كتابات

نظام الحيازة العقارية وجرائم الاعتداء على ملك الغير وانتهاك حرمة ملك الغير

إشكالات قانونية وقضائية ومقترحات قانونية لعلاجها

إعداد القاضي الدكتور/ نجيب محمد احمد الهاملي

وبعد الرجوع إلى القوانين النافذة ذات الصلة بالموضوع المذكور اعلاه، وأهمها القانون المدني، وقانون الجرائم والعقوبات، وقانون الإجراءات الجزائية، وغيرها من القوانين النافذة الاخرى ذات الصلة، فإننا نلخص تلك الإشكالات القانونية المتعلقة بالحيازة، ومشكلة إطالة القضايا الجنائية الخاصة بالاعتداء على ملك الغير وانتهاك حرمة ملك الغير ، ونفند جوانب الاختلالات والقصور التشريعي المتعلقة بذلك واقتراح المعالجات القانونية اللازمة لحل تلك الإشكالات ومعالجة جوانب القصور التشريعي القائم بما يكفل توفير الحماية المدنية والجنائية للحيازة وللملكية العقارية وتحديد نطاق الحماية الجنائية للحيازة على المستوى الضيق، والحد من ظاهرة إطالة قضايا الاعتداء على ملك الغير، وذلك على النحو الأتي:

أولاً: الإشكالات القانونية والقضائية المتعلقة بالحيازة والملكية العقارية وجرائم الاعتداء على ملك الغير وانتهاك حرمة ملك الغير ونبين ذلك كما يلي:

1- نصوص المواد القانونية محل الإشكال القانوني المنصوص عليها في القانون المدني النافذ وهي:

المادة (1103): الثبوت (الحيازة) هو استيلاء الشخص على الشيء ووضع يده عليه منقولاً كان  أو عقاراً وهو نوعــان : الأول : حيازة ملك ثبوت يتصرف بها الحائز في الشيء الذي يحوزه بأي نوع من أنواع التصرفات ظاهراً عليه بمظهر المالك وإن لم يبين سبب ملكيته له فتكون يده مهما استمرت حيازة ملك ثبوت على الشيء …. الخ.

المادة (1104): يشترط في حيازة الملك (الثبوت) ما يأتي :

1- القصد بأن يكون الحائز للشيء على قصد انه مالك له دون غيره ويعرف القصد بقرائن الحال التي تدل على ذلك بأن يتصرف في الشيء المحوز تصّرف الملاك.

2- أن يجاهر الحائز للشيء بملكيته له إذا ما نازعه فيه منازع وأن يتمسك بذلك أمام القضاء في مواجهة من ينازعه في ملكيته.

3- أن لا تقترن الحيازة بإكراه المالك أو من يمثله أو منازعته.

4- عدم الخفاء بأن لا تحصل الحيازة خِفية أي أن لا يكون فيها لبس كأن يكون الحائز خليطاً للمالك أو ممثلاً شرعياً له بالولاية أو الوصاية أو الوكالة أو يكون مخولاً حيازة الشيء حيازة انتفاع أو نحو ذلك.

المادة (1111): من كان حائزاً لشيء أو حق اعتبر مالكاً له مالم يقدم الدليل على غير ذلك.

المادة (1114): تسمع دعوى الملك على ذي اليد الثابتة مطلقاً ويحكم للمدعي في دعوى الملك إذا أقر له ذو اليد الثابتة أو بناء على مستندات كتابية خالية من شبهة التـزوير مستوفية للشروط الشرعية أو بشهادة عدول ، فإذا لم توجد مستندات مستوفية للشروط أو شهادة عدول عمل بالقرائن وتعتبر قرينة اليد الثابتة إذا لم تعارض بقرينه أقوى منها مع يمين ذي اليد دليلاً كافياً.

المادة (1117): ليس لمدعي الملك أن ينـزع يد الثابت على الشيء بدون رضاه إلاّ بحكم قضائي وللمدعي أن يلجأ إلى القضاء ، ويجوز للقاضي إن رأى ذلك للمصلحة أن يعدل الشيء المتنازع عليه، بأن يأمر بتسليمه لعدل لحفظه لحين الفصل في دعوى الملك بحكم نافذ، فيسلم الشيء لمن حكم له.

