كتابات

القضاء ببطلان وسقوط اتفاق التحكيم وإلغاء أثره

المحامي الدكتور/ هشام قائد عبد السلام الشميري

يستند التحكيم أساساً على وجود اتفاق تحكيم صحيح وقائم، فالتحكيم يعد نظاماً استثنائياً للتقاضي يقوم على أساس الطبيعة الاتفاقية المستمدة من اتفاق التحكيم وإرادة أطرافه المنشئة له، فالنقطة المحورية التي يدور حولها التحكيم تتمثل في وجود اتفاق التحكيم يلتزم بموجبه الأطراف باللجوء إلى التحكيم بدلاً عن القضاء وطرح منازعاتهم على هيئة تحكيم للفصل فيه بحكم ملزم، ومن ثم لا يمكن أن يتم التحكيم إلا بوجود اتفاق بين الأطراف على حل المنازعات الناشئة بينهم أو التي قد تنشأ مستقبلاً عن طريق التحكيم.

ومن المنطقي أن يجعل المشرع عدم وجود الاتفاق على التحكيم في مقدمة حالات بطلان حكم التحكيم الواردة في المادة(53/أ) من قانون التحكيم، حيث يكون حكم التحكيم باطلاً بل منعدماً إذا صدر دون اتفاق تحكيم؛ وذلك لأن الاتفاق على التحكيم يُعد هو الأساس الذي ترتكز عليه عملية التحكيم، ويصعب من الناحية العملية تصور اللجوء إلى التحكيم دون أن يسبقه الاتفاق عليه، فلا يتصور وجود قانوني لحكم التحكيم دون أن يكون هناك اتفاق تحكيم. وعدم وجود اتفاق التحكيم له معنى واسع فقد لا يكون هناك اتفاق تحكيم بصدد موضوع النزاع وقد يكون اتفاق التحكيم موجوداً في الظاهر لكنه يُعد في الواقع منعدماً ليس له وجود قانوني لتخلف ركن من أركان وجوده القانوني، كما في حالة ما إذا تم إحالة الخصوم إلى عقد نموذجي دون أن يعلم أحدهم أن ذلك العقد ينطوي على شرط تحكيم، وكما في حالة ما إذا كان محله نزاع سبق حسمه بحكم صادر من ذي ولاية قضائية، وكما في حالة ما إذا كان اتفاق تحكيم غير مكتوب.

ولا يكفي وجود اتفاق التحكيم بل يجب ان يكون اتفاق التحكيم صحيحاً مستوفياً كافة شروطه القانونية الموضوعية والشكلية اللازمة لصحته، فلا بد أن يستند التحكيم أساساً على اتفاق تحكيم صحيح، فإذا كان اتفاق التحكيم باطلاً لتخلف شرط من شروطه الموضوعية أو الشكلية فإن ذلك يجعل حكم التحكيم الصادر بناءً عليه باطلاً وفقاً لنص المادة(٥٣/أ) من قانون التحكيم. فاتفاق التحكيم أياً كانت صورته -مشارطة تحكيم أو شرط تحكيم- يعتبر تصرفاً قانونياً شأنه في ذلك شأن أي تصرف قانوني آخر، فهو يُعد تصرفاً إرادياً يرد على محل معين لإحداث أثر قانوني معين، بحيث يرجع في شأن بطلان اتفاق التحكيم إلى القواعد العامة في بطلان العقود وإلى القواعد الخاصة في قانون التحكيم. ولذلك يشترط لصحة اتفاق التحكيم توفر الشروط الموضوعية، وهي التعبير عن الإرادة بما يفيد صراحةً قبول التحكيم كوسيلة لحل المنازعة الحالة أو المستقبلية الصادر من أطراف التحكيم أو ممثليهم، وأن يتمتع الأطراف بأهلية إبرامه وهي أهلية التصرف، وأن تكون إرادة الأطراف سليمة خالية من عيوب الرضاء والغلط والتدليس والإكراه، وأن يكون موضوع التحكيم منازعة من المنازعات القابلة للتحكيم وفقاً للقانون. ويشترط أيضا إلى جانب الشروط الموضوعية تلك توفر شروط شكلية معينة في اتفاق التحكيم، وهي كتابة اتفاق التحكيم، وتعيين موضوع النزاع والمحكمين في اتفاق التحكيم. وعلى ذلك يكون اتفاق التحكيم باطلاً إذا تخلف شرط من الشروط اللازمة لصحته، كما في حالة ما إذا كان مشوباً بعيب من عيوب الإرادة كالغلط أو التدليس أو الإكراه، وكما في حالة ما إذا كان أحد طرفيه فاقداً أو ناقص الأهلية أو لا يملك أهلية التصرف، وكما في حالة ما إذا كان محله نزاعاً غير قابل للتحكيم، وكما في حالة ما إذا كان خالياً من تعيين النزاع موضوع التحكيم.

