كتابات

الأثر المترتب على تجاوز النطاق الشخصي لخصومة الاستئناف

المحامي الدكتور هشام قائد عبدالسلام الشميري

يُقصد بالنطاق الشخصي لخصومة الاستئناف الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا طرفاً في خصومة الطعن بالاستئناف والذين يجوز إختصامهم إبتداءً في صحيفة الطعن أو إدخالهم في خصومة الطعن أثناء سيرها. ويقتضي منا الحديث عن الأثر المترتب على تجاوز النطاق الشخصي لخصومة الاستئناف أولاً تحديد النطاق الشخصي لخصومة الاستئناف، ومن ثم بيان الأثر المترتب على تجاوز ذلك النطاق، وهو ما سنتناوله وفقاً للآتي:
أولاً: تحديد النطاق الشخصي لخصومة الاستئناف:
يتحدد النطاق الشخصي للخصومة أمام محكمة الاستئناف بالأشخاص الذين كانوا مُخْتَصَمين أمام محكمة أول درجة وبنفس الصفة التي اختصموا بها أمامها، سواءً كانوا مدعين أو مدعى عليهم أو مدخلين أو متدخلين فى الدعوى، فلا يقبل الاستئناف إلا ممن كان طرفا فى الخصومة التى صدر فيها الحكم، فيجب أن يقتصر الطعن بالاستئناف على من كان خصماً أمام محكمة اول درجة، أما من لم يكن طرفاً في خصومة أول درجة فإنه يُعد من الغير بالنسبة لخصومة الاستئناف ولا يجوز اختصامه في خصومة الاستئناف لمخالفة ذلك مبدأ التقاضي على درجتين. ومفاد ذلك أن أطراف الخصومة بالنسبة للإستئناف تتحدد بالحكم الصادر من محكمة أول درجة، ومن ثم فلا يجوز للمستأنف أن يختصم من لم يكن طرفاً فى الدعوى إلا أنه يجوز قانوناً اختصام الخلف العام والخلف الخاص إذا كان الحق المتنازع عليه قد آل إليهما بعد رفع الاستئناف كالوارث والدائن بالنسبة للأحكام الصادرة على مدينه.
ويشترط قصر الخصومة فى الاستئناف على الخصم الحقيقى فقط دون باقى الخصوم طالما أن موضوع الحكم قابل للتجزئة، والخصم الحقيقي هو الشخص الذي يوجه طلبات الدعوى أو توجه إليه بغض النظر عن مركزه في الخصومة، سواءً كان خصماً أصلياً أو متدخلاً فيها بعد إقامتها، حيث أن مناط تحديد الخصم هو بتوجيه الطلبات إليه فى الدعوى، ومن ثم فإنه يتعين في الطعن بالاستئناف اختصام الخصم الحقيقى فقط دون باقى الخصوم الذين لم توجه لهم طلبات ولم توجه منهم أي طلبات، فلا يجوز الطعن بالاستئناف إلا من الخصم الحقيقى الذى يمسه الحكم ووجهت إليه طلبات، أما خصم المواجهة الذى لم ينازع ولم توجه له أو منه أي طلبات فلا يجوز له الاستئناف إلا إذا كان الحكم يمس حقوقا له، فهناك بعض الخصوم لا يجوز اختصامهم في الطعن وهم خصوم المواجهة الذين لم يقضى الحكم عليهم أو لهم بشيء ولم يدفعوا الدعوي بأي دفع. ويشترط أيضاً فيمن يطعن في الحكم شرطان؛ أولهما أن يكون طرفاً في الخصومة التي صدر فيها الحكم المراد الطعن فيه، سواء أكان أصلياً أو متدخلاً أو مدخلاً في الخصومة، كما يجوز الطعن من الخصوم يجوز أيضاً من خلفه العام أو الخاص كالوارث والدائن بالنسبة للأحكام الصادرة على مدينه. وثانيهما أن يكون محكوماً عليه، بمعنى أن يكون حكم عليه بشيء لخصمه أو أن يكون قد رفض له بعض طلباته، بحيث يكون غرضه من الطعن تعديل الحكم المطعون فيه بإقالته مما حكم به عليه أو بإجابته إلى ما رفض من طلباته، فمن لم يحكم عليه بشيء لا يقبل منه الطعن على الحكم ومن اختصم في الدعوى للحكم في مواجهته دون أن توجه إليه أي طلبات ولم يحكم عليه بشيء فلا يعد خصماً في الدعوى.
ولا ينحصر معنى الغير بالنسبة لخصومة الاستئناف في من لم يكن طرفاً في خصومة أول درجة، بل يمتد ليشمل من كان طرفاً في الخصومة الأصلية أمام محكمة أول درجة وليس طرفاً في الاستئناف اي ليس مستأنفاً أو مستأنف ضده فهو يُعد من الغير بالنسبة لخصومة الاستئناف ايضاً؛ وذلك إعمالاً لقاعدة نسبية أثر الطعن المنصوص عليها فى المادة(283) من قانون المرافعات والتي مؤداها أن الطعن لا يفيد إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع في مواجهته. ولكن المشرع بعدما قرر هذه القاعدة العامة فى نسبية الأثر الناتج عن الطعن استثنى من ذلك فى المادة (283) من قانون المرافعات الأحكام الصادرة في موضوع غير قابل للتجزئة أو في التزام بالتضامن أو في دعوى يوجب القانون فيها اختصام أشخاص متعددين فإنه في هذه الحالة يكون للمحكوم عليهم الذى فوتوا ميعاد الطعن أو قبلوا الحكم أن يطعنوا فيه طوال نظر الطعن المقام من أحد زملائهم، فإذا لم يحصل ذلك وجب على محكمة الطعن أن تأمر الطاعن باختصام باقى المحكوم لهم ولو بعد فوات ميعاد الطعن، وإذا امتنع الطاعن عن القيام بما امرته به المحكمة يجب على المحكمة ولو من تلقاء نفسها الحكم بعدم قبول الطعن شكلاً لعدم إكتمال مقومات الطعن، وهذا يتعلق بالنظام العام لايجوز مخالفته وتلتزم المحكمة باعماله.

