كتابات

حيازة المراهق العامة

تعليق على حكم

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين*

المراهق العامة هي الجبال والهضاب والاحراش والمنحدرات والسوائل العظمى وغيرها، وهي مملوكة للدولة حيث ينتفع بها منفعة مشتركة عامة المواطنون بالرعي أو الاحتطاب أو غير ذلك، فالانتفاع بها يكون في الأصل انتفاعاً مشتركاً فلا يستأثر بالانتفاع بها مواطن ويحرم غيره من الانتفاع بها.

غير انه في بعض الأحيان يجوز للدولة أن تأذن لبعض المواطنين بحيازة  مساحة محدودة من المراهق العامة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-3-2018م في الطعن رقم (60101)، الذي جاء في أسبابه ((فمناعي الطاعن مردودة بما عللت به الشعبة مصدرة الحكم المطعون فيه: بان الثابت من أدلة المطعون ضده ان المطعون ضده هو من قام بالبناء على الأرض محل الخلاف ووضع يده عليها وقام بالرجوع إلى الممثل القانوني للدولة وتملك الأرض، لان الثابت من شهادات الشهود ان الأرض محل النزاع والأراضي المجاورة لها هي ملك الدولة، فهي مراهق عامة مملوكة للدولة حسبما هو مبين في الحكم الجنائي  الذي استند اليه المطعون ضده)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية المراهق العامة:

وفقاً للمادتين (2 و 6) من قانون أراضي وعقارات الدولة فان المراهق العامة هي الجبال والاكام والمنحدرات التي تتلقى مياه الأمطار وتصريفها والسوائل العظمى التي تمر عبرها مياه السيول المتجمعة من سوائل فرعية. وتقرر المادة (44) من قانون أراضي الدولة انه يحق لكافة المواطنين الانتفاع المشترك بالمراهق العامة سواء بالرعي أو بالاحتطاب ولا يجوز للدولة الاخلال بهذه الحقوق إلا لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة، وقد كفل هذا النص حق المواطنين بالانتفاع المشترك بالمراهق العامة على نحو مشترك باعتبار المراهق العامة من أهم مظاهر الملكية العامة للمجتمع.

الوجه الثاني: الانتفاع المشترك للمواطنين بالمراهق العامة:

سبق القول ان المادة (44) من قانون أراضي الدولة قد كفلت للمواطنين جميعا  حق الانتفاع المشترك بالمراهق العامة سواء بالرعي أو الاحتطاب أو غيره ،وان المادة ذاتها تصرح بانه لا يجوز للدولة الاخلال بهذه الحقوق على النحو السابق بيانه، والانتفاع المشترك بالمراهق العامة يكون للكافة من غير اختصاص أو استئثار بعضهم بالمراهق  دون غيرهم  أي انه ينبغي ان لا يترتب على انتفاع فرد أو جماعة بالمراهق العامة منع غيرهم من المواطنين من الانتفاع بالمراهق العامة، وهذا يقتضي انه لا يجوز للدولة أو لأي من المواطنين ان يقوم بأية اعمال أو تصرفات أو إجراءات من شأنها منع المواطنين الاخرين  من الانتفاع بالمراهق العامة، ويدخل ضمن ذلك التحجر أو الاحياء أو البناء في المراهق العامة، لان من شأن هذه التصرفات تعطيل أو انتقاص الانتفاع المشترك للمواطنين الاخرين  بالمراهق العامة.

الوجه الثالث: حيازة المواطن لمساحة محدودة من المراهق العامة:

حيازة الفرد أو بعض الافراد لمساحات  من المراهق العامة لا شك ان في ذلك  التصرف تعطيلاً أو انتقاصاً للانتفاع المشترك للمواطنين كافة بالمراهق العامة، وهذا هو الأصل حسبما نصت المادة (44) من قانون الأراضي  حسبما سبق، ولكن هذا الأصل ترد عليه بعض الاستثناءات المتعلقة بالمصلحة العامة حسبما نصت عليه أيضاً المادة (44) التي صرحت بانه لا يجوز للدولة الاخلال بحقوق المواطنين في الانتفاع المشترك بالمراهق العامة إلا لاعتبارات متعلقة بالمصلحة العامة – واعتبارات المصلحة العامة معيار واسع تندرج ضمنه تطبيقات كثيرة منها وجود مصلحة عامة أكبر من الرعي والاحتطاب كالتنقيب واستخراج الثروات من باطن الأرض أو شق الطرقات وبناء المشاريع الخدمية العامة، وفي بعض الحالات قد تجد الدولة ان من المصلحة العامة تمليك بعض الافراد مساحات محدودة من المراهق العامة، ولذلك نصت  لائحة أراضي الدولة  على جواز قيام هيئة الأراضي بتمليك ابناء الشهداء أو الشباب مساحات معينة من الأراضي البور لاستصلاحها وزراعتها، غير ان قيام الدولة بتمليك أو تأجير بعض الأشخاص مساحات من المراهق العامة مشروط بعدم تعطيل حق المواطنين الاخرين في الانتفاع المشترك، ولذلك لا يجوز للدولة ان تملك المواطن أو بعض المواطنين الرهق العام كاملاً لان ذلك يعطل بالكلية الحق العام المشترك في الانتفاع بالرهق العام.

Loading