كما لا يكفي وجود اتفاق التحكيم وصحته بل يجب أن يظل اتفاق التحكيم قائماً حتى صدور حكم التحكيم، فلا بد أن يستند التحكيم أساساً على وجود اتفاق تحكيم صحيح وقائم، فإذا سقط او انقضى اتفاق التحكيم لأي سبب كتنازل الأطراف عنه صراحةً أو ضمناً أو فسخه أو إنهائه قضاء أو اتفاقاً أو انتهاء مدته فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى زوال ولاية هيئة التحكيم في الفصل بالنزاع واسترداد الطرفين حقهما في الالتجاء إلى قضاء الدولة ما يجعل حكم التحكيم الصادر بعد هذا السقوط والانقضاء باطلاً لصدوره دون أن يكون هناك اتفاق تحكيم وفقاً لنص المادة(٥٣/أ) من قانون التحكيم؛ فإذا كان اتفاق التحكيم يُعد هو الأساس الذي يستمد منه المحكم ولايته وهو النقطة المحورية التي يدور حولها التحكيم الذي لا يمكن أن يتم إلا بوجوده فإن سقوط وانقضاء اتفاق التحكيم لأي سبب من شأنه أن يؤدي إلى زوال ولاية هيئة التحكيم في الفصل بالنزاع واسترداد الطرفين حقهما في الالتجاء إلى قضاء الدولة ما يجعل حكم التحكيم الصادر بعد هذا السقوط والانقضاء باطلاً لصدوره دون أن يكون هناك اتفاق تحكيم وفقاً لنص المادة(٥٣/أ) من قانون التحكيم. وعلى ذلك يكون اتفاق التحكيم غير موجود إذا سقط أو انقضى قبل صدور حكم التحكيم لأي سبب، كما في حالة ما إذا تنازل الأطراف عنه صراحةً أو ضمناً، وكما في حالة ما إذا تم فسخه أو إنهاؤه قضاء أو اتفاقاً، وكما في حالة ما إذا انتهت مدته.

وإذا كان المشرع اليمني في المادة(28) من قانون التحكيم قد أسند لهيئة التحكيم سلطة الفصل في المنازعات المتعلقة باختصاصها والتي منها الدفع بعدم وجود اتفاق التحكيم أو بطلانه أو سقوطه، فإنه يثور التساؤل حول سلطة محاكم الدولة بشان تلك المنازعات فهل يعد الفصل في تلك المنازعات لهيئة التحكيم وحدها أم أنه بالإمكان اللجوء لمحاكم الدولة للفصل في تلك المنازعات؟

