مقال الاسبوع

مذبحة تنومة تأريخ حقد لا ينتهي

دينا الرميمة

في ذكراها الثانية بعد المائة عام مذبحة تنومة تطرق ذاكرة التأريخ وتفتح سراديبه المغلقة عليها لتخرج للعلن وللعالم لتروي حكاية قتل الإنسانية والإنسان وقبل منهما قتل شعيرة من شعائر الله وتكشف حقيقة أولئك المتقنعون بالإسلام بينما هم يصدون عن المسجد الحرام وإقامة شعائر الله التي من يعظمها فإنها من تقوى القلوب،

وبالرغم من استماتة مرتكبي هذه المجزرة في تغييبها ومحوها من التأريخ إلا أنها تأبى ان تدخل طي النسيان ليتأكد العالم أن عداء جارة السوء لليمن ليس وليد أول يوم للعدوان قبل سبع سنوات أنما هو حقد دفين كانت هذه المذبحة هي أولى مؤشراته وبدايته!!

حدثت هذه المذبحة في السابع عشر من شهر ذو القعدة من العام “١٣٤١ه‍ “‍ في منطقة تنومة في عسير والتي كانت محل استراحة الحجاج حيث توقفوا فيها أمنون مطمئنون لا يحملون إلا سلاح الإيمان وثقتهم بالأمان الذي منحهم حكام آل سعود كونهم القائمين على الحج والمسؤولون عن تأمين الحجيج!  لم يكن هؤلاء الملبيين لنداء ربهم بالحج على علم بما قد حيك ضدهم من قبل” عبد العزيز بن سعود” وأياديه الوهابية التي حوطت تنومة من كل الاتجاهات إلا بعد أن أتم الحجيج صلاتهم وتناولوا غدائهم فاذا بالرصاص تنهال عليهم من كل حدب وصوب وبشكل كثيف استشهد الكثير منهم ومن تبقى منهم ذبحوهم بالخناجر والسكاكين بطريقة داعشية لا تفرق عن عمل داعش الحالي، وأما من نجا فهم من تظاهروا بالموت وسط بحر من الدماء.

ذكر الدكتور حمود الاهنومي في كتابه” مجزرة الحجاج الكبرى” وهو الذي أعاد عقارب التأريخ للإفصاح عن هذه المجزرة التي وراها آل سعود الثرى انها لم تكن مذبحة واحدة وإنما مذبحتين كانت الثانية في منطقة سدوان حيث ان القافلة انقسمت إلى فرقتين الأولى في تنومة والأخرى في سدوان وكان ضحيتهما ثلاثة ألف وخمسة حجاج وأما الناجين فعددهم كما جاء في كتاب الاهنومي فيقدر بخمسمائة شخص.

أما أسباب تلك المذبحة فقد تناولها المؤرخون من ثلاث جهات (سياسية وعقائدية ومادية).

فمن الناحية السياسيّة كانت بمثابة رسالة تهديد من بن سعود إلى الإمام يحي بن حميد الدين الذي كان لايزال يعتبر منطقة عسير هي منطقة يمنية بعد ان كان النظام السعودي قد ضمها بقوة السلاح إلى مملكته بينما الأمام يحيى كان متمسكا بها كيمنية لذلك كانت هذه الرسـالة بمثابة تهديـد وإجبـار للإمـام يحيـى  بإقرار الوضع الحالي كما هو عليه وبدون ادعاءات.

اما من الناحية العقائدية فقد كان للوهابية دور كبير فيها أولا بسبب تكفير الوهابيين لكل من يخالفهم رأيهم ومعتقداتهم ولذا فهم كانوا يعتبرون الحجاج مشركين ولابد من قتلهم، أيضا تأتي من باب الصد عن بيت الله الحرام ومنع إقامة فريضة الحج الذي وإلى اليوم لاتزال تمارس جرائم قتل للحجاج في كل عام كنوع من التخويف منه حتى وصلوا إلى منع الحج بحجة وباء كورونا!!

