كتابات

رقابة المحكمة العليا على تطبيق النصوص القانونية على المسائل الموضوعية

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
*▪️المحكمة العليا محكمة قانون وظيفتها الأساسية الرقابة على مدى إلتزام أحكام محاكم الموضوع بالنصوص القانونية، وسلامة تطبيقها للنصوص القانونية على المسائل الموضوعية المنظورة أمام محاكم الموضوع، ولذلك فإن رقابة المحكمة العليا لا تمتد إلى المسائل الموضوعية ذاتها إلا بالقدر اللازم للتحقق من سلامة تطبيق النصوص القانونية على تلك المسائل الموضوعية، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-1-2013م في الطعن رقم (43976)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فلا تثريب على الحكم المطعون فيه ان هو أخذ بما ورد في محاضر التحري والتحقيقات بما تحويه من اعترافات وأقوال شهود وقرائن كسائر الأدلة التي تعتبر من عناصر الموضوع التي تخضع لسلطة قاضي الموضوع التقديرية، فلقاضي الموضوع على ضوء مبدأ القناعة القضائية التي منحه القانون سلطة تقدير جواز إعمالها وفقاً للضوابط القانونية ولا رقابة عليه في ذلك من المحكمة العليا فلا تمتد رقابتها على الوقائع والأدلة التي اقتنعت بثبوتها المحكمة مصدرة الحكم وفقاً للمادة (431) إجراءات، فمهمة المحكمة العليا هي رقابة قانونية للأحكام القضائية أي الإشراف على صحة التطبيق القانوني على الوقائع والأدلة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
*▪️الوجه الأول: إشكالية تداخل الواقع والقانون أو الموضوع والقانون:*
*▪️هناك مدارس واتجاهات تناولت هذه الإشكالية، خلاصة ذلك أنه لايمكن معرفة التطبيق الصحيح للقانون على الواقع أو الموضوع إلا بدراسة الموضوع للتحقق من سلامة تطبيق النص القانوني عليه، فخلاصة الاتجاهات التي تناولت تداخل الواقع مع القانون ان لمحكمة الموضوع سلطة الدراسة الدقيقة للموضوع وإستخلاص الأدلة وتقديرها عن طريق عرضها ومناقشتها وبيان مالها وما عليها والترجيح بينها، في حين يقتصر عمل المحكمة العليا على التأكد من وجود هذه الوقائع والأدلة وإن لها أصل في أوراق القضية، وان النص القانوني الذي طبقته محكمة الموضوع على الواقعة هو النص القانوني الذي ينطبق بالفعل على الواقعة، ولذلك فإن رقابة المحكمة العليا تمتد إلى التحقق من صحة وسلامة تكييف محكمة الموضوع للواقعة، لأن الخطأ في التكييف يعني الخطأ في تطبيق القانون على الواقعة.*
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
*▪️الوجه الثاني: موافقة حكم المحكمة العليا اليمنية محل تعليقنا لأحكام المحاكم المماثلة:*

*▪️ما توصل إليه الحكم محل تعليقنا موافق للأحكام الصادرة عن محاكم النقض والتمييز والتعقيب العربية، حيث صدر حكم حديث عن المحكمة العليا في دولة فلسطين مماثل لحكم المحكمة العليا في اليمن وهو الحكم رقم (387) بتاريخ 8 مايو 2022م قضى: (بعد التدقيق والمداولة قانوناً نجد ان الطعن مقدم ضمن المدة القانونية فنقرر قبوله شكلاً ، وفي الموضوع وعن سببي الطعن ومحصلهما واحد وهو الطعن بما توصلت اليه محكمة الاستئناف في حكمها المطعون فيه من نتيجة على ضوء البينة التي اعتمدتها وقنعت بها – وفي ذلك نجد انه لما كان من المقرر ان القضاء يقوم على حرية القاضي في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى في سبيل تقصي ثبوت الجرائم او عدم ثبوتها والوقوف على حقيقة علاقة المتهم بها وتكوين قناعته من خلالها ، فللقاضي الحرية في ان يستمد قناعته للوصول الى الصورة الحقيقة لواقعة الدعوى من أي دليل يطمئن اليه ضميره ويسترشد به عقله ، فيأخذ بما تطمئن اليه قناعته ويطرح ما لا يرتاح اليه ما دام ان ما اعتمد عليه من شأنه ان يؤدي الى النتيجة التي خلص اليها شريطة ان يكون ذلك كله مما عرض عليه من بينات وتناقش فيها الخصوم – كما نجد ان لمحكمة الموضوع الحرية في تقدير الدليل وتكوين قناعتها منه ، ولها ان تقضي بالبراءة متى شكت في صحة الدليل او عدم كفاية ادلة الاثبات، وقد اشتمل حكمها على ما يفيد انها محصت وقائع الدعوى بكافة جوانبها واحاطت بظروفها وادلة الاثبات التي اعتمدتها النيابة العامة وكيف لم تقتنع ببينة النيابة العامة، وقد جاء حكمها معللاً تعليلاً سليماً وافياً بالأسباب الموجبة للبراءة – وان محكمة الاستئناف بوصفها محكمة موضوع وبما لها من صلاحية في وزن البينة وتقديرها قامت باستخلاص الوقائع التي قنعت بها من خلال البينات المقدمة في الدعوى ثم قامت بتطبيق القانون على تلك الوقائع وخلصت الى نتيجة تتفق مع ما ذهبت اليه محكمة الدرجة الأولى في حكمها المستأنف ، فإنه والحالة هذه لا رقابة لمحكمتنا عليها في ذلك طالما ان النتيجة التي خلصت اليها مستمدة من البينة المقدمة في الدعوى وجاء استخلاصها سائغاً بما يتفق واحكام القانون مما يقتضي رد هذين السببين – لهذا كله واستناداً لما تقدم نقرر رد الطعن موضوعاً وإعادة الأوراق لمصدرها

Loading