كتابات

الفرق بين جريمتي الاختطاف والقبض بدون وجه حق

المستشار القانوني: علي المحمدي*

وصلني السؤال التالي:

ما هو المعيار الفاصل الذي يجعلني أستطيع أن أفرق بين “جريمة الاختطاف” وبين “جريمة القبض بدون وجه حق” خصوصاً في الحالات التي يكـون هنـاك تداخل بينهما أثناء التكييف القانوني؟

ولأن هذا السؤال ذو أهمية بمكان والذي ألقى علينا مسئولية نشر العلم وتثقيف المجتمع إيماناً منا بأن هذا العلم رسالة في أعناقنا ونحن مأمورون بنشره ولا نكتمه لأن الله سبحانه وتعالى يرفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات، وهذا العلم ميراث الأنبياء والصالحين الذين لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا هذا العلم فمن أخذه أخذه بحظ ٍ وافر، فقد وضعنا هذا السؤال عنواناً لهذه الدراسة والبحث القانوني بشأن: أهمية معرفة الفرق بين القبض والاختطاف.

ولمعرفة الفرق والتمييز بين القبض والاختطاف والتي نبينها تفصيلاً مع الأسانيد القانونية وذلك من خلال المعايير الآتية:

 

المعيار الأول: ماهية الاختطاف والقبض:

  • تعريف القبض:

عرف قانون الإجراءات الجزائية اليمني رقم (13) لسنة 1994م (القبض) في المادة (70) بأن: (القبض هو ضبط الشخص وإحضاره أمام المحكمة أو النيابة العامة أو مأموري الضبط القضائي في الحالات المنصوص عليها قانوناً، ويكون بموجب أمر صادر من الآمر بالقبض ممن يملكه قانوناً أو شفوياً إذا كان الشخص الآمر حاضراً أمامه، ويترتب على ذلك حرمان المقبوض عليه من حريته حتى يتم التصرف في أمره.).، والآمر الذي يملك إصدار أمر القبض طواعية أو قهراً هي: المحكمة أو النيابة العامة.

وقد بين القانون الجهة المختصة بإصدار أمر القبض في المادة (172) من قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص بأنه: (مع عدم الإخلال بالأحكام الواردة في الباب الثاني من الكتاب الثاني من هذا القانون لا يجوز القبض على أي شخص أو استبقاؤه إلا بأمر من النيابة العامة أو – المحكمة و بناءً على مسوغ قانوني).

 

  • تعريف جريمة الاختطاف وأسبابها:

يعرف الاختطاف بأنه: القبض على الشخص وحجزه وحرمانه من حريته الشخصية بيى وسيلة كانت بالإكراه أو بالحيلة أو بالتستر على المخطوف بدون أمر من الجهات المختصة.

وتتعدد أسباب الاختطاف:

فمنها قد يكون بدافع طلب الفدية من ذويه أو بدافع الإتجار بالأعضاء البشرية أو التبني أو الانتقام أو أن يكون مقايضة عن مخطوف لهم من قبل أهل المخطوف، وقد يكون الاختطاف لارتكاب الفجور مع المخطوف، أو لغرض منفعة معينة أو دفع فدية لقاء إطلاق سراحه)[1].

* وتعد جريمة الاختطاف في القانون اليمني من الجرائم الجسيمة التي يعاقب عليها وفقاً لأحكام المادة (249) من القانون رقم (12) لسنة 1995م بشأن الجرائم والعقوبات. والمواد من رقم (1) إلى رقم (12) من القانون رقم (24) لسنة 1998م بشأن جرائم الاختطاف والتقطع.

ومن هذا التعريف نستطيع معرفة الفرق بين القبض والاختطاف فالقبض: (يكون بموجب أمر صادر من الآمر بالقبض ممن يملكه قانوناً وهي المحكمة أو النيابة العامة)..

أما الاختطاف فيكون: (بدون أمر من الجهات المختصة )..

 

المعيار الثاني: القبض والاختطاف بين مبدأ الإباحة المشروعة ومبدأ المشروعية:

1- الأصل في القبض مبدأ الإباحة والتي نص عليها قانون الجرائم والعقوبات اليمني في المادة(26) بأن: (لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون أو قياماً بواجب يفرضه القانون، أو استعمالاً لسلطة يخولها).

2- والأصل في الاختطاف مبدأ المشروعية الذي نص القانون صراحةً على تجريم فعل الاختطاف. وفقاً لأحكام المادة (3) من قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص بأن: (المسؤولية الجزائية شخصية فلا يجوز إحضار شخص للمساءلة الجزائية إلا عما ارتكبه هو من أفعال يعاقب عليها القانون)..

