كتابات

الإقرار بعدم العمل بالوثيقة المفقودة أو غير المسلمة عند البيع

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

عندما يتصرف المالك في ماله يسلم إلى المتصرف إليه أو المشتري وثائق الملكية وكافة الوثائق المتعلقة بالمبيع ، ولكن في حالات كثيرة تبقى لدى البائع بعض الوثائق يدعى البائع فقدانها فلا يسلمها ، ويقرر الطرفان البائع والمشتري أو المتصرف والمتصرف إليه عدم استخراج بدل فاقد لتلك الوثائق ، كما ان المشتري قد لا يعلم بوجود بعض الوثائق المتعلقة بالمبيع ، ولتلافي إشكاليات ظهور هذه الوثائق لاحقا يطلب المشتري من البائع ان يقر كتابة ان اية وثيقة لم يقم البائع بتسليمها إلى المشتري تعد باطلة عاطلة ملغية، اما اذا اثيرت مسألة الوثائق المدعى فقدانها أمام القضاء فإن القضاء يقضي ببطلانها وعدم العمل بها ويغني ماورد في الحكم عن إقرار البائع ببطلانها، وقد اقر الحكم محل تعليقنا إقرار البائع أو المتصرف بان الوثائق المفقودة باطلة ومعطلة وملغية ويعمل بها أو يحتج فيها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24-1-2017م في الطعن رقم (58444)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث ان محكمة ثاني درجة قد ناقشت مستندات المستأنف وقضت بصحتها لما ثبت لديها ان وثيقة الإجارة المؤرخة ….. بخط كاتب البصيرة نفسه، وحيث أن وثيقة الإجارة المشار إليها كانت تتضمن تنازل المستأنف ضده عن الإجارة للغير، وحيث أن المستأنف ضده قد أقر كتابة بموجب وثيقة الإقرار بأنه إذا ظهرت الإجارة المشار إليها فهي عاطلة باطلة، وحيث أن تلك الإجارة محررة أيضاً بخط كاتب البصيرة، فذلك كاف لتعطيل الإجارة المفقودة لأنها بخط الأمين نفسه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

 

الوجه الأول: الوضعية العامة للوثائق المفقودة:

الوثائق المفقودة إما أن تكون وثائق شخصية مثل البطاقات والجوازات وشهادات الدراسة وما في حكمها، وهذه الوثائق غير قابلة للتنازل أو التصرف لغير صاحبها، كما أنه لا يمكن استخدام  الغير لهذه الوثائق الشخصية  بطريقة مشروعة، وإن كان من الممكن للغير استعمالها بطريقة غير مشروعة كالتزوير أو الانتحال، ولذلك اشترطت القوانين ذات الصلة ان يقوم صاحب هذه الوثائق بالإعلان عن فقدانها بغرض الحصول على بدل فاقد ان لم يتم العثور عليها بعد الإعلان عن فقدانها ، بالإضافة إلى أن إجراء الإعلان يكون إجراء احتياطياً لإبطالها ان لم يعدها من يعثر عليها أو يسيء استعمالها، كذلك الحال إذا كانت الوثائق المفقودة عقودا كعقد البيع (البصيرة) أو عقد الإجارة مثلما وقع في القضية التي اشار إليها الحكم محل تعليقنا فإن هذه الوثائق لا تتعلق إلا بحقوق المتعاقدين فيها ولا تلزم غيرهما ، وقد تكون هذه العقود محررات رسمية أو عرفية، وفي كل الأحوال لا يمكن للغير الاحتجاج بها أو الاستفادة منها إلا بطريقة غير قانونية حسبما سبق ذكره، ولذلك اشترطت القوانين ذات الصلة الإعلان عن فقدانها للحصول على وثائق بدل فاقد عنها، ولتلافي سوء استعمالها من قبل الغير الذي يعثر عليها.

 

الوجه الثاني: إخفاء المتصرفين للوثائق:

كان الحكم محل تعليقنا قد أقر معالجة صائبة لاحتمال إخفاء المتصرف وثيقة التنازل عن إجارة العين من قبل المطعون ضده حتى لا يسيء المطعون ضده استعمال وثيقة التنازل عن الإجارة بعد الحكم ببطلانها ، والمعالجة التي اقرها الحكم محل تعليقنا هي: صدور إقرار خطي من المطعون ضده الذي ادعى فقدان عقد الإجارة الصادر منه للغير حينما كان المطعون ضده اجيراً للأرض التي تنازل المطعون عن اجارتها للغير، حيث اقر المطعون ضده بأن الإجارة الصادرة منه للغير مفقودة وانه تعذر عليه تسليمها للمحكوم له، و أقر المطعون ضده في وثيقة الإقرار: أن تكون تلك الوثيقة المفقودة بعد صدور الحكم  باطلة، فلا يصح العمل بها ولا يحتج بها في مواجهة المحكوم له، وهذه المعالجة تستعمل في اليمن كثيراً في حالات أخرى غير حالات الحكم ببطلان الوثيقة، حيث تستعمل في حالات البيع وعدم تسليم البائع بعض الوثائق المتعلقة بالمبيع ، لأن المتصرفين أو البائعين في غالب الأحوال يحتفظون بوثائق كثيرة متعلقة بالأراضي المبيعة أو الأشياء التي تصرفوا فيها حيث يكتفي البائع في حالات كثيرة بتسليم المشتري وثيقة الملكية وصورة من الفصل او الأصل الذي انتقل بموجبه العقار إلى البائع، فيحتفظ البائع بالوثائق الأخرى السابقة على البيع أو التصرف لابتزاز المشتري لاحقاً أو لإعادة التصرف في الأرض للغير، ولذلك فإن اغلب الوجائد التي لا يعمل القضاء بها مصدرها الوثائق السابقة على تصرف المتقدمين إلى غيرهم.

 

الوجه الثالث: حجية إقرار المتصرف بأن الوثيقة المفقودة باطلة ولا يتم العمل بها:

لا ريب ان الإقرار الصادر من المتصرف أو البائع في هذا الشأن ملزم للمقر المتصرف وخلفه العام والخاص من بعده، حيث لا يجوز للمقر أو خلفه من بعده الاحتجاج بتلك الوثائق في مواجهة المالك الأخير للعقار، كما لا يجوز التصرف بموجب الوثيقة المقر بفقدانها وانها قد صارت باطلة أو ملغية بإقرار المتصرف الذي يكون حجة عليه وعلى خلفه من بعده، ولتلافي هذه الإشكاليات يلجأ بعض محرري العقود إلى تضمين العقد أو التصرف إقرار البائع أو المتصرف انه قد سلم إلى المشتري أو المتصرف إليه كافة الوثائق والمستندات المتعلقة بالمبيع أو الشيء محل التصرف حيث يقر البائع ان أية وثائق لم يتم تسليمها تكون ملغية وباطلة لا يعمل بها ولا يحتج بها في مواجهة المتصرف إليه وخلفه، ونخلص من هذا الوجه إلى القول: بأن الإقرار المشار إليه يكون إبطالاً للوثيقة وتعطيلاً لها، وحجية هذا الإقرار هي حجية الإقرار الكتابي المحددة في قانون الإثبات وهي أقوى حجية إذا توفرت في الإقرار الكتابي الشروط التي حددها القانون للإقرار الكتابي سواء في حالة كتابة الشخص للإقرار أم كتابة الغير للإقرار والإشهاد عليه ، وقد اثنى الحكم محل تعليقنا على الإقرار المحرر بقلم الأمين الشرعي الذي سبق له القيام بكتابة عقد الإجارة الذي الغاه المحرر المكتوب.

 

Loading