كتابات

الفرق بين دعوى الاستحقاق الأصلية ودعوى الاستحقاق الفرعية

بقلم د. فايز صالح الدوبلي

يتساءل البعض عن الفرق بين دعوى الاستحقاق الأصلية ودعوى الاستحقاق الفرعية؟ ولماذا سميت دعوى الاستحقاق الفرعية بهذا الاسم؟ ومتى يتم تقديم كل منهما؟ وممن؟ وأمام أي محكمة تقدم؟

للإجابة عن التساؤلات المطروحة سأبدأ بتعريف دعوى الاستحقاق الفرعية كما يلي:

تعريف دعوى الاستحقاق الفرعية: هي دعوى يرفعها الغير أثناء التنفيذ على العقار محل التنفيذ مدعيا ملكيته كله أو بعضه، ويطالب فيها ببطلان إجراءات التنفيذ لوقوعها على مال غير مملوك للمنفذ ضده، وسميت بدعوى استحقاق فرعية؛ كونها دعوى منازعة موضوعية متفرعة عن التنفيذ.

وموجز القول: إن دعوى الاستحقاق الفرعية تقدم من الغير الذي لم يكن طرفا في التنفيذ ويدعي ملكيته للعقار محل التنفيذ.

وإذا كان المشرع اليمني قد أجاز للغير إذا ما وصل إلى مسامعه اختصام شخصين أمام المحكمة الابتدائية على عقار تعود ملكيته له، فله حق التدخل الهجومي ضدهما، مطالبا باختصام طرفي الخصومة ومؤيدا لطلبه بأدلة تثبت ملكيته وكذلك مطالبا لقاضي الموضوع الحكم له بملكية الموضع محل النزاع.

ولا مشكلة في ذلك، وإنما المشكلة تكمن عند صدور حكم من المحكمة الابتدائية بملكية العقار محل النزاع لأحد الطرفين المتخاصمين بدون أن يعلم الغير (صاحب الحق) بما تم أمام المحكمة الابتدائية، ولا بقيام المحكوم عليه منهما بالطعن في الحكم وبذلك أصبحت القضية منظورة أمام محكمة الاستئناف.

عندئذ لا يستطيع الغير (مدعي الملكية) التدخل هجوميا؛ كون المشرع لم يجز للغير حق تقديم طلب التدخل الهجومي أمام محكمة الاستئناف؛ حرصا منه على عدم تفويت درجة من درجات التقاضي على المتدخل (الغير)، في هذا الحال ليس لهذا الغير (مدعي الملكية) إلا التقدم بدعوى ملكية عادية أمام المحكمة الابتدائية مصدرة الحكم المذكور آنفا التي يوجد العقار محل النزاع ضمن اختصاصها المكاني، مختصما فيها لأطراف الخصومة المنظورة أمام محكمة الاستئناف؛ ليكون الحكم حجة عليهم، وتسمى هذه الدعوى بدعوى الاستحقاق الأصلية.

أما ما يراه البعض بأن للغير (مدعي الملكية) الطعن بالتماس إعادة النظر في الحكم الابتدائي أمام نفس المحكمة مصدرة الحكم.

مستندين إلى الفقرة (٥) من نص المادة (304) مرافعات التي نصت بقولها ” التماس إعادة النظر طريق استثنائي للطعن فيها لا يجوز للخصوم إتباعه إلا عند تحقق إحدى الحالات الآتية …. 5ـ إذا كان الحكم حجة على شخص لم يكن خصما في الدعوى “.