ووفقاً لأحكام المادة (2) من قانون الجرائم والعقوبات والتي تنص بأن: (المسئولية الجزائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون. )..

ومن خلال معرفة مبدأ الإباحة في القبض ومبدأ المشروعية في الاختطاف نستطيع التمييز بين القبض والاختطاف فالقبض: يكون من أسباب الإباحة التي تستبعد صفة الجريمة. والاختطاف: يكون جريمة جسيمة من الجرائم التي يعاقب عليها القانون.

 

 المعيار الثالث: الفاعل بين الصفة الضبطية في القبض  وانعدام الصفة الضبطية في الاختطاف:

1- الفاعل في القبض يكون موظفاً عاماً له صفة الضبط القضائي:

الأصل أن يكون القبض من شخص له صفة الضبط القضائي باعتباره موظفاً عاماً يؤدي فعلاً مباحاً ومخولاً له قانوناً وهم: مأمورو الضبط القضائي أو رجال السلطة العامة أو من خولهم القانون صفة الضبط القضائي. لذلك فإن واقعة القبض لاتعد جريمة اختطاف لأن الفاعل مخول قانوناً وهو فعل مباح ومشروع  من موظف عام بقوة القانون وله صفة الضبط القضائي الذي خوله القانون ونص عليها في المادة (84) إجراءات جزائية بأنه: (يعتبر من مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصاتهم:

أولاً: أعضاء النيابة العامة.

ثانياً: المحافظون.

ثالثاً: مديرو الأمن العام.

رابعاً: مديرو المديريات.

خامساً: ضباط الشرطة والأمن.

سادساً: رؤساء الحرس و الأقسام و نقط الشرطة و من يندبون للقيام بأعمال الضبط القضائي من غيرهم.

سابعاً: عقال القرى.

ثامنا: رؤساء المراكب البحرية و الجوية.

تاسعاً: جميع الموظفين الذين يخولون صفه الضبطية القضائية بموجب القانون.

عاشراً: وأية جهة أخرى يوكل إليها الضبط القضائي بموجب قانون.).

 2- وقد يكون القبض من شخص ليس له صفة قضائية ولكنه مخول قانوناً القبض على أشخاص ومواطنين مطلوبين للعدالة وأباح له القانون القبض عليهم في حالات محددة حصراً وقصراً والتي نصت عليها المادة ( 108) إجراءات جزائية بأنه: (لأي شخص الحق في إحضار المتهم بارتكاب جريمة وتسليمه إلى أقرب رجل من رجال الشرطة العامة في الأحوال الآتية:

  • – إذا صدر إليه أمر من المحكمة أو النيابة العامة.
  • إذا طلب القبض بواسطة الإعلان أو النشر ممن يملكه قانونا طبقاً للقواعد المقررة في هذا الشأن.
  • إذا كان المتهم قد قبض عليه ثم فر أو حاول الفرار.
  • إذا رؤي المتهم بالجريمة المشهودة.
  • إذا كان قد حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية وفر)..

 3- الفاعل في ارتكاب جريمة الاختطاف:

(1)- الأصل في جريمة الاختطاف أن تقع من المواطن والشخص الطبيعي.

ولا تقع جريمة الاختطاف من موظف عام صاحب صفة الضبط القضائي التي نص عليها القانون لأن فعله لا يعد جريمة اختطاف وإنما يعتبر مخالفة قانونية ويسأل عن جرائم أخرى في مخالفات القبض سنبينها في المعيار الرابع.

وقد تقع جريمة الاختطاف من مأمور الضبط القضائي وفي هذه الحالة بصفته مواطناً عادياً وتكون مسئولية جزائية شخصية بدافع العداء أو لأي سبب من أسباب الاختطاف وهو خارج عن وظيفته العامة وبدون أمر من السلطة العامة وتوافر أحد أسباب الاختطاف في المعيار الأول وبشرط الإثبات على ذلك، والإثبات يكون على جريمة الاختطاف مكتملة الأركان وكان لا يؤدي الوظيفة العامة، لأن مأمور الضبط القضائي له حصانة وفقاً لأحكام المادة (26) إجراءات جزائية والتي تنص بأنه: (لا يجوز رفع الدعوى الجزائية على أحد رجال الضبط القضائي أو موظف عام لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها إلا بإذن من النائب العام أو من يفوض بذلك من المحامين العامين أو رؤساء النيابة ويجب صدور الإذن في أحوال القصاص والدية و الأرش و في أحوال القذف إذا تقدم المجني عليه بالشكوى و أصر عليها)..

