دراسات وبحوث

الفصل التعسفي العمالي (1-3)

قراءة تحليلية متأنية لتنظيم المشرع اليمني للعمل

بقلم المحامية: نسمة عبد الحق النجار

في ظل تفاني العامل في القيام بواجباته تجاه صاحب العمل دون كلل او ملل ، نلحظ واقعاً من خلال الشكاوى المقدمة الى مكتب العمل او الذي قد تصل الى لجنة التحكيم العمالية عند فشل مكتب العمل في التسوية الودية ، نلاحظ نماذج عديدة لإجحاف اصحاب العمل بحقوق عامليهم ، ليس هذا فحسب بل وفصلهم تعسفاً دون مبرر شرعي او قانوني  بعد ان نهشوا من لحمهم سنين ليرموا بهم عظماً على أرصفة شوارع الحياة ذو الظروف الصعبة حيث يوجد هناك ضوء نوره خافت !! ، فمن حالفه الحظ سيجد عمل آخر ولن يظل تحت رحمة بصيص النور ، اما من لم يحالفه الحظ فليس لديه من خيار سوى الدعاء بأن يستمر النور حتى وان كان خافتاً خوفاً من أن ينطفئ تماماً !! ، وعندها لن يكون له من خيار سوى افتراش أرصفة الشوارع إلى أجل غير مسمى !!

فما هو الفصل التعسفي؟! وماهي الحالات التي تأخذ حكمه؟! وكيف يتم جبر الضرر الذي تسبب به؟! بل ماهي معايير تحديد التعويض لجبر ذلك الضرر؟! وهل يصح الطعن في قرار تحديد مقدار التعويض؟!، واخيراً ما علاقة السكر والملح بالفصل التعسفي العمالي؟!.

كل ذلك نتعرف عليه من خلال قراءتنا التالية:

بما أن قانون العمل لم يُفّصل أو يوضح صراحة ً موضوع وحالات الفصل التعسفي رغم أهميته وشيوعه في الواقع العملي، فقد رأينا أن نسلط الضوء عليه مستندين الى قانوني العمل والمدني النافذين وكذلك الأحكام القضائية الصادرة من اللجنة التحكيمية العمالية ومحكمة الاستئناف وأحكام المحكمة العليا في قراءة متأنية وتحليلية لهما.

 

تعريف الفصل التعسفي

فمن خلال مطالعة قانون العمل اليمني النافذ تبين وجود مادة وحيدة تتحدث عن الفصل التعسفي وهي المادة (39) والتي نصت على: ( يستحق العامل تعويضاً عما لحقه من ضرر بسبب انهاء العقد من جانب صاحب العمل بصورة تعسفية أو اذا تم انهاء العقد وفقاً لأحكام الفقرة (ثانياً) من المادة (35) وذلك بالإضافة الى ما يستحقه من أجر مقرر عن فترة الإشعار وسائر المستحقات الأخرى المنصوص عليها في هذا القانون وتشريعات العمل المنفذة له ، وفي جميع الأحوال يحدد التعويض من قبل لجنة التحكيم المختصة وبما لا يتعدى أجر العامل لمدة ستة أشهر ).

ومن هذه المادة يتضح لنا أن الفصل التعسفي  يعرف بأنه:

تخلي صاحب العمل عن العامل وذلك بإنهاء العقد معه تعسفاً مسبباً له أضرار ، أي التخلي عن العامل دون مبرر شرعي أو قانوني فجأة ودون إشعار أو حتى بإشعاره في حالة عدم انتهاء مدة العقد لأن العقد اذا انتهى لا نكون أمام فصل تعسفي  ، ويكون الفصل تعسفياً سواءً كان هناك عقد كتابي أو حتى عقد شفهي أو ضمني.