أن ما قرره المشرع في المادة(28) من قانون التحكيم لهيئة التحكيم من سلطة الفصل في المنازعات والدفوع المتعلقة باختصاصها التي منها الدفع ببطلان اتفاق التحكيم أو إلغاءه لا يمنع قضاء الدولة من النظر في تلك المنازعات، لأن اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في الدفوع المتعلقة باختصاصه يُعد من قبيل الاستثناء على الاستثناء والاستثناء على الاستثناء عودة إلى الأصل العام وهو اختصاص القضاء صاحب الولاية العامة، وأن تحقق القضاء من صحة اتفاق التحكيم هو فصل في اختصاص القضاء ذاته يوفر على الأطراف مشقة اللجوء إلى تحكيم سيبطل لاحقاً، كما أن المشرع في المادة (19) من قانون التحكيم خول المحكمة سلطة الفصل في موضوع الدعوى المرفوعة أمامها وعدم الاستجابة للدفع بالتحكيم إذا تبين لها أن اتفاق التحكيم باطل أو ملغي أو لا يشمل النزاع المطروح أمامها، وذلك بما نصت عليه من ان: (على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى متعلقة بخلاف أو نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحيل الخصوم إلى التحكيم ما عدا الحالات الآتية: أ‌- إذا تبين للمحكمة أن اتفاق التحكيم باطل أو لاغ أو لا يشمل النزاع المطروح أمامها. ب‌- إذا تابع الطرفان إجراءات التقاضي أمام المحكمة فيعتبر اتفاق التحكيم كأن لم يكن).

ولذلك فإن القضاء ببطلان اتفاق التحكيم أو إلغائه أو سقوطه المؤدي إلى سقوطه وانقضائه قد يكون صادراً من هيئة التحكيم، وقد يكون صادراً من محاكم قضاء الدولة، وهو ما سنبينه على التوالي:

أولاً: إبطال اتفاق التحكيم وإنهاء أثره بحكم من هيئة التحكيم:

منح المشرع اليمني المحكم سلطة الفصل في الدفوع المتعلقة باختصاصه بما نص عليه في المادة (28) من قانون التحكيم من أنه:(تختص لجنة التحكيم بالفصل في الدفوع المتعلقة باختصاصها، بما فيها الدفع المقدم بعدم وجود اتفاق التحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله موضوع النزاع…)، ووفقاً لهذا النص القانوني فإن المشرع اليمني قد اسند لهيئة التحكيم سلطة الفصل في المنازعة بشأن وجود أو صحة اتفاق التحكيم والمنازعة بشأن نطاق اختصاصه المحدد في اتفاق التحكيم بما قرره من اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في الدفع بعدم وجود اتفاق التحكيم وفي الدفع ببطلان أو سقوط اتفاق التحكيم وفي الدفع بعدم شمول اتفاق التحكيم موضوع النزاع، وبهذا يكون المشرع اليمني قد سلك مسلك تشريعات التحكيم الحديثة بتقريره مبدأ الاختصاص بالاختصاص الذي يقصد به اختصاص المحكم بالفصل في الدفوع المتعلقة باختصاصه عند نظر النزاع وذلك بالتصدي لكافة الاعتراضات المثارة بمناسبة التحكيم دون حاجة إلى وقف إجراءات التحكيم وطرح تلك المشكلة على قضاء الدولة ليفصل فيها.

ويُعتبر اختصاص هيئة التحكيم في الدفع بعدم وجود اتفاق التحكيم أو بطلانه أو سقوطه اختصاص حكم وليس اختصاص بحث، فإذا ثبت لهيئة التحكيم وجود وصحة اتفاق التحكيم يجب عليها أن تقرر اختصاصها بحكم حائز على قوة الأمر المقضي، أما إذا ثبت لها عدم وجود اتفاق التحكيم أو بطلانه أو سقوطه يتعين عليها أن تحكم بانعدامه أو بطلانه أو سقوطه ثم تقضي بعدم اختصاصه.

