كتابات

رقابة المحكمة على سلامة المحررات الصادرة منها

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

للقضاء جناحان لا يحلق  القضاء إلا بهما، وهما القضاة والإداريون العاملون في جهاز القضاء، وبصفة رئيس المحكمة هو المسئول عن الإدارة القضائية في المحكمة التي يرأسها ، فيجب  عليه الاهتمام بالإدارة القضائية ومراقبة المحررات التي تصدر عن المحكمة للتأكد من سلامتها من الناحية القانونية والواقعية، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4-2-2013م في الطعن رقم (51183)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((أما بالنسبة للشهادة السلبية المرفقة بملف القضية فلم تطمئن إليها هذه المحكمة لسببين، الأول: وجود الخدش في تاريخها الذي يدل على أن الحكم لم يتم تجهيزه بتاريخ….، وثانياً: لمخالفة تاريخ الشهادة السلبية لتاريخ جاهزية الحكم الموضح في الحكم ذاته وهو تاريخ…..، الأمر الذي يستوجب على محكمة الاستئناف مراقبة أعمال الإدارة في المحكمة منعاً للتلاعب، لأن ذلك يخل بالثقة فيما يصدر من الجهة الإدارية في المحكمة من محررات))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: المقصود بالإدارة القضائية في المحكمة:

المقصود بالإدارة القضائية في الحكم محل تعليقنا: هم أعوان القضاء من الكتبة والإداريين العاملين في المحكمة الذي يتولون إعداد وصياغة المحررات الصادرة عن المحكمة كالإعلانات والمحاضر وطباعة المذكرات وقيد الدعاوى والطلبات… إلخ ، حيث يتولى أعوان القضاء إعداد المحررات الصادرة عن المحكمة ويقوم القاضي بالتوقيع عليها.

الوجه الثاني: مظاهر رقابة القاضي على المحررات التي يعدها أعوانه من الإداريين:

قضى الحكم محل تعليقنا بوجوب رقابة القاضي على المحررات التي يعدها أعوان القضاء حتى يتحقق القاضي من سلامة مضمونها ومدى موافقتها للقانون والواقع، وهذا يستدعي من القاضي تكليف أعوان القضاء بإرفاق المستندات المؤيدة لصحة ما ورد في المحرر المطلوب توقيع القاضي عليه  حتى يتمكن القاضي من المطابقة بين البيانات الواردة في تلك المرفقات والبيانات الواردة في المحرر قبل توقيع القاضي على المحرر المطلوب ، فلا يقبل القاضي التوقيع على المحرر من غير مستندات تؤيد سلامة البيانات الواردة في المحرر المطلوب التوقيع عليه، ومن مظاهر الرقابة أيضا توجيه رئيس المحكمة بضبط الموظفين الذين يثبت ارتكابهم  التزوير أو التعديل في المحررات بعد صدورها من المحكمة، وكذا ضبط الخصوم الذين يستعملون هذه المحررات .

الوجه الثالث: منع الحشر والإضافة والخدش في المحررات الصادرة عن المحكمة:

أغلب الإشكاليات  التي تحدث  سببها الحشر والإضافة والخدش في المحررات الصادرة عن المحكمة، ولذلك ينبغي منع هذه التجاوزات لأن غالبها يكون من أفعال التزوير المادي في المحررات الرسمية الصادرة عن المحكمة، فهذه  المسألة قد صارت ظاهرة لا نستطيع إنكارها، ولذلك ينبغي دراسة هذه الظاهرة للوصول إلى التدابير والوسائل المناسبة لمحاصرة هذه الظاهرة للحيلولة دون التلاعب في المحررات القضائية حسبما أشار الحكم محل تعليقنا، وفي هذا الشأن فإننا نوصي بدراسة ظاهرة وجود  كشط وخدش وإضافات وحشر في المحررات القضائية واقتراح الوسائل والتدابير اللازمة لتلافي هذه الظاهرة الخطيرة التي تفقد الثقة في المحررات القضائية حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الرابع: التغيير الذي يشكك في المحرر:

سيظل الخطأ ملازماً لعمل الإنسان في القضاء وخارجه، ولكن المطلوب والمرجو الحد منه، وعلى ذلك فهناك أخطاء مغتفرة  تقع عند صياغة المحرر وهي ما يطلق عليها خطأ القلم أو الخطأ المادي كالأخطاء الطباعية، والأخطاء المغتفرة هي تلك التي  يظهر أنها كذلك من  خلال مطالعة المحرر كاملاً وأنها لم تقع في بيانات المحرر الجوهرية  المقصودة من المحرر كتاريخ صدور الشهادة السلبية أو تاريخ شهادة القيد للاستئناف أو تاريخ تسليم نسخة من الحكم… إلخ، فوقوع الخطأ في هذه البيانات يكون تزويراً  معنوياً، بخلاف الأخطاء التي تقع في بيانات المحرر الأخرى الثانوية كزيادة أو نقص حرف في كلمة أو تقديم حرف وتأخيره دون أن يترتب على ذلك تغيير معنى الكلمة، غير إن الإضافة أو الحذف أو الخدش في المحرر بعد التوقيع عليه يكون تزويراً مادياً إذا توفرت أركان التزوير الأخرى، (الطبيعة القانونية لجريمة التزوير في المحررات، محمد أمين صحبي، ص18)، وقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى عدم الأخذ بالشهادة السلبية، لأن الحذف كان في تاريخ الشهادة بعد التوقيع عليها إضافة إلى أن تاريخ الشهادة هو البيان الجوهري المقصود من إصدار الشهادة السلبية بعدم إعداد نسخة الحكم والتوقيع عليها،  فالخدش أو الحذف أو الحشر أو الإضافة في المحرر بعد  صدوره والتوقيع عليه يعد تزويراً يبطل المحرر كاملاً، ولذلك فقد ظهرت عبارة: (كل كشط أو حذف أو إضافة يبطل هذه الوثيقة) التي يتم تدوينها في بعض المحررات المهمة، لأن هذه الأفعال التي تقع بعد صدور المحرر وإن وقعت في بيان من بيانات المحرر دون البيانات الأخرى إلا إنها تسرب الشك إلى بقية بيانات المحرر، حسبما أشار الحكم محل تعليقنا ( التزوير المفضوح، عوض السلمي، ص 16)، والله أعلم .

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

Loading