كتابات

الرأي العام وتأثيره على أحكام القضاء

بقلم القاضي المصري الراحل/ محمد وجدي عبد الصمد *

ملاحظة: نشر هذا المقال في بعض وسائل الاعلام المصرية في ابريل 1986م ونظرا لأهميته في توعية المجتمع اليمني بما فيه شريحة المشتغلين في العمل القضائي سواء القضاة او الإداريين نعيد نشره في هذا العدد.

 

إذا كان للرأي العام تأثير في الشئون العامة ذات الصبغة القومية أو الاجتماعية أو السياسية أو التشريعية، فإن شبحه حيـن يمثل تفزع منه ملائكة العدل.

مـن حيـن لآخر تعرض على المحاكم الجنائية أو المدنية قضايا ذات شأن تجتذب اهتمامـ الجمهور، أما بسبب أطراف الخصومة فيها، وأما لأن أسبابها أو بواعثها تتصل بسياسة الأحزاب أو بالآداب العامة أو بمسائل مالية كبرى، وأما لأنها تنطوي على حوادث تثير العواطف.

ويتتبع الجمهور المحاكمة في هذه القضايا بشتى الطرق ، ففريق يعايـن بنفسه الجلسات ، وآخر يطالع أخبارها مـن الصحف وآخر يستقصى عنها مـن الغير ، و على الرغم مـن الفواصل و الفوارق بيـن أولئك الناس الذيـن يتألف الجمهور منهم ، يتملكهم شعور واحد ينتقل إليهم جميعا بطريق عدوى مغناطيسية مـن الصعب إدراك كنهها ، فيولعون بأحد الخصوم أو يسخطون عليه ، ويوجههم هذا الشعور إلى الحكم له أو عليه قبل أن تقول المحكمة كلمتها ، و هذا هو حكم الرأي العام الذى يخشى مـن تأثيره على القضاة فيهدم استقلالهم و يصيرهم آلات لإصدار الأحكام تحركها الجماهير.

وحكم الرأي العام في المسائل القضائية ليس أساسه العلم بدقائقها والاقتناع بقوة الدليل والبرهان، بل مثاره فعل العاطفة التي تنتقل بالعدوى وتجرى بين الناس جريان الكهرباء وتصبح عقيدة له، وهو في الغالب يجهل كثير مـن الظروف التي تلابسها، ويتجاهل وجهات النظر الاجتماعية والعوامل النفسية التي لا يمكـن الإغضاء عنها في كثير مـن القضايا الجنائية دون المساس بالعدالة، ولذلك يكون حكما خاطئا أو منحرفا أو بالغا منتهى القسوة.

فالذيـن ينذرون أنفسهم للقضاء، يجب أن يكونوا على يقيـن مـن أن القاضي لـن يفوز بتصفيق الجماهير إلا مقابل الإخلال بشطر عظيم مـن واجباته. يجب عليهم ألا يأبهوا برضى الجماهير أو عدم رضاها وأن يقنعوا بالكفاف مـن رضى ضمائرهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس مجلس القضاء الأعلى المصري الأسبق الرئيس الشرفي لنادي قضاة مصر توفى في 19 ديسمبر 2010م

Loading