وقد استهدف المشرع من ذلك الاستثناء استقرار الحقوق والمراكز القانونية والحيلولة دون تناقض الاحكام فى الخصومة الواحدة بما يؤدى إلى صعوبة تنفيذها إن لم يكن استحالته وهو الذي يتحقق في الغالب إذا لم يكن الحكم فى الطعن حجة في مواجهة جميع الخصوم فى الحالات سالفة الذكر التى لا يحتمل الفصل فيها سوى حلاً واحداً بعينه.
وبالتالي لا يجوز أن يظهر شخص جديد لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، لأن في ظهوره تفويت درجة من درجات التقاضي بالنسبة له وبالنسبة لخصوم الاستئناف في ذات الوقت، فلا يجوز لأول مرة أمام محكمة الاستئناف إدخال أو تدخل الغير الذي لم يكن طرفاً في الخصومة أمام محكمة اول درجة، سواءً أكان هذا الإدخال أو التدخل يهدف إلى الحكم عليه أو جعل الحكم الصادر في الاستئناف حجة عليه وذلك وفقاً لنص المادتين(191،201) من قانون المرافعات؛ لأن ذلك يعني توجيه طلب للغير لأول مرة أمام محكمة الاستئناف بما يؤدي إلى تفويت درجة من درجات التقاضي بالنسبة له أو بالنسبة للخصوم. ويستثنى من ذلك حالة إدخال الغير لتقديم مستند تحت يده أو لإظهار الحقيقة لأن هذا الإدخال ليس الهدف منه الحكم على المدخل بنفس الطلبات أو جعل الحكم الصادر في الدعوى حجه له أو عليه، ويستثنى من ذلك أيضاً حالة تدخل الغير الانضمامي إلى أحد الخصوم المستأنف أو المستأنف ضده فهذا التدخل جائز وفقاً لنص المادة(201) من قانون المرافعات لأن المتدخل لا يطالب بحق ذاتي لنفسه وإنما هو يتدخل لتأييد أحد الخصمين ومساعدته فهو لا يتعدى كونه مجرد أداة أو وسيلة للدفاع. كما لا يجوز في الاستئناف إدخال من رفضت محكمة أول درجة قبول تدخله في الدعوى، أو إدخال الخصوم الذين أخرجوا من الدعوى أمام محكمة أول درجة. أما من كان خصماً في الخصومة الأصلية أمام محكمة أول درجة لكنه لم يكن طرفاً في صحيفة الاستئناف فإنه يجوز له التدخل في الاستئناف طالما كان له حق الاستئناف، فإذا سقط حقه بسبب فوات ميعاد الطعن أو قبوله للحكم فإنه لا يجوز له التدخل ولا يجوز للمحكمة إدخاله إلا في الحالات الاستثنائية التي حددتها المادة (190، 283) من قانون المرافعات.

