كتابات

توازي الأشكال والإجراءات

المحامية: نسمة عبدالحق النجار

لا تذهبوا  بعيداً ولا تصرفوا نظركم عن قراءة الموضوع  اطمئنوا لست بصدد الحديث عن الهندسة!! ، نعم قاعدتي توازي الأشكال والإجراءات تجدا مكانهما في القوانين وتحديداً القانون الإداري .

برز هذان المبدآن في أوائل القرن العشرين، ويعدان من أبرز القواعد القضائية غير المكتوبة التي أقرها القضاء الإداري الفرنسي .

مع الأخذ بالاعتبار ما ذهب إليه العميد الطماوي المعبر عن الاتجاه العربي، حيث فرق بين قاعدتي توازي الأشكال والإجراءات، موضحاً أن قيام المشرع بتحديد إجراء معين لإصدار القرار المضاد يوجب اتباع هذا الإجراء ، أما إذا لم يحدد فيجب إعمال قاعدة توازي الأشكال مع مراعاة عدم مساس القرار بقرارآخر أقوى منه .

ولكن القضاء الفرنسي يلطف من حدة تطبيق ما سبق فيرى أن يتم إعمال قاعدة توازي الشكل دون قاعدة توازي الإجراء، وذلك لأن غالبية الإجراءات في القرار الإداري المضاد تعد ضمانات إجرائية في سبيل إصداره.

ومما سبق يتضح لنا المقصود بالشكل والإجراء، حيث يعرف الشكل بأنه المظهر الخارجي للقرار الإداري الذي يعبر عن إرادة الإدارة ، أما الإجراء فيقصد به مجموعة الخطوات التي تقوم بها الإدارة تمهيداً لإتخاذ القرار الإداري .

ونرى مثلاً تطبيق قاعدتي توازي الأشكال والإجرءات فيما يتعلق بالأموال العامة كقيدين مفروضين على الإدارة في مواجهة تصرفاتها غير الرشيدة كونها تحمي المصلحة العامة والخاصة على السواء.

كذلك نرى أن المعاهدة الدولية بالعادة تقوم بتعيين تاريخ دخول النقض أو الانسحاب أو النفاذ ويحدد القانون الداخلي ( الوطني) لأي دولة السلطة المختصة بذلك، وتكون تلك السلطة بالعادة هي ذاتها التي اعتمدت المعاهدة أي (سلطة الإبرام ) .

مع العلم أن المبدأين سالفي الذكر يطبقا على المستوى الدولي ولا يقتصران على  الداخلي فحسب، فمثلاً تعتمد المعاهدات الجماعية التي تعقد في نطاق (داخل) المنظمات الدولية بالأغلبية وليس من المنطق بمكان اشتراط الإجماع عند تعديلها ، والعديد من الحالات التي يزخر بها القضاء وكتب الشرح .

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع قد يفرض على السلطة التي تملك إصدار القرار مراجعة هيئة استشارية أو أي جهة بصرف النظر عن إلزامية الرأي أو عدم إلزاميته للسلطة طالبة الاستشارة، وبالتالي فإن القرار الصادر لا يحق إلغاؤه أو تعديله إلا بعد استشارة الهيئة ذاتها أو الجهة الاستشارية إلا إذا نص القانون على غير ذلك وهو ما ذهب إليه القضاء الفرنسي والمصري .

والسند في القانون اليمني لتطبيق المبدأين محل الحديث في القضاء هو المادة الأولى من القانون المدني والتي نصت على: (يسري هذا القانون المأخوذ من أحكام الشريعة الإسلامية على جميع المعاملات والمسائل التي تتناولها نصوصه لفظاً ومعنى، فإذا لم يوجد نص في هذا القانون يمكن تطبيقه يرجع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية المأخوذ منها هذا القانون فإذا لم يوجد حكم القاضي بمقتضى  العرف الجائز شرعاً فإذا لم يوجد عرف فبمقتضى مبادئ العدالة الموافقة لأصول الشريعة الإسلامية جملة ويستأنس برأي من سبق لهم اجتهاد من علماء فقه الشريعة الإسلامية ويشترط في العرف أن يكون ثابتاً ولا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية والنظام العام والآداب العامة ).

ونستنتج من المادة السالف ذكر نصها أن المبدأين المنصب الحديث عنهما ينضويان تحت (مبادئ العدالة)، نعم ليس عدلاً إبقاء المسألة التي لم تجد لها حلاً في المصادر ما قبل مبادئ العدالة دون حسم، وهذه المبادئ مهما كان مصدرها إلا أنها تجمعها صفة العدالة ويلزم العمل بها وفق التدرج الموضح في المادة.

الخلاصة:

لا يجد المبدآن السابقان مكاناً لهما في التطبيق إلا إذا لم ينص القانون على اتباع شكل أو إجراء معين وبعد الأخذ بالتدرج  الموضح في المادة سالفة الذكر،  أما إذا نص أو وجد حل للمسألة في أحد المصادر ماقبل مصدر المبادئ العامة  فلا سبيل لتطبيق المبدأين، فليس من القانون أو العقل أوالمنطق بمكان أن يقف رجل الإدارة أو القاضي أو المحامي أو المستشار أو  أي قانوني بل أي شخص موقف الحيران عديم الحيلة تجاه أي مسألة لم ينص  القانون أو مصدر ماقبل مبادئ  العدالة على معالجتها.

Loading