ولم ينظم المشرع اليمني بقواعد خاصة في قانون التحكيم الدفع أمام المحكم بعدم وجود اتفاق التحكيم أو بطلانه أو سقوطه بالرغم من إقراره لهذا الدفع بنص المادة(28) من قانون التحكيم، وأن ما قرره المشرع اليمني في المادة (9) من قانون التحكيم من وجوب التمسك بالمخالفة في الوقت المناسب لا يفي لإعمال هذا الدفع إعمالاً صحيحاً الأمر الذي يقتضي تطبيق القواعد العامة للدفوع الشكلية في قانون المرافعات مع مراعاة خصوصيات نظام التحكيم.  وإعمالاً للقواعد العامة للدفوع الشكلية في قانون المرافعات فإن الدفع ببطلان اتفاق التحكيم بطلاناً نسبياً لا يتعلق بالنظام العام حيث يجب التمسك به في الميعاد المتفق عليه أو الذي تحدده هيئة التحكيم للمدعى عليه لتقديم دفاعه رداً على ما جاء في الدعوى لأن مساهمة الطرفين في مناقشة الموضوع يعادل إجازة بطلان اتفاق التحكيم ويعد قبولاً باختصاص المحكمين، كما لا يتعلق بالنظام العام الدفع بسقوط اتفاق التحكيم بالتنازل عنه أو بانتهاء مدته حيث يجب التمسك به فور انتهاء مدة اتفاق التحكيم أو التنازل عنه لأن حضور الأطراف أمام هيئة التحكيم دون التمسك بسقوط اتفاق التحكيم والمناقشة في القضية بعد انقضاء الميعاد يعتبر اتفاقاً ضمنياً على مد ميعاد التحكيم، وكذلك لا يتعلق بالنظام العام الدفع بعدم شمول اتفاق التحكيم لما يبديه الطرف الآخر من طلبات أثناء نظر النزاع حيث يجب التمسك به فور إبدائها لأن التراخي في التمسك به يعتبر موافقةً ضمنيةً على اختصاص المحكمين فالخصم الذي يناقش في الموضوع صحة الطلب الجديد لا يمكنه بعد ذلك أن يدفع بأن المحكمين غير مختصين. بينما يتعلق بالنظام العام الدفع ببطلان اتفاق التحكيم لعدم قابلية النزاع للتحكيم حيث يجوز إبداؤه في أي حالة تكون عليها إجراءات التحكيم ولو بعد الكلام في الموضوع ويجوز للمحكم إثارته من تلقاء نفسه، وكذلك يتعلق بالنظام العام الدفع بعدم وجود اتفاق التحكيم حيث يجوز إبداؤه في أي مرحلة من مراحل الدعوى ويجوز للمحكم إثارته من تلقاء نفسه وذلك لأن اتفاق التحكيم هو مصدر ولاية المحكم وعدم وجوده يؤدي إلى انعدام ولايته كما أن المشرع جعل الكتابة شرط لانعقاد اتفاق التحكيم فلا يقوم مقامها مجرد حضور الطرفين أمام المحكم إلا إذا اتفق الطرفان أمام المحكم على التحكيم واثبت اتفاقهم في محضر الجلسة.

والأصل أن تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المتعلقة باختصاصها بحكم قبل الفصل في الموضوع لأن ذلك قد يغنيها عن الفصل في الموضوع وهو ما يؤدي إلى توفير الوقت والجهد، غير أنه يجوز لهيئة التحكيم ضم الدفع إلى الموضوع لتفصل فيهما معاً بحكم واحد إذا أُثير الدفع بعد أن تكون هيئة التحكيم قد قطعت شوطاً في نظر النزاع وأوشكت على الفصل فيه، وإذا قررت هيئة التحكيم ضم الدفع إلى الموضوع يجب عليها أن تنبه الخصوم إلى ذلك احتراماً لمبدأ المواجهة وحقهم في الدفاع وأن تسبب حكمها في كل من الدفع والموضوع على استقلال إلا إذا كان الحكم في الدفع يغني عن الحكم في الموضوع وذلك إعمالاً للقواعد العامة في قانون المرافعات. ومتى ما قضى المحكم بعدم اختصاصه اقتصر قضاؤه عند تقرير عدم اختصاصه، فلا يملك أن يقرن حكمه بالإحالة إلى المحكمة المختصة أو هيئة تحكيم أخرى؛ ويرجع ذلك إلى أن الإحالة القضائية المقررة في قانون المرافعات مبنية على مخالفة قواعد الاختصاص وليس على بطلان الأساس الذي يخول السلطة، كما أن الإحالة لا تكون إلا بين المحاكم القضائية التابعة للدولة فلا تجوز الإحالة بين القضاء والجهات غير القضائية وهيئة التحكيم لا تعتبر من الجهات القضائية.