ثانياً: أثر تجاوز النطاق الشخصي لخصومة الاستئناف:
يترتب على تجاوز النطاق الشخصي لخصومة الاستئناف جزاء الإنعدام، فالحكم القضائي المتضمن الخروج عن نطاق الخصومة الشخصي يكون معيباً بعيب جسيم ينزل به إلى مرتبة الإنعدام وليس البطلان فحسب؛ وذلك لأن هذا الحكم يُعتبر صادراً دون خصومة لأن فصله فيما يجاوز ذلك النطاق يُعد فصلاً فيما لم لم تنعقد الخصومة بشأنه، ما يجعل ذلك الحكم صادراً دون خصومة، ومن ثم يكون منعدماً لتخلف ركن من أركانه الأساسية اللازمة لوجوده القانوني هو ركن الخصومة القضائية وفقاً لنص المادتين (56، 217) من قانون المرافعات.
وعلى ذلك يكون منعدماً الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في مواجهة من لم يكن طرفاً في الخصومة الابتدائية الصادر فيها الحكم المطعون فيه أو إذا قضى بقبول تدخل الغير الاختصامي في خصومة الاستئناف لأول مرة سواءً تم تدخل الغير الذي لم يكن طرفاً في الخصومة الابتدائية بناءً على طلبه أو تم إدخاله بناءً على طلب أحد الخصوم أو بأمر المحكمة؛ ويرجع ذلك الإنعدام إلى تجاوز الحكم للحد الشخصي للخصومة، لأن القانون حدد النطاق الشخصي لخصومة الاستئناف بأطراف الخصومة الابتدائية الصادر بشأنها الحكم المطعون فيه، فلا يجوز لمحكمة الاستئناف تجاوز هذا النطاق وإلا كان قضائها منعدماً. أضف إلى ذلك أن منع القانون مثل هذا التدخل لأول مرة أمام الاستئناف يرجع إلى أن محل التدخل الاختصامي ادعاء لم تستنفذ محكمة أول درجة ولايتها بشأنه لأن المتدخل الاختصامي يطالب لنفسه بحق في مواجهة طرفي الخصومة أو أحدهما، وبالتالي فإن قضاء محكمة الاستئناف بقبول التدخل الاختصامي في خصومة الاستئناف لأول مرة يكون محله ادعاءً جديداً أشخاصاً ومحلاً وسبباً لم تستنفذ محكمة أول درجة بعد ولايتها بشأنه ما يجعله منعدماً لأن ولاية محكمة الاستئناف لا تكون إلا بعد ممارسة محكمة أول درجة ولايتها فولايتها مقيدة بحدود الادعاءات والطلبات التي فصلت فيها محكمة أول درجة واستنفذت قضائها فيها وفقاً لنص المادة(288/ب) من قانون المرافعات التي أوجبت على محكمة الاستئناف التقيد بحدود ما فصلت فيه محكمة أول درجة، كما أنه إذا كانت محكمة أول درجة لا تستنفذ ولايتها بشأن ما أغفلته من طلبات الخصوم أطراف الخصومة الابتدائية بما يجعل قضاء محكمة الاستئناف فيها منعدماً فإنها من باب أولى لا تستنفذ ولايتها بشأن طلبات الغير الذي لم يكن طرفاً بالخصومة الابتدائية على الإطلاق بما يجعل قضاء محكمة الاستئناف فيها منعدماً أيضاً.

كما يتحقق جزاء الإنعدام عند مخالفة قاعدة نسبية أثر الطعن المقررة في المادة(283) من قانون المرافعات، فإذا تعدد المحكوم لهم أو المحكوم عليهم في الحكم المطعون فيه وطعن في الحكم من بعض المحكوم عليهم أو ضد بعض المحكوم لهم فإن هذا الطعن لا يفيد إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع ضده، بحيث يُعتبر بقية أطراف الحكم المطعون فيه الذين لم يطعنوا في الحكم أو يرفع ضدهم الطعن من الغير فلا يعدوا أطرافاً في خصومة الطعن ولا يكون الحكم الصادر في الطعن حجة عليهم، بحيث إذا قضى الحكم الصادر في هذا الطعن بتعديل أو إلغاء الحكم المطعون فيه بالنسبة لمن لم يكن طرفاً في خصومة الطعن فإن هذا الحكم يُعد حكماً منعدماً لصدوره على من لم يكن طرفاً في الخصومة.

والله ولي الهداية والتوفيق،،،،

Loading