واما من الناحية المادية فكان ما يحمله الحجاج من أموال وبضائع تعد مبالغ كثيرة جعلت لعاب اولئك المجرمين يسيل فعمدوا إلى اعتراض قافلتهم حيث قدر ما كان في جعبة هذه القافلة بما يقدر “بأربعمائة ألف” ريال فرنسي وهي تعد مبالغا كبيرا قاموا بنهبة ونهب كل ما في القافلة حتى لم يتورعوا عن سرقة الملابس التي كان يرتديها هؤلاء الضحايا!!

وبعد ان وصل خبر المذبحة والتي لم ينجو منها الا القليل وادخلت الحزن إلى كل بيت يمني ما جعل الشعب اليمني يتلمظ غيظا، ويبدي استعداده ليـلَ نهـار لخـوض معركـة الانتـصاف مـن المعتـدين بـالنفوس والأموال، اما الإمام يحي فقد وضع بين خيارين إما أن يعلن النفير العـام وتجهيـز المقــاتلين وإرســالهم إلى معركــة بعيــدة المكــان، غير مأمونــة العواقب في ظـلِّ ظـروف داخليـة وخارجيـة غـير مـساعدة، أو الضغط على المعتدين سياسيا لإنصاف الضحايا، لا سيما وان كبـير نجد يعلن تأسفَه واعتذار وبنفس الوقت تنصله عنها والقـى بالمـسؤولية عـلى إخـوان الغطغط كما جاء في خطابه الرقيق المرسل للإمام كـل ذلـك سـحب بساط المواجهة العسكرية من يد الإمـام يحيى واراد ان يحلها بشكل سلمي وذلك لحرصه الشديد على وحدة الأمة الإسلامية!

وظل الإمام يحي يذكرها في كل المحافل والمؤتمرات إلى ان تولى بعده حكم اليمن رؤساء جعلوا من أنفسهم وبلدهم العوبة بيد آل سعود ومعهم عملوا على تغييب هذه الجريمة بشكل خبيث وممنهج!!

واذا ما نظرنا إلى هذه الحادثة سنجد حجم العداء الدفين الذي يحمله آل سعود لليمن وشعبه والممتد منذ ذلك الحين حتى وقتنا الحالي ونحن نراهم يشنون عاصفة عدوانهم الخبيث على اليمن بعد ان اصبح شعب اليمن واعيا بمدى كراهية النظام السعودي المتجذرة لليمن وخاصة بعد ان ظهرت مذبحة تنومة للعلن وبدأ العديد من الباحثين اليمنيين  يتحدثون عنها بالذات بعد المبادرة الخليجية والتي أظهرت مدى تدخل النظام السعودي بالشأن اليمني ومدى انصياع الأنظمة السابقة لها إلى الدرجة التي جعلت هذه الأنظمة تعمل على وأئد هذه المذبحة ثقافيا وتربويا واكاديميا وحتى اجتماعياً ولم يتجرأ احد على الحديث عنها او ذكرها حتى في المناهج الدراسية السبب الذي جعلنا نحن اغلب اليمنيين لانعرف عنها شيء حتى ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر التي ابطلت مشاريع آل سعود الاستعمارية لليمن وبسببها قامت السعودية بشن عدوانها على اليمن !!

ولأن بعض التأريخ لا يموت مهما حاولوا أماته فقد وصلت الينا هذه المذبحة التي يعلن اليمنون أنها جريمة لابد من محاسبة النظام السعودي عليها وستضاف إلى قائمة ثأرنا مع آل سعود ليتيقن المزايدون والمسبحون بحمد سلمان وآل سعود أن عدائهم لنا ازلي وليس وليد العدوان ولابد من محاسبة هذا النظام السرطاني الذي ينخر في اليمن والامة العربية حتى يذهب الى غير رجعة..

Loading