المادة (1118): لا تسمع دعوى الملك من حاضر على ذي اليد الثابتة الذي يتصرف تصرف المالك بلا مطالبة ولا قرابة ولا مصاهرة ولا ظروف غير عادية تسود فيها الفوضى أو التغلب ويتعذر فيها الوصول إلى الحق وذلك بعد مضي ثلاثين سنة من يوم وضع اليد. والعبرة في اعتبار الشخص غائباً عن البلد هي بوجوده خارجها طوال المدة المقررة ويعتبر حاضراً إذا كان متردداً إليها ، ويستثنى من ذلك الميراث والوقف والشراكة فلا تحدد بمدة ويلحق بذلك إذا كان هناك قرائن قوية دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق.

مادة (1224): أسباب كسب الملكية هي :

1- التصرف الشرعي.

2- الميراث الشرعي.

3- الاستيلاء على منقول لا مالك له.

4- إحياء الأرض الموات المباحة.

5- الشفعة.

 

2- نصوص المواد القانونية محل الإشكال القانوني المنصوص عليها في القوانين الجنائية النافذة وهي:

أ- قانون الجرائم والعقوبات:

مادة (321) : يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة من هدم أو خرب أو أعدم أو أتلف عقاراً أو منقولاً أو نباتاً غير مملوك له أو جعله غير صالح للاستعمال أو أضر به أو عطله بأية كيفية وتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات إذا اقترفت الجريمة بالقوة أو التهديد أو ارتكبها عدد من الأشخاص أو وقعت في وقت هياج أو فتنه أو كارثة أو نشأ عنها تعطيل مرفق عام أو أعمال مصلحة ذات منفعة عامة أو ترتب عليها جعل حياة الناس أو أمنهم أو صحتهم عرضة للخطر وإذا ترتب على الجريمة موت شخص تكون العقوبة الإعدام حداً ولا يخل ذلك بحق ولي الدم في الدية أو الأرش بحسب الأحوال.

مادة (253) : يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة من دخل مكاناً مسكوناً أو معداً للسكن أو أحد ملحقاته أو أي محل معد لحفظ المال أو عقاراً خلافاً لإرادة صاحب الشأن وفي غير الأحوال المبينة في القانون وكذلك من بقي فيه خلافاً لإرادة من له الحق في إخراجه.

وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات أو الغرامة إذا وقعت الجريمة ليلاً أو بواسطة العنف على الأشخاص أو الأشياء أو باستعمال سلاح أو من شخصين فأكثر أو من موظف عام أم ممن ينتحل صفته.

مادة (323) : يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة من أتلف أو نقل أو أزال أي محيط أو علامة معدة لضبط المساحات أو لتسوية الأراضي أو لتعيين الحدود أو للفصل بين الأملاك وتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين إذا ارتكبت الجريمة باستعمال العنف على الأشخاص أو بقصد اغتصاب أرض مملوكة للغير أو كانت العلامات موضوعة من قبل المصلحة المختصة.

ب- قانون الإجراءات الجزائية:

مادة(27): لا يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجزائية أمام المحكمة إلا بناء على شكوى المجني عليه أو من يقوم مقامة قانونا في الأحوال الآتية:

1- في جرائم القذف والسب وإفشاء الأسرار الخاصة والإهانة والتهديد بالقول أو بالفعل أو الإيذاء الجسماني البسيط ما لم تكن الجرائم وقعت على مكلف بخدمة عامة أثناء قيامة بواجبه أو بسببه.

2-في الجرائم التي تقع على الأموال فيما بين الأصول و الفروع و الزوجين و الإخوة والأخوات.

3- في جرائم الشيكات.

4- في جرائم التخريب والتعييب وإتلاف الأموال الخاصة وقتل الحيوانات بدون مقتضى أو الحريق غير العمدي وانتهاك حرمة ملك الغير وكذلك في الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون.

مادة(29): ينقضي الحق في الشكوى فيما هو منصوص عليه في المادة(27)بعد مضي أربعة اشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة أو بارتكابها أو زوال العذر القهري الذي حال دون تقديم الشكوى و يسقط الحق في الشكوى بموت المجني عليه.

مادة(31): يجوز لمن له الحق في الشكوى في الحالات المنصوص عليها في المادة (27) أن يتنازل عنها في أي وقت.

3- نورد استئناساً فيما يلي نصوص مواد قانون الجرائم والعقوبات المصري المتعلقة بنظام الحماية الجنائية للحيازة العقارية وضوابط ذلك باعتبار أن القانون اليمني في أغلب مواده مستقاة من ذات المصدر القانون المصري المتعلقة بالموضوع حيث تضمن قانون الجرائم والعقوبات المصري نصوص المواد التالية:

المادة (369): كل من دخل عقارا في حيازة آخر بقصد منه حيازته بالقوة أو بقصد ارتكاب جريمة فيه أو كان قد دخله قانونيا وبقي فيه بقصد ارتكاب شيء مما ذكر يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة لا تتجاوز ثلاثمائة جنيه مصري. وإذا وقعت هذه الجريمة من شخصين أو أكثر وكان أحدهم على الأقل حاملا سلاحاً أو من عشرة أشخاص على الأقل ولم يكن معهم سلاح تكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو غرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه مصري.

المادة (170): كل من دخل بيتا مسكونا أو معداً للسكن أو في أحد ملحقاته أو سفينة مسكونة أو في محل معد لحفظ المال وكانت هذه الأشياء في حيازة آخر قاصدا من ذلك منع حيازته بالقوة أو ارتكاب جريمة فيها أو كان قد دخلها بوجه قانوني وبقي فيها بقصد ارتكاب شيء مما ذكر، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تتجاوز ثلاثمائة جنيه مصري.

المادة (171): كل من وجد في إحدى المحلات المنصوص عليها في المادة السابقة مختفيا عن أعين من لهم الحق في إخراجه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه.

المادة (172): وإذا ارتكب الجرائم المنصوص عليها في المادتين السابقتين ليلا تكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين.

المادة (172 مكرر): كل من تعدى على أرض زراعية أو ارض فضاء أو مبان مملوكة للدولة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو لوقف خيري أو لإحدى جهات القطاع العام أو لأية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة وذلك بزراعتها أو غرسها أو إقامة إنشاءات عليها أو شغلها أو الانتفاع بها بأية صورة يعاقب بالحبس وبغرامة لا تتجاوز ألفين من الجنيهات أو بإحدى هاتين العقوبتين ويحكم على الجاني برد العقار المغتصب بما يكون عليه من مبان أو غراس أو برده مع إزالة ما عليه من تلك الأشياء على نفقته فضلا عن دفع قيمة ما عاد من منفعة .

فإذا وقعت الجريمة بالتحايل أو نتيجة تقديم إقرارات أو الإدلاء ببيانات غير صحيحة مع العلم بذلك تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وتضاعف العقوبة المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين في حالة العود.

المادة (173): كل من دخل أرضا زراعية أو فضاء أو مباني أو بيتا مسكونا أو معداً للسكن أو فى أحد ملحقاته أو سفينة مسكونة أو في محل معد لحفظ المال ولم يخرج منه بناء على تكليفه ممن لهم الحق في ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه.

4- من خلال دراسة ما تضمنته نصوص القوانين السالف إيرادها المتعلقة بنظام الحيازة والحماية الجنائية وما يتعلق بوسائل حماية الملكية العقارية نخلص إلى الملاحظات والاستنتاجات التالية:

أ- أن القانون المدني اليمني قرر الحماية القانونية للحيازة وفق شروط وضوابط حددتها نصوص مواده في حين أن قانون الجرائم والعقوبات اقتصر على تقرير الحماية للحيازة الفعلية مع بعض جوانب القصور والمآخذ التي تعتري ذلك، وسوف نوضح فيما يلي تلك المآخذ.

ب- أن المادة (1114) من القانون المدني تقرر أن حيازة اليد (الثبوت) لا تثبت حقاً فيما هو مملوك للغير إلا ببينة شرعية حيث أجازت تلك المادة دعوى الملك على ذي اليد الثابتة مطلقاً ويحكم للمدعي الملك إذا أقر له ذو اليد الثابتة أو إذا أقيمت البينة الشرعية على الملك بكتابة صحيحة أو بشهادة عدول، واعتبر نص المادة المذكورة القرائن أدلة كافية إذا لم توجد مستندات مستوفية للشروط أو شهادة عدول وتعتبر قرينة اليد الثابتة إذا لم تعارض بقرينه أقوى منها مع يمين ذي اليد دليلاً كافياً، كما أكد القانون في نص المادة (1104) على أنه لا اعتبار لحيازة الملك الثبوت إذا كانت الحيازة حيازة انتفاع.

ج- أن المادة (1224) من القانون المدني لم تنص على الحيازة ضمن أسباب الملكية المنصوص عليها في تلك المادة، وهذا خلل تشريعي يلزم تداركه.

د- كما يلاحظ وجود جوانب قصور تشريعي واختلالات تشريعية فيما يتعلق بنصوص المواد من المادة (1103) حتى نص المادة رقم (1117) من القانون المدني النافذ المتعلقة بأحكام الحيازة، ولكون القضايا المتعلقة بمنازعة الحيازة وبالذات حيازة وضع اليد المتعلقة بالعقارات هي الأكثر شيوعاً في المحاكم اليمنية وتطول إجراءات التقاضي فيها والسبب في ذلك يعود إلى الكثير من الأمور منها جوانب القصور التشريعي والاختلالات القائمة في النصوص القانونية النافذة وغياب المفهوم الدقيق للحيازة، وأسبابها، وغياب معيار منضبط لتحديد الحيازة المشروعة والحيازة غير المشروعة، ومن جوانب القصور التشريعي بهذا الخصوص الآتي:

  1. أن القانون المدني لم يحدد مدة زمنية معينة للحيازة المستقرة أو مدة معينة لاعتبار الحائز حائزاً حيازة مادية هادئة تامة ومستقرة بينما نجد أن المشرع المصري حدد المدة للحيازة المستقرة التي تكون محل حماية جنائية ومدنية، خصوصاً أن القانون المدني اليمني قد تضمن في المادة (1117) على نص خطير جداً تتعلق بهذا الخصوص التي تنص على الآتي: (مادة (1117): ليس لمدعي الملك أن ينـزع يد الثابت على الشيء بدون رضاه إلاّ بحكم قضائي وللمدعي أن يلجأ إلى القضاء ، ويجوز للقاضي إن رأى ذلك للمصلحة أن يعدل الشيء المتنازع عليه ، بأن يأمر بتسليمه لعدل لحفظه لحين الفصل في دعوى الملك بحكم نافذ ، فيسلم الشيء لمن حكم له)، كما تنص المادة (1111) مدني على أنه (من كان حائزاً لشيء أو حق اعتبر مالكاً له مالم يقدم الدليل على غير ذلك).
  2. كما يلاحظ أن القانون اليمني اقتصر في المادة (1118) السالف إيراد نصها في مقدمة هذا البند وذلك على تحديد مدة التقادم التي لا تسمع فيها دعوى ملك من حاضر على واضع اليد بعد مرور ثلاثين عاماً، ووفق الاستثناءات الواردة في نص تلك المادة فهذه المدة مجملة ولم تشتمل على تفصيل ومعايير منضبطة مما يستلزم تحديد مدد تقادم منضبطة أسوة بما هو منصوص عليه في القانون المدني المصري الأكثر تفصيلاً, وبالتالي نجد مدى ضرورة وأهمية إعادة النظر في تعديل نصوص تلك المواد.

لم يضع القانون المدني معياراً دقيقاً للتفرقة لضبط الفرق الدقيق بين الحماية الجنائية والحماية المدنية للحيازة رغم أن قانون الجرائم والعقوبات نص في المادة(321) ضمن جرائم الاعتداء على حرمة ملك الغير (الإضرار بالمال) (مادة (321): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة من هدم أو خرب أو أعدم أو أتلف عقاراً أو منقولاً أو نباتاً غير مملوك له أو جعله غير صالح للاستعمال أو أضر به أو عطله بأية كيفية وتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات إذا اقترفت الجريمة بالقوة أو التهديد أو ارتكبها عدد من الأشخاص أو وقعت في وقت هياج أو فتنة أو كارثة أو نشأ عنها تعطيل مرفق عام أو أعمال مصلحة ذات منفعة عامة أو ترتب عليها جعل حياة الناس أو أمنهم أو صحتهم عرضة للخطر وإذا يترتب على الجريمة موت شخص تكون العقوبة الإعدام حداً ولا يخل ذلك بحق ولي الدم في الدية أو الأرش بحسب الأحوال)، فنجد أن قانون الجرائم والعقوبات اليمني لم يأخذ بالمعيار المنضبط الذي اتبعه المشرع المصري لضبط الفارق بين الحماية المدنية والحماية الجنائية للحيازة الذي جعل معيار التفرقة هو استخدام القوة، وفي حال عدم استخدام القوة تكون الدعوى مدنية، وبالتالي فإذا كان التعدي قد صاحبه القوة على الأشياء أو الأشخاص فهنا تكون الحماية جنائية، بينما نجد أن المشرع اليمني في المادة المذكورة رقم (321) جرائم وعقوبات قد جعل استخدام القوة ظرفاً مشدداً للعقوبة، وليس معياراً للتفرقة بين الحمايتين كما أنه جمع في تقرير الحماية الجنائية للحيازة والملكية معاً حسب نص المادة المذكورة، ومع هذا نجد بأن المشرع اليمني في المادة (321) المذكورة جرائم وعقوبات قد أغفل تجريم أفعال الاعتداء كالبناء في الأراضي بقصد حيازتها وتملكها أو الغرس أو الزرع فيها، إضافة إلى أنه نجد بأن المشرع اليمني في المادة (253) من قانون الجرائم والعقوبات، والتي هي تحت عنوان انتهاك حرمة المسكن السالف إيراد نصها في مقدمة هذا البند نجد أنها ورغم  أنها معنونة بعنوان مختصر وذلك العنوان هو انتهاك حرمة المسكن إلا أن حقيقة مضمون نصها أوسع بكثير من عنوانها إذ أن نصها يشتمل على جوانب تقرير حماية انتهاك حرمة ملك الغير يفوق ما نصت عليه المادة(321) جرائم وعقوبات لاحتواء المادة المذكورة وهي المادة (253) على نص فقرة تتعلق بحماية الوضع الظاهر للحائز الفعلي للعقار بغض النظر عن صفة المعتدي على العقار سواءً أكان مالكاً أم غير ذلك حيث تنص تلك الفقرة على الآتي: (من دخل…….. أو عقاراً خلافاً لإرادة صاحب الشأن وفي غير الأحوال المبينة في القانون وكذلك من بقي فيه خلافاً لإرادة من له الحق في إخراجه.

وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات أو الغرامة إذا وقعت الجريمة ليلاً أو بواسطة العنف على الأشخاص أو الأشياء أو باستعمال سلاح أو من شخصين فأكثر أو من موظف عام أو ممن ينتحل صفته.)

5- نجد أن قانون الإجراءات الجزائية النافذ في المادة (27) المتعلقة بجرائم الشكوى قد تضمن من ضمن فقرات نصوصها الفقرتين (2), (4) من نص تلك المادة (بأنه لا يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجزائية أمام المحكمة إلا بناءً على شكوى المجني عليه أو من يقوم مقامه قانوناً ومن ذلك في جرائم (التخريب والتعييب وإتلاف الأموال الخاصة …. وانتهاك حرمة ملك الغير) وكذلك في الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون)، وبالتالي فإن جرائم الاعتداء على ملك الغير وجرائم انتهاك حرمة ملك الغير تعد وفق نصوص قانون الاجراءات الجزائية من جرائم الشكوى التي يلزم تحريك الدعوى الجنائية بشأنها أن يتقدم المجني عليه بشكوى أمام النيابة خلال مدة أربعة أشهر من يوم علمه بالجريمة أو بارتكابها أو بزوال العذر القهري الذي حال دون تقديم الشكوى، وينقضي الحق في الشكوى إذا لم يتقدم خلال المدة المذكورة، كما يسقط الحق في الشكوى بموت المجني عليه, وأجاز القانون أيضاً لمن له الحق في الشكوى أن يتنازل عنها في أي وقت.

6- يلاحظ وفقاً للقانون الجزائي اليمني بأن جرائم الاعتداء على ملك الغير وانتهاك حرمة ملك الغير في الغالب أن القضايا الجنائية المتعلقة بها تكون مرتبطة ارتباط مباشرا بأسبقية البت مدنياً في تقرير الملكية للعقار المعتدى عليه من عدمها لكي يتسنى للنيابة العامة والقاضي الجنائي السير في نظر الجانب الجنائي، وهنا تكمن مشكلة إطالة أمد التقاضي، ومضيعة الوقت في إجراءات التحقيق الجنائي خصوصاً عندما تنتهي تلك الإجراءات إلى تقرير الإحالة إلى القضاء المدني للبت في منازعة الملكية قبل النظر والفصل في الشق الجنائي بشأن تهمة الاعتداء على ملك الغير بل وإن في أغلب القضايا الجنائية المتعلقة بالاعتداء على ملك الغير أو انتهاك حرمة ملك الغير قد درجت أغلب النيابات على عرف مخالف تماماً للقانون الإجرائي الجنائي، وذلك بأن تقرر النيابة بعد قيامها لمدة طائلة بإجراءات تحقيق جنائي من قبض وحبس احتياطي ومنع الأطراف من الاستحداث في العقار المعتدى عليه، وسماع شهود ومعاينة واستجواب وغير ذلك من إجراءات التحقيق الجنائي المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية النافذ، وفي نهاية المطاف تصدر النيابة قرارها بشأن وقائع الاعتداء الجنائية التي قد يتخللها حدوث إطلاق نار وتخريب وهدم في العقار محل الاعتداء، وغير ذلك بأن تصدر النيابة قراراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية لعدم الجريمة وأن موضوع القضية يتعلق بمنازعة مدنية بحتة بادعاء كل من طرفي القضية الملك له في العقار أو ادعاء الحيازة لأحدهما دون الآخر، وهكذا تكون النتيجة، الأمر الذي يستلزم وضع معالجة تشريعية بسن نصوص قانونية تخول بشأن جرائم الاعتداء على ملك الغير وانتهاك حرمة ملك الغير الحق في تقديم الدعوى بشأن واقعة الاعتداء والدعوى المدنية مباشرةً أمام المحكمة المختصة، دون الحاجة إلى تقديم شكوى ولا اتخاذ إجراءات التحقيق الجنائي بشأنها من قبل النيابة العامة اختصاراً للوقت كإحدى المعالجات القانونية لظاهرة إطالة إجراءات التقاضي خصوصاً وأن القانون قد وضع قيوداً وضوابط ومددا رتب عليها سقوط الحق في الشكوى، وأجاز للمجني عليه التنازل عن شكواه في أي وقت، وفي أي مرحلة من مراحل التقاضي، كما ان قانون الإجراءات الجزائية لم يقرر قصر الحق المطلق للنيابة العامة في رفع الدعوى الجزائية دون غيرها بل اجاز القانون لغيرها بناء على نص قانوني خاص ينص عليه في القانون طبقا لصريح نص المادة رقم (21) من قانون الإجراءات الجزائية النافذ بالتالي إمكانية سن نص جديد يخول لصاحب الحق المعتدى عليه او المتضرر الحق بتقديم دعوى بالاعتداء والدعوى المدنية المرتبطة بها مباشرة امام المحكمة المختصة وتخويل المحكمة صلاحية التصدي للحكم بعقوبة الحق العام متى ثبتت لديها وقائع الاعتداء طبقا للقانون.

 

ثانياً: المقترحات اللازمة لمعالجة الإشكالات المتعلقة بالحيازة العقارية والإشكالات المتعلقة بالاعتداء على ملك الغير وانتهاك حرمة ملك الغير السالف إيرادها تفصيلاً في الفقرة أولاً من هذه الدراسة القانونية، ونبين المقترحات القانونية والمعالجات على النحو الآتي:

1- ضرورة أن يتضمن القانون المدني ضمن نصوص مواده القانونية السارية السالف إيرادها في مقدمة هذه الدراسة وذلك بأن يضاف نص فقرة جديدة مقترحة تعالج القصور التشريعي القائم المتعلق بتحديد مدة معينة للحيازة المستقرة التي يعتبر فيها الحائز حيازة مادية هادئة ومستقرة.

والنص المقترح للفقرة الجديدة التي نوصي بإضافتها ضمن نص المادتين (1103، 1104) من القانون المدني المتعلقتين بالحيازة هي:

(يجب أن يكون الحائز قد وضع يده على العقار مدة ثلاث سنوات كاملة على الأقل حيازة هادئة ظاهرة مستمرة بنية التملك.)

2- نقترح لزوم إجراء تعديلات قانونية للنصوص القانونية ذات الصلة بالحيازة العقارية الواردة في كل من : قانون المرافعات، وقانون الإجراءات الجزائية، وقانون الجرائم والعقوبات السالف إيرادها في الفقرة أولاً من هذه الدراسة القانونية وكذلك النصوص المتعلقة بجرائم الاعتداء على ملك الغير، وجرائم انتهاك حرمة ملك الغير التي تعد من جرائم الشكوى طبقاً لنص المادة (27) من قانون الإجراءات الجزائية، ونفصل بهذا الخصوص المقترحات على النحو التالي:

أ- أن يتضمن قانون المرافعات نصاً صريحاً ضمن نصوص مواده المتعلقة بالقضاء المستعجل النص التالي: (تنظر الدعاوى والطلبات المتعلقة بحماية الحيازة العقارية بإجراءات القضاء المستعجل، ويسري عليها ذات الأحكام المنصوص عليها في قانون المرافعات الخاصة بالقضاء المستعجل).

ب- ضرورة حذف نص المادتين رقم (321، 253) من قانون الجرائم والعقوبات المتعلقة بالاعتداء على ملك الغير وانتهاك حرمة ملك الغير، وكذا حذف الفقرتين (2، 4) من المادة رقم (27) ونص المادة (43) المرتبطة بها من قانون الإجراءات الجزائية، وإبدال تلك النصوص بنص مادة جديدة تضاف ضمن نصوص قانون الجرائم والعقوبات تتضمن تجريم الاعتداء على ملك الغير، وعلى الأموال والحقوق الخاصة وقتل الحيوانات بدون مقتضى، والحريق غير العمدي، وانتهاك حرمة ملك الغير، وتخويل صاحب الحق المعتدى عليه أو المتضرر من الاعتداء الحق في تقديم دعوى مباشرةً بالاعتداء والدعوى المدنية المرتبطة بذلك أمام المحكمة المختصة خلال مدة لا تزيد على ستة اشهر من تاريخ حصول الاعتداء، وفي حالة ثبوت وقائع الاعتداء تتصدى المحكمة بالحكم على المعتدي في الحق العام بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، وتشدد هذه العقوبة بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات أو بغرامة لا تزيد على سبعة ملايين ريال إذا كان الاعتداء ليلاً أو بواسطة العنف على الأشخاص أو الأشياء أو باستعمال سلاح أو من شخصين فأكثر أو من موظف عام أو ممن ينتحل صفته.

Loading