كتابات

كيف استخدمت إسرائيل التكنولوجيا الرقمية في تنفيذ الاغتيالات وأهدافها العسكرية؟

بقلم: الدكتور محمود الحنفي

تواجه الحقوق الرقْمية الفلسطينية تحديات كبيرة في ظل تزايد الاعتماد على التكنولوجيا كوسيلة للرقابة والقتل. وفي سياق العدوان الإسرائيلي المتواصل على الفلسطينيين، تُستخدم الابتكارات التكنولوجية ليس فقط لتعزيز الأمن، بل أيضًا لتعزيز أنظمة المراقبة القمعية والفتك بالفلسطينيين.
تساهم الشركات الكبرى في هذا الاتجاه من خلال توفير أدوات وتقنيات تُستخدم لأغراض عسكرية وأمنية، مما يؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الفلسطينيين.
تسعى الشركات التكنولوجية بهذه العلاقات المشبوهة مع إسرائيل لتحقيق مصالح اقتصادية على حساب القيم والأخلاق، مما يُبرز ضرورة تحليل كيف تؤثر هذه الديناميكيات على حقوق الفلسطينيين في الفضاء الرقْمي.
تتجلى هذه الانتهاكات في استخدام تقنيات مثل: الذكاء الاصطناعي، وأنظمة التعرف على الوجه، التي تُعتبر أدوات تكنولوجية متطورة تساهم في زيادة استهداف الفلسطينيين.
سنتناول في هذا المقال كيف استفادت إسرائيل من التكنولوجيا الرقمية في تحقيق أهدافها العسكرية، كما سنستعرض الخيارات المتاحة لمواجهة هذه العلاقات المشبوهة.
أولًا: مفهوم الحقوق الرقمية:
الحقوق الرقمية هي مجموعة من الحقوق والحريات التي تُعتبر ضرورية للأفراد في الفضاء الرقمي، حيث تُعزز من قدرة الأفراد على استخدام التكنولوجيا بحرية وأمان. تشمل الحقوق الرقمية الأساسية الحق في الوصول إلى الإنترنت، الحق في الخصوصية، الحق في حرية التعبير، الحق في الأمان الرقمي، الحق في محو البيانات، الحق في التعليم الرقمي، مكافحة التمييز الرقمي، والحقّ في الشفافية.
وتُعد هذه الحقوق امتدادًا للحقوق الإنسانية الأساسية، ويجب أن تُحترم في العالم الرقمي، كما تُحترم في العالم المادي، وهي تصنف ضمن حقوق الجيل الرابع.
الإطار القانوني:
الحقوق الرقمية تم تكريسها في مجموعة من النصوص القانونية، أبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) الذي يحمي حرية التعبير والخصوصية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) الذي يؤكد على حرية التعبير وحماية الخصوصية.
كما تضمن اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي حماية البيانات الشخصية وحق محوها، في حين تنص الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على حماية الخصوصية وحرية التعبير. إضافة إلى ذلك، تشدد مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان على مسؤولية الشركات في احترام الحقوق الرقمية، بما في ذلك عدم التمييز وحماية الخصوصية.
استخدام التكنولوجيا في انتهاك حقوق الإنسان:
وعلى الرغم من القوانين الموجودة، يتم استخدام التكنولوجيا بشكل متزايد كأداة لانتهاك حقوق الإنسان، وليس لرفاهيته وتسهيل حياته. وتُستخدم أدوات مثل: أنظمة المراقبة والذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات لأغراض قائمة على التمييز العرقي أو الديني أو الإثني.
وتُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي أحيانًا لتحديد من يحصل على خدمات معينة، مثل: التأمين أو القروض، مما يؤدي إلى انتهاك الخصوصية وحرية التعبير. ومن أمثلة ذلك أيضًا تقنيات التعرف على الوجه والتحليل التنبُّئِي، التي تُعتبر أدوات تُستخدم لتحديد الأفراد المستهدفين.
في السياق الفلسطيني، يُظهر استخدام التكنولوجيا كيف يتم استغلال هذه الأدوات؛ لتعزيز قمع الشعب الفلسطيني، وتتبع تحركات الفلسطينيين سواء في القدس أم في الضفة الغربية أم قطاع غزة، مما يُعد انتهاكًا صارخًا للحقوق الرقمية.
ثانيًا: إسرائيل والشركات الرقمية الكبرى:
استفادت إسرائيل بشكل كبير من التكنولوجيا الرقمية لتعزيز قدراتها العسكرية، مما فاقم من معاناة الفلسطينيين. تُوظف حكومة الاحتلال الابتكارات التكنولوجية لتطوير أدوات تُستخدم في العمليات العسكرية وعمليات المراقبة.
وقامت إسرائيل بتوظيف الشراكات مع الجامعات والشركات التكنولوجية الكبرى؛ لتطوير التكنولوجيا الرقمية بطرق إستراتيجية تعزز من قدراتها العسكرية والأمنية. تشمل هذه الشراكات التعاون مع جامعات مثل: تل أبيب، والجامعة العبرية، حيث تُسهم الأبحاث في تطوير أدوات عسكرية متقدمة مثل: أنظمة الذكاء الاصطناعي والمراقبة.
الشركات مثل NSO Group وElbit Systems تعمل بشكل وثيق مع هذه الجامعات لتطوير تكنولوجيا مثل: برامج التجسس، والطائرات بدون طيار. بالإضافة إلى ذلك، تُستغل نتائج الأبحاث العلمية لتحسين فاعلية أدوات المراقبة المستخدمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما يتم التعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، من خلال الجامعات، في تدريب الطلاب وتوظيفهم في مجالات التكنولوجيا والأمن، مما يُنتج جيلًا جديدًا من المتخصصين القادرين على دعم الابتكارات التكنولوجية، وتوظيفها في قتل الفلسطينيين والتنغيص على حياتهم.

Loading