والحكم الصادر من المحكم في الدفوع المتعلقة باختصاصه يستنفذ سلطة المحكم بالنسبة للدفع فلا يجوز إثارة الدفع مرةً أخرى أمام المحكم ولا يجوز للمحكم العدول عنه لأن المحكم لن يمارس وظيفته القضائية إلا مرةً واحدة، غير ان ذلك الحكم لا يحوز حجية الأمر المقضي لأنه لا يتضمن فصلاً في موضوع الدعوى المتعلقة باتفاق التحكيم. كما أن الحكم الصادر من المحكم في الدفوع المتعلقة باختصاصه يجوز الطعن فيه أمام محكمة الاستئناف، فقد أجاز المشرع اليمني في المادة(28) من قانون التحكيم الطعن بالبطلان مباشرةً واستقلالاً في الحكم غير المنهي للخصومة الصادر من المحكم برفض الدفع المتعلق باختصاصه أمام محكمة الاستئناف خلال الأسبوع التالي لإخطار الطاعن بالحكم، كما أجاز في المادة (53) من قانون التحكيم الطعن بالبطلان مباشرةً في الحكم الصادر من المحكم بقبول الدفع المتعلق باختصاصه باعتباره حكماً منهياً للخصومة.

 

ثانياً: إبطال اتفاق التحكيم وإنهاء أثره بحكم من محاكم الدولة:

يجوز لصاحب المصلحة من أطراف التحكيم أن يرفع دعوى بطلان اتفاق التحكيم أمام القضاء تحسباً لتمسك الطرف الآخر به وذلك استناداً إلى القواعد العامة في الأحوال التي يكون فيها التحكيم باطلاً لانعدام الأهلية اللازمة لعقد الاتفاق أو إذا كانت إرادة أحد الطرفين مشوبة بعيب من عيوب الرضا أو إذا كان محل اتفاق التحكيم مخالفا للنظام العام أو مما لا يجوز اللجوء بشأنه إلى التحكيم بنص القانون.

وإذا كان يجوز اللجوء إلى القضاء لإبطال اتفاق التحكيم وإخضاعه لرقابة القضاء من حيث وجوده وصحته، فإنه يمكن للقضاء أن يمارس هذه الرقابة أثناء نظر دعوى مرفوعة إليه بشأن منازعات متفق بشأنها على التحكيم بشرط أن يثير صاحب المصلحة الدفع بالتحكيم قبل الخوض في الموضوع وقبل إبداء أي دفاع لأن الدفع بالتحكيم يعتبر من الدفوع غير المتعلقة بالنظام العام يجب اثارته قبل أي دفاع وقبل الخوض في الموضوع وإلا كان الدفع بالتحكيم غير مقبول. فاتفاق التحكيم الذي يُعد أساس اللجوء إلى التحكيم بمجرد انعقاده يصبح ملزماً لأطرافه ويرتب آثاره القانونية في مواجهتهم سواء الأثر الايجابي المتمثل بالتزام الأطراف بحسم النزاع عن طريق التحكيم وعند لجوء أحدهما للقضاء يحق لخصمه الدفع بوجود هذا الاتفاق لمنع القضاء من نظره ويستجيب القضاء لهذا الدفع ما لم يتسن له بطلانه أو عدم قابليته لإعمال أثره، أو الأثر السلبي المتمثل بامتناع القضاء عن النظر في النزاع عند الدفع بوجود اتفاق التحكيم إذا ما تبين له صحة هذا الاتفاق، فإذا رفع أحد الأطراف دعوى إلى القضاء بصدد نزاع متفق بشأنه على التحكيم فإنه يكون للطرف الآخر حق إعمال هذا الأثر عن طريق التمسك بالدفع باتفاق التحكيم وإثارته أمام القضاء ليمنعه من نظر النزاع استناداً لوجود اتفاق التحكيم والقوة الملزمة لهذا الاتفاق تجاه أطرافه.