 

حالات الفصل التعسفي

من خلال مطالعتنا للقانون يتبين لنا أن هناك عدة حالات  تعتبر  فصلاً  تعسفياً وجميعها تشترك في نقطة رئيسية تتمثل في إحداث ضرر للعامل من قبل صاحب العمل يستوجب التعويض ، سواء كان ضرراً مادياً أو أدبياً (معنوياً) ، إضافة الى ما ذكرته المادة السابقة بالإشارة الى حالات المادة ( 35 ) والتي سيتم ذكرها في محلها.

فمثلاً : حالة استغناء صاحب العمل عن العامل، والذي قد يكون بدون اشعار أو حتى بإشعار.

فبالرجوع الى المواد المنظمة لمسألة الاستغناء وهي المواد ( 100-103 ) والتي تنص على :

م /100: (يجوز لصاحب العمل أن يوقف العمل كلياً او جزئياً أو أن يعدل في حجم المنشأة أو نشاطها بعد ابلاغ الوزارة او مكتبها المختص عندما يترتب على ذلك تخفيض عدد العمال لديه والإستغناء عنهم ).

م/101: (1- على صاحب العمل تبليغ الوزارة او مكتبها المختص واي جهة معنية أخرى في حال التوقف كلياً او جزئياً عن العمل أو عند مزاولة النشاط الموقف.

2- يجوز لصاحب العمل تخفيض عدد العمال لديه أو الاستغناء عنهم بسبب التوقف عن العمل جزئياً او كلياً.

3- يلتزم صاحب العمل في حالة إعادة نشاطه الموقف اعطاء الاولوية للعمال الذين شملهم التخفيض أو الاستغناء بشرط تقديمهم طلب للتشغيل لديه خلال فترة أقصاها شهر من تاريخ اعلان إعادة مزاولة النشاط مع ابلاغ الوزارة أو مكتبها المختص بذلك).

م/102: ( يحق للعمال الذين شملهم التخفيض أو الاستغناء التظلم امام لجنة التحكيم المختصة إذا تبين لهم أن اجراء صاحب العمل كان مجحفاً ويهدف الى إحلال عمال آخرين بدلاً عنهم ).

م/103: ( اذا توقف العمل لفترة مؤقتة لأسباب تعود الى صاحب العمل فإن عقد العمل يبقى سارياً مدة لا تقل عن شهرين من بداية التوقف ويترتب عليه استحقاق العمال اجراً كاملاً خلال تلك الفترة ).

 

أغلفة الفصل التعسفي

 

بالرجوع لتلك  المواد يتبن لنا  أن الفصل التعسفي قد يكون مغلفاً برداء الاستغناء ، وذلك عندما يتم الاستغناء عن العمال دون حدوث أي توقف عن العمل لا بشكل جزئي ولا كلي ، أو عند حدوث ذلك بالفعل ولكن عادت المنشأة الى نشاطها ولم تعط الاولوية للعمال الذين شملهم  التخفيض او الاستغناء بالرغم من تقديمهم طلب التشغيل خلال المدة القانونية والمحددة بشهر من تاريخ إعلان إعادة مزاولة النشاط للمنشأة، فعندها تتضح نية صاحب العمل وينكشف رداء الاستغناء المشروع قانوناً ليظهر الفصل التعسفي غير المشروع الذي هدف الى إحلال عمال آخرين بدلاً عمن تم الاستغناء عنهم.

لذلك ليس كل استغناء يعد فصلاً تعسفياً الا بعد دراسة ظروف كل واقعة على حدة، ولكن كل فصل تعسفي يعد استغناء غير مشروع مالم يثبت صاحب العمل عكس ذلك ليصبح عندها الاستغناء مشروعاً.

كذلك قد يكون الفصل التعسفي كما لو اتهم صاحب العمل العامل بارتكابه مخالفة لم يرتكبها، ولكن تم تلفيقها له بغية فصله والتخلص منه، وتحديد ذلك متروك للجنة التحكيم العمالية بعد أن يرفع العامل تظلمه من نتيجة التحقيق وفق المادة (97ف/2) من قانون العمل، والتي تنص على:(2 – للعامل أن يتظلم من نتيجة التحقيق أو ما ترتب عنه إلى لجنة التحكيم المختصة خلال فترة لا تزيد على شهر من تاريخ إبلاغه بنتائج التحقيق).

