مطابقة صور المحررات على أصولها
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين*
نظم قانون الإثبات اليمني طريقة الإثبات بالمحررات الرسمية والعرفية، واشار ذلك القانون إلى حجية أصول المحررات وصورها، وصرح القانون بأن الحجية تكون لأصل المحرر الرسمي أو صورته المطابقة لأصلها من قبل الجهة الرسمية التي أصدرت النسخة الأصلية للمحرر، بيد أن قانون الإثبات قد سكت عن كيفية مطابقة أصول المحررات العرفية والشخص الذي يتولى المطابقة ونطاق حجية الصور بعد مطابقتها وما إذا كانت المطابقة تتم في مواجهة الخصم وتكييف المطابقة…الخ.
والمطابقة محل تعليقنا هي المطابقة التي يقوم بها القاضي عند نظره للنزاع بين الخصوم وإبراز الخصوم لصور المحررات بغرض الاستدلال بها في النزاع المنظور أمام القاضي، وفي هذا المعنى نصت الفقرة (ب) من المادة (104) من قانون المرافعات اليمني على أنه (على المدعي عند تقديم عريضة دعواه أن يؤدي عنها الرسم المقرر وأن يوقع هو أو وكيله على صور المستندات بعدد المدعى عليهم، وذلك لمطابقتها على الأصول).
وطالما أن قانون الإثبات وقانون المرافعات قد سكتا عن تنظيم المطابقة لصور المحررات، فإن ذلك يعني أن القانون ترك أمر مطابقة صور المحررات على أصولها تركها للاجتهادات المختلفة، والأمانة العلمية تقتضي القول: بأنه تحدث عدة تجاوزات عند مطابقة صور المحررات على أصولها سيما عندما يتم إسناد مهمة المطابقة لغير القاضي الذي ينظر النزاع، إضافة إلى أن المطابقة تتشابه معها بعض المسائل كالمصادقة والتعميد والتوثيق والتعريف بالخط، وسوف نشير إلى هذه المسائل في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28-1-2013م في الطعن رقم (51398)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (بعد مطالعة الأوراق وسماع تقرير القاضي عضو الهيئة وبعد المداولة، وحيث أن الملتمسة لم ترفق أصل وثيقة التنازل، فالصورة المرفقة بالالتماس غير مصدق عليها بأنها طبق الأصل لذلك فإن المحكمة ترفض الالتماس)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: معنى مطابقة صور المحررات على أصولها وإجراءات المطابقة:
المطابقة هي مطالعة القاضي ومقارنته بين أصل المحرر وصورته للتحقق فقط من أن صورة المحرر مطابقة لأصل المحرر، ثم قيام القاضي بالكتابة على صورة المحرر بما يدل على أن الصورة مطابقة لأصل المحرر وتاريخ إجراء المطابقة واسم القاضي الذي قام بإجراء المطابقة ومكان المطابقة داخل المحكمة أم خارجها، والخصم الذي طلب المطابقة والغرض من المطابقة.
الوجه الثاني: الغرض من مطابقة صور المحررات على أصولها:
ذكرنا فيما سبق أن المقصود بالمطابقة في هذا التعليق الموجز هو مطابقة القاضي لصور المحررات عند الاستدلال بها في الخصومة المنظورة أمام القاضي، وسبق أن ذكرنا أيضاً أن معنى المطابقة هو المقارنة بين أصل المحرر وصورته للتحقق من أن الصورة مطابقة لأصل المحرر بغرض الاستدلال بصورة المحرر أمام المحكمة واحتفاظ صاحب المحرر بالأصل لديه، وقد أشارت إلى هذا المعنى الفقرة (ب) من المادة (104) من قانون المرافعات اليمني التي نصت على أنه (على المدعي عند تقديم عريضة دعواه أن يؤدي عنها الرسم المقرر وأن يوقع هو أو وكيله على صور المستندات بعدد المدعى عليهم وذلك لمطابقتها على الأصول)، أي أن المدعي حينما يقوم بالتوقيع على صور المحررات التي يستدل بها فإن ذلك يدل على نسبة تلك الصور لمن قدمها، ويدل ذلك أيضاً على أن الغرض من تقديم الصور هو مطابقتها على أصولها .
الوجه الثالث: مكان إجراء المطابقة:
يجب أن تتم مطابقة المحررات في الجلسة العلنية المخصصة لنظر القضية، وفي مواجهة الخصم الذي يتم الاستدلال بصورة المحرر في مواجهته حتى يقف الخصم بنفسه أو عن طريق محاميه على صحة المطابقة وأن هناك أصلاً بالفعل للمحرر الذي تمت مطابقة الصورة عليه، وفي الواقع العملي تحدث إشكاليات كثيرة وشكوك فيما يتعلق بإجراء المطابقة خارج المحكمة أو خارج الجلسة المخصصة لنظرها أو عند إجراء المطابقة في غياب الخصم الذي يتم الاستدلال بالصورة في مواجهته أو إسناد المطابقة لغير القاضي.
ويجب أن يتم إثبات إجراء المطابقة في محضر جلسة المحكمة التي تمت فيها المطابقة وأن المطابقة تمت بحضور الخصوم.
الوجه الرابع: إثبات إجراء المطابقة على صورة المحرر:
لا يكفي إثبات إجراء المطابقة في محضر جلسة المحكمة، بل يجب إثبات إجراء المطابقة في صورة المحرر وذلك بصورة موجزة على خلال تفاصيل المطابقة التي يتم إثباتها في محضر الجلسة، فيتم تدوين بيانات المطابقة في صورة المحرر بعبارة مختصرة مثل عبارة المطابقة المشهورة في اليمن (بعد المقارنة بين الصورة والأصل المبرز أمامنا ثبت أن الصورة مطابقة لأصلها بتاريخ….) وعليها توقيع القاضي الذي قام بالمطابقة.