وإذا قام أحد الأطراف برفع دعوى أمام القضاء وتمسك الطرف الآخر بوجود اتفاق تحكيم بشأن المنازعة محل الدعوى فإن سلطة المحكمة في الحكم بقبول أو رفض الدفع تتوقف على مدى وجود اتفاق تحكيم وصحته وشموله للنزاع من عدمه، وفي هذا الشأن لا يملك القاضي التصدي لبطلان اتفاق التحكيم من تلقاء نفسه مالم يكن اتفاق التحكيم باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام، وعندها يقتصر دور المحكمة على الحكم برفض الدفع والاستمرار في نظر الدعوى دون الحكم بصحة الاتفاق أو بطلانه، غير أن المحكمة بقضائها رفض الدفع بالتحكيم واستمرارها في نظر موضوع الدعوى تكون قد منعت اللجوء إلى التحكيم. بمعنى أن للمحكمة سلطة البت في الدفع بوجود اتفاق تحكيم والحكم بعدم قبول الدعوى إذا تبين لها قيام اتفاق التحكيم، أما إذا تبين لها أن اتفاق التحكيم باطل أو أن النزاع المعروض عليها لا يشمله اتفاق التحكيم فإنها ترفض الدفع بالتحكيم وتستمر في نظر النزاع محل الدعوى.

وعلى ذلك فإن القضاء ببطلان وإلغاء اتفاق التحكيم المؤدي إلى سقوطه وانقضائه قد يكون صادراً من محاكم الدولة عند رفع دعوى أصلية أمامه ببطلان اتفاق التحكيم أو عند رفع النزاع إليه والدفع أمامه بوجود اتفاق تحكيم بشأن المنازعات المعروضة عليه.

ولا يؤدي رفع دعوى أصلية ببطلان اتفاق التحكيم أمام القضاء إلى منع هيئة التحكيم من نظر مسألة صحة أو بطلان اتفاق التحكيم، غير أنه إذا صدر حكم من القضاء ببطلان اتفاق التحكيم فإنه يحوز حجية الأمر المقضي أمام هيئة التحكيم ويمنع هيئة التحكيم من نظر مسألة صحة أو بطلان اتفاق التحكيم.

 

ويترتب على القضاء ببطلان اتفاق التحكيم أو إلغائه سواءً أكان صادراً من محاكم الدولة أم صادراً من هيئة التحكيم سقوط اتفاق التحكيم وانقضاؤه وزوال ولاية هيئة التحكيم في الفصل بالنزاع واسترداد الطرفين حقهما في الالتجاء إلى قضاء الدولة، وعندها يكون حكم التحكيم الصادر بعد القضاء بإلغاء أو بطلان اتفاق التحكيم باطلاً لصدوره دون أن يكون هناك اتفاق تحكيم وفقاً لنص المادة (٥٣/أ) من قانون التحكيم كونه صادراً من هيئة تحكيم لم تعد تملك ولاية الفصل في النزاع بين الخصوم، وذلك لأن التحكيم يستند أساساً على وجود اتفاق تحكيم صحيح وقائم فإذا سقط أو انقضى اتفاق التحكيم الذي يُعد الأساس الذي ترتكز عليه عملية التحكيم أدى ذلك إلى بطلان حكم التحكيم الصادر بعد هذا السقوط والانقضاء لصدوره من هيئة تحكيم لم تعد تملك ولاية الفصل في النزاع بين الخصوم.

والله ولي الهداية والتوفيق

Loading