فهذا الرأي- محل نظر – وأعتقد بأنه مجانب للصواب؛  كون الفقرة الخامسة من نص المادة السابقة قد نصت على أنه: “إذا كان الحكم حجة على شخص لم يكن خصما في الدعوى”، ولم تقل:  إذا  كان الحكم حجة على أي شخص ولو لم يكن خصما في الدعوى، وكون الغير (مدعي الملكية) لم يكن حاضرا  أمام المحكمة الابتدائية مع بقية أطراف الخصومة، لعدم إدخاله في الخصومة من قبل المحكمة أو اختصامه من أحد أطراف الخصومة،  كما لم يتسن له طلب التدخل الهجومي أثناء انعقاد الخصومة لعدم معرفته، فكيف للحكم حينها أن يكون حجة عليه وهو لم يحضر في الخصومة أصلا ولم يذكر اسمه في الحكم؟

إضافة إلى ذلك أن المشرع قد اشترط لقبول الطعن بالتماس إعادة النظر أن يكون الحكم الابتدائي قد صار نهائيا، ولا مجال هنا لمثل هذا القول طالما ليس للغير (مدعي الملكية) حق استلام الحكم والطعن فيه.

وخلاصة القول: إنه يتعين على الغير أن يتقدم بدعوى استحقاق أصلية (دعوى ملكية عادية) أمام المحكمة الابتدائية ويختصم فيها من اختصما على ملكية العقار أمام المحكمة الابتدائية ولا زال الخصومة بينهما قائمة أمام محكمة الاستئناف.

في حين أن دعوى الاستحقاق الفرعية لا تقدم إلا من الغير (مدعي الملكية) وأثناء إجراءات التنفيذ على ملكيته العقارية وبعد الحجز عليه وقبل بيعه كقاعدة عامة لدى التشريعات العربية في حين أجاز المشرع اليمني للغير حق التقدم برفع دعوى استحقاق فرعية قبل بيع العقار أو بعده، معتبرا إياها من منازعات التنفيذ الموضوعية حرصا منه على حقوق الغير وسعيا لاستقرار المراكز القانونية.

فإذا ما تقدم الغير بدعوى استحقاق فرعية قبل الحجز فإنها ستتحول إلى دعوى استحقاق أصلية، وليس لقاضي التنفيذ الحق في نظرها؛ كونها ستكون من اختصاص القاضي المدني في المحكمة الابتدائية.

كما يجب على رافع دعوى الاستحقاق الفرعية (الغير) طلب بطلان إجراءات التنفيذ في عريضة دعواه؛ كون العقار محل التنفيذ ملكا له لا للمنفذ ضده.

فإذا لم يطلب ذلك اعتبرت دعوى الاستحقاق الفرعية دعوى استحقاق أصلية؛ كون القاضي لا يحكم إلا بما طلب منه، ويتوجب عليه حينها السير في إجراءات التنفيذ.

كما يجب على مقدم دعوى الاستحقاق الفرعية إثبات ملكيته بأدلة كافية، ومختصما في دعواه الفرعية أطراف السند التنفيذي وكل من وجهت لهم إجراءات التنفيذ كالحاجز (طالب التنفيذ) والمحجوز عليه (المنفذ ضده) والحائز (المرتهن، المستأجر) والكفيل العيني(الضمين) وإلا حكمت المحكمة برفضها.

فإذا قام مقدم دعوى الاستحقاق الفرعية بكل تلك الإجراءات فعلى قاضي التنفيذ قبول الدعوى شكلا، كما يتوجب عليه الأمر بإيقاف إجراءات البيع، شريطة قيام رافع الدعوى بتقديم الكفالة القانونية وذلك حتى يتم الفصل في قبول الدعوى موضوعيا.

فإذا قضت المحكمة بصحة دعوى الاستحقاق الفرعية للعقار المحجوز للمدعي (الغير)، فإنها تقضي ببطلان إجراءات التنفيذ السابقة كاملة.

ويعتبر الحكم الصادر في دعوى الاستحقاق الفرعية حكماً موضوعياً منهياً للنزاع، بل يعد سندا تنفيذيا يترتب عليه إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التنفيذ.

كما يجوز استئناف ذلك الحكم طبقا للقواعد القانونية المنظمة للطعون الخاصة بمنازعات التنفيذ الموضوعية (استشكالات التنفيذ).

ويجوز للمحكوم عليه الطعن فيه خلال خمسة عشر يوما من تاريخ النطق به كما يجوز الطعن في الحكم الاستئنافي الصادر فيها أمام المحكمة العليا، كون الحكم من منازعات التنفيذية الموضوعية.

Loading