كما قد يكون فصل العامل تعسفياً وذلك في حالة ايقاع عقوبة الفصل عليه نتيجة مخالفة بسيطة ويسيرة، أي إيقاع صاحب العمل عقوبة على العامل لا تتناسب مع حجم المخالفة، متمرداً على نص المادة (94 ف 2/أ) وعلى القانون بشكل عام وتحديداً عندما نص على العقوبات التي يجوز لصاحب العمل إيقاعها على العامل حال مخالفة الاخير لواجباته، وذلك في المادة (93) والمتمثلة ب:

1-لفت النظر الكتابي.

2-الإنذار الكتابي.

3- الخصم من الأجر بما لا يزيد على (20%) من الأجر الأساسي.

4- الفصل من العمل.

كل تلك العقوبات حتى وان كان لا يلزم قانوناً صاحب العمل التدرج في ايقاعها ، الا انه يجب عليه التقيد بعدة شروط وضوابط كما أوضح ذلك الفصل الثاني من قانون العمل في المواد (91-98) تحت عنوان الجزاءات، لذلك سلطة صاحب العمل في إيقاع العقوبة مرهونة ومقيدة حتى وان بدت من ظاهر النص أنها مطلقة.

وتنص المواد السابقة على:

م/91: (يجب على صاحب العمل في المنشأة التي تستخدم خمسة عشر عاملاً فأكثر أن يضع لائحة الجزاءات وشروط توقيعها أو تطبيقها على أن يعلقها في مكان ظاهر في المنشأة ويجب لنفاذ هذه اللائحة وما يطرأ عليها من تعديلات موافقة اللجنة النقابية أو ممثل العمال واعتمادها من قبل الوزارة أو مكاتبها خلال شهر من تاريخ تقديمها فإذا انقضت المدة دون موافقة الوزارة أو مكاتبها أو الاعتراض عليها كتابياً أصبحت نافذة).

م/ 92  -1 ):تصدر الوزارة نماذج بالقواعد التفصيلية لتطبيق العقوبات ليسترشد بها أصحاب الأعمال عند وضع القواعد الخاصة بهم.

2- على كل صاحب عمل يستخدم عشرة عمال او اكثر ان يضع القواعد التفصيلية المنظمة لتطبيق العقوبات المنصوص عليها في المادة التالية بما يتوافق مع طبيعة وخصوصية النشاط الذي يقوم به ومع مراعاة ما يلي:

أ- أن تتضمن انواع المخالفات وما يقابلها من عقوبات.

ب- بيان اجراءات التحقيق في المخالفة وتطبيق العقوبة.

ج- توضيح اجراءات تطبيق العقوبات في حالة التكرار.

3- يجوز لصاحب العمل الذي يستخدم عما لاً يقل عددهم عن عشرة عمال أن يضع القواعد المنظمة لتطبيق العقوبات وفقاً للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون.

م/93:( يجوز لصاحب العمل في حالة مخالفة العامل لواجباته المحددة في هذا القانون او في عقد العمل ان يوقع بحقه إحدى العقوبات التالية:

1- لفت النظر الكتابي.

2- الإنذار الكتابي.

3-الخصم من الأجر بما لا يزيد على (20%) من الأجر الأساسي).

4- الفصل من العمل مع احتفاظ العامل بحقه في كآفة المستحقات المنصوص عليها في هذا القانون وفي تشريعات العمل الأخرى.

م/94:(1- يجوز لصاحب العمل أن يطبق العقوبتين المنصوص عليهما في البندين (2،1) من المادة السابقة بدون أن يتوجب ذلك تحقيق اداري ، أما العقوبات الأخرى فلا تطبق الا بعد اجراء التحقيق المنصوص عليه في المادة (96) من هذا القانون.

2- على صاحب العمل قبل توقيع أي عقوبة أن يراعي الآتي:

أ- تناسب العقوبة مع حجم المخالفة.