الوجه الخامس: الشخص الذي يتولى المطابقة:
هو القاضي نفسه الذي ينظر النزاع المطلوب الاستدلال بصورة المحرر أمامه، فلا يجوز للقاضي أن يسند عملية المطابقة لغيره، لأن المطابقة في هذه الحالة عمل قضائي مرتبط بأدلة النزاع المعروضة على القاضي الذي ينظر النزاع، ولذلك يجب على القاضي نفسه أن يتأكد من وجود أصل المحرر وأن يشاهده القاضي بنفسه، ولذلك نلاحظ أن بعض القضاة يكتب عند المطابقة على صورة المحرر (شهود الأصل) للتدليل على أن القاضي نفسه الذي ينظر النزاع قد شاهد بنفسه الأصل فتطمئن نفسه إلى أن الصورة مطابقة للأصل.
الوجه السادس: حجية المطابقة ونطاقها:
يترتب على المطابقة أن تكون صورة المحرر حجة عند الاستدلال بها في القضية المنظورة أمام المحكمة، لأن الحجية الكاملة لا تكون إلا لأصول المحررات، حسبما هو مقرر في قانون الإثبات، فإذا تمت المطابقة من قبل المحكمة فإن صورة المحرر بعد مطابقتها يكون حكمها كحكم الأصل في الإثبات والاستدلال به.
ولا شك أن المطابقة بمفهومها السابق تجعل صورة المحرر التي تمت مطابقتها على أصلها، تجعل لها حجية أصلها أمام القاضي الذي قام بمطابقتها، وفي القضية التي تم الاستدلال بالصورة فيها.
بيد أن الصورة لا تكتسب الحجية خارج هذا النطاق إلا إذا كانت عبارة المطابقة محررة بخط القاضي واسمه وختم المحكمة التي يعمل فيها.
ومن جهة ثانية فإن المطابقة التي تتم بحسب الإجراءات الصحيحة المشار إليها فيما سبق تدل فقط على أن الصورة مطابقة لأصلها فقط، فلا تدل المطابقة على صحة مضمون التصرف المذكور في المحرر وسلامة ذلك التصرف.
مع التأكيد على أن صورة المحرر الذي لم تتم مطابقته تكون حجيته كقرينة تتظافر مع غيرها من القرائن في الإثبات والنفي حسبما هو معروف.
الوجه السابع: الفرق بين المطابقة للصورة وتوثيق المحرر:
وفقاً لقانون التوثيق اليمني فإن المحرر العرفي بعد توثيقه يكتسب صفة الرسمية فيصير محرراً رسمياً بعد توثيقه، لأن التوثيق يعني تحقق وتوثق موظف التوثيق من صحة التصرف وصفة وأهلية أطراف المحرر ومدى توفر أركان وشروط التصرف المذكور في المحرر، ولأن قلم التوثيق هو الجهة القانونية المختصة بذلك وموظف قلم التوثيق ورئيس قسم التوثيق موظف رسمي مختص في هذا الشأن، لذلك فإن المحرر الموثق يكون محرراً رسمياً له حجيته المطلقة وفقاً لقانون التوثيق اليمني وقانون الإثبات اليمني، وتكون حجيته مطلقة من حيث شكله ومضمونه.
اما المطابقة لصورة المحرر على أصلها وإن قام بها القاضي المختص بنظر النزاع إلا أن عملية المطابقة قاصرة على الجانب الشكلي للمحرر من حيث التأكد من أن صورة المحرر مطابقة لأصلها من غير التعرض لمضمون المحرر ومدى صحة التصرف الوارد فيه، ولذلك فإن نطاق الرسمية بالنسبة للمحررات المطابقة قاصر على الجانب الشكلي أي أن مفاد المطابقة قاصر على أن الصورة مطابقة لأصلها.
الوجه الثامن: الفرق بين المطابقة وتعميد المحرر:
المطابقة كما سبق أن ذكرنا قاصرة على التحقق من مطابقة صورة المحرر لأصلها، أما التعميد فهو عبارة عن موافقة جهة الاعتماد للمحرر واعتماد مضمون المحرر والتوقيعات عليه.
والتعميد يصدر دوماً من الرئيس الأعلى للجهة مثل تعميد الوزير للعقود والمحاضر الصادرة من مسئولي الوزارة الأدنى من الوزير. (مهارات الصياغة القانونية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص56).
الوجه التاسع: الفرق بين المطابقة لصورة المحرر والمصادقة على المحرر:
سبق أن ذكرنا المطابقة مراراً فهي معلومة، أما المصادقة فهي عبارة عن مصادقة جهة معينة على توقيع وختم جهة أخرى، دون أن تتحمل الجهة المصادقة أدنى مسئولية عن محتوى المحرر الذي تتم المصادقة عليه.
فالمصادقة بهذا المفهوم تشابه إلى حد ما المطابقة، من حيث اقتصارها على الجانب الشكلي فقط. (مهارات الصياغة القانونية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص61).
الوجه العاشر: الفرق بين المطابقة والتعريف بالخط والتوقيع:
سبق أن ذكرنا أن المطابقة هي التحقق من أن صورة المحرر مطابقة لأصلها، في حين أن التعريف بالخط عبارة عن شهادة من الشخص على أن الخط المثبت في المحرر هو خط فلان أو أن التوقيع الثابت في المحرر هو توقيع فلان، ويقوم بالتعريف بالخط أو التوقيع كل شخص عدل يعرف الخط والتوقيع المثبت في المحرر المطلوب التعرف عليه، أما المطابقة فلا يقوم بها إلا القاضي الذي ينظر النزاع. (المرجع السابق، ص59)، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رئيس مجلس القضاء الأعلى الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.