 

المعيار الرابع: التكييف القانوني في حالة تجاوز مبدأ الإباحة المشروعة ومخالفة القانون في القبض:

إذا تجاوز أياً من مأموري الضبط القضائي أو رجال السلطة العامة مبدأ الإباحة وخالفوا القانون فيكون التكييف القانوني لأفعالهم كالتالي:

(1)- إما أفعال غير جسيمة تكون مخالفات إدارية مدنية ولها عقوبتها المدنية التي نص عليها قانون الشرطة رقم (15) لسنة 2000 وتعديلاته في المادة (156) والتي تنص بأنه: (تحدد العقوبات التأديبية التي توقع على الأفراد على النحو التالي:

1-اللوم.

2-الإنذار الشفوي أو الكتابي.

3-وظائف الحراسة والطوابير الزيادة.

4-الحجز بالمعسكر.

5-الحبس داخل المعسكر مدة لا تزيد على شهرين.

6-الخصم من الراتب حتى (30) يوماً بحيث لا يزيد الخصم على (15) يوماً في الشهر.

7-تأجيل موعد استحقاق العلاوة السنوية لمدة لا تزيد على سنة.

8-الحرمان من العلاوة السنوية لمدة لا تزيد على سنة.

9-تأجيل موعد استحقاق لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن سنتين.

10-تنزيل الرتبة.

11-الاستغناء عن الخدمة مع الاحتفاظ بالحقوق التقاعدية.

12-وتحدد اللائحة أنواع المخالفات والعقوبة المقررة لكل مخالفة وكذا سلطات توقيعها وكافة القواعد والأحكام المتعلقة بها)..

(1)- وإما أفعال جسيمة ترقى إلى جريمة من  جرائم إساءة استعمال الوظيفة العامة التي وردت في قانون الجرائم والعقوبات اليمني وهي:

أ- جريمة الإكراه على الاعتراف التي نصت عليها المادة (166) عقوبات بأنه: (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات كل موظف عام عذب أثناء تأدية وظيفته أو استعمل القوة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها وذلك دون إخلال بحق المجني عليه في القصاص أو الدية أو الأرش. )..

ب- جريمة التعرض لحرية الأشخاص التي نصت عليها المادة (167) عقوبات بأنه: (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة كل موظف عام أمر بعقاب شخص أو عاقب بنفسه بغير العقوبة المحكوم عليه بها أو بأشد منها أو رفض تنفيذ الأمر بإطلاق سراحه مع كونه مسؤولاً عن ذلك أو استبقاه عمداً في المنشأة العقابية بعد المدة المحددة في الأمر الصادر بحبسه ، ويحكم في جميع الأحوال بعزل الموظف من منصبه)..

جـ- جريمة استعمال القسوة التي نصت عليها المادة (168) عقوبات بأنه: (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة كل موظف عام استعمل القسوة مع الناس اعتماداً على سلطة وظيفته بغير حق بحيث أخل بشرفهم أو أحدث آلاماً بأبدانهم دون إخلال بحق المجني عليه في القصاص والدية والأرش ويحكم في جميع الأحوال بعزل الموظف من منصبه. )..

د- جريمة التفتيش غير القانوني التي نصت عليها المادة (169) عقوبات بأنه: (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل موظف عام أجرى تفتيش شخص أو سكنه أو محله بغير رضاه أو في غير الأحوال أو دون مراعاة الشروط التي ينص عليها القانون مع علمه بذلك. )..

هـ – جريمة المتعارض مع الصفة التي نصت عليها المادة (170) عقوبات بأنه: (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة كل موظف عام قام بنفسه أو بواسطة غيرة:

1-بشراء عقار أو منقول مما تطرحه السلطات للبيع إذا كان ذلك يتصل بأعمال وظيفته.

2-أو بالاشتراك في مقاولة أو مناقصة أو غيرها من الأشغال التي تتصل بأعمال وظيفته.

3-أو باستئجار عقار بقصد استغلاله في الدائرة التي يؤدي فيها وظيفته إذا كان لهذا الاستغلال صلة بعمله)..

مع العلم أن هناك جرائم لا تسقط بالتقادم وهي:

1- الجرائم الماسة بحرية المواطن وحجز حريته.

2- وجرائم الشرف والكرامة.

3- وجرائم الإعتداء على حرية الحياة الخاصة. والتي نصت عليها المادة ( 16)  إجراءات جزائية بأن: (استثناءً من أحكام المادة (37) لا تنقضي بمضي المدة الدعوى الجزائية في الجرائم الماسة بحرية المواطنين أو كرامتهم أو التي تتضمن اعتداء على حرية الحياة الخاصة)..

وبذلك نستطيع أن نميز الفرق بين جرائم مخالفات القبض وجرائم الاختطاف من خلال التكييف القانوني والمعايير السابقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مستشار قانوني ومدرب دولي

[1] انظر الخطف في التشريعات العربية. علاء رضوان.

Loading