ب- الظروف المحيطة بالعامل ومدى انتاجيته وسلوكه ومدة خدمته وحالته الاجتماعية والتدابير التي سبق أن اتخذت ضده ومدى تكرار ارتكابه مخالفات في العمل.

3- لا يجوز لصاحب العمل أن يوقع بحق العامل أي عقوبة في الحالات الآتية:

أ- بعد انقضاء خمسة عشر يوماً على اكتشاف المخالفة.

ب- إذا لم تثبت إدانة العامل من التهم المنسوبة اليه جنائياً أو ادارياً.

ج-اذا لم تكن المخالفة واردة ضمن القواعد التفصيلية للعقوبات.

4-لا يجوز توقيع أكثر من عقوبة واحدة من العقوبات المنصوص عليها في المادة (93) من هذا القانون عن المخالفة الواحدة التي يرتكبها العامل).

م/95:(1-يعتبر توقيع العقوبتين المنصوص عليهما في البندين (1)،(2) من المادة (93) من هذا القانون لاغياً  بعد مضي عام من تاريخ توقيعهما ويلزم صاحب العمل بإزالتهما من سجل العامل الشخصي متى تحسن سلوكه فعلياً في نفس العام.

2- لصاحب العمل ان يخفض او يلغي أي من العقوبات الأخرى المطبقة بحق العامل متى تحسن سلوكه خلال العام).

 

قبل وبعد التعديل

وكانت المادة قبل التعديل تنص في فقرتها الاولى على:(1- يعتبر توقيع العقوبتين المنصوص عليهما في البندين (2)،(1)  من المادة ( (93من هذا القانون لا غياً بعد مضي عام من تاريخ توقيعهما ويجوز لصاحب العمل ازالتها من سجل العامل متى تحسن سلوكه فعلياً في نفس العام ).

والملاحظ ان الفرق بين المادة قبل التعديل وبعده، ان المشرع قبل التعديل جعل من الغاء صاحب العمل لعقوبتي لفت النظر الكتابي والإنذار  الكتابي  سلطة جوازية وتقديرية لصاحب العمل، بينما نص المشرع للمادة بعد التعديل جعل من الغاء العقوبتين السابق بيانهما ملزم على صاحب العمل، وحسناً ما قام به المشرع اليمني  وذلك حتى لا يظل العامل تحت رحمة صاحب العمل، الا ان تقدير متى تحسن سلوك العامل يكون خاضعاً للسلطة المطلقة لصاحب العمل والذي قد يؤدي الى تعسفه ، ولكن الامر ليس بالخطير فللعامل اثبات مدى تحسن سلوكه بكافة طرق الإثبات، في حال عدم الغاء صاحب العمل العقوبتين من سجله مع تحسن سلوكه.

م/96:( على صاحب العمل عندما تستوجب جسامة المخالفة تطبيق إحدى العقوبات المنصوص عليها في البندين (3)،( (4من المادة ((93من هذا القانون أن يجري تحقيقاً إدارياً مع العامل ويجوز للعامل طلب حضور ممثل اللجنة النقابية في موقع العمل او ممثل عن العمال اذا لم تكن هناك لجنة نقابية ).

م/97:(1- على صاحب العمل عند التحقيق في المخالفة اتخاذ ما يلي:

أ- القيام بالتحقيق خلال فترة أقصاها خمسة عشر يوماً من تاريخ اكتشاف المخالفة.

ب- الإستماع الى اقوال العامل ودفاعه عن نفسه والى اقوال شهود النفي الذين يتقدم بهم.

ج- اجراء التحقيق كتابة وتوقيع كآفة الأطراف المشاركة فيه.

د-الإستماع الى اقوال العمال الذين هم على علم بظروف المخالفة وحيثياتها.

هـ- انجاز التحقيق وتطبيق العقوبة عند الإدانة خلال فترة لا تزيد على شهر.

