة من المحكوم عليه لا يحتاج إلى قبول من المحكوم له؛ لأن إسقاط الحق لا يتطلب قبولاً. كما يجب أن يتوافر في المتنازل عن الحكم أهلية التصرف في الحق المحكوم فيه، فلابد من صدور التنازل من خصم بالغ عاقل أو من وكيله المأذون له بذلك بوكالة خاصة تتضمن النص صراحةً تخويله سلطة التنازل عن الحق في الطعن أو التنازل عن الحق الثابت في الحكم، فلا يجوز التنازل من الوكيل بالخصومة دون أن يكون مأذوناً له بذلك بوكالة خاصة وأن التنازل الصادر من الوكيل بدون إذن بذلك لا عبرة به ولا يرتب أثره القانوني في إسقاط الحق في الطعن، ولا يجوز أيضا للولي أو الوصي الذي يخاصم في الدعوى نيابةً عن القاصر التنازل عن الحق في الطعن ولا عبرة في التنازل الصادر منه ولا يرتب أثره القانوني في إسقاط الحق في الطعن لأن الولي أو الوصي أو القيم عندما يقدم الطعن بالاستئناف نيابة عن القاصر يصبح هذا الطعن حقاً للقاصر.

والملاحظ ان المشرع اليمني لم يحدد كيفية إجراء التنازل عن الحق في الطعن، ولذلك فإنه في ظل غياب النص القانوني يجوز أن يتم التنازل كتابةً أو شفاهةً. ويمكن أن يحصل التنازل عن الحق في الطعن أمام المحكمة التي أصدرت الحكم في محضر جلسة النطق بالحكم، بحيث يتعين على المحكمة مصدرة الحكم في هذه الحالة اثبات ذلك التنازل في محضر الجلسة. ويمكن أيضا أن يحصل ذلك التنازل أمام محكمة الاستئناف أثناء نظر الاستئناف، بحيث يقتصر دور محكمة الاستئناف في هذه الحالة على مجرد إثبات ذلك التنازل والتقرير بانقضاء الخصومة لزوال محلها. ويمكن كذلك أن يحصل ذلك التنازل كتابةً أو شفاهةً خارج مجلس القضاء قبل بدء الخصومة أو بعد بدء الخصومة وأثناء سيرها، بحيث يتعين على محكمة الاستئناف في هذه الحالة إذا ثبت أمامها ذلك التنازل غير القضائي وفقاً للقواعد العامة للإثبات إثبات ذلك التنازل والتقرير بانقضاء الخصومة لزوال محلها. وبالتالي فإن التنازل عن الحق في الطعن لا يتحقق فحسب في حالة ما إذا كان التنازل قضائياً تم أمام مجلس القضاء بصدد خصومة قائمة، وإنما يتحقق أيضاً في حالة ما إذا كان التنازل غير قضائي تم خارج مجلس القضاء قبل بدء الخصومة أو بعد بدء الخصومة وأثناء سيرها؛ وذلك لأن التنازل غير القضائي المثبت أمام المحكمة وفقاً للقواعد العامة للإثبات يؤدي إلى انتفاء الخصومة لورودها على غير محل قانوني. ويقتصر دور محكمة الطعن في حالة التنازل عن الحق في الطعن على مجرد إثبات ذلك التنازل والتقرير بانقضاء الخصومة لزوال محلها، وهي بذلك تمارس وظيفتها الولائية لا القضائية، وعملها هذا لا يُعد عملاً قضائياً بالمعني الدقيق ولا يرد عليه الطعن.

ويترتب على التنازل عن الحق في الطعن صيرورة الحكم نهائياً غير قابلاً للطعن فيه بطريق الاستئناف بحيث يصبح الطعن وارداً على غير محل يتعين على محكمة الاستئناف الحكم بعدم قبوله، كما يترتب على التنازل عن الحق في الطعن أثناء سير خصومة الاستئناف انقضاء وزوال الخصومة القائمة أمام الاستئناف، ويمتنع على محكمة الاستئناف السير في إجراءات هذه الخصومة بمجرد توافر الشروط والمقتضيات القانونية اللازمة لذلك التنازل الذي يعد عارضاً من عوارض الخصومة المؤدية إلى انقضائها دون حكم في موضوعها، ويقتصر دور محكمة الاستئناف في هذه الحالة على إثبات ذلك التنازل دون التصدي للفصل في موضوع النزاع الذى أصبح غير ذى محل.

والتنازل عن الحق في الطعن بالاستئناف وإن كان يجعل الحكم الابتدائي نهائياً غير قابل للطعن بطريق الاستئناف إلا أنه لا يجعل الحكم باتاً غير قابل للطعن فيه بطريق النقض حيث يجوز الطعن فيه بطريق النقض ما لم يتضمن التنازل النص صراحةً اشتماله الطعن بطريق النقض؛ وذلك لأنه يشترط للتنازل عن الحق في الطعن أن يكون بعد صدور الحكم المتعلق به الطعن محل التنازل وأن يكون ذلك التنازل قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وتركه الحق في الطعن فيه.

ولا يلزم التنازل عن الطعن في الحكم  غير الطرف الصادر عنه ذلك التنازل ولا يلزم غيره من أطراف الخصومة الصادر فيها الحكم في حالة ما إذا تعدد الأطراف الذين لهم الحق في الطعن بالحكم، ومن ثم فإن الاتفاق بين طرفين من أطراف القضية على إسقاط الحق في الطعن لا يمنع الطرف الثالث في القضية من استئناف الحكم إذا كان محكوماً عليه في ذلك الحكم؛ وذلك لان الاتفاق قاصر على طرفيه ولا يتعدى إلى غيرهما. وهنا يثور التساؤل عن الحكم فيما اذا كان هناك تضامنٌ بين المحكوم عليهم واسقط أحدهم حقه في الطعن بالاستئناف، فهل يسري هذا الاسقاط على بقية المحكوم عليهم؟

إن موضوع التضامن بين الدائنين أو المدينين تحكمه القواعد العامة في القانون المدني التي جعلت العلاقة فيما بينهما علاقة نيابة قانونية إلا أن هذه النيابة محصورة في نطاق الاعمال أو التصرفات النافعة دون التصرفات الضارة، ولما كان اسقاط بعض المحكوم عليهم لحقهم في الاستئناف يعد من التصرفات الضارة ببقية المحكوم عليهم فان الاسقاط لايسري ولايسقط حق بقية المحكوم عليهم المحتفظين بحقهم في الاستئناف.

Loading