كتابات

حدود ولاية قاضي دعاوى الحيازة وأثر تجاوزها

المحامي الدكتور هشام قائد الشميري

نصت المادة (240) من قانون المرافعات قبل التعديل الأخير في الفقرة السابعة على أن (تعتبر من المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت المسائل الآتية: ٧- طلب منع التعرض المادي وإزالة العدوان)، وقد تم تعديل صياغة تلك الفقرة في التعديل الاخير لقانون المرافعات عام ٢٠٢١م ليصبح نصها بعد التعديل وفقاً للآتي: (يعتبر من المسائل المستعجلة في الحالة التي يخشى عليها من فوات الوقت الطلبات الاتية: ٧- الطلبات المتعلقة بحماية الوضع الظاهر واعادة الحال الى ما كان عليه)، والملاحظ أنه يدخل في هذا النص المعدل دعاوى الحيازة التي يرفعها واضع اليد لحماية حيازته للعقار من أي تهديد والتي تحمي الحيازة ذاتها سواء استندت إلى حق الملكية أم استندت إلى سبب قانوني آخر غير حق الملكية.

ولدعاوى الحيازة ثلاث صور أولها دعوى منع التعرض التي ترفع من حائز العقار ضد الغير يطلب فيها عدم التعرض له في حيازته للعقار بأي عمل من شأنه عرقلة انتفاعه بالعقار وترمي إلى رد الإعتداء الذي لم يصل إلى سلب الحيازة مثال ذلك إقامة الغير حائطا أو بناء يسد به المطل على الحائز أو يمنع به النور أو الهواء عليه، وثانيها دعوى استرداد الحيازة التي ترفع من حائز العقار الذي سلبت حيازته في مواجهة الشخص الذي سلبه الحيازة أو الذي انتقلت إليه الحيازة حتى لو كان حسن النية، وثالثها دعوى وقف الأعمال الجديدة التي يرفعها الحائز ضد الغير الذي شرع في عمل لو تم ذلك العمل لأصبح تعرضاً للحيازة وذلك بطلب منعه من إتمام هذا العمل، والأساس الأصلي لدعاوى الحيازة هو حماية الحيازة بشروطها القانونية، حيث أن الحيازة المحمية يجب أن تكون حيازة قانونية يتوافر فيها عناصرها وشروطها القانونية، فيجب أن يتوافر للحيازة عنصران أساسيان؛ عنصر مادي يتمثل في القيام بأعمال مادية يقوم بها عادةً مالك الشيء أو صاحب الحق من سكن أو زراعة حسب طبيعة هذا الشيء والتي تحمل على الاعتقاد أن من يقوم بها هو صاحب الحق، وعنصر معنوي يتمثل في نية الحائز في استعمال الشيء أو الحق باعتباره مالكه أو صاحبه والتي تستفاد من ظهور الحائز بمظهر مالك الشيء أو صاحب الحق العيني عليه، كما يجب أن تكون الحيازة المحمية ظاهرة بحيث يمكن أن يراها ويعلمها من يحتج عليه بالحيازة حتى يبادر بالمنازعة فيها، وأن تكون الحيازة واضحة لا يشوبها لبس أو غموض، وأن تكون الحيازة هادئة غير مكتسبة بعمل من أعمال العنف المادي أو الإكراه الأدبي، وأن تكون الحيازة مستمرة غير منقطعة بأن تستمر الحيازة لمدة معقولة.

وتهدف دعاوى الحيازة إلى حماية الحيازة ذاتها سواءً استندت إلى حق الملكية أم استندت إلى سبب قانوني آخر غير حق الملكية، فالقانون يحمي الحيازة في ذاتها ولو كان الحائز غير مالك وذلك لغايات معينة، فالحائز لأرض تحميه دعاوى الحيازة ولا يطلب منه في مباشرته لهذه الدعاوى إلا أن يثبت حيازته للأرض بالشروط الواجب توفرها في الحيازة فلا يطلب منه أن يثبت أنه مالك للأرض، والعلة في حماية الحيازة ذاتها ترد إلى اعتباريين؛ الأول حماية المصلحة الخاصة للحائز والتي تظهر في عنصرين، الأول: أن الحيازة قرينة على الحق وأن الحيازة ممارسة فعلية للحق لأن الحيازة قرينة على الملكية وأن حمايتها أيسر من حماية الحق نفسه فوضع اليد هو سلطة فعلية لشخص على شيء من الأشياء المادية ومن ثم فهو المظهر المادي للملكية، والثاني: حماية المصلحة العامة في المجتمع حيث يعد اغتصاب الحقوق غير شرعي ولو كان ذلك من أصحابها؛ لأن ذلك يعتبر من قبيل قضاء الإنسان لنفسه والذي يترتب عنه الفوضى، ولذلك يتعين حماية حيازة الحائز ضد تعرض الغير حتى ولو كان هذا الأخير صاحب الحق، إذ لهذا الأخير اللجوء إلى القضاء لحماية حقه عن طريق دعوى الملكية أو دعوى الحق.