2- للعامل ان يتظلم من نتيجة التحقيق او ما ترتب عنه الى لجنة التحكيم المختصة خلال فترة لا تزيد على شهر من تاريخ ابلاغه بنتائج التحقيق).

والملاحظ ان الفقرة السابقة (د) لن تتأتى نتائجها اذا كان المخاصم هو صاحب العمل او احد العمال ذو المناصب الاعلى عن منصب العامل المتهم بالمخالفة!

وبالرجوع لذات المادة قبل التعديل يتضح لنا انها لا تختلف عن المادة المعدلة الا في ترتيب الفقرات وفق خطوات التحقيق المسّلم بها بداهةً ليس أكثر من ذلك.

م/98:(-1 لصاحب العمل أن يوقف العامل شفوياً مدة لا تزيد عن خمسة ايام لأغراض التحقيق ويجوز لصاحب العمل أن يوقف العامل عن العمل كتابياً مدة لا تزيد على ثلاثين يوماً اذا طلبت لجنة التحقيق ذلك لما فيه مصلحة العمل أو التحقيق.

2- على صاحب العمل مراعاة ما يلي قبل اتخاذ قرار التوقيف:

أ- لا يعتبر التوقيف عن العمل عقوبة بحق العامل وانما هو جزاء احتياطي تستوجبه ظروف العمل والتحقيق.

ب- إعادة العامل إلى عمله السابق بعد انقضاء مدة التوقيف في حالة ثبوت براءته صراحةً.

ج- صرف الأجر المتبقي للعامل أو المخصوم منه في حالة البراءة.

3-يكون في حكم التوقيف فترة احتجاز العامل لدى الجهات المختصة في القضايا التي تتصل بالعمل أو تكون بسببه وعلى صاحب العمل الاستمرار في صرف (50%) من أجر العامل حتى يفصل في قضيته.

4- لا يعتبر في حكم التوقيف عن العمل تلك الفترات التي يحتجز خلالها العامل لدى الجهات المختصة لأغراض التحقيق في القضايا التي لا تتعلق بالعمل وفي هذه الحالة لا يستحق العامل أجره المقرر او جزء منه إلا بموافقة صاحب العمل ولا يجوز فصله من الخدمة).

وكانت هذه المادة قبل تعديلها الحالي تقر في الفقرة الأولى على:( لصاحب العمل ان يوقف العامل شفوياً مدة لا تزيد عن خمسة أيام لأغراض التحقيق ويجوز لصاحب العمل ان يوقف العامل عن العمل كتابياً مدة لا تزيد على ثلاثين يوماً عندما تستدعي مصلحة العمل أو التحقيق ذلك).

وبمقارنة الفقرة قبل وبعد التعديل يتضح لنا توفق المشرع في التعديل ، حيث انه جعل لجنة التحقيق هي من تحدد وتقرر مصلحة العمل او التحقيق من عدمه ، بينما كان قبل التعديل يُفهم من النص ان سلطة تقدير مصلحة العمل او التحقيق هي لصاحب العمل دون سواه ، ولو ان الامر من الناحية الواقعية لن يختلف وذلك لأن سلطة رب العمل على لجنة التحقيق ستكون أقوى من العامل المحقق معه والمتهم بارتكاب مخالفة عمالية.

كما ان المادة كانت تقر قبل تعديلها الحالي في فقرتها الثالثة على: ( يكون في حكم التوقيف فترة احتجاز العامل لدى الجهة المختصة في القضايا التي تتصل بالعمل او تكون بسببه وعلى صاحب العمل الاستمرار في صرف (50%) من اجر العامل حتى يفصل في قضيته شريطة الا تزيد الفترة على ثلاثة أشهر).

