مقال الاسبوع

كيف نعيد للشعب اعتباره

المستشار/عبد العزيز البغدادي*

ما يجري في اليمن عدوان وحرب ، وتحالف العدوان غذى الصراعات الأهلية ومولها ومستمر في تمويلها  ،  وانكشاف اليمن سياسيا وامنياً واقتصادياً على النحو الذي جرى ويجري وإهدار دم ابنائه تقع مسؤوليته على من حكموا ومن هم في الحكم الآن وعلى من يطلقون على انفسهم أحزاب المعارضة لأن المعارضة مسؤولية وليست مجرد فرقعات كلامية أو تغاريد استعراضية  تطلق في الهواء وكذلك على من يطلق عليهم بالنخبة عموماً ، ولا يمكن إخلاء مسؤولية الشعب أيضا  لأنه مصدر جميع السلطات والمسؤوليات ، إلا أن كل مسؤولية تقدر بحجم ما بيد المسؤول من قرار ، وفي نظري يمكن ترتيب المسؤولية عما جرى ويجري في اليمن على النحو الآتي :

1- على من بيده القرار السياسي والتنفيذي المباشر أياً كانت الوسيلة التي وصل بها إلى موقع القرار، والقسط الأوفر من هذه المسؤولية  تقع على من يسمون أنفسهم السلطة الشرعية، لأنها قبلت أن يستخدمها العدوان مطية لتحقيق أجندات ألحقت باليمن أضرارا فادحة وكانت او قبلت أن تكون  جزءاً من لعبة سياسية قذرة أوصلت اليمن إلى حالة الدولة الفاشلة  نتيجة سلسلة من الممارسات الفاسدة والاستهانة بالموقع الأول في السلطة الذي وصل إليه من يصعب أن يصدق وتم التلاعب بهذه السلطة وفق سيناريوهات متتابعة ومتجددة  نتج عنها فراغ سياسي واضح المعالم استغلته السعودية ومن هندس لهذا الفراغ ومن تحالف معها أو شاركها .

2- العدوان لما قام به من جرائم يتحمل كامل المسؤولية عنها لأن ما قام به تدخل في سيادة دولة مستقلة ومخالف مخالفة صارخة لميثاق الأمم المتحدة، وإذا افترضنا أن ما قام به كان بناء على طلب ممن يسميه تحالف العدوان  الرئيس الشرعي وهو ما كذبه فإن العذر أقبح من الذنب محاولة تبرير تدخلها وعدوانها المعلن والسافر وهو في الواقع ليس سوى جزء من تأريخ طويل  من التدخلات والاعتداءات التي لم تتوقف منذ تأسيس مملكة آل سعود استبيحت خلالها الدماء والأعراض وانتهكت بسببها سيادة اليمن بصورة لا مثيل لها في التأريخ

3-  سلطة الأمر الواقع أنصار الله والانتقالي والحراك أيضا،  إذ أن سلطة الأمر الواقع ليست سلطة ترفيه بلا مسؤولية ولكنها سلطة معترف بها في القانون الدولي وعليها مسؤوليات  انتقالية شبيهة بمسؤوليات حكومة تسيير الاعمال محددة ومطالبة بالعمل على بذل أقصى الجهود لإخراج الشعب مما يعانيه من أزمات معيشية واقتصادية وأمنية وغيرها وليس لها أن تتذرع بأي ذريعة كالعدوان والحصار وانعدام الموارد أو ضعفها لأنه لا توجد سلطة بلا مسؤولية ، فمن يعتلي سلطة الحكم يصبح مسؤولاً مباشرة أمام  صاحب السلطة وهو الشعب وعليه أن يكشف الحقائق أمامه واشراكه في اتخاذ القرار لأن حكم أي شعب مصدره مدني علمي وليس ديني غيبي والخلط بينهما سبب رئيس لضياع المسؤولية والإساءة إلى الدين باسمه.

4- الشعب لأن مسؤوليته لا تنتهي بمجرد انتخابه سلطة وان كانت انتخابات حرة ونزيهة فرضاً بل لابد أن يكون الشعب دائم الحيوية في التمسك بحقه في الرقابة الشعبية لأن الطاعة العمياء لأي سلطة انتخبت أو قفزت اليها إنما هي من سمات الشعوب الميتة!

إن على الحكام السابقين واللاحقين كجزء من مسؤولياتهم الاعتراف بما اقترفوه من أخطاء خلال توليهم السلطة للاستفادة منها وهذا جوهر الفائدة من قراءة التأريخ أما التغني بأمجاده فلا يعدوا كونه تخديراً وتزويراً للحقائق، ومن خلال بعض متابعاتي وجدت أن الرئيس علي ناصر محمد  والمرحوم محسن العيني والمرحوم محمد علي هيثم من الشخصيات التي قدمت بعض ما يعد خطوة إيجابية في قراءة التأريخ السياسي الذي شاركوا في صنعه وقدم الرئيس علي ناصر ما يشبه النقد الذاتي لما حصل من صراع على السلطة في الجنوب وكذلك المرحوم محمد علي هيثم في لقاء هام نشر في صحيفة الثورة و26سبتمبر بعد الوحدة المغدورة بحرب 1994م.

وبعد لقد بلغت معاناة الشعب اليمني درجة يصعب وصفها فأين الحكمة اليمنية القادرة على وقف هذا العدوان الوقح والحروب التافهة التي تحصد أرواح اليمنيين وكل الممارسات الهمجية أيا كان مرتكبوها التي تجعل الموت برنامجاً يومياً في الحياة البائسة لليمن السعيد! هذا هو الطريق الذي أرى أنه يعيد للشعب اليمني اعتباره.

………………………………………….

*النائب العام الأسبق للجمهورية اليمنية-صنعاء.

Loading