كتابات

الأثر المترتب عن تعدي قاضي التنفيذ على سلطة قضاء الموضوع

المحامي الدكتور/ هشام قائد عبد السلام الشميري:
ترتبط ولاية قاضي التنفيذ بما جاء في منطوق الحكم الذي يجري تنفيذه، ولا تمتد ولايته إلى تفسير الحكم سند التنفيذ، أو المنازعات المتعلقة بأصل الحق المحكوم فيه، أو بصحة السند التنفيذي وذلك احتراماً لحجية الأمر المقضي المقررة للأحكام والأوامر القضائية، كما لا يجوز لقاضي التنفيذ الفصل في مسألة موضوعية عدا ما استثناه القانون بنص خاص كما هو الحال في دعوى الاستحقاق أو الاسترداد الموضوعية المتعلقة بالمال محل التنفيذ. وترتيباً على ذلك يكون منعدماً العمل القضائي الصادر من قاضي التنفيذ المتضمن تعدياً على سلطة محكمة الموضوع، ويكون ذلك التعدي عند تجاوز قاضي التنفيذ حدود ولايته وسلطته المخولة له بالخوض في مسألة أو نزاع موضوعي لا يدخل في ولايته، كتفسير الحكم سند التنفيذ أو تفسير عقد الصلح بين الطرفين أو الفصل في منازعة موضوعية أو منازعة تتعلق بأصل الحق المحكوم فيه أو تتعلق بوجود وصحة الحكم أو الأمر القضائي الذي يجرئ تنفيذه، فإن ذلك يجعل قراره منعدماً لصدوره من غير ذي ولاية قضائية.

وعلى ذلك يكون منعدماً القرار التنفيذي الذي يتضمن مساساً بحجية الحكم الذي يجرى تنفيذه بخروجه عما قضى به الحكم سند التنفيذ أو التعرض لأصل الحق المحكوم به في الحكم سند التنفيذ؛ وذلك لان المساس بحجية الحكم القضائي عن طريق حكم آخر لاحق له يرتب انعدام الحكم اللاحق، فضلاً عن أن قاضي التنفيذ يكون بذلك قد تجاوز حدود ولايته التي ترتبط بما جاء في الحكم القضائي الذي يجري تنفيذه احتراماً لحجية الحكم.

فلا يجوز لقاضي التنفيذ المساس بما تضمنه الحكم سند التنفيذ أو مراقبة مضمونه بأن يخرج عما قضى به الحكم أو يناقش سلامة مضمونه، ولذلك فإنه لا يجوز التمسك في منازعة التنفيذ بسبب يتعارض مع حجية حكم قضائي، كالتمسك ببطلان الحكم لسبب إجرائي أو موضوعي، أو التمسك بأي سبب للمنازعة سابق على صدور الحكم كأن يتمسك بأنه أوفى الدين قبل صدور الحكم أو أن الدين انقضى بأي سبب من أسباب الانقضاء إذا كانت الواقعة مصدر الانقضاء قد حدثت قبل الحكم.

وعلى العكس يستطيع أن يتمسك بذلك إذا كانت الواقعة مصدر الانقضاء قد حدثت بعد صدور الحكم. وهذا ما قرره المشرع اليمني في المادة (12) من قانون المرافعات التي رتبت المادة (15) من ذات القانون على مخالفتها انعدام العمل القضائي بما نصت عليه المادة (12) مرافعات من انه: (لا يجوز للقاضي أن يفتح نزاعاً حسم بحكم قائم صدر من ذي ولاية قضائية أو من محكم ما لم ينص القانون على خلاف ذلك).

وهذا الانعدام هنا لا يتحقق فحسب في حالة المساس بحجية الحكم القضائي عن طريق حكم تالِ له بل يتحقق أيضاً في حالة المساس بحجية الحكم عن طريق قرار قضائي لاحق له أو أي عمل قضائي لاحق له متعلق بتنفيذه أو تفسيره أو تصحيحه.

فالعمل القضائي إذا كان موضوعه طلبات سبق حسمها بحكم قضائي أو حكم تحكيم قائم صدر من ذي ولاية قضائية يكون منعدماً لوروده على غير محل قانوني لأن مباشرة العمل القضائي مجدداً بشأن ذات الموضوع الذي سبق حسمه يتضمن المساس بحجية الحكم القضائي التي تمنع على القاضي قبول دعوى بشأن ذات الموضوع الذي سبق الفصل فيه بحكم قائم صادر من ذي ولاية قضائية وتمنع أيضاً الخصوم من تجديد ذات النزاع بدعوى جديدة تجنباً لتكرار الأحكام وتناقضها.
كما يكون منعدماً قرار التصحيح أو التفسير المتضمن مساساً بحجية الحكم محل التصحيح أو التفسير.

فإذا انطوى الحكم في منطوقة أو أسبابه المكملة له على خطأ مادي أو غموض حول المقصود بما ورد به من قضاء فإن الاختصاص في تصحيح هذا الخطأ أو تفسير ذلك الغموض ينعقد للمحكمة التي أصدرته، وسلطتها في ذلك مقيدة بأن لا يتضمن التصحيح أو التفسير تعديل لمضمون الحكم محل التصحيح أو التفسير، فإذا تجاوزت المحكمة سلطتها في التصحيح أو التفسير بأن اتخذت منه ذريعة للمساس بحجية الحكم القضائي محل التصحيح أو التفسير بالتعديل أو التغيير في منطوقة، فإن ذلك يترتب عليه انعدام قرار التصحيح أو التفسير، ذلك أنه إذا كان المساس بحجية الحكم عن طريق حكم آخر تالِ له يرتب انعدام الحكم اللاحق فإن المساس بحجية الحكم عن طريق قرار تالِ له تصدره المحكمة من غير مرافعة يترتب انعدام ذلك القرار من باب أولي.

وفي ذلك قضت المحكمة العليا اليمنية في حكمها الصادر من الدائرة المدنية بتاريخ ٢٢/ ١٠/ ٢٠١٠م في الطعن المدني “تنفيذ” رقم (٣٧٨٣٧) لعام١٤٣٠هـ بقوله: (….. وإذا كان قاضي التنفيذ قد علل قراره بأن الحكم الابتدائي سند التنفيذ لم يحدد قسط المدعي طالب التنفيذ من الماء وأنه يطلب التنفيذ بنصف الماء حسب تفسيره للحكم وكأنه بذلك يشير إلى قضية تنفيذ غير محسومة وهو غير سديد لأن منطوق السند التنفيذي صريح في ذلك على خلاف ما رآه وقرره قاضي التنفيذ بقضاء جديد مخالفاً حجية الأحكام.

ووقع في دائرة مخالفة ما تقرره المادة(١٢) مرافعات وجزاء ذلك حدده القانون في المادة(١٥) مرافعات وهو الانعدام لانعدام ولاية القاضي فيما قضى به معارضاً ما قضى به، ثم إن القانون يوجب على قاضي التنفيذ ألاَّ ينظر إلى ما شمله الحكم المعروض عليه لتنفيذه وتم حسمه فيه على أنه من منازعات التنفيذ، لأن منازعات التنفيذ لا تكون إلاَّ طارئة على قضاء التنفيذ وبما لا يكون الحكم السند التنفيذي قد حسمها والحكم فيها بما لا يكون فيه أي تأثير في السند التنفيذي، كما أن العبرة في تنفيذ هذا الحكم بمنطوقه وعلى من مثِّل فيها طالما اشتمل على الشروط التـي حددها القانون في قضائه بالحق المحقق الوجود المعين المقدار والحال الأداء).

Loading