وبمقارنة المادة قبل وبعد التعديل يتضح لنا ان مسلك المشرع في تعديله بعدم تقييد صرف نصف اجر العامل بمدة معينة لمسلك حسن ، كون فترة احتجاز العامل غير معلومة أو محددة مقدماً ، ولكننا نرى انه من باب العدل ايضاً ان يلتزم صاحب العمل بصرف اجر العامل كاملاً وليس نصفه كما ذهبت اليه المادة ، كون العامل لم يحتجز نتيجة قضايا شخصية تخصه وكون الأصل البراءة ، بل كان محتجزاً في قضايا تتصل بالعمل او بسببه ، فما ذنبه حتى يحرم من صرف اجره كاملاً ويترك من كان يعولهم يذوقون مرارة بُعد عائلهم عنهم وكذلك صعوبات الحياة ومتطلباتها خصوصاً اذا لم يكن له علاقة في قضايا العمل المتصلة او المحتجز بسببها؟!، فهو مازال متهماً وليس مداناً حتى يُحرم مما قرر له شرعاً وقانوناً ، وعند الادانة يعود رب العمل للعامل بما تسّلمه منه دون الحاجة لحكم بذلك، وهذا ما نرى أن تكون عليه المادة لما بررناه سلفاً.

كما كانت ذات المادة في فقرتها الرابعة تنص قبل التعديل على:( لا يعتبر في حكم التوقيف عن العمل تلك الفترات التي يحتجز خلالها العامل لدى الجهات المختصة لأغراض التحقيق في القضايا التي لا تتعلق بالعمل وفي هذه الحالة لا يستحق العامل أجره المقرر او جزء منه الا بموافقة صاحب العمل ولا يجوز فصله من الخدمة بسبب ذلك الا اذا حكم عليه بالإدانة).

وبمقارنة الفقرتين قبل وبعد التعديل يتضح لنا ان المشرع قبل التعديل لم يجز لصاحب العمل فصل العامل من الخدمة الا اذا حكم عليه بالإدانة ، والمعلوم قانوناً ان حكم الادانة لا يكون الا بعد صدور حكم قضائي بات ولا يخفى على العاملين في المحاكم كم من السنين  يتطلب الأمر حتى يصدر حكم بالبراءة او الادانة ، ونص الفقرة السابقة بعد التعديل حذف فقط عبارة ( الا اذا حكم عليه بالإدانة )  ، الامر الذي يتضح ان المادة قبل وبعد التعديل تحمل نفس المفهوم ، حيث انها بعد التعديل تنسجم مع العقل والمنطق دون الحاجة الى نص،  فبداهةً اذا صدر حكم بالإدانة ضد العامل ، فإن من حق صاحب العمل فصل العامل حتى وان جاءت المادة خالية من النص بعدم الجواز بفصل العامل دون إكمال عبارة ( إلا اذا حكم عليه بالإدانة).

وسواءً قبل تعديل الفقرة او بعدها ، فإننا نرى من باب العدل والعقل والمنطق ان لصاحب العمل فصل العامل بسبب احتجازه بسبب قضاياه الشخصية الخاصة  خاصة اذا كانت فترة الاحتجاز طويلة ، فليس من العدل الزام صاحب العمل بعدم جواز فصل العامل في مثل هذه الحالة ، فما ذنبه حتى يتعطل العمل في منشأته او حتى بقاء العامل محسوباً عليه دون ان يقدم واجباته نظير حصوله على أجره من قبل صاحب العمل ، وبالتالي لا داعي من اعطاء صاحب العمل سلطة تقديرية جوازية في دفع اجر العامل المقرر او جزء منه ، كون العامل محتجزاً بسبب قضايا لا تتعلق بالعمل، وبالتالي لا يقدم خدماته وواجباته تجاه صاحب العمل ، فعلى اي اساس يصرف له صاحب العمل اجره المقرر او جزءً منه ، وان حدث وصرف فإن ذلك أمر يعود له ولإنسانيته دون الحاجة الى نص القانون الجوازي !!.

 

التباس في التطبيق وبيان المحكمة العليا

وهذه المادة قد أثارت التباساً في التطبيق على الواقع العملي القضائي، وهو ما تصدت له المحكمة العليا في الطعن المدني العمالي رقم (33336) الصادر من الدائرة الادارية والمدنية في الجلسة المنعقدة بتاريخ 2008/5/24م لسنة 1429ه ، مبينةً التطبيق الصحيح للمادة والذي سيكون ذات التطبيق حتى لو لم ينص عليه القانون وانما بمقتضى العقل والمنطق، وتخلص الواقعة في أن عاملاً  رفع دعوى على شركة كان يعمل بها امام لجنة التحكيم العمالية مدعياً ان الشركة أوقفته عن عمله منذ سنة وشهرين ، فردت الشركة ان العامل المدعي خلال تلك الفترة كان معتقلاً لدى الجهات الأمنية المختصة بقضية لا تتعلق بالعمل ، وأنه نظراً لاعتقاله وتكرار غيابه قامت بتعيين عامل بدلاً عنه لتصريف العمل ، وقد سارت اللجنة في اجراءات الدعوى وخلصت ان حكمت بإلزام رب العمل بدفع رواتب العامل طيلة فترة احتجازه، فلم تقبل الشركة بذلك الحكم وقدمت طعنها بالاستئناف مؤكدة انه تم القبض على العامل بقضية لا تتعلق بالعمل ، الا ان الشعبة أيدت حكم اللجنة العمالية التحكيمية ، ولكن الشركة لم تقنع وقامت بالطعن امام العليا طالبةً نقض الحكم وهو ما حدث بالفعل ، حيث استندت العليا في حكمها على نص المادة (98) من قانون العمل موضحةً في ذات الوقت ان المادة قيدت حصول العامل المعتقل لراتبه بسبب قضية لا تتعلق بالعمل لأمر رهين موافقة رب العمل من عدمه وهو مالم توافق عليه الشركة ، أما فصل الشركة للعامل تعسفياً لذات السبب فإنه يخالف صريح المادة (98) سالفة الذكر ، الأمر الذي يوجب عليها التعويض عن الفصل التعسفي وكذلك راتب شهر بدل اشعار.

وكان الأصل على المحكمة العليا باعتبارها محكمة قانون أن تطبق القانون ، وذلك بأن تبطل تصرف رب العمل لفصله العامل متمرداً على صريح القانون ، ولكن لعلها وجدت في ملف القضية ما جعلها تغض الطرف عن الزام رب العمل بإعادة العامل و ابطال تصرف فصله وفي ذات الوقت أقرت للعامل تعويضاً عن الفصل التعسفي وكذلك بدل اشعار لعدم اشعار العامل بإنهاء العقد معه.

كما أن الواقع العملي لا يمكن أن ينسجم مع القانون الذي ألزم رب العمل بإعادة العامل الذي تم فصله تعسفياً ، فلا يوجد رب عمل يلزمه أحد حتى لو كان القضاء المطبق للقانون إرجاع العامل للعمل كون فصله كان تعسفاً ، وذلك لأن العلاقة العمالية لن تسلم من المشاكل بين طرفيها وبالتالي لن تتأتى ثمارها ولن يأخذ طرفاها حقوقهما او يتحليا  بواجباتهما تجاه بعضهم البعض كما رسم ذلك القانون ، ولذلك نجد الحكمة من تشريع القانون للتعويض عن الفصل التعسفي كان كموازنة بين مصلحة طرفي العلاقة العمالية (العامل باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة و رب العمل باعتباره الطرف القوي ).

والملاحظ انه لا يجوز فصل العامل اطلاقاً بسبب احتجازه بسبب قضايا لا تتعلق بالعمل كما هو واضح من نص القانون صراحةً ، الا انه لم ينص على ذلك في حالة احتجاز العامل في قضايا تتعلق بالعمل الامر الذي يجب من باب اولى عدم جواز فصل العامل اطلاقاً عند احتجازه في قضايا تتعلق بالعمل ، وهو ما ذهب اليه الدكتور عبد المؤمن شجاع الدين في تعليقه على حكم المحكمة العليا السابق بيانه وما ينسجم مع العقل والمنطق ونؤيده.

 

Loading