وتعد دعاوى الحيازة من قبيل الدعاوى المستعجلة التي تعتبر صورة من صور الحماية المستعجلة والتي لا تمس بأصل الحق الموضوعي، بحيث يتعين على القاضي في دعاوى الحيازة عرض الشروط اللازمة لقيام الحيازة دون تحقيق ما يزعمه الخصوم في شأن أصل الحق للتوصل إلى إثباته أو نفيه لقيامها، فلا محل للتعرض فيها لأصل الحق أو لبحث الملكية وفحص ما يتمسك به الخصوم من مستندات بشأنها إلا أن يكون ذلك على سبيل الاستئناس ليستخلص منها القاضي كل ما كان متعلقاً بالحيازة وصفتها بشرط ألا يكون الرجوع إلى مستندات الملك مقصوداً لتحري الحق، ولا يجوز رفع دعوى الحيازة بالاستناد إلى اعتبارات تتصل بأصل الحق، ويمتنع على القاضي في دعاوى الحيازة أن يبحث في أصل الحق أو أن يحكم به لصاحبه أو إقامة حكمه على أساس ثبوت الحق أو نفيه، كما لا يجوز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملك فلا تقبل دعوى الحيازة ممن سلك طريق دعوى الملكية.

وعلى ذلك فإن دعوى عدم التعرض التي تعتبر إحدى صور دعاوى الحيازة والتي يرفعها حائز العقار ضد الغير يطالب فيها منعه من التعرض له في حيازته تعد من قبيل الدعاوى المستعجلة التي لا تمس بأصل الحق الموضوعي، بحيث يجب على القاضي الوقوف على كنه التعرض المادي من ظاهر الأوراق لأجل منع المتعرض من الاستمرار في تعرضه وليس له سلطة وولاية الخوض في الملكية والوقوف على سببها للحكم بالملك الذي يعد من قبيل الحماية الموضوعية التي تتعرض لموضوع الحق فلا تمتد ولاية وسلطة القاضي الذي ينظر دعوى عدم (منع) التعرض إلى التعرض للملكية وليس أدل على ذلك أن المشرع في المادة (240) من قانون المرافعات قد أورد تلك الدعوى ضمن صور الدعاوى المستعجلة، فولاية وسلطة القاضي الذي ينظر الدعوى المستعجلة بطريق الحماية الاستثنائية مقيدة بعدم المساس بأصل الحق الموضوعي الذي يخرج عن ولايته فلا يملك تجاوز حدود ولايته بإصدار حكم يقرر مراكز موضوعية وإلا كان حكمه منعدماً كون هذا التجاوز يعد من قبيل التعدي على سلطة قاضي الموضوع التي أحاطها القانون بضمانات معينة لأن المراكز الموضوعية لا تكون حمايتها إلا عن طريق الدعاوى العادية التي ينعقد بشأنها خصومة عادية يصدر فيها حكم موضوعي، فقد استثنى المشرع الخصومة العادية التي تعد مفترضاً ضرورياً لوجود العمل القضائي اقتصر فقط على الحماية المستعجلة التي لا تمس بأصل الحق الموضوعي، وهذا الاستثناء يجب حصره في أضيق نطاق وعدم التوسع فيه، فالأصل أن القانون ابتدع طريق القضاء المستعجل لتوفير الحماية المستعجلة متى تحققت شروطها كاستثناء، والاستثناء لا يتوسع فيه، والحكم المستعجل في الاصل لا يتعرض لأصل الحق ولا يمسه ولا يغير فيه ولا يقرر حقاً موضوعياً او ينفيه بل يحوز حجية مؤقته تزول بصدور حكم في الموضوع أو بحكم مستعجل آخر، وأن أي تجاوز لنطاقه الذي حدده القانون يعد تجاوزاً لولاية إصداره الذي يجب أن يواجه بأشد جزاء من الجزاءات وهو جزاء الانعدام ودليل ذلك ما نصت عليه المادة (238) من قانون المرافعات على أن: ( القضاء المستعجل حكم موقت… دون التعرض لأصل الحق).

والحكم الصادر في دعاوى الحيازة لا يفصل بالملكية أو أصل الحق، ولا يقوم على أسباب تتعلق بالملكية أو أصل الحق، ويبنى على ذلك أن الحكم الصادر الذي يبنى على دعوى الحيازة سلباً أو إيجاباً لا يحوز حجية بالنسبة للملكية أو أصل الحق ولا يمنع من الالتجاء إلى القضاء بدعوى الملكية وذلك لاختلاف كل من الدعويين سبباً وموضوعاً، فدعوى الحيازة تحمي الحيازة فقط دون التعرض للملكية، أما دعوى الملكية فتحمي أصل الحق